دفاع عن الإمام البخارى وجامعه الصحيح
د. عمر نجار على عبد الحافظ
الأستاذ المساعد بقسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط
العودة لصفحة المؤتمر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذى أنزل كتابه وحفظه، وأرسل رسوله وعصمه، وقيض لسُنته رجالاً عرفوا قدرها، فقاموا بخدمتها خير قيام، وذلك على مر الأيام والأعوام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفضل بالإنعام، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذى بلغ ونصح وعلم، فبلغ فى ذلك حد التمام.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين الكرام.
أما بعد: فهذا بحث أتقدم به للمؤتمر الأول لخدمة السنة النبوية، والذى تقيمه جمعية المكنز الإسلامى، بالتعاون مع شركة تراديجيتال لتحديث الأنظمة الرقمية، تحت رعاية الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف فضيلة الأستاذ الدكتور/أحمد الطيب، أرد فيه على محاولة أراد صاحبها أن يطعن فى البخارى، وأن يقدح فى صحيحه، وأصل هذه المحاولة كتيب صغير يقع فى ثلاث وأربعين صحيفة من القطع الصغير، يحمل عنوان: " البخارى وصحيحه "، مؤلفه يدعى الشيخ حسين غيب غلامى، ترجمة: كمال السيد، وهو صادر عن مركز الأبحاث العقائدية بإيران، وهو ضمن سلسلة الندوات العقائدية.
وأصل الكتيب محاضرة ألقيت ضمن عدة محاضرات نظمها مركز الأبحاث العقائدية، وقد أشار مقدمه: " فارس الحسون " إلى أن المركز بادر إلى اتخاذ منهج ينتظم على عدة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامى الشيعى على أوسع نطاق ممكن، ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائدية المختصة باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكريها المرموقين، والتى تقوم على الموضوعات الهامة وتطرح الرأى الشيعى المختار.
وقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتًا وكتابة، ويجرى تسجيلها صوتًا وصورة، وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية فى شتى أرجاء العالم، ثم الخطوة الثالثة تتمثل فى طبعها ونشرها(1).
وربما يبدو للنظر العاجل عدم أهمية هذا الرد، خاصة وأن البخارى فى عليائه لا تمسه هذه الافتراءات، ولا يناله شىء من تلك الادعاءات.
ولكن دفعتنى أسباب جعلت هذا الرد حتميًا، فأذكر منها:
1 - أن هذا الفكر خرج عن كونه خطابًا للعقل الشيعى، وعن كونه باللغة الفارسية إلى الخطاب العالمى وبكل اللغات.
2 - أن هذا الكتيب طبع فى مصر، وكتب طابعه فى ظهر صفحة العنوان: مركز الفجر للدراسات والبحوث والنشر والتوزيع، رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القومية المصرية 5691/ 2002م.
وقد وقعت فى يدى الطبعة الثانية لسنة 1423 هـ مما يدل على أنه يتكرر طبعه.
3 - أن هذا الكتيب على صغر حجمه اشتمل على شبه قد تلبس على غير المتخصص، وإن كانت عند المتخصص واهية.
4 - أن هذه السهام موجهة إلى صحيح البخارى: " رأس كتب السنة "، فإن حدث نَيْل منه فمن غيره أسهل.
وقد بدأ حسين غيب غلامى تمهيده بأن كُتب البخارى مصنفة إلى ثلاثة محاور: " فقهية ورجالية وكلامية " ثم ذكر مؤلفات البخارى التى تندرج تحت هذه المحاور، ثم أشار إلى أنه سيقسم حديثه فى مسألة البخارى إلى خمسة أقسام وهى:
الأول: عناوين الصحيح وأبوابه ورجاله وإسناده ورواياته.
الثانى: شخصية البخارى وسيرته الذاتية وموقفه فى علم الرجال ومنزلة مروياته.
الثالث: معارضة البخارى لفقه أبى حنيفة والأحناف وتناقضه كمحدث مع أهل الرأى حتى يمكن القول: إن كتبه الفقهية جميعًا إنما جاءت ردًا على أبى حنيفة.
الرابع: التأمل ودراسة تاريخ أهل الحديث فى القرون: الأول والثانى والثالث.
الخامس: أخبار اليهود والإسرائيليات التى تغلغلت فى أخبار المحدثين خاصة فى صحيح البخارى (2).
وسأسير بإذن الله تعالى فى هذا البحث وفق تقسيمه، يسبق ذلك وقفة معه فى تمهيده فإنه لم يخل من غمز وافتراء.
ولن أترجم للإمام البخارى فهو أشهر من أن أُعَرِّف به، ولن أتحدث عن جامعه الصحيح فليس هذا مجاله، إلا ما دعت الحاجة إليه فى رد هذه الافتراءات.
والله أسأل أن يجعل عملى خالصًا لوجهه، وأن ينفع به، إنه خير مسئول وأكرم مأمول.
وقفة معه فى التمهيد:
من المسلم به فى الأبحاث العلمية ألاَّ يسوق الباحث دعوى بغير دليل، وألاَّ يذكر قضية يريد أن يثبتها بدون حجة بينة، خاصة عند الخلاف وأثناء مواجهة المعارضين.
لكن حسين غيب غلامى بدأ تمهيده ضاربًا بهذه المُسلَّمة عرض الحائط، وراح يلقى الاتهام بدون دليل، فنراه يعتذر عن الاختصار فيقول: " لأننا لو بدأنا الحديث مثلاً فى صحيح البخارى، وتناولنا كلمته الأولى وهى: " حدثنا الحميدى " فقط، فربما استغرق منا ذلك سنة بلياليها لأن حدثنا الحميدى هى أساس المصائب"(3)
ولا ندرى ما المصائب التى تنتج عن: " حدثنا الحميدى " فهو كما قال الذهبى: " الإمام الحافظ الفقيه، شيخ الحرم، أبو بكر القرشى الأسدى الحميدى، صاحب المسند(4).
واسمه عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله، صفحته ناصعة بيضاء، وسيرته فى أعلى درجات الطهر والنقاء، أخذ عن أعيان المحدثين، وعلى رأسهم: سفيان بن عيينة الذى أكثر عنه وجَّود، ولزمه وأطال صحبته، قال الحميدى عن نفسه: " جالست سفيان بن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها"(5) وشهد له جهابذة المحدثين بالتمكن فى حديث ابن عيينة فقال أبو حاتم: " أثبت الناس فى ابن عيينة الحميدى، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة، وسئل عنه فقال: " ثقة إمام "(6).
وأخذ الحميدى عن كبارٍ غير ابن عيينة، فروى عن وكيع والشافعى والوليد بن مسلم وفضيل بن عياض، وغيرهم.
وتسابق الأعلام للأخذ عنه، فروى عنه مع البخارى الذهلى، وأبو زرعة الرازى، وأبو حاتم، ويعقوب الفسوى، وهارون الحمال، وخلق سواهم.
وعرف قدر الحميدى الأئمة من المحدثين والفقهاء فقال الإمام أحمد بن حنبل: "الحميدى عندنا إمام"(7).
وقال يعقوب الفسوى: " حدثنا الحميدى، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه " (8)، وقال الشافعى: " وما رأيت أحفظ من الحميدى، كان يحفظ لسفيان بن عيينة عشرة آلاف حديث " (9) كانت وفاته سنة تسع عشرة ومائتين(10).
فأى غضاضة فى أن يقول البخارى: " حدثنا الحميدى؟ ! وقد عرف البخارى للرجل قدره، فاستفتح جامعه بحديث: " إنما الأعمال بالنيات" (11) من رواية شيخه الحميدى، وقد عدل عن كل الشيوخ إليه، عدل عن عبد الله بن مسلمة الذى يرويه عن مالك الإمام (12)، وفى هذا يقول الذهبى بعد ذكر الحديث من طريق البخارى: " هذا أول شىء افتتح به البخارى صحيحه فصيره كالخطبة له، وعدل عن روايته افتتاحًا بحديث مالك الإمام إلى هذا الإسناد لجلالة الحميدى وتقدمه، ولأن إسناده عزيز المثل جدًا ليس فيه عنعنة أبدًا، بل كل واحد منهم صرح بالسماع له " (13).
ثم ندع هذه إلى أقسامه الخمسة ليظهر بفضل الله عز وجل وجه الحقيقة والصواب.
افتراءاته فى القسم الأول
بدأ هذا القسم بالإشارة إلى أن البخارى صنفه فى مدة تتراوح بين ستة عشر إلى ثمانية عشر عامًا، وأنه كان يغتسل ويتوضأ ويصلى ركعتين قبل أن يدون كل حديث فيه، وهذا يعنى أن كل ما يرد فيه من أحاديث لا يعتورها سهو أو نسيان أو خطأ (14)، ثم شرع فى محاولات الهدم.
المسألة الأولى: إدعاء أن البخارى لم يكمل الصحيح بنفسه:
زعم أن الإمام البخارى لم يكمل صحيحه فقال: " إن الصحيح لم يكتمل على يد مؤلفه محمد بن إسماعيل البخارى، وإنما اكتمل على يد اثنين من تلامذته: محمد بن يوسف الفَرَبْرى، ومحمد بن إبراهيم المستملي".
ويستدل على ذلك بما يلى:
1 - أنهما (الفَرَبْرى والمستملى) يصرحان بذلك قائلين: إنهما شاهدا فى الصحيح أوراقًا بيضاء " فأضفنا ".
2 - أن ابن حجر اعترف بوجود بياض فى صحيح البخارى وأنه أضيف إليه.
3 - توجد روايات يرد فيها محمد بن إسماعيل البخارى كحلقة فى سلسلة الرواة والإسناد، بمعنى أن يتحول إلى راوٍ للحديث فقط كما هو الحال فى كتاب العلم (15)
وللرد عليه نقول: إن دعوى أن البخارى لم يكمل صحيحه بنفسه واهنة كبيت العنكبوت، وما نقله هو عن البخارى: أنه جمعه فى مدة تتراوح بين ستة عشر إلى ثمانية عشر عامًا يرد عليه، فالبخارى أتم كتابه بنفسه، ثم أخذ يتحدث عن كيفية جمعه، وعن مدة جمعه، وعن الأحاديث التى أدخلها فيه، أليس هو القائل: "ما أدخلت فى كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح حتى لا يطول"(16).
لقد ختم البخارى كتابه بنفسه، وشاع ذكر هذا الكتاب فى الأجواء العلمية، وتسابق إلى روايته طلاب المدارس الحديثية، حتى أخذه عنه تسعون ألف راوٍ.
فقد ثبت عن الفربرى أنه كان يقول: " سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقى أحد يرويه عنه غيرى"(17).
وقد عقب الحافظ ابن حجر على هذا قائلاً: " أطلق ذلك بناء على ما فى علمه، وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن على بن قريبة البزدوى وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلاث مائة " (18).
وقد وصلت بعض الروايات فى حصر الآخذين عنه إلى مائة ألف، منهم كثير من أئمة الحديث كالإمام مسلم وأبى زرعة، والترمذى وابن خزيمة (19).
فماذا كانت تأخذ هذه الآلاف عن الإمام البخارى؟ هل كانت تأخذ كتابًا منقوصًا لم يكتمل بعد؟ أم أن الكتاب قد أتمه صاحبه وأعلن إتمامه وعرضه على كبار محدثى عصره (20)، فطار بذكره الركبان، وتسابق إلى أَخْذه وسماعه الأعيان.
نقول هذا مع علمنا أن مسألة عدم إتمام البخارى لكتابه لو صحت - ما قدحت فى البخارى، وما نقصت من قدر الصحيح، فكم من عالم بدأ ولم يتم، وكم سبقت المنية تحقيق الأمنية؟ ! حدث هذا كثيرًا جدًا، ومع ذلك أخذ الناس هذا القدر الذى تركه العالم دون تمام وانتفعوا به.
ولكن الشيخ/ حسين غيب أراد أن ينفذ من ذلك إلى شىء مهَّد له، وأَمْر بَيَّت له بليل، وهو أن تلاميذ البخارى أضافوا إلى الكتاب، وهذه أيضًا - لو صحت - فلا ضير أن يضيف التلميذ بعض مروياته إلى مرويات شيخه، ويجعل ذلك كله فى كتاب واحد - مع التمييز بين مروياته ومرويات شيخه فينتفع الناس بالجميع، أى ضير فيى ذلك؟ فكيف وهذه لم تصح كما أن سابقتها لم تصح؟ ! ثم نقف مع ما رآه أدلة على دعواه:
أولاً: قوله: " هما - الفَرَبرى والمستملى - يصرحان بذلك قائلين إنهما شاهدا فى الصحيح أوراقًا بيضاء " فأضفنا " ا هـ.
هكذا يأتى بالكلام محرفًا ومبتورًا ناقصًا غير تام، أما تحريفه ففى قوله: شاهدا فى الصحيح أوراقًا بيضاء " وصوابها: " وأشياء مبيضة منها تراجم لم يُثْبِت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يُترجِم لها ".
وهنا تظهر عدم أمانته فى النقل، وإلى أى مدى تصل به عصبيته ! مما لا شك فيه أنك مدرك لخطر التحريف وأثره السئ على البحث العلمى.
إن الفارق شاسع بين ما خطه هذا الرجل بقلمه، والذى يذكر فيه وجود أوراق كاملة بيضاء فى صحيح البخارى، وبين العبارة الصحيحة التى تذكر أن أشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئًا.
وأما البتر المتعمد والنقص المقصود فيتمثل فى وقوفه عند كلمة: " أضفنا " حذف المفعول ليذهب خيال القارىء بعيدًا، فيظن الظنون فيما أضيف لصحيح البخارى. هذا ما توهم الكاتب حدوثه، ولكن هيهات هيهات، وما أضعف هذه المحاولات، فقد تلقت الأمة صحيح البخارى بالقبول واطمأنت إليه، وهذا ما تتناقله الآن خَلَفًا عن سَلَف.
وتمام العبارة أو المفعول الذى حذفه: " فأضفنا بعض ذلك إلى بعض "، أى بعض الأحاديث غير المعنونة - أو المترجمة - إلى التراجم التى لا أحاديث تحتها.
ثم أنقل لك أيها القارئ الحصيف تمام العبارة التى هلهلها وصواب الألفاظ التى حرفها، فهى فى مقدمة الفتح من مقول إبراهيم ابن أحمد المستملى قال: انتسخت كتاب البخارى من أصله الذى كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفَرَبْرى، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يُترجم لها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض "(21).
وقول المستملى هنا: " فرأيت فيه أشياء لم تتم " هذا على حسب ظنه، أما صنيع البخارى فكله مقصود، ومما هو مُقرر لدى العلماء أن منهج البخارى فى تراجمه لا يلزم وتيرة واحدة، فمنها الظاهرة ومنها الخفية، وقد أشار النووى إلى شىء من هذا التنوع فى قوله: " ليس مقصود البخارى الاقتصار على الأحاديث فقط، بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها، ولهذا المعنى أخلى كثيرًا من الأبواب عن إسناد الحديث، اقتصر فيه على قوله: " فيه فلان عن النبى صلى الله عليه وسلم " أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقًا ؛ وإنما يفعل هذا لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التى ترجم لها، وأشار إلى الحديث لكونه معلومًا، وقد يكون مما تقدم، وربما تقدم قريبًا.
ويقع فى كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة، وفى بعضها ما فيه حديث واحد، وفى بعضها ما فيه آية من كتاب الله وبعضها لا شىء فيه البتة، وقد ادعى بعضهم أنه صنع ذلك عمدًا، وغرضه أن يبين أنه لم يثبت عنده حديث بشرطه فى المعنى الذى ترجم عليه.
ومن ثمة وقع فى بعض من نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب، فأشكل فهمه على الناظر فيه"(22).
فيفهم من كلام الإمام النووى أن مسألة الضم هذه حدثت من بعض رواة الصحيح لا من الجميع، وهى أيضًا غير مسلمة كما سنعلم.
فدعوى نقص الكتاب غير صحيحة، وكذلك زَعْم تَرْكِهِ بلا تبييض غير مسلمة، وفى هذا يقول الحافظ ابن حجر: " وربما اكتفى - أى البخارى - أحيانًا بلفظ الترجمة التى هى لفظ حديث لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرًا أو آية، فكأنه يقول: لم يصح فى الباب شىء على شرطى، وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض، ومن تأمل ظفر، ومن جَدَّ وَجَدَ"(23).
ويبدو أن هذه الدعوى ليست من بنات أفكار حسين غيب غلامى، ولكنه تلقفها - بدون إدراك - من غيره ولم ينظر إلى أجوبة العلماء عليها، فممن تعرض لذلك الإمام بدر الدين بن جماعة فى كتابه (مناسبات تراجم البخارى) حيث قال: " وضمن تراجم بعض الأبواب ما يبعد فهمه من حديث ذلك الباب، وأوقع ذلك بعض التباس على كثير من الناس: فبعضهم مصوب له ومتعجب من حسن فهمه، وبعض نسبه إلى التقصير فى فهمه وعلمه، وهؤلاء ما أنصفوا لأنهم لم يعرفوه، وبعض قال: لم يبيض الكتاب. وهو قول مردود، فإنه أسمع الكتاب مرارًا على طريقة أهل هذا الشأن، وأخذه عنه الأئمة الأكابر من البلدان.
وبعض قال: جاء ذلك من تحريف النساخ. وهو قول مردود فإنه لم يزل مرويًا من أئمة الحديث على شرطهم، من تصحيحهم له وضبطهم "(24) .
فكل هذه الدعاوى نشأت عن عدم فهم لصنيع أبى عبد الله، فاعترضوا اعتراض شابٍ غِرٍّ على شيخ مجرب أو مُكْتَهِل، وأوردها إيراد سعد وسعد مشتمل، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، كما قال الحافظ فى مقدمة الفتح (25).
ثانيًا: زعمه أن ابن حجر اعترف بوجود بياض فى صحيح البخارى وأنه أضيف إليه:
بعد كلامه السابق المتعلق بدعوى عدم اكتمال صحيح البخارى، وتدخل الرواة بالإضافة، قال: " فهذا ما نجده فى مقدمة فتح البارى التى فصل فيها ابن حجر، ولم يرد على ذلك، معترفًا بوجود بياض فى صحيح البخارى، وأنه أضيف إليه"(26).
الذى زعم وجوده فى الفتح ليس موجودًا فيه، وقد سبق نقل ما هو موجود فى مقدمة الفتح، وظهر الفارق بين الأصل والتحريف، إلا أننا نراه فى جرأة على الخلط واللبس يصف الحافظ ابن حجر بأنه اعترف بوجود بياض فى صحيح البخارى، وأنه أضيف إليه.
وقد مر بنا كلام الحافظ ابن حجر الذى يرد هذا الادعاء، والقارئ أنبل وأفطن من أن نعيده عليه مرة أخرى.
ثالثًا: قوله: " إننا نجد روايات يرد فيها محمد بن إسماعيل البخارى كحلقة فى سلسلة الرواة والإسناد، بمعنى أن المؤلف يتحول إلى راوٍ للحديث فقط كما هو الحال فى كتاب العلم"(27).
وفى الهامش كتب: " وما ورد فى كتاب " العلم " بما قال فيه: " حدثنا عبيد الله، وأخبرنا محمد بن يوسف الفربرى، وحدثنا محمد بن إسماعيل البخارى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: إذا قرىء على المحدث .... إلخ (28).
ولعدم الدراية بكتب السنة، وعدم معرفة مناهج المحدثين، ظن أنه قد جاء بأمر جلل، أو أنه وقع على صيد ثمين، وليس الأمر كذلك.
فما ذكر بعد هذا الإسناد ليس حديثًا، أو جزءًا من حديث، ولكنه قول لسفيان يبين فيه أنه إذا قرئ على المحدث لا بأس أن يقول " حدثنا "، وكأن الراوى عن الفربرى أراد أن يميز هذا الجزء عن سابقه، وقد نبه العلامة عبد السلام المباركفورى على علة التصريح بمثل هذا فى صحيح البخارى فقال: " يوجد فى صحيح البخارى عدة مواضع: " قال الفربرى " وهى المواضع التى يريد فيها الفربرى أن يذكر بعض الفوائد عن رواية إمام المحدثين، أو الإسناد، أو أن هذا القدر بلغ إليه بواسطة، ولم يسمعه من الإمام البخارى مباشرة " (29)
المسألة الثانية: تعدد نسخ البخارى:
بعد أن فرغنا من تفنيد زعمه حول مسألة اكتمال صحيح البخارى، ننتقل معه إلى مسألة أخرى يقول فيها: "وهناك مسألة أخرى هى: تعدد نسخ البخارى ؛ إذ يؤكد بعض المحدثين من أهل السنة وجود روايات نسبت إلى الصحيح لا توجد فى نسخه الأخرى "(30).
لقد انقلبت الميزة عنده إلى عيب، وتحول سبب المدح إلى داعٍ للقدح، فمِمَّا امتاز به كتاب البخارى على غيره، هذه العناية الفائقة من المحدثين والعلماء، فلم تُعن الأمة بكتاب بعد كتاب الله عز وجل مثل عنايتها بصحيح البخارى، وقد مر بنا قول الفربرى: " روى كتاب البخارى تسعون ألف رجل ".
فأى كثرة وأى تتابع تحقق فى رواية الجامع الصحيح؟!
ويبدو أن الفربرى كان الأسعد حظًا والأكثر حرصًا، والأدق رواية وأخذًا، فاتجهت الأنظار إليه، واجتمعت الكلمة عليه، فاستقر أمر المحدثين على روايته.
يقول ابن الأثير بعد ذكر عبارة الفربرى السابقة فى عدد رواة البخارى: " وكذلك لا يروى اليوم " صحيح البخارى " عن أحد سواه " (31)، ثم ذكر ابن الأثير سنده إلى الفربرى والذى يروى به الجامع الصحيح.
ومقصود ابن الأثير أنه لا يروى متصلاً بالسماع فى عصره إلا عن الفربرى، وإلا فقد استمرت الرواية عن غير الفربرى بالإجازة إلى ما بعد عصر ابن الأثير.
وقد روى عن غير الفربرى بالإجازة الحافظ ابن حجر، وأثبت ذلك فى مقدمة الفتح، وقال: " ومن رواة الجامع أيضًا ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفى، وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة، وكذلك حماد بن شاكر النسوى "(32).
ثم قال الحافظ ما وضح لنا كلام ابن الأثير: " والرواية التى اتصلت بالسماع فى هذه الأعصار وما قبلها هى رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربرى " (33).
فمن الفربرى؟ وما منزلته؟
هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفَربرى، بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وبعدها راء، هكذا ضبطها السمعانى (34) ونقل الذهبى (35) عن القاضى عياض والحازمى حكاية الوجهين - فتح الفاء وكسرها - وقال: الفتح أشهر، وفربر من قرى بخارى.
ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، قال الذهبى عنه: " المحدث الثقة العالم أبو عبد الله محمد بن يوسف.. راوى الجامع الصحيح عن أبى عبد الله البخارى، سمعه منه بفَرَبْر مرتين"(36)
وقال عنه السمعانى: " راوية كتاب الجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخارى عنه، رحل إليه الناس وحملوا عنه هذا الكتاب، وكان سمع على بن خَشْرَم (37) المَرْوَزى، روى عنه: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حَمُّويَة (38) السرخسى، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المُسْتَملى (39)، وأبو الهيثم محمد بن المكى الكُشْمِيهَنى (40)، وأول من روى هذا الكتاب عنه أبو زيد الفاشَانى(41)، وآخرهم رواية عنه: أبو على إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكُشَانى(42)"(43).
مات الفربرى سنة عشرين وثلاث مائة(44).
فتعددت طرق رواية الصحيح عن الفربرى، وفى هذا يقول القاضى عياض: " فأما رواية الفربرى فرويناها من طرق كثيرة منها طريق الحافظ أبى ذر عبد بن أحمد الهروى، وطريق أبى محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلى، وطريق أبى الحسن على بن خلف القابسى، وطريق كريمة بنت محمد المروزية، وطريق أبى على سعيد بن عثمان بن السكن البغدادى، وطريق أبى على إسماعيل بن محمد الكشانى، وأبى على محمد بن عمر بن شبويه(45)، وأحمد بن صالح الهمدانى، وأبى نعيم الحافظ الأصبهانى، وأبى الفيض أحمد بن محمد المروزى وغيرهم " (46)، ثم ساق القاضى عياض أسانيده إلى هؤلاء.
هذا هو الجامع الصحيح وهذه طريقة روايته، ولكن حسين غيب غلامى يقول: " يؤكد بعض المحدثين من أهل السنة وجود روايات نسبت إلى الصحيح لا توجد فى نسخه الأخرى.
هكذا يبهم هؤلاء المحدثين فمن هم؟ وأين قالوا ذلك؟ ثم يقول: " وجود روايات " بالجمع فليست كلمة واحدة، أو رواية واحدة، ومع ذلك نقول: أى ضير فى هذا طالما أنها وجدت وما فقدت؟ فهذه فائدة تعدد النسخ، وكثرة الآخذين، يستفاد للنسخة التى فات صاحبها شىء من النسخة الأخرى، وهذا من أوليات علم الرواية، ومقدمات تلقى النسخ.
ولكنه جعلها مسألة قادحة، ثم راح يعرض نماذج لذلك، ونحن سنصحبه من خلال نماذجه التى ساقها حتى نرى خطرها وعظيم أثرها !.
النموذج الأول:
قال: " فى استحباب الشرب بكأس النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ يورد ابن حجر قول البخارى: رأيت كأس النبي- صلى الله عليه وسلم - بالبصرة فشربت منه. وهذه ليست موجودة فى النسخة التى بين يديه، ويذكر وجودها فى نسخة القرطبى" (47).
وهذا الجزء الذى زعم عدم وجوده ليس حديثًا، وإنما هو حكاية لفعل الإمام البخارى، ونص كلام ابن حجر فى الفتح: " وذكر القرطبى فى مختصر البخارى أنه رأى فى بعض النسخ القديمة من صحيح البخارى: قال أبو عبد الله البخارى: رأيت هذا القدح بالبصرة وشربت منه، وكان اشترى من ميراث النضر بن أنس بثمانمائة ألف "(48).
ذكر ابن حجر ذلك فى شرح كتاب الأشربة باب الشرب من قدح النبى - صلى الله عليه وسلم - وآنيته وفيه: روى البخارى بسنده عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبى - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار (49)، قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فى هذا القدح أكثر من كذا وكذا "(50).
وعند البخارى فى فرض الخمس عن عاصم قال: رأيت القدح وشربت منه"(51).
ويبدو أن البخارى بعد رواية قول عاصم قال: رأيت هذا القدح بالبصرة وشربت منه. فسجله بعض الرواة عنه، وقيده عقب قول عاصم، وهذا ما أشار إليه القرطبى أنه فى بعض النسخ القديمة، أما الأكثر من الرواة فلم يفهموه على أنه رواية فلم يثبتوه.
النموذج الثانى:
قال: " وهناك أيضًا رواية: زنا قردةٍ فى الجاهلية ورَجْمِها، وقد وردت فى نسخ صحيح البخارى بزيادة ونقصان "(52).
ثم قال فى الهامش: " روى ابن الأثير فى " جامع الأصول" خ - عمرو بن ميمون قال الحميدى (53): حكى أبو مسعود - يعنى الدمشقى - أن للبخارى فى الصحيح حكاية من رواية حصين عنه، قال: رأيت فى الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم. كذا حكى أبو مسعود، ولم يذكر فى أى موضع قد أخرجه البخارى من كتابه، فبحثنا عنه فوجدناه فى بعض النسخ - لا فى كلها، قد ذكره فى أيام الجاهلية، وليس فى رواية النعيمى عن الفربرى أصلاً شىء من هذا الخبر فى القردة، ولعلها من المقحمات التى أقحمت فى كتاب البخارى، والذى قاله البخارى فى التاريخ الكبير: عن عمرو بن ميمون قال: رأيت فى الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة فرجموها، فرجمتها معهم " وليس فيه: " قد زنت "، فإن صحت هذه الزيادة فإنما أخرجها البخارى دلالة على أنَّ عمرو بن ميمون قد أدرك الجاهلية، ولم يبال بظنه الذى ظنه فى الجاهلية، هذا لفظ الحميدى فى كتابه (54). انتهى ما نقله/ حسين غيب من جامع الأصول (55).
ثم قال: " وترى فى هذه العبارة: خلو بعض النسخ فى عصر الحميدى من هذه الرواية، مع ما ترى فى النسخ الموجودة المطبوعة ورودها فى كتاب: " بدء الخلق " فى مناقب الأنصار باب أيام الجاهلية " (56).
وقد كفانى مُؤنة هذا الحافظ ابن حجر حيث قال: " وأغرب الحميدى فى الجمع بين الصحيحين فزعم أن هذا الحديث وقع فى بعض نسخ البخارى، وأن أبا مسعود وحده ذكره فى " الأطراف " قال: وليس فى نسخ البخارى أصلاً، فلعله من الأحاديث المقحمة فى كتاب البخارى، وما قاله مردود ؛ فإن الحديث المذكور فى معظم الأصول التى وقفنا عليها، وكفى بإيراد أبى ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربرى حجة، وكذا إيراد الإسماعيلى وأبى نعيم فى مستخرجيهما وأبى مسعود له فى أطرافه، نعم، سقط من رواية النسفى، وكذا الحديث الذى بعده، ولا يلزم من ذلك ألاَّ يكون فى رواية الفربرى، فإن روايته تزيد على رواية النسفى عدة أحاديث، وأما تجويزه أن يزاد فى صحيح البخارى ما ليس منه فهذا ينافى ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخارى فى كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه، وهذا الذى قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما فى الصحيح ؛ لأنه إذا جاز فى واحد لا بعينه جاز فى كل فَرْد فَرُدّ، فلا يبقى لأحد الوثوق بما فى الكتاب المذكور، واتفاق العلماء ينافى ذلك، والطريق التى أخرجها البخارى دافعة لتضعيف ابن عبد البر للطريق التى أخرجها الإسماعيلى " وقد أطنبت فى هذا الموضع لئلا يغتر ضعيف بكلام الحميدى فيعتمده، وهو ظاهر الفساد "(57).
فلله در الحافظ ابن حجر، وأكرم به من فارس فى هذا الميدان.
النموذج الثالث:
يحاول/ حسين غيب غلامى أن يثبت امتداد الأيدى إلى صحيح البخارى، فيذكر هذا النموذج الثالث الذى قال فيه:
" أخرج البخارى حديث: " ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"(58).
ثم راح يذكر كلام الأئمة، والذى يفيد صحة هذا الحديث، وأن لفظه " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ".
ثم قال: " وعلى كل ذلك قال ابن حجر فى فتح البارى (59) فى الاعتذار للبخارى عن عدم إخراجه: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية " ما لفظه: اعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدى فى الجمع، وقال: إن البخارى لم يذكرها أصلاً، وكذا قال أبو مسعود، قال الحميدى: لعلها لم تقع للبخارى، أو وقعت فحذفها.
قال ابن حجر: قلت: يظهر لى أن البخارى حذفها عمدًا، وذلك لنكتة خفية ؛ وهى: أن أبا سعيد اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبى - صلى الله عليه وسلم - فدل على أنها فى هذه الرواية مدرجة، والرواية التى بينت ذلك ليست على شرط البخارى، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبى هند عن أبى نضرة عن أبى سعيد، فذكر الحديث فى بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة، وفيه: فقال أبو سعيد: فحدثنى أصحابى، ولم أسمعه من النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية.
وابن سمية هو عمار، وسمية اسم أمه، وهذا الإسناد على شرط مسلم.
ثم قال - أى الحافظ ابن حجر -: وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، ففى مسلم والنسائى من طريق أبى سلمة عن أبى نضرة عن أبى سعيد قال: حدثنى من هو خير منى أبو قتادة. فذكره، فاقتصر البخارى على القدر الذى سمعه أبو سعيد من النبى - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره فى الاطلاع على علل الحديث "(60).
ثم قال حسين غيب: " وما يثير الدهشة أنه ومع كثرة المناقشات فى حذف رواية عمار المذكورة هو وجودها فى النسخ التى بين أيدينا، فمن أين مصدر ذلك إذن؟
ومن هنا يمكن القول أن ما يوجد بين دفتى البخارى وفى جميع مجلداته ليس كله من تصنيف محمد بن إسماعيل البخارى "(61)
ونجمل الرد عليه فيما يلى:
أولاً: نطمئن الشيعى ؛ فالحديث عندنا - نحن أهل السنة - صحيح فى أعلى درجات الصحة محكوم بتواتره، ذكره السيوطى فى كتاب: " قطف الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة "(62) بلفظ " تقتل عمار الفئة الباغية " عن خمسة وعشرين نفسًا من الصحابة.
وذكره الزبيدى فى " لقط اللآلئ المتناثرة فى الأحاديث المتواترة " (63) باللفظ السابق عند السيوطى، وقال: رواه من الصحابة أربعة وعشرون نفسًا " ثم ذكرهم.
وذكره الكتانى فى " نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (64) باللفظ السابق أيضًا ثم قال: " أورده فى الأزهار من حديث.. أربعة وعشرين نفسًا " ثم زاد آخرين.
ونزيده اطمئنانًا بأن علماء أهل السنة صرحوا بأن عليًا كان على الحق بناءً على هذا الحديث وغيره.
قال الحافظ ابن كثير: " وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أخبر - صلوات الله وسلامه عليه عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية، وقد قتله أهل الشام فى وقعة صفين، وعمار مع على وأهل العراق، وقد كان على أحق بالأمر من معاوية، ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم، لأنهم وإن كانوا بغاة فى نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال وليس كل مجتهد مصيبًا بل المصيب له أجران والمخطئ له أجر "(65).
وقال الحافظ ابن حجر: " وتواترت الأحاديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أن عمارًا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على أنه قُتِلَ مع على بصفين سنة سبع وثمانين "(66).
ثانيًا: ما نقله عن الحافظ ابن حجر عن الحميدى بشأن عدم وجود " تقتله الفئة الباغية " فى صحيح البخارى، فهذا خاص ببعض نسخ الصحيح.
قال ابن الأثير بعد أن ذكر كلام الحميدى: " والذى قرأته فى كتاب البخارى - من طريق أبى الوقت عبد الأول السجزى - رحمه الله من النسخة التى قرئت عليه وعليها خطه:
أما فى متن الكتاب فبحذف الزيادة، وقد كتب فى الهامش هذه الزيادة، وصحح عليها، وجعلها فى جملة الحديث، وأنها من رواية أبى الوقت هكذا، بإضافتها إلى الحديث، وذلك فى موضعين من الكتاب، أولهما: فى " باب التعاون فى بناء المسجد " من كتاب الصلاة ". والثانى: فى " باب مسح الغبار عن الناس فى السبيل " فى " كتاب الجهاد "، وما عدا هذه النسخة، فلم أجد الزيادة فيها، كما قاله الحميدى ومن قبله "(67).
وقال ابن رجب الحنبلى: " وقد وقع فى بعض " صحيح البخارى " زيادة فى هذا الحديث وهى: " تقتله الفئة الباغية " (68)، والنسخة التى شرحها ابن رجب ليس فيها هذه الزيادة.
وقال محقق فتح البارى (69) لابن رجب: " فى " ق " أشار بعلامة لحق بعد كلمة " عمار " وكتب فى الهامش: " تقتله الفئة الباغية " ولم يصححها، وأشار فى اليونينية إلى أنها ليست عند أبى ذر والأصيلى ".
صرح بوجود الزيادة محل الخلاف فى بعض النسخ الحافظُ ابن حجر، فقال: " وقع فى رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما، وكذا ثبت فى نسخة الصنعانى التى ذكر أنه قابلها على نسخة الفربرى التى بخطه زيادة توضح المراد، وتفصح بأن الضمير يعود على قتلته، وهم أهل الشام ولفظه: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم " (70)، ولكن الشيعى تغافل عن هذا الكلام ونقل ما بعده.
ثالثًا: دل كلام هؤلاء المتقدمين: ابن الأثير وابن رجب الحنبلى وابن حجر على وجود " تقتله الفئة الباغية " فى بعض نسخ صحيح البخارى، وعلى خطأ ما ذهب إليه الحميدى فى قوله عن هذه الزيادة: لم يذكرها البخارى أصلاً من طريقى هذا الحديث.
وإذا ما عرف كلام هؤلاء المتقدمين تزول دهشة الشيعى من وجود هذه الزيادة فى النسخ التى بين أيدينا، ويقع الجواب على تساؤله: من أين مصدر ذلك إذن؟
رابعًا: ذكر أن البخارى ترك أول الحديث تقية من المتعصبين، وليس هذا صوابًا، فأهل التقية معروفون وليس البخارى منهم، وقد أودع فى كتابه ما يرد هذه الفرية، ففى صحيح البخارى فى كتاب التفسير منه تفسير سورة براءة، فى باب قوله: " ثانى اثنين إذ هما فى الغار " (براءة 40) - من حديث يحيى بن معين، حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريح، قال لى ابن أبى مليكة: قلت لابن عباس: أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله، فقال: معاذ الله، إن الله كتب ابن الزبير وبنى أمية محلين، وإنى والله لا أحله أبداً"، فصرح البخارى هنا بقول ابن عباس فى وصف بنى أمية، وأدخله فى كتابه " الصحيح " الذى اختاره للمسلمين، وخلفُه يعمل به من بعده إلى يوم الدين، ولم يتأول ذلك ولم يضعفه، ولا عاب ذلك عليه أحد من أهل السنة، ولا تركوا ذلك تَقِيَّة،ولو كان البخارى يأخذ بالتقية، أو يحذف بعض الروايات مداراة، لَما أورد هذه"(71).
المسألة الثالثة:
يقول فيها: " والثالثة تتعلق بنفس الكتاب أيضًا، وهى مسألة تصحيحه، فالصحيح يعنى إطلاق الصحة على جميع رواياته، مع أن تخصيص الأكثر فى العمومات قبيحة، وفى الوقت الذى يؤكد فيه البعض خروج الأكثر أو القريب منها عن إطار الصحة وفيها: التعليقات والتراجم والشواهد والمقرونات.
وتعليقات البخارى - وهى على قسمين: تعليقات مجزومة معتبرة وتعليقات غير مجزومة - ليست معتبرة، وهكذا المتابعات والشواهد والتراجم والمكررات، وجميعها يشتمل على نصف الكتاب تقريبًا، وهذا العدد ليس قليلاً لأنه يشكل علامة استفهام كبرى، فهل يبقى صحيح البخارى على صحته بعد إخراج هذا الكم؟ (72).
وهذا كلام مشتمل على أغاليط، ومجرد ذكره دال على بطلانه عند من له أدنى معرفة بقواعد الحديث ومصطلحه، ومن له أقل دراية بصحيح البخارى.
ومع ذلك سنتعرض له ولنقاشه، لأننا ألزمنا أنفسنا بالرد على كل شبهة، وعدم ترك شىء منها حتى لا يظن هو ومن على شاكلته أن فى شبههم شيئًا يُعجز، وحتى لا يؤثر هذا الكلام على غِرٍ مبتدئ.
إن الشيعى هنا ينازع فى مسألة نفض الباحثون أيديهم منها، ورفعوا أقلامهم عن إعادة الكلام فيها ؛ ألا وهى مسألة صحة أحاديث البخارى فى كتابه " الجامع الصحيح "، لقد تلقت الأمة أحاديث الصحيحين بالقبول، واطمأنت إلى كل ما فيهما، نعم هناك أفراد اعترضوا على بعض الأحاديث، ولكن أجيب عن كل ما اعترض عليه.
ولكن الشيعى يريد أن يجادل فى ذلك، محاولاً أن يدخل من باب المعلقات فى " صحيح البخارى "، يحسب أنه أتى بجديد أو مفيد، وليته فعل، فما أتى بجديد ولا مفيد.
إنه يريد أن يذكرنا بأن الصحيح يعنى إطلاق الصحة على جميع رواياته، ثم يقول: " إن تخصيص الأكثر فى العمومات قبيحة.... ".
ونحن نقول له كان ينبغى - وأنت الباحث الفهم - أن تعلم بما سمى البخارى صحيحه، لا أن تكتفى بهذا الاسم الشائع بين العوام، لقد سمى البخارى كتابه: " الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه ".
ولهذه التسمية دلالات، منها أن موضوع صحيح البخارى الأحاديث المسندة، وهى تعنى الأحاديث التى إسنادها من راويها إلى منتهاها، وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم (73).
فعلى هذا لسنا فى حاجة إلى التخصيص بالأكثر فى العمومات، ولكننا نلتزم بهذا العموم: جميع ما فى البخارى من أحاديث مسندة فهى صحيحة.
هذا ما قرره الحافظ ابن حجر فى مقدمة فتح البارى ؛ حيث قال فى أول الفصل الثانى: " وتقرر أنه أى البخارى - التزم فيه الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثًا صحيحًا، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه" (74).
غير أن الشيعى يحاول إخراج أكثر صحيح البخارى عن إطار الصحة، فيقول: " فى الوقت الذى يؤكد فيه البعض خروج الأكثر أو القريب منها عن إطار الصحة وفيها التعليقات والتراجم والشواهد والمقرونات ".
من هذا البعض الذى أكد خروج الأكثر من صحيح البخارى عن إطار الصحة؟.
وما هو القاسم المشترك الذى جمع به الشيعى بين: التعليقات والتراجم والشواهد والمقرونات؟ وهى مختلفة فى معانيها. متنوعة فى سبب إيرادها، لا نرى قاسمًا بينها إلا رغبته فى الخلط واللبس.
ثم يقسم المعلقات عند البخارى إلى تعليقات مجزومة معتبرة، وتعليقات غير مجزومة ليست معتبرة، ثم يجعل هذا التقسيم منسحبًا على ما لا ينسحب عليه فيقول: " وهكذا المتابعات والشواهد والتراجم والمكررات ".
إن موضوع المناقشة والنوع الذى يمكن الاعتراض من خلاله هو المعلقات وهى تعنى: الأحاديث التى حذف من أول إسنادها راوٍ واحد أو أكثر على التوالى، ثم يُعْزَى الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته، واسْتُعْمِل المعلق أيضًا فى حذف كل الإسناد(75).
هذا هو معنى المعلق وهذا ما يمكن أن يتكلم فيه، وذلك بسبب الحذف فى الإسناد، إلا أن مجرد الاعتراض هو هدفه، ليس البحث عن الحقيقة والصواب، فهو يريد أن يضخم الأمر، فيعدد المصطلحات فى غير موضعها، فالقارئ فى ظنه لا يفهم معناها، فتراه يذكر الأنواع الخارجة عن إطار الصحة، وهى فى نظره التعليقات والتراجم والشواهد والمقرونات.
أما التعليقات فقد عرفنا، وأما التراجم فهى تلك العناوين التى جعلها البخارى للأحاديث التى يرويها فى الباب.
وأما الشاهد فهو: مجىء الحديث من رواية صحابى آخر، وغالبًا يكون بمعناه، وقد يكون بلفظه.
وأما المتابعة فتقع لمن دون الصحابى فيروى الحديث من طريق آخر مع اتحاد الصحابى فى أصل الحديث، وكما قال الحافظ ابن حجر: قد يسمى الشاهد متابعة أيضًا والأمر سهل(76).
وهذا النوع المتابعات والشواهد لا يدخل أصلاً تحت نوع الضعيف، فينبغى أن لا يذكر هنا لأن المتابع والشاهد قد يكون صحيحًا وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا.
ثم هو يقحم مصطلحين آخرين، وهما: المقرونات والمكررات، ولا أدرى ماذا يقصد بالمقرونات؟ فلا يوجد نوع من الأحاديث يسمى المقرون، وإن كان هذا المصطلح يستخدم كثيرًا عند الكلام على بعض رجال الصحيحين الذين تكلم فيهم، فعند البحث عنهم وعن أحاديثهم نجد أصحاب الصحيحين أخرجا عنهم مقرونين بغيرهم، فيقال أخرج عنه البخارى مقرونًا بغيره.
ثم يضيف الشيعى نوعًا آخر إلى الأنواع التى ينتقدها ويخرجها عن إطار الصحة وهو المكررات، وهذه أيضًا تدعو إلى العجب، فالمكررات هى الأحاديث التى يذكرها البخارى فى أكثر من موضع، فيكررها فى صحيحه لأسباب معلومة عند المحدثين.
فما علاقة المكررات بما يمهد له الشيعى؟ إنه يمهد لاستخلاص نتيجة خاطئة، وهى ضعف أكثر ما فى البخارى وخروجه عن إطار الصحة، فبعد تعديد هذه الأنواع والمصطلحات التى لا توجد علاقة بين أكثرها يصل به الزيف مداه وبطر الحق أقصاه، فيقول: " وجميعها يشتمل على نصف الكتاب تقريبًا، وهذا العدد ليس قليلاً ؛ لأنه يشكل علامة استفهام كبرى، فهل يبقى صحيح البخارى على صحته بعد إخراج هذا الكم "(77).
هكذا فى قفزة واحدة، وبجرة قلم متعجلة، يصل بالمأخوذ على البخارى إلى نصف الكتاب، ثم يراه يشكل علامة استفهام كبرى، والمحققون المنصفون لا يرون علامة استفهام أصلاً ؛ لا كبرى ولا صغرى.
ومن يراجع إحصاء الأئمة لأحاديث البخارى وعدهم للمعلقات منها يتبين مدى أمانته فى الإحصاء.
قال ابن الصلاح: جميع ما فى البخارى بالمكرر سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا " (78)، وتابعه النووى على هذا العد فقال فى تقريبه: " وجملة ما فى البخارى سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا " (79)، لكنه قيدها بالمسندة فى تهذيب الأسماء واللغات فقال: " جملة ما فى صحيح البخارى من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا بالأحاديث المكررة "(80).
أما الحافظ ابن حجر فقال: " جميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حررته وأتقنته سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثا فقد زاد على ما ذكروه مائة حديث واثنان وعشرون حديثًا "(81).
أما ما انتهى إليه عدُّ المحقق الشيخ/ محمد فؤاد عبد الباقى فهو سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة وستون حديثًا.
ترى ما نسبة الأحاديث المعلقة فى هذه الآلاف، وهل هى موصولة أم لا؟
ندع الجواب للخبير الأول بصحيح البخارى الحافظ ابن حجر، فبعد أن ذكر عدد المعلقات فى كل باب على حدة قال: " فجملة ما فى الكتاب من التعاليق ألف وثلاثمائة وأحد وأربعون حديثًا، وأكثرها مكرَّر مُخرَّج فى الكتاب: أصول متونه، وليس فيه من المتون التى لم تخرج فى الكتاب، ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثًا "(82)
إذًا كل ما فى البخارى من المعلقات موصول عنده إلا هذه المائة والستون، فهل هذه تمثل نصف الكتاب كما انتهى الشيعى فى زعمه؟.
فلنستحضر الآن العدد الكلى لصحيح البخارى، ولنقارنه بعدد المعلقات لنرى هذا الإجحاف الذى يسيل من قلم الشيعى.
ثم ماذا عن هذه المعلَّقات التى ليست موصولة عند البخارى؟ لقد وصلها شيخ الإسلام ابن حجر فى تأليف لطيف سماه " التوفيق "، وله فى جميع التعليقات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سماه " تغليق التعليق "، واختصره بلا أسانيد فى آخر سماه: " التشويق إلى وصل المهم من التعليق".
ولكن يبدو أن الشيعى لم يسمع بكل هذا، وظنَّ أنه سيطلع علينا بأمر مخبوء.
المسألة الرابعة:
يقول فيها: " والمسألة الأخرى فى هذا الكتاب وتطرح بعنوان: إشكال: وهى مسألة التراجم والعناوين الواردة تحت الصحيح... هناك مقولة مشهورة تقول: إن فقه البخارى يكمن فى تراجمه، وهذا يعنى أن فقاهة محمد بن إسماعيل البخارى تستكشف من هذا القسم، أى تحسب من اجتهاداته وآرائه الفقهية، ومن المحتمل أن يكون هذا صحيحًا أو غير صحيح (83).
عنون لهذه المسألة بعنوان " إشكال "، ثم ذكر أنه يعنى التراجم والعناوين الواردة فى الصحيح، ثم أورد هذه المقولة المشهورة: " فقه البخارى فى تراجمه ". ثم عقب بأن هذا من المحتمل أن يكون صحيحًا أو غير صحيح.
لقد أتى هذا الشيعى بعد ما يقرب من اثنى عشر قرنًا من الزمان مضت على شيوع صحيح البخارى وذيوعه، وتناول الأئمة له بالرواية والشرح والمدارسة والنظر، جيلاً بعد جيل، أتى بعد كل هذا ليقول عن فقه البخارى إنه من المحتمل أن يكون صحيحًا أو غير صحيح، وهل البحث العلمى تلقى فيه كلمة الاحتمال، ثم تترك هملاً بلا متابعة من دليل أو برهان؟ وما الذى أفدناه من احتماله المتأخر جدًا؟
إن فقه البخارى فاح أريجه لدى أساتذته وشيوخه قبل أقرانه وتلاميذه، وتتابعت الشهادات من الأئمة التى ترفع مكانة البخارى فى الفقه كما ترفعها فى الحديث، فها هو ذا الإمام أحمد الفقيه المحدث يقول عنه: " ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل" (84).
وقال نعيم بن حماد: " محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة " (85)، وقال على بن حجر: " أخرجت خراسان ثلاثة: أبو زرعة، ومحمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمى، ومحمد عندى أبصرهم وأعلمهم وأفقههم"(86).
هذا نظر علماء الأمة لفقه البخارى وتضلعه فى فهم الروايات، وقد بلغ إعجاب أبى مصعب أحمد ابن أبى بكر الزهرى بالبخارى أن فضله على أحمد بن حنبل فقال: " محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث من أحمد بن حنبل"(87)، فهل بقى فقه البخارى فى نظر الشيعى مجرد احتمال؟
ثم ما هو الإشكال الذى جعله عنوانًا لمسألته؟ إنه يراه فى المقولة المشهورة: " فقه البخارى فى تراجمه " ولا ندرى ما وجه الإشكال فيها، فتراجم البخارى لاقت اهتمامًا كبيرًا من الفقهاء والمحدثين، وذلك لما فيها من فوائد فقهية دلت على تمكنه فى الفقه وعنايته به.
يقول الحافظ ابن حجر متحدثًا عن صنيع البخارى فى صحيحه: " رأى ألاَّ يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفهمه من المتون معانى كثيرة فرقها فى أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام، فانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك فى الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة "(88).
ومن الواضح أن البخارى نفسه كانت له عناية بتراجم الأحاديث، فقد قال عبد القدوس بن همام: سمعت عدة من المشايخ يقولون: " حول البخارى تراجم جامعه بين قبر النبى - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، وكان يصلى لكل ترجمة ركعتين"(89).
لقد تلقف العلماء هذه التراجم، وتناولوها بالدراسة حتى أصبحت، وكأنها فن مستقل من فنون الحديث وعلومه.
المسألة الخامسة:
قال فيها: " والمسألة الأخرى التى ترتبط بذلك الكتاب هى العناوين التى لم يرد تحتها أى من الروايات، يعنى انحصارها فى الترجمة فقط دون وجود ذكر للرواية، ويعد هذا نقصًا فى الكتاب، وعادة ما يبرره البعض بأن البخارى يبتدئ عمله بإدراج العنوان أولاً فإذا وجد رواية سجلها وإلا فلا"(90).
يبدو أن الشيخ/ حسين غيب غلامى سريع النسيان عظيم الغفلة، وهذا الوصف أرفق به من التعمد وقصد المغالطة.
لقد سبق ذكر مضمون هذه المسألة فى المسألة الأولى حين صرح بعدم اكتمال الصحيح على يد مؤلفه، وهذا عين ما يهدف إليه هنا، وقد سبق مناقشة ذلك، وذكر توجيه العلماء لصنيع أبى عبد الله البخارى.
وبهذا نكون قد انتهينا من مناقشته فى القسم الأول، ونفرغ الآن إلى القسم الثانى.
افتراءاته فى القسم الثانى والرد عليها
فى التمهيد ذكر أن القسم الثانى فى: شخصية البخارى وسيرته الذاتية وموقعه فى علم الرجال ومنزلة مروياته، ثم عند الكلام على هذا القسم عنون له " شخصية البخارى "، ووضح فى هذا القسم أن الرجل يكتم الحسنة، وينشر ما توهم أنه سيئة.
لو أن باحثًا مختصرًا جدًا أراد أن يكتب فى شخصية البخارى وسيرته الذاتية وموقعه فى علم الرجال ومنزلة مروياته، ترى كم من الصفحات سيكتب، وكم من المداد يسكب؟ وحتى يتبين لك حجم الإنصاف عنده إليك ما قاله بتمامه:
قال: " شخصية محمد بن إسماعيل البخارى من وجهة نظر رجالية هناك توثيقات كثيرة له، كما ذكر أيضًا اسمه فى طبقات المدلسين، وتدليسه ورد على لسان جماعة من المحدثين منهم ابن حجر فى " طبقات المدلسين "، تبيين أسماء المدلسين " لسبط ابن العجمى، طبع فى كراس، ذكر فيه محمد بن إسماعيل البخارى وجماعة من مشايخه، وبالطبع هذا بحث رجالى فى أن تدليس الأئمة مُضِرٌّ أم لا، فيناقش فى محله "(91).
هذا كل ما كتبه تحت العنوان الضخم السابق، وجميع ما ذكره فى هذا القسم، ويبدو أن الرجل ذهب إلى كتب الرجال والتواريخ يقرأ ليتصيد شيئًا عساه أن ينتفع به، فلم يجد إلا الثناء العاطر، والمكانة السامية، والشذى الفياح، فانقلب إلينا وهو حسير.
انقلب وهو يطوى كل ما وجد فى قوله: " هناك توثيقات كثيرة له " ثم يرد فيها مسرعًا بقوله: " كما ذكر أيضا اسمه فى طبقات المدلسين... إلخ.
ولأنه يعرف كيف ذكر اسم البخارى فى طبقات المدلسين، ومدى قبول المحدثين لهذا، وأثر ذلك على شخصية البخارى ؛ لأنه يعرف ذلك تملص من مناقشته قائلاً " وبالطبع هذا بحث رجالى فى أن تدليس الأئمة مضر أم لا، فيناقش فى محله.
لقد حاول فى هذا القسم أن يغمز ويمضى، غمز البخارى بالتدليس، وعزا ذلك إلى جماعة من المحدثين منهم الحافظ ابن حجر.
فما التدليس؟ وما أثره على المحدث؟ وما طبقات المدلسين؟
قال ابن الصلاح: " تدليس الإسناد: أن يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهمًا أنه قد لقيه وسمعه"(92).
وقد اختلف العلماء فى أخبار المدلسين، هل تقبل أم ترد؟ والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه، وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو: سمعت، وحدثنا، وأخبرنا، وأشباهها فهو مقبول محتج به (93).
أما عن طبقات المدلسين فقد جعلها الحافظ ابن حجر خمس طبقات، وهى:
الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادرًا، كيحيى بن سعيد الأنصارى.
الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له فى الصحيح، لإمامته وقلة تدليسه فى جنب ما روى، كالثورى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة، كابن عيينة.
الثالثة: من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم كأبى الزبير المكى.
الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشىء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد.
الخامسة: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود، ولو صرحوا بالسماع، إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرًا كابن لهيعة (94).
وقد استمد الحافظ ابن حجر هذا التقسيم من شيخ شيوخه الحافظ صلاح الدين العلائى (95).
فهل ذكر البخارى فى المدلسين؟ وفى أى طبقة ذكر؟
لقد ذكر البخارى فى المرتبة الأولى والتى قال عنها العلائى: " من لم يوصف بذلك إلا نادرًا جدًا ؛ بحيث إنه لا ينبغى أن يُعَد فيهم" (96).
ذكر مع عبد الله بن وهب المصرى، والإمام مالك، وأبى نعيم، والدارقطنى، وآخرين.
ذكره الحافظ ابن حجر فى طبقات المدلسين وقال: " محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخارى الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله بن منده فى كلام له، فقال فيه: " أخرج البخارى: قال فلان وقال لنا فلان. وهو تدليس، ولم يُوافق ابن منده على ذلك، والذى يظهر أنه يقول فيما لم يسمع: قال، وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفًا: قال لى أو قال لنا، وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه "(97).
وقال فى النكت على كتاب ابن الصلاح: " وأما قول ابن منده: " أخرج البخارى " قال "، وهو تدليس، فإنما يعنى أن حكم ذلك عنده هو حكم التدليس، ولا يلزم أن يكون كذلك حكمه عند البخارى.
وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدى فى تسميته ما يذكره البخارى عن شيوخه تعليقًا " (98).
وقال ابن حجر أيضًا: " لا يلزم من كونه أى البخارى - يفرق فى مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسًا.
ومَنْ هذا الذى صرح أن استعمال " قال " إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملاً لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليسًا؟ لم نرهم صرحوا بذلك إلا فى العنعنة "(99).
فهل يبقى بعد ذلك وصف البخارى بالتدليس؟ وإن بقى على هذا النحو هل يضره؟.
ثم نزيدك أخى القارئ إيضاحًا بذكر توجيه العلماء لصنيع البخارى وسبب استخدامه " قال " " وقال لى " فى الرواية.
قال الإسماعيلى - صاحب المستخرج الذى صنفه على صحيح البخارى -: " كثيرًا ما يقول البخارى: قال فلان، وقال فلان عن فلان، فيحتمل أن يكون إعراضه عن التصريح بالتحديث لأوجه.
أحدها: أن لا يكون قد سمعه عاليًا، وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروى عنه، فيقول: قال فلان مقتصرًا على صحته وشهرته من غير جهته.
الثانى: أن يكون قد ذكره فى موضع آخر بالتحديث، فاكتفى عن إعادته ثانيًا.
الثالث: أن يكون سمعه ممن ليس هو على شرط كتابه، فنبه على الخبر المقصود بذكر من رواه، لا على وجه التحديث به عنه.
نقل عنه ذلك الحافظ ابن حجر، ثم عقب قائلاً: " ومن تأمل تعاليق البخارى - حيث لم تتصل - لم يجدها تكاد أن تخرج عن هذه الأوجه التى ذكرها الإسماعيلى، ولكن بقى عليه أن يذكر السبب الحامل له على إيراد ما ليس على شرطه فى أثناء ما هو على شرطه، وقد بينت مقاصده فى ذلك فى مقدمة تغليق التعليق، وأشرت فى أوائل هذه الفوائد إلى طرف من ذلك، وحاصله أنه أيضًا على أوجه:
أحدها: أن يكون كرره، وهذا قد تداخل مع الأوجه التى ذكرها الإسماعيلى.
ثانيها: أن يكون أوردها فى معرض المتابعة والاستشهاد لا على سبيل الاحتجاج، ولا شك أن المتابعات يتسامح فيها بالنسبة إلى الأصول، وإنما يعلقها وإن كانت عنده مسموعة ؛ لئلا يسوقها مساق الأصول.
ثالثها: أن يكون إيراده لذلك منبهًا على موضع يوهم تعليل الرواية التى على شرطه، كأن يروى حديثًا من طريق سفيان الثورى عن حميد عن أنس - رضى الله عنه ويقول بعده: قال يحيى بن أيوب عن حميد سمعت أنسًا - رضى الله عنه فمراده بهذا التعليق أن هذا مما سمعه حميد ؛ لئلاَّ يتوهم متوهم أن الحديث معلول بتدليس حميد.
فإن قيل: فلم لم يَسُقْه من طريق يحيى بن أيوب السالم من هذه العلة ويقتصر عليه؟
قلنا: لأن يحيى بن أيوب ليس على شرطه، ولو كان فالثورى أجلُّ وأحفظ، فنزل كلاً منهما منزلته التى يستحقها، ذاك فى الاحتجاج به، وهذا فى المتابعة القوية "(100).
افتراءاته فى القسم الثالث:
أستميحك عذرًا أيها القارئ الكريم، وأناشدك أن تصبر معى على مناقشة هذا القسم، فالشيخ/ حسين غيب يكثر المراوغة، ويكرر المحاولة، عساه أن يجد شيئًا يتعلق به.
جعل عنوان هذا القسم: " معارضة البخارى لفقه أبى حنيفة "، وقال: " يبحث فى هذه المسألة فقه أبى حنيفة، وخلافات أهل الحديث وأهل الرأى بهذا الخصوص " (101).
وأتبع ذلك بالحديث عن جذور مدرسة الرأى، وأنها ترجع إلى عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه الذى أخذ عنه تلميذه علقمة، فسار على خطى معلمه، ثم جاء بعد علقمة إبراهيم النخعى، وبعد إبراهيم حماد بن أبى سليمان، وبعد حماد جاء أبو حنيفة، ثم بدأ الشيعى سلسلة المغالطات وسنكشفها - بفضل الله عز وجل شيئًا فشيئًا.
تحين الفرص لغمز أبى هريرة رضى الله عنه:
بعد هذه الإشارة لجذور مدرسة الرأى يقول: " وقد صعد أبو حنيفة من اتجاه أهل الرأى فى دمجه الاجتهاد بالقياس. " ثم بعدها مباشرة يقول: " فمثلاً قوله: - إن أبا هريرة لم يكن مجتهدًا، وكان يسمع أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولا علم له بالناسخ والمنسوخ، وإذن فلم يكن مجتهدًا ولا طائل من وراء رواياته " (102).
نحن نعلم موقف الشيعة من أبى هريرة – رضى الله عنه ومن بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أما الإمام أبو حنيفة فيعرف قدر أبى هريرة وقدر الأصحاب جميعًا - رضوان الله عليهم - وحاشاه أن يقول عن أبى هريرة: ليس مجتهدًا ولا علم له بالناسخ والمنسوخ. فينتج عن ذلك طرح رواياته.
ولكن الشيعى يتصيد مقالة لبعض متأخرى الأحناف يصفون فيها أبا هريرة بأنه " عدل ضابط غير مجتهد، وجمهور الأحناف على خلافهم، قال ابن الهمام: " وأبو هريرة فقيه ". وقال الشارح محمد أمين المعروف بأمير بادشاة: " لم يعدم شيئًا من أسباب الاجتهاد، وقد أفتى فى زمن الصحابة، ولم يكن يفتى فى زمنهم إلا مجتهد، وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل ما بين صحابى وتابعى منهم ابن عباس وجابر وأنس وهذا هو الصحيح "(103).
إعلان للحرب على الحميدى شيخ البخارى:
فى تمهيده وصف قول البخارى: " حدثنا الحميدى " بأنها " أساس المصائب "، ثم قال: " ويعد الحميدى من أبرز ثقات المشايخ الذين اعتمدهم البخارى فى الرواية، وهناك امتياز للحميدى فى الصحيح ؛ حيث لا يتعدى الرواية عنه، وخلو الكتاب من مقدمة، والرواية عن الحميدى هى بمثابة افتتاحية للكتاب وخطبة له، كما يشرع كتابه: بسم الله... وبعدها حدثنا الحميدى "(104).
يلاحظ على مسائله وعرضه عدم الترتيب فهو يغمز هنا ويحاول أن يطعن هناك، ولكننا سنجتهد - بحول الله وطَوْله فى ترتيب الرد وتهذيبه.
أولاً: غمزه لكتاب البخارى بالخلو من المقدمة، وجعله الرواية عن الحميدى بمثابة افتتاحية الكتاب والخطبة له، وأنه شرع كتابه: بسم الله.... وبعدها: حدثنا الحميدى.
نقول: إن هذا ناتج عن قصور الفهم والسطحية، وإلا فصنيع أبى عبد الله البخارى فى أعلى درجات الفصاحة والبيان والإيجاز، ومتى كان أهل هذه الأعصر يطيلون فى مقدماتهم ويشرحون مقاصدهم؟ لقد كانوا يكتبون بإيجاز لأناس يفهمون الإشارات والتلميحات.
وقد أجاب العلماء عن عدم افتتاح البخارى كتابه بخطبة، ومن هؤلاء العلامة الشيخ محمد الخضر الشنقيطى فقال: " وأجيب عن عدم الإتيان بالخطبة بأن الخطبة الغرض منها الافتتاح بما يدل على المقصود، وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحى، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية، فكأنه يقول: قصدت جمع وحى السنة المتلقى من خير البرية على وجه سيظهر حسن عملى فيه من قصدى، وإنما لكل امرئ ما نوى، فاكتفى بالتلويح عن التصريح، وأجيب عن عدم الإتيان بالحمد والشهادة بأن الحديثين ليسا على شرطه، وإن سلمنا صلاحيتهما للحجة، فليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معًا، فلعله حمد وتشهد نطقًا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارًا على البسملة ؛ لأن القدر الذى يجمع الأمور الثلاثة ذِكْر الله، وقد حصل بها، ويؤيده أن أول شىء نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ}[سورة العلق ، الآية 1] ، فطريق التأسى به الافتتاح بالبسملة، والاقتصار عليها، لا سيما وحكاية ذلك من جملة ما تضمنه هذا الباب الأول، بل هو المقصود بالذات من أحاديثه.
وصنيع البخارى هو صنيع شيوخه، وشيوخ شيوخه، وأهل عصره، كمالك فى " الموطأ "، وعبد الرزاق فى " المصنف "، وأحمد فى " المسند "، وأبى داود فى " السنن "، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم فى ابتداء تصنيفه، ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة "(106).
ثانيًا: يريد الشيعى أن يصور لنا معركة حامية الوطيس بين البخارى وأبى حنيفة وخصومة لا تنتهى بين الإمامين الكبيرين، ويحتج على ذلك بوجود امتياز للحميدى فى الصحيح، وأن البخارى لا يتعدى الرواية عنه، وأن الرواية عنه بمثابة الافتتاحية للكتاب. " (107).
ونحن نقول له: إن استنتاجك غير صحيح، أما محاولاتك لإقناعنا بمعركة وخصومة بين البخارى وأبى حنيفة - مع علمنا أنك لا تميل إلى أبى حنيفة ولا إلى غيره من أئمة أهل السنة - محاولاتك هذه غير مجدية، وذلك لمعرفتنا بسيرة البخارى وتاريخه العلمى، فقد قرأ منذ صغره كتب ابن المبارك وهو من خواص تلامذة أبى حنيفة، ثم اطلع على فقه الحنفية وهو حدث كما أخبر عن نفسه (108).
ولذا كان الأحناف ضمن المتجاذبين للإمام البخارى من أتباع المذاهب الذين حاول كل فريق منهم نسبته إلى مذهبهم ؛ حيث ادعى الشافعية أنه شافعى المذهب، وكذلك الحنابلة. فقال صاحب فيض البارى - وهو حنفى المذهب -: " واعلم أن البخارى مجتهد لا ريب فيه، وما اشتهر أنه شافعى فلموافقته إياه فى المسائل المشهورة، وإلا فموافقته للإمام الأعظم ليس أقل مما وافق فيه الشافعى، وكونه من تلامذة الحميدى لا ينفع ؛ لأنه من تلامذة إسحاق بن راهويه أيضًا - وهو حنفى - فعده شافعيًا باعتبار الطبقة ليس بأولى من عده حنفيًا " (109).
وموافقة البخارى للإمام أبى حنيفة ومخالفة الشافعى – فى بعض المسائل - حقيقة واقعة أشار صاحب فيض البارى إلى مواضعها ونطلعك على شىء منها:
فى باب مسح الرأس مرة واحدة يقول صاحب فيض البارى: " جزم البخارى هنا بمذهب الإمام الأعظم - رحمه الله تعالى - وترك مذهب الشافعية، قال الحنفية: إن الإسباغ فى المسح هو بالاستيعاب ؛ لأنه لا يناسبه التثليث " (110).
وقال فى باب غسل المنى وفركه: " اختار المصنف - أى البخارى رحمه الله نجاسة المنى كما هو مذهب الحنفية، ووضع تراجم ثلاث تترى تدل على هذا المعنى، فذكر فيها غسله، كما ذكر غسل البول والمذى، وكذا فى الباب التالى، ولم يؤم إلى طهارته، وعده مع سائر النجاسات فى الباب الآتى " باب إذا ألقى على ظهر المصلى.. إلخ وفيه: وفى ثوبه دم أو جنابة - أى منى -، فعادل بين الدم والمنى وسوَّى بينهما، فدل على كونه نجسًا عنده " (111)
وفى باب " أهل العلم والفضل أحق بالإمامة " قال صاحب الفيض: " اختار - أى البخارى أيضا - مذهب الحنفية، وقدم الأعلم على الأقرأ، وهو رواية عن الشافعى - رحمه الله تعالى - أيضًا، وفى المشهورة عنه تقديم الأقرأ، وهو رواية عن أبى يوسف - رحمه الله تعالى - "(112).
أما تقديم الحميدى وامتيازه على غيره فإن كان له سبب فلجلالته وإتقانه، وليس فيه إعلان موقف من أبى حنيفة، فلم يفهم الأحناف أنفسهم من تقديم البخارى للحميدى موقفًا مناوئًا لأبى حنيفة، وعن تقديمه يقول البدر العينى - وهو حنفى المذهب -: فإن قلت: لِمَ قدَّم رواية الحميدى على غيره من مشايخه الذين روى عنهم هذا الحديث، قلت: هذا سؤال ساقط، لأنه لو قدم رواية غيره لَكان يقال لِمَ قدَّم هذا على غيره؟
ويمكن أن يقال: إن ذاك لأجل كون رواية الحميدى أخصر من رواية غيره، وفيه الكفاية على دلالة مقصوده، وقال بعضهم: قدم الرواية عن الحميدى لأنه قرشى مكى إشارة إلى العمل بقوله عليه الصلاة والسلام -: " قدموا قريشًا ولا تقدموها " (113)، وإشعارًا بأفضلية مكة على غيرها من البلاد، ولأن ابتداء الوحى كان منها، فناسب بالرواية عن أهلها فى أول بدء الوحى، ومن ثمة ثنَّى بالرواية عن مالك ؛ لأنه فقيه الحجاز، ولأن المدينة تلى مكة فى الفضل " (114).
نعم هناك خلاف فى المذهب بين الحميدى والبخارى وسائر أصحاب الحديث مع الإمام أبى حنيفة وسائر أصحاب الرأى.
فهما مدرستان فى التاريخ الإسلامى: مدرسة الرأى بالعراق وخاصة الكوفة، والمعروف عنهم التوسع فى الأخذ بالقياس، وافتراض المسائل التى لم تقع، والتفريع على الأصول، وكثرة الاستنباط، هذا بجانب الأصل الأول القرآن والسنة.
ومدرسة الحديث ومركزها بلاد الحجاز، وعرف عنهم التمسك بالحديث، والاعتماد على النصوص، والإمساك عن الخوض فى الفروع أو ما لا نص فيه.
وقد انتفع المسلمون بعلماء المدرستين، وازدان التاريخ الإسلامى بأعلامهما، وسعدت المكتبة الإسلامية بنتائج قرائح هؤلاء الأفذاذ.
هذا ما يقوله المنصفون، ونطق به العلماء المحققون، أما غير ذلك فلا تجده إلا فى عقل شُذَّاذ من الناس أمثال هذا الشيعى.
البدء بحديث الأعمال بالنيات يحمله أيضًا على أنه موقف من أبى حنيفة:
يقول الشيعى: " كما أن البدء برواية حديث " النيات " يؤكد ذلك ؛ لأن الأحناف يشكلون على هذا الحديث وشموليته فى أحكام العبادات والمعاملات، وقد كرر البخارى ذلك سبع مرات ليؤكد نافذيته فى المعاملات والنكاح وحتى فى الطلاق "(115).
يبدو أن الشيعى ملكى أكثر من الملك، يريد أن يعرفنا أنه حنفى أكثر من الأحناف فيفهم هذا الفهم من استفتاح البخارى بحديث «إنما الأعمال بالنيات» مع أن الأحناف أنفسهم لم يفهموا ذلك، وإليك ما قاله البدر العينى - المحدث الحنفى - عن سبب اختيار البخارى هذا الحديث لبداية كتابه، قال البدر - رحمه الل هـ: " أراد بهذا إخلاص القصد وتصحيح النية، وأشار به إلى أنه قصد بتأليفه الصحيح وجه الله تعالى، وقد حصل له ذلك حيث أعطى هذا الكتاب من الحظ ما لم يعط غيره من كتب الإسلام، وقبله أهل المشرق والمغرب، وقال ابن مهدى الحافظ: من أراد أن يصنف كتابًا فليبدأ بهذا الحديث. وقال: لو صنفت كتابًا لبدأت فى كل باب منه بهذا الحديث، وقال أبو بكر بن داسة، سمعت أبا داود يقول: كتبت عن النبى عليه الصلاة والسلام خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث فى الأحكام، فأما أحاديث الزهد والفضائل فلم أخرجها ويكفى الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: " الأعمال بالنيات " (116) " الحلال بين والحرام بين " (117)، " ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " (118)، " لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه "(119).
وقال القاضى عياض: ذكر الأئمة أن هذا الحديث ثلث الإسلام، وقيل ربعه، وقيل: أصول الدين ثلاثة أحاديث. وقيل أربعة. قال الشافعى وغيره: يدخل فيه سبعون بابًا من الفقه "(120).
هذه أسباب افتتاح البخارى جامعه بحديث «إنما الأعمال بالنيات»، وهذا ما نص عليه العلماء المنصفون، ولكن حسين غيب يزيغ عن هذا.
أما عن تكرار الحديث سبع مرات، فليس هذا التكرار لحديث «إنما الأعمال بالنيات» وحده، ولكن كرر البخارى غيره، وبعض ذلك أكثر من سبع مرات، فهل هذه الأحاديث أيضًا لإعلان موقف من أبى حنيفة؟ !!.
عود إلى شيوخ البخارى:
إن الشيعى غير مرتب فى أفكاره، وغير منظم فى عرضه، فيذهب بقارئه يمينًا ويسارًا فى تخبط عجيب، فبعد أن حاول النيل من الحميدى شيخ البخارى، انتقل إلى موضوع الحيل، ثم قال إن البخارى أورد لعن أبى حنيفة، ثم عاد مرة أخرى إلى شيوخ البخارى مقدمًا بين ذلك بتعريض سخيف بأبى عبد الله البخارى بسبب ديانة جده الثالث فقال: " إن آباء البخارى كانوا أحنافًا باستثناء جده الثالث الذى كان مجوسيًا فى الأصل "(121).
ونحن لا نرى أى داع للتنبيه على هذا هنا ثم نسأله: هل يعاب الرجل بديانة الأجداد؟ وإلا فماذا كان دين أجداد الإيرانيين؟ !
نعيم بن حماد ورواية البخارى عنه:
قال الشيعى: " من شيوخه نعيم بن حماد المروزى، ونعيم هذا كان من شيوخ البخارى بلا واسطة، وهو وضَّاع للحديث، يفعل ذلك من أجل تعزيز موقع السنة، فابن حجر ومعه الذهبى يقولان بأن نعيمًا المروزى وضاع للحديث فى تقوية السنة، وقد وضع الأحاديث نكاية بأبى حنيفة، وهى مزورة تفتقد إلى الصحة " (122).
هذا ما ادعاه على نعيم بن حماد: وضاع للحديث، فجعله فى الدرك الأسفل، وعزا ذلك إلى الحافظين المحققين الذهبى وابن حجر.
وأصل هذا الادعاء ما ذكره ابن عدى (123) قال: قال ابن حماد: قال غيره " كان نعيم يضع الحديث فى تقوية السنة وحكايات عن العلماء فى ثلْب أبى حنيفة مزورة كذب ".
ونقل هذا عن ابن عدى الحافظ المزى (124)، ثم نقل عنه قوله: " وابن حماد - وهو أبو بشر محمد بن أحمد الدولابى متهم فى ما يقوله لصلابته فى أهل الرأى ".
والصواب فى ذلك ما نقله ابن عدى (125) أيضًا والحافظان المزى (126) والذهبى (127) عن العباس بن مصعب أنه قال: نعيم بن حماد وضع كتبا فى الرد على أبى حنيفة، وناقض محمد بن الحسن، ووضع ثلاثة عشر كتابًا فى الرد على الجهمية ".
ونعيم بن حماد من أهل الصدق والديانة، إلا أنه ربما أخطأ فى حديثه، ولذا لم يخرج عنه البخارى إلا مقرونًا بغيره كما صرح بذلك الحافظ الذهبى (128).
فأين نسبة الذهبى وابن حجر الوضع إلى نعيم؟ لقد قال الذهبى عنه: " الإمام العلامة الحافظ "، وقال أيضًا: " نعيم من كبار أوعية العلم " ونظرًا للخطأ فى حديث الرجل قال الذهبى: " لا تركن النفس إلى رواياته " (129).
أما الحافظ ابن حجر فقال: " نعيم بن حماد الخزاعى المروزى نزيل مصر، مشهور من الحفاظ الكبار، لقيه البخارى، ولكنه لم يخرج عنه فى الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلَّق له أشياء أخر، وروى له مسلم فى المقدمة موضعًا واحدًا، وأصحاب السنن إلا النسائى، وكان أحمد يوثقه، وقال ابن معين: كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشىء فيخطئ فيه، وقال العجلى: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائى: ضعيف. ونسبه أبو بشر الدولابى إلى الوضع، وتعقب ذلك ابن عدى بأن الدولابى كان متعصبًا عليه ؛ لأنه كان شديدًا على أهل الرأى وهذا هو الصواب " (130).
وقال فى تهذيب التهذيب: " قال أبو الفتح الأزدى: قالوا: كان يضع الحديث فى تقوية السنة وحكايات مزورة فى ثلب أبى حنيفة كلها كذب، وقد تقدم نحو ذلك عن الدولابى، واتهمه ابن عدى فى ذلك، وحاشا الدولابى أن يتهم، وإنما الشأن فى شيخه الذى نقل عنه فإنه مجهول متهم، وكذلك من نقل عنه الأزدى بقوله قالوا: فلا حجة فى شىء من ذلك لعدم معرفة قائله، وأما نعيم فقد ثبتت عدالته وصدقه، ولكن فى حديثه أوهام معروفة، وقد قال الدارقطنى: إمام فى السنة كثير الوهم "(131).
ولهذه الأوهام أخرج عنه البخارى قليلاً مقرونًا بغيره كما سبق أن أشرنا.
عقيدة البخارى أيضًا لم تسلم من ادعاءات الشيعى:
أبى الشيعى إلا أن يحاول النيل من عقيدة شيخ المحدثين أبى عبد الله البخارى فقال: " ومسألة تأثر البخارى بشيوخه تصل إلى تبلور عقائده وأفكاره، فهو متأثر بكل من حسين الكرابيسى وابن كُلاَّب، كما نجد ذلك فى فتح البارى، وعندما نبحث فى ترجمة ابن كلاب نجده نصرانيًا بل رأس الكلابية، وهى فرقة من الفرق الكلامية.
وابن حجر يصرح بأن البخارى أخذ عقائده من هذين الشخصين، وكلاهما مجروح لدى أهل الرجال " (132).
إن ادعاءه على ابن كلاب أنه نصرانى ادعاء باطل، وكذلك قوله عن الكرابيسى وابن كلاب: كلاهما مجروح لدى أهل الرجال.
ولابد من الوقوف على ترجمة الرجلين، ومدى إفادة البخارى منهما، حتى نتبين صواب ما يقول:
أولاً: الكرابيسى (133) هو أبو على الحسين بن على بن يزيد البغدادى، سمع إسحاق الأزرق، ومعن بن عيسى، وتفقه بالشافعى، روى عنه: عبيد بن محمد البزار والحسن بن سفيان وآخرون.
قال الخطيب البغدادى: " كان فهمًا عالمًا فقيهًا، وله تصانيف كثيرة فى الفقه وفى الأصول تدل على حسن فهمه، وغزارة علمه " (134). وقال ابن عبد البر: " كان عالمًا مصنفًا متقنًا، وكانت فتوى السلطان تدور عليه، وكان نظارًا جدليًا " (135)، وقال الذهبى: " العلامة فقيه بغداد... صاحب التصانيف.. كان من بحور العلم، ذكيا فطنًا فصيحًا لَسِنًا، تصانيفه فى الفروع والأصول تدل على تبحره " (136)، قال الحافظ فى التقريب: " صدوق فاضل"(137) مات سنة خمس أو ثمان وأربعين ومائتين.
ثانيًا: ابن كلاب: وكلاب مثل خُطَّاف لفظًا ومعنى، بضم الكاف وتشديد اللام ؛ لُقب به لأنه كان لقوته فى المناظرة يجتذب من يناظره، كما يجتذب الكلاب الشىء (138).
وهو أبو محمد عبد الله بن سعيد القطان البصرى، أخذ عنه الكلام داود الظاهرى، وقيل إن الحارث المحاسبى أخذ علم النظر والجدل عنه أيضًا (139).
قال عنه الذهبى: رأس المتكلمين بالبصرة فى زمانه... صاحب التصانيف فى الرد على المعتزلة...
وكان يرد على الجهمية" (140)، وقال السبكى: " أحد أئمة المتكلمين.. وابن كلاب على كل حال من أهل السنة"(141)، أما اتهامه بالنصرانية فهى تهمة باطلة أجاب عنها الذهبى بقوله: " وقال بعض من لا يعلم: إنه ابتدع ما ابتدعه ليدُسَّ دين النصارى فى ملتنا، وإنه أرْضى أخته بذلك، وهذا باطل، والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة، بل هو فى مناظريهم"(142).
أما عن وفاته فقال الذهبى: " لم أقع بوفاة ابن كلاب وقد كان باقيًا قبل الأربعين ومائتين"(143).
هذه ترجمة الرجلين فليس فيها ما ادعاه الشيعى، أما عن أخذ البخارى عن الرجلين فلم أرها واضحة فى كتب التراجم فلم يذكرهما الحافظ المزى - مع استيعابه فى شيوخ البخارى (144)، وعند الترجمة لهما لم أجد من نص على أن البخارى أخذ منهما اللهم إلا ما ذكره الحافظ ابن حجر فى ترجمة الكرابيسى حيث قال: " وذكر ابن منده فى مسألة الإيمان أن البخارى كان يصحب الكرابيسى" (145).
والذى فى فتح البارى لا يفيد الأخذ المباشر عنهما، وعبارة الحافظ فى الفتح يقول فيها: " الْبُخَارِى فِى جَمِيعِ مَا يُورِدُهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْغَرِيبِ إِنَّمَا يَنْقُلُهُ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْفَنِّ كَأَبِى عُبَيْدَةَ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا المباحث الفقهيه فغالبها مستمدة من الشَّافِعِى وَأبى عبيد وَأَمْثَالِهِمَا، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْكَلَامِيَّةُ فَأَكْثَرُهَا مِنَ الْكَرَابِيسِى وابن كُلَّاب وَنَحْوِهِمَا".
وعلى كل فالذى نستطيع أن نجزم به أن البخارى لم يخرج عن الرجلين فى الصحيح ولا خرج عنهما أحد من أصحاب الكتب الستة.
توجيه الشيعى فى آخر القسم الثالث:
فى أواخر القسم الثالث يقول: " من يريد قراءة أفكار البخارى ينبغى عليه أن يأخذ ما ذكرنا بنظر الاعتبار، يعنى يتعين عليه أولاً أن يتعرف شيوخه وطبيعة عقائدهم، وما هى أفكارهم، ومواقعهم لدى الخلفاء المعاصرين لهم، ومدى استقلالية اتجاههم الفكرى وعدم تأثرهم بمتبنيات وسياسية الخلفاء الفكرية" (146).
ونحن نقول له: لقد طالعنا وراجعنا فما وجدنا إلا خيرًا، ومن قبلنا نظر أئمة متقنون، واعتبر حُذاق فاهمون، فأقروا لأبى عبد الله بالفضل ولجامعه الصحيح بالتقدم على جميع المصنفات.
لقد دُرِس وبحث شيوخ البخارى شيخًا شيخًا، وقُرِئت أفكارهم، وعرفت عقيدتهم، وثبتت عدالتهم فليس فى حياتهم أو علاقاتهم شىء غامض أو غير معروف حتى يأتى الشيعى لينبهنا إليه.
افتراءاته فى القسم الرابع
جعل عنوان هذا القسم: " دراسة تاريخ أهل الحديث فى القرون الثلاثة "، وهو يريد أن يطعن فى تاريخ المحدثين السياسى، ويصفهم بالاقتراب من الخلفاء من أجل الانتفاع والعطايا.
وقد بدأ هذا الاتهام فى أواخر القسم الثالث ؛ حيث أكد - كما نقلنا عنه على ضرورة التعرف على شيوخ البخارى خاصة مواقعهم لدى الخلفاء المعاصرين لهم، ومدى تأثرهم بسياسة الخلفاء الفكرية.
ثم قال فى أواخر القسم الثالث: " من المستحيل البحث فى فقه وحديث أهل السنة دون التحقيق فى شكل العلاقة مع أجهزة الدولة والخلفاء "(147).
ثم دعا فى أواخر القسم الثالث إلى التركيز على الخليفة العباسى المتوكل الذى مارس سياسة اتسمت بالإرهاب والعنف.
ثم بدأ القسم الرابع بالتنبيه على دراسة أفكار البخارى وطبقة أهل الحديث تاريخيًا خاصة فى عهد المتوكل العباسى باعتباره أول من أظهر السنة ثم قال: " هو أول خليفة نقض سيرة آبائه وأجداده، فاستخدم طبقة من المحدثين، ووهبهم الجوائز والمرتبات المغرية فى الرد على المعتزلة والجهمية، فانتشرت فى عهده أخبار التجسيم والتشبيه، فكان البخارى فى طليعة من ضبط هذه الأخبار التى أخذها عن مشايخه دون واسطة.
فابنا أبى شيبة: محمد بن عبد الله بن محمد بن شيبة، وعثمان بن أبى شيبة هما أخوان ومن المكثرين فى رجال البخارى.
فهؤلاء من هذه الطبقة التى أغدق عليها المتوكل بجوائزه لوضع الأخبار فى الرد على أخبار المعتزلة والجهمية ؛ إذ جلسوا يحدثون الناس فى مسجد الرصافة ومدينة المنصور "(148).
ثم نقل عن الذهبى قوله: " إنه أشخص الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم: مصعب الزبيرى، وإسحاق بن أبى إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروى، وعبد الله وعثمان ابنا (149) محمد بن أبى شيبة، فقسمت بينهم الجوائز، وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ويحدثوا بالأحاديث التى فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث فى الرؤية".
حاول الشيعى - عبثًا - أن يصف المحدثين بالنفعية وطرق أبواب الخلفاء، والتأثر بسياسة السلاطين الفكرية، ودعا الشيعى إلى التركيز على شيوخ البخارى - ليهدم البخارى وجامعه من حيث موقعهم لدى الخلفاء المعاصرين لهم.
ولن نذهب بعيدًا، ولن نذكر غريبًا، أليس الإمام أحمد بن حنبل من شيوخ البخارى؟
ألم يسمع الشيعى بموقف الإمام أحمد الشامخ؟ ألم يطالع - وهو الذى يوصينا بقراءة التاريخ - ما لحق بالإمام أحمد من أذى بسبب ثباته على عقيدته وتمسكه بفكره؟ وقد كان بإمكان الإمام أحمد أن يعلو فوق الرءوس، وأن يحصل كل متاع دنيوى بسبب كلمة واحدة، ولكنه أبى أن يرضيهم، فَعَلاَ وسما بسبب صدقه وإخلاصه وثباته.
كيف أنكر الشيعى كل ذلك؟ وكيف يحاول أن يثبت فى أذهان الدهماء من الناس عكسه ونقيضه؟ !
ثم ماذا عن البخارى نفسه فى هذا المقام، والبخارى هو الذى يُقصد طعنه من وراء هذا الاتهام، لقد وصانا الشيعى بقراءة التاريخ فقرأنا، قرأنا والحمد لله قبل وصيته، ثم قرأنا بعد وصيته لنبين له إن لم يكن تبين.
قرأنا فوجدنا أن خالد بن أحمد الذهلى كان أميرًا على بخارى، فلما رأى الأمير السعى المتتابع من طلاب الحديث إلى الإمام البخارى، ولما شاهد علو نجم البخارى وارتفاع قدره، أراد أن يكون فى عداد الآخذين عنه ولكن على طريقة الأمراء والملوك - فطلب خالد بن أحمد الذهلى " الأمير " من البخارى " المحدث " أن يأتى إلى قصره لكى يدرسه وأبناءه صحيح البخارى والتاريخ، فماذا كان جواب محمد بن إسماعيل البخارى؟.
لقد خلَّد التاريخ هذا الجواب ؛ إذ قال لرسول الأمير: أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شىء منه حاجة فاحضرنى فى مسجدى أو فى دارى.
فعاود الأمير الطلب فى صورة أخف ؛ وهى أن يعقد مجلسًا لأولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع البخارى من ذلك أيضًا ؛ وقال: لا يسعنى أن أخص بالسماع قومًا دون قوم (150).
هذه سيرة المحدثين وسنتهم فى كل العصور، وطريقتهم مع كل الخلفاء والأمراء، ولكن ماذا عن هذا الذى أشار الشيعى إليه من صلة بين الخليفة المتوكل وجماعة من المحدثين، لقد ذكر الشيعى نفسه سبب هذا التواصل وهو أن الخليفة المتوكل كان أول من أظهر السنة، وذلك بعد محنة وظلمة.
وقد وصف الحافظ ابن كثير الخليفة المتوكل بقوله: " كان من خيار الخلفاء لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، فإنهم أساءوا إلى أهل السنة، وقربَّوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم "(151).
ثم قال عنه أيضًا: " أمر الناس ألا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل، واستدعاه من بغداد إليه، فاجتمع به فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيرًا فلبسها إلى الموضع الذى كان نازلاً فيه ثم نزعها نزعًا عنيفًا وهو يبكى رحمه الله "(152).
أليس القرب من هذا الخليفة فرصة ينبغى أن تهتبل حتى يصان عقله من سيطرة المبتدعين الذين سيطروا على أبيه وأخيه وعمه؟ أليس من الحكمة أن يُعان الرجل الذى أراد أن ينصر السنة ويقمع البدعة؟.
أما عن الجوائز والعطايا التى لم ير الشيعى فى الأمر غيرها، ولم يبرز فى عقله الضيق وفكره المحدود سواها، فهذه طريقة الخلفاء والأمراء مع من يقربونه، وقد أحس الرجل بجناية سلفه على أهل السنة فأراد أن يعوضهم وأن يقدم لهم الاعتذار العملى.
وموقف الإمام أحمد السابق من عطايا المتوكل يجسد فى صورة حية شخصية المحدثين وموقف علماء أهل السنة السامى.
ولكن الشيعى اتخذ الانتقاص مسلكًا، ورضى بقلب الحقائق سبيلاً، فهو هنا ينتقص المحدثين ويتهمهم بوضع الأحاديث فى الرد على أخبار المعتزلة والجهمية، مع أنه نقل عبارة الذهبى التى تقول: " ويحدثوا بالأحاديث التى فيها الرد على المعتزلة والجهمية ".
رمى الشيعى شيوخ البخارى بالوضع وهم الذين عاشوا حربًا على الوضع والوضاعين ووهبوا حياتهم للسنة يميزون بين الطيب والخبيث، ويفصلون بين الجيد والردىء.
ورمى البخارى بأنه كان فى طليعة من ضبط أخبار التجسيم والتشبيه التى أخذها عن مشايخه دون واسطة، وموقف البخارى وشيوخه وأهل السنة جميعًا من المشبهة والمجسمة معروف مشهور، ومؤلفاتهم فى الرد عليهم وكشف ضلالهم ناطقة بتزييف ما ادعاه الشيعى، فنعوذ بالله من زيغ القلوب واتباع الهوى.
افتراءاته فى القسم الخامس
عنون لهذا القسم بعنوان: " الإسرائيليات فى صحيح البخارى "، ولأنه يعلم ضخامة الفرية، وفداحة الادعاء، قدم له بما عساه أن يخفف وقعه على القارئ فقال: " للوهلة الأولى يبدو الموضوع مدهشًا لا يصدق، فهل يمكن لكتاب يورد لعنًا فى بعض أبوابه لليهود والنصارى أن يتضمن ترويجًا لهم فى بعض أبوابه؟ "(153).
ثم ساق الأمثلة التى يراها تؤيد قوله، ونحن نوردها مصحوبة بالجواب عما استشكل فيها:
1 - قال الشيعى: (154)" فى كتاب الذبائح نسب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أكل لحوم ما ذبح على الأصنام، فروى: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز - يعنى ابن المختار - أخبرنا موسى بن عقبة قال: أخبرنى سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه لقى زيد بن عمرو بن نُفَيل (155) بأسفل بلدح (156)، وذاك قبل أن يُنَزَّلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم - الوحى، فقدَّم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفرة (157) فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إنى لا آكل مما تذبحون على أنصابكم (158)، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه"(159).
ولنا عليه ملحوظات وأجوبة:
أولاً: لحاجة فى نفسه أغفل أمرًا مهمًا فى الحديث، وأطلق كلامه فيما نسب للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: نسب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أكل لحوم ما ذبح على الأصنام، مع أن الحديث مقيد بحكاية واقعة قبل البعثة، ومما لا شك فيه أن الاختلاف كبير بين الموقفين.
ثانيًا: أغفل عامدًا رواية ثانية لهذا الحديث عند البخارى تزيح هذا الإشكال، وقد أخرجها فى كتاب مناقب الأنصار باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، قال البخارى: حدثنى محمد بن أبى بكر، حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - الوحى، فقدمت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إنى لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماءً، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله، إنكارًا لذلك وإعظامًا له "(160).
فنحن نرى فى هذه الرواية التصريح بأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل منها، وهى عند البخارى أيضًا.
ثالثًا: أجاب العلماء على ما قد يظهر للبعض من إشكال فى الحديث ومن هؤلاء الحافظ السهيلى الذى قال بعد إيراد الحديث: " فيه سؤال يقال: كيف وفق الله زيدًا إلى ترك أكل ما ذبح على النصب، ما لم يذكر اسم الله عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم - كان أولى بهذه الفضيلة فى الجاهلية لما ثبَّت الله له؟
فالجواب من وجهين، أحدهما: أنه ليس فى الحديث حين لقيه ببلْدَح فقدمت إليه السفرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أكل منها، وإنما فى الحديث أن زيدًا قال حين قدمت السفرة: لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه.
الجواب الثانى: أن زيدًا إنما فعل ذلك برأى رآه لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك فى الإسلام، وبعض الأصوليين يقولون: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة، فإن قلنا بهذا، وقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرًا مباحًا، وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال، وإن قلنا أيضًا: إنها ليست على الإباحة ولا على التحريم، وهو الصحيح، فالذبائح خاصة لها أصل فى تحليل الشرع المتقدم كالشاة والبعير، ونحو ذلك، مما أحله الله تعالى فى دين من كان قبلنا، ولم يقدح فى ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى جاء الإسلام، وأنزل الله سبحانه " وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ " (161)، ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم، ولم يقدح فى التحليل ما أحدثوه من الكفر، وعبادة الصلبان، فكذلك كان ما ذبحه أهل الأوثان محلا بالشرع المتقدم، حتى خصه القرآن بالتحريم " (162).
وقد وفق ابن بطال بين الروايتين بقوله: " كانت السفرة لقريش قدموها للنبى - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبى - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها وقال مخاطبًا لقريش الذين قدموها أولاً: إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " (163).
فليس فى الروايتين ما يدل على ما ادعاه الشيعى من أكل النبى -صلى الله عليه وسلم - ما ذبح على الأنصاب، الرواية التى ساقها ليس فيها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أكل منها، والرواية التى سقناها فيها التصريح بأن النبى - صلى الله عليه وسلم - أبى أن يأكل منها.
أما قول زيد بن عمرو بن نفيل: إنى لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، فإما أن يكون خطابًا لقريش الذين قدموها أولاً - كما قال ابن بطال -أو قالها للنبى - صلى الله عليه وسلم - بناء على ظنه أنه يأكل مثلما يأكل قومه، فلم يكن يعرف عن النبى - صلى الله عليه وسلم - امتناعه من ذلك، فخطابه للرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك لا يُثْبِتُ أكله منه.
2 - أورد بعض الروايات التى فهم منها أفضلية لبعض الأنبياء على - نبينا صلى الله عليه وسلم - ثم استشكل بها، وما أورده يتعلق باثنين من الأنبياء هما: نبى الله يونس ونبى الله موسى عليهما السلام، وفيما يلى ذكر ما أورده من روايات على حسب ترتيبه والرد عليه:
الأولى: ذكر الشيعى (164) قول البخارى: حدثنى إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح حدثنى أبى عن هلال بن على من بنى عامر بن لؤى، عن عطاء بن يسار، عن أبى هريرة - رضى الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " (165).
الثانية: أورد أيضًا (166) قول البخارى: حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث، عن عبد العزيز بن أبى سلمة، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبى هريرة - رضى الله عنه قال: بينما يهودى يعرض سلعته أعطى بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذى اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذى اصطفى موسى على البشر والنبى -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا !
فذهب إليه فقال: أبا القاسم إن لى ذمة وعهدًا فما بال فلان لطم وجهى؟ فقال: " لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى رئى فى وجهه ثم قال: " لا تفضلوا بين أولياء الله، فإنه ينفخ فى الصور فيصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش.
فلا أدرى أحوسب بصعقته يوم الطور؟ أم بعث قبلى؟ ولا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى " (167).
الثالثة: قال (168): " وفى رواية كتاب الرقاق (169)... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تخيرونى على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة... إلخ.
وروى فى أكثر من سبعة موارد(170) قوله: " لا ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى".
وفى كتاب الخصومات (171)... فقال: لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة.. إلخ.
تعليق الشيعى على هذه الروايات:
قال بعد ذكر هذه الروايات: " فى الشروح على هذه الرواية وفى تأويلها تكلم المحب والمبغض، فلم يقدر أحد منهم أن يدافع عنه فى ذلك، وإنهم قد ابتلوا بالمغالطات البينة الواضحة، حتى لقد سلك بعضهم سبيل من لا يدافع عنه فصرح بالبطلان.
اعترف الحافظ ابن حجر بأنها تدل على فضيلة موسى على النبى - صلى الله عليه وسلم - وقال: " فإن كان أفاق قبله فهى فضيلة ظاهرة، وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهى فضيلة أيضًا.
ولا شبهة لمسلم فى أن النبى الخاتم - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء وأشرفهم فى الدنيا والآخرة، وشريعته خاتمة الشرائع وناسختها، وإن هذا وأمثاله يشكل إحراجًا شديدًا لمن يعتقد بصحة البخارى.
وهذا ما دفع بالنهاية ابن حجر فى فتح البارى إلى الإعلان عن هذه الرواية: تؤكد أفضلية النبى موسى - عليه السلام - على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو خلاف الإجماع الذى تؤكده جميع الفرق الإسلامية "(172).
زعم الشيعى أن أحدًا من الشراح لم يقدر أن يدافع عن البخارى فى هذه الروايات، وأنهم قد ابتلوا بالمغالطات البينة، وأن الحافظ ابن حجر اعترف بأن هذه الروايات تدل على فضيلة موسى على النبى - صلى الله عليه وسلم - ونحن نجيبه بما يلى:
أولاً: ليس البخارى متهمًا بهذه الروايات حتى يدافع عنه الشراح، فقد أخرجها من طرق عدة، وقد وافقه على إخراجها غيره من أئمة المحدثين على رأسهم الإمام مسلم.
ثانيًا: حكم على شراح الأحاديث بأنهم ابتلوا بالمغالطات، وكان عليه أن يذكر للقارئ كلام الشراح على هذه الروايات حتى يحكم القارئ بنفسه أو يعطى القارئ دليل حكمه، إلا أنه لم يفعل لدقة كلام العلماء وخوفه من قبول القارئ له.
ثالثًا: دلَّس على القارئ، وزعم أن الحافظ ابن حجر اعترف بأنها تدل على فضيلة موسى على النبى - صلى الله عليه وسلم - وعبارة الحافظ لا تفيد ذلك، وغاية ما تفيده أن الحديث يدل على فضيلة لموسى عليه السلام، ولم يذكر الحافظ أنه يدل على أفضلية موسى على النبى - صلى الله عليه وسلم- وذلك واضح من عبارة الحافظ، والتى نقلها الشيعى إلا أنه حرَّف مفهومها.
رابعًا: أنقل عن الحافظ ابن حجر أجوبة العلماء وشرحهم للروايات حتى يقضى القارئ بيننا وبين الشيعى، وحتى يتبين له هل ابتلى المحدثون بالمغالطات الواضحة، أم أن المبتلى بذلك هو: الشيخ حسين غيب غلامى؟
قال الحافظ ابن حجر: " قال العلماء فى نهيه صلى الله عليه وسلم - عن التفضيل بين الأنبياء: إنما نهى عن ذلك من يقول برأيه لا من يقوله بدليل.
أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع.
أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل ؛ بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، فالإمام مثلاً إذ قلنا إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان.
وقيل: النهى عن التفضيل إنما هو فى حق النبوة نفسها كقوله تعالى: " لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه " (173)، ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله: " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ "(174).
وقال الحليمى: الأخبار الواردة فى النهى عن التخيير إنما هى فى مجادلة أهل الكتاب، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى ازدراء بالآخر فيفضى إلى الكفر، فأما إذا كان التخيير مستندًا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل فى النهى" (175)
أما بالنسبة لما يتعلق بيونس - عليه السلام - على وجه الخصوص، فقد قال الحافظ: " قال العلماء: إنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك تواضعًا إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق، وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكال.
وقيل: خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع فى نفسه تنقيص له، فبالغ فى ذكر فضله لسد هذه الذريعة.
وقد روى قصته السدى فى تفسيره بأسانيد عن ابن مسعود وغيره: أن الله بعث يونس إلى أهل نينوى وهى من أرض الموصل، فكذبوه، فوعدهم بنزول العذاب فى وقت معين، وخرج عنهم مغاضبًا لهم، فلما رأوا آثار ذلك خضعوا وتضرعوا وآمنوا، فرحمهم الله فكشف عنهم العذاب، وذهب يونس فركب سفينة فلججت به، فاقترعوا فيمن يطرحونه منهم فوقعت القرعة عليه ثلاثًا، فالتقمه الحوت "(176).
فأين المغالطات فى هذه الأجوبة المسكتة وكلها تنم عن عقول واعية متدبرة؟ !
خامسًا: غمز البخارى بإخراجه هذه الروايات فى أكثر من سبعة موارد، وكل موضع ذكر فيه البخارى هذه الروايات دال على فقهه، وأكثرها يجيب على الإشكال الذى توهمه الشيعى.
فحديث موسى أخرجه البخارى فى كتاب الخصومات باب ما يذكر فى الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودى.
ومن هذه الترجمة استنبط الرأى القائل: إن النهى عن ذلك إذا ما أدى إلى تنقيص المفضول، أو أدى إلى الخصومة والتنازع.
وقد بدا النهى عن التنقيص واضحًا فى ترجمته فى أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[سورة الصافات، الآية 139]، إلى قوله: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[سورة الصافات، الآية 148]، قوله {وَهُوَ مُلِيمٌ}[سورة الصافات، الآية 142] - قال مجاهد: مذنب، {الْمَشْحُونِ} [سورة الصافات، الآية 140]: الموقر (177)، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}[سورة الصافات، الآية 143] الآية، {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ}[سورة الصافات، الآية 145] بوجه الأرض، {وَهُوَ سَقِيمٌ}[سورة الصافات، الآية 145]، {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[سورة الصافات، الآية 146] من غير ذات أصل، الدباء ونحوه، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [سورة الصافات، الآية 148]، {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}[سورة القلم، الآية 48]: " كظيم، وهو مغموم .
فمن يقرأ ترجمة البخارى هذه ويستحضر الرأى القائل: خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع فى نفسه تنقيص له، يدرك فقه البخارى فى ترجمته هذه، حيث ذكر المواضع القرآنية الدالة على قصة يونس، ونقل بيان مجاهد لقوله تعالى: " مليم " أى مذنب.
أما الرأى القائل: النهى عن التفضيل إنما هو فى حق النبوة نفسها، كقوله تعالى {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[سورة البقرة، الآية 285]، فقد ترجم البخارى لحديث يونس أيضًا بما يدل عليه حيث أورده فى كتاب التفسير باب قوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [سورة النساء، الآية 163].
فهذه الآية التى أورد الحديث تحتها دالة بوضوح على أن الأنبياء جميعًا يستوون فى قضية النبوة والوحى وأنه لا يفرق بينهم فى الإيمان بهم جميعًا، فنحن نؤمن بهم جميعًا كما نؤمن بنبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وقد جاء هذا المعنى فى مواضع عدة فى القرآن ومن ذلك قوله سبحانه: " كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " (178).
وهكذا يبدو البخارى عملاقًا فى تراجمه، ثاقبًا فى إشاراته وفهمه.
لكن الشيعى يخيل إليه أنه يذكرنا بأفضلية النبى -صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء، ويتوهم أن ما أخرجه البخارى فى فضائل الأنبياء يتنافى مع ذلك، ونحن نسوق إليه شيئًا مما أخرجه البخارى فى صحيحه مما ينص على أفضلية النبى - صلى الله عليه وسلم - على جميع الناس، فقد أخرج فى كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [سورة هود، الآية 25] (179) من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه- قال: " كنا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى دعوة، فَرُفعت إليه الذراع - وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون بمن يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعى، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم: فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربى غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهانى عن الشجرة فعصيت، نفسى نفسى، اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربى غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسى نفسى، ائتوا النبى - صلى الله عليه وسلم - فيأتونى، فأسجد تحت العرش، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطه.
قال محمد بن عبيد (شيخ شيخ البخارى): لا أحفظ سائره.
وأخرجه البخارى بتمامه فى كتاب التفسير باب " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا " (180).
ثم إن هذه الأحاديث التى أوردها الشيعى، التى تشتمل على فضائل لبعض الأنبياء، تعد من دلائل صدقه صلى الله عليه وسلم - ومن علامات إنصاف الإسلام ونبى الإسلام لأصحاب الشرائع السابقة، فلم يأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليمحو فضائل إخوانه من الأنبياء، أو ليطمس جهادهم، فهم إخوانه سبقوه فى النبوة، وهو خاتمهم وأفضلهم.
هذا ما جاءت به كتب السنة وسجله القرآن الكريم أيضًا حيث أثبت الخلة لإبراهيم والصديقية لإسماعيل ولإدريس المكانة العلية، وغير ذلك من المدح والثناء الذى أثبته القرآن الكريم للأنبياء السابقين، فكان ذلك دليلاً على الإنصاف، وأمارة على الصدق.
استشكاله على رواية المعراج:
قال: " وهناك أيضًا رواية المعراج، وقد أثارت الرواية جدلاً لدى شارحى البخارى، لأن قبولها يعنى تأكيد أعلمية موسى - عليه السلام - من نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأمته، وهى تصرح ذلك علنًا فى قول موسى: أنا أعلم بالناس منك " (181).
أقول: سبقه فى إثارة الاستشكال حول هذا الحديث محمود أبو رية وسبقنا فى الرد عليه شيخ شيوخنا فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد أبو شهبة فقال - رحمه الله:
" إن الرمى بالقول على عواهنه من غير حجة وبرهان لا يليق بالباحث المنصف المتثبت، وهل يقتضى ذكر موسى - عليه السلام - ومراجعته للنبى - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج كى يخفف الله سبحانه على أمته الصلوات أن يكون من الإسرائيليات؟ وعلى منطق المؤلف تكون كل الأحاديث التى ذكرت فضيلة لموسى أو لنبى من أنبياء بنى إسرائيل من الإسرائيليات، وأعتقد أن هذا لا يقوله عاقل فضلاً عن باحث، ولو أن حديث الإسراء والمعراج كان مرويًا عن كعب الأحبار، أو غيره من علماء بنى إسرائيل، لَجاز فى العقل أن يكون ذكر موسى - عليه السلام - من دسهم، أما والحديث مروى عن بضع وعشرين صحابيًّا ليس فيهم، ولا فيمن أخذ عنهم أحد من مسلمة أهل الكتاب، فقد أصبح الاحتمال بعيدًا كل البعد إن لم يكن غير ممكن فى منطق البحث الصحيح.
وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية فى كتابه " التنوير فى مولد السراج المنير " الصحابة الذين روى عنهم حديث الإسراء والمعراج، فوصل بهم إلى خمسة وعشرين صحابيًا، واعتبر الروايات الواردة فيه متواترة، ونقل كلامه الحافظ الناقد ابن كثير فى تفسيره ووصفه بالإفادة والجودة، فهل يجوز عند العقلاء أن يكون للدس مجال فى هذا؟ وقد خرج حديث المعراج البخارى ومسلم وغيرهما من أصحاب الكتب المعتمدة من طرق متعددة، ولم أر- فيما أعلم - عن أحد من أهل العلم الموثوق بهم أنه ذكر أن مراجعة موسى لنبينا - عليهما السلام - دسيسة إسرائيلية، فهل خفى على علماء الأمة جميعهم ما تخيله هذا المؤلف؟! وكان الأَوْلى به أن يبحث عن السر فى المراجعة وحكمتها بدل التشكيك فيها، ومحاولة بيان استلزامها لنفى علم الله جل شأنه، وعلم رسوله مبلغ احتمال الأمة وقدرتها على أدائها قبل التخفيف.
وأى ضير فى أن يعلم موسى - عليه السلام - بما سبق إليه من تجربة الناس، ومعالجة بنى إسرائيل أشد المعالجة، ما خفى على نبينا - عليه الصلاة والسلام - حتى أشار عليه بالرجوع إلى ربه وطلب التخفيف، حتى يرتب عليه المؤلف ما زعم؟
ثم من قال إن فرض الصلوات خمسين وتخفيفها إلى خمس بسبب المراجعة تستلزم أن يكون الله سبحانه لا يعلم مبلغ قوة احتمال عباده على أدائها حتى رتب عليه ما رتب؟ إن الله سبحانه يعلم كل ما كان وما يكون، ويعلم أن نبيه محمدًا - صلوات الله وسلامه عليه سيسأله التخفيف على العباد، وبسبب هذا السؤال سيخفف الصلوات من خمسين إلى خمس، ولذلك سر وحكمة، وهى إظهار رحمة الله سبحانه وتعالى - بهذه الأمة ومنته عليها بالتخفيف عليها ؛ بدليل قول الرب تعالى " أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى " كما أن فيها إظهار منزلة النبى - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، بقبول شفاعته فى التخفيف عن أمته، وبيان رأفته ورحمته بأمته باستماعه إلى مشورة أخيه موسى، ولا تسل عما فى المراجعة من تكرار المناجاة بين العبد والمعبود والمحب والمحبوب (182) اهـ.
وهناك إضافة بالنسبة لما تعلق به الشيعى فى الحديث: " أنا أعلم بالناس منك "، وكعادته حذف ما يوضح المعنى فقد قال موسى عليه السلام بعدها: عالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فسبب قول موسى هذا تجربته السابقة مع بنى إسرائيل ومن البدهى أنها تعطيه خبرة بالناس، ولا ضير فى ذلك كما أشار الأستاذ الدكتور/ أبو شهبة رحمه الله.
خاتمة
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات، وأصلى وأسلم على من ختم الله به الرسالات.
أما بعد فمن خلال ردنا على الشيخ حسين غيب غلامى وضحت الحقائق التالية:
1- عدم أمانته فى النقل عن المصادر وتحريفه لكثير من أقوال العلماء.
2- افتقاره إلى أصول البحث العلمى، التى تعتمد على الحيدة والموضوعية وتنظيم الأفكار وحسن العرض وعدم إلقاء القضايا بدون دليل عليها.
3- عدم درايته بكتب السنة وقلة معرفته بمناهج المحدثين فيها جعله يخلط كثيرًا.
4- ضعفه فى قواعد علوم الحديث مما أوقعه فى أغاليط واضحة.
5- حاول غمز راوية الإسلام الصحابى الجليل أبى هريرة – رضى الله عنه- مما يدل على أنه لا يقف عند حد فى محاولات الهدم.
6- حاول النيل من بعض أئمة الإسلام- غير البخارى –كالحميدى وأبى حنيفة ونعيم بن حماد وأبى بكر بن أبى شيبة وعثمان بن أبى شيبة وآخرين.
والله أسأل أن يجعلنا من جند الحق، وأن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د/ عمر نجار على
أهم المصادر والمراجع
1 - إرشاد السارى لشرح صحيح البخارى لأبى العباس شهاب الدين أحمد القسطلانى- ط دار الفكر بيروت - الطبعة الأولى 1410 هـ - 1990م.
2 - إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السبيل - للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى - ط المكتب الإسلامى - الثانية - 1405 هـ 1985م.
3 - الإصابة فى تمييز الصحابة - للإمام أحمد بن على بن حجر العسقلانى ت 852 هـ - تحقيق د/ طه محمد الزينى - الناشر مكتبة ابن تيمية - 1411 هـ - 1991م.
4 - إعلام الموقعين عن رب العالمين: لشمس الدين محمد بن أبى بكر بن قيم الجوزية، ط دار الجيل بيروت.
5 - الإمام البخارى - د/ تقى الدين الندوى المظاهرى - ط/ دار القلم - دمشق الطبعة الرابعة - 1415 هـ - 1994م.
6 - الإمام البخارى فقيه المحدثين ومحدث الفقهاء - د/ نزار عبد الكريم الحمدانى - مطابع جامعة أم القرى 1412 هـ.
7 - الإمام البخارى وصحيحه د/ عبد الغنى عبد الخالق - دار المنار للنشر - الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985م.
8 - الإمام الترمذى والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين - د /نور الدين عتر - ط مؤسسة الرسالة - الثانية - 1408 هـ - 1988م.
9 - الانتقاء فى فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء - لأبى عمر يوسف ابن عبد البر ت 463 هـ - تحقيق عبد الفتاح أبى غدة - ط دار البشائر الإسلامية - الأولى - 1417 هـ - 1997م.
10 - الأنساب للسمعانى ط دار الجنان - الأولى 1408 هـ - 1988م.
11 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث - للشيخ أحمد شاكر ط دار الكتب العلمية - ط أولى 1403 هـ 1983م.
12 - البخارى وصحيحه الشيخ حسين غيب غلامى - ترجمة كمال السيد - مركز الأبحاث العقائدية - إيران - طبعة مركز الفجر للدراسات والبحوث والنشر - الطبعة الثانية 1423 هـ.
13 - البداية والنهاية - لعماد الدين أبى الفداء بن كثير الدمشقى ت 774 هـ - ط/ دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - ط الخامسة 1409 هـ - 1989م.
14 - تاريخ بغداد - لأبى بكر أحمد بن على بن ثابت البغدادى (ت 463 هـ) ط دار الكتاب العربى - بيروت - لبنان.
15 - التاريخ الصغير - لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى (ت256 هـ) تحقيق المرعشلى.
16 - التاريخ الكبير - لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى (ت 256 هـ) ط دار الكتب العلمية - بيروت.
17 - تدريب الراوى فى شرح تقريب النواوى: للإمام جلال الدين السيوطى (ت 911هـ) تحقيق د/ عبد الوهاب عبد اللطيف - ط دار الفكر.
18 - تذكرة الحفاظ - لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبى (ت 748 هـ) ط دار الكتب العلمية - بيروت.
19 - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر العسقلانى - تحقيق د/ عبد الغفار البندارى، أ/ محمد عبد العزيز - ط دار الكتب العلمية - الثانية 1407 هـ - 1987م.
20 - التقريب لمعرفة سنن البشير النذير للإمام النووى مع شرحه التدريب - ط دار الفكر.
21 - تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووى - ط دار الكتب العلمية - بيروت.
22 - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانى (ت 852) - ط دار الفكر 1404 هـ، 1984م الطبعة الأولى.
23 - تهذيب الكمال فى أسماء الرجال لجمال يوسف المزى (ت 742 هـ) - تحقيق د/ بشار عواد - ط مؤسسة الرسالة - ط أولى 1408 هـ 1988م.
24 - تيسير التحرير وهو شرح العلامة محمد أمين المعروف بأمير بادشاة على كتاب التحرير لابن همام السكندرى - دار الكتب العلمية.
25 - جامع الأصول فى أحاديث الرسول: للإمام مجد الدين المبارك ابن الأثير (ت 606) - تحقيق عبد القادر الأرناؤوط - ط دار الفكر - بيروت - ط ثانية 1403 هـ - 1983م.
26 - جامع التحصيل فى أحكام المراسيل للحافظ صلاح الدين العلائى تحقيق حمدى السلفى عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية - ط ثانية 1407 هـ - 1986 م.
27 - الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور النبى - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه لأبى عبد الله البخارى مع شرحه فتح البارى ط دار الكتب العلمية - الأولى - 1410 هـ - 1989م.
28 - الجرح والتعديل لأبى حاتم الرازي(ت 327هـ) نسخة مصورة عن مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن- الهند - تصوير دار الكتب العلمية.
29 - أبو حنيفة - حياته وعصره آراؤه وفقهه: للإمام محمد أبى زهرة - دار الفكر العربى، القاهرة 1991م.
30 - أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء: وهبى سليمان غاوجى، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة 1413 هـ - 1993م.
31 - دفاع عن السنة: للشيخ محمد أبى شهبة ط دار اللواء - الطبعة الثانية 1407 هـ - 1987م.
32 - الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام تحقيق/ عبد الرحمن الوكيل، نشر مكتبة ابن تيمية - ط/ أولى 1410 هـ - 1990م.
33 - سنن الترمذى: لأبى عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ) تحقيق أحمد شاكر ط - دار الكتب العلمية بيروت.
34 - سنن أبى داود: للحافظ سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) مع تعليق/ عزت الدعاس وعادل السيد - ط دار الحديث - بيروت - أولى - 1388 هـ - 1969م.
35 - سنن ابن ماجة للحافظ أبى عبد الله بن يزيد القزوينى (ت273هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى - ط دار إحياء الكتب العربية - فيصل الحلبى.
36 - السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى د/ مصطفى السباعى - ط المكتب الإسلامى - الطبعة الرابعة 1405 هـ - 1985م.
37 - سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبى (ت 748 هـ) - تحقيق شعيب الأرناؤوط - الطبعة السابعة 1410 هـ - 1990م.
38 - سيرة الإمام البخارى: لعبد السلام المباركفورى - دار الفتح - الشارقة - الطبعة الثامنة 1418 هـ - 1997م.
39 - صحيح الجامع الصغير وزيادته للألبانى - طبعة المكتب الإسلامى الثانية 1406 هـ - 1986م.
40 - صحيح مسلم: للإمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى (ت 261هـ) مع شرح النووى - ط دار القلم بيروت - ط أولى 1407 هـ - 1987م.
41 - طبقات الحنابلة للقاضى أبى الحسين محمد بن أبى يعلى - ط دار المعرفة بيروت.
42 - طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين عبد الوهاب السبكى، تحقيق/ عبد الفتاح الحلو، محمود الطناحى، ط دار إحياء الكتب العربية - فيصل الحلبى.
43 - عمدة القارئ شرح صحيح البخارى للبدر العينى - ط دار الفكر.
44 - علوم الحديث: لابن الصلاح تحقيق د/ نور الدين عتر - ط دار الفكر - 1406 هـ - 1986م.
45 - العواصم والقواصم فى الذب عن سنن أبى القاسم للعلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليمانى، تحقيق شعيب الأرناؤوط - ط/ مؤسسة الرسالة - الأولى 1412 هـ - 1992م.
46 - المغنى فى ضبط أسماء الرجال لمحمد طاهر الهندى - ط دار الكتاب العربى - بيروت 1402 هـ - 1982م.
47 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى (852 هـ - ط دار الكتب العلمية - الأولى 1410 هـ 1989 م.
48 - فتح البارى: شرح صحيح البخارى للحافظ زين الدين أبى الفرج بن رجب الحنبلى (ت 795 هـ) - نشر مكتبة الغرباء الأثرية " المدينة المنورة " تحقيق دار الحرمين - ط أولى 1417 هـ - 1996م.
49 - فيض البارى على صحيح البخارى للعلامة محمد أنور الكشميرى الديوبندى ط - دار المعرفة للطباعة والنشر.
50 - فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوى ط دار الفكر.
51 - قطف الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة للإمام السيوطى - تحقيق الشيخ خليل محيى الدين الميس - ط المكتب الإسلامى - الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985م.
52 - الكامل فى ضعفاء الرجال للحافظ أبى أحمد بن عدى - ط دار الفكر - الأولى 1404 هـ - 1984م.
53 - كوثر المعانى الدرارى فى كشف خبايا صحيح البخارى - للشيخ محمد الخضر الجكنى الشنقيطى - مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى 1415 هـ - 1995م.
54 - لقط اللآلى المتناثرة فى الأحاديث المتواترة: لأبى الفيض محمد مرتضى الحسينى الزبيدى - تحقيق محمد عبدالقادر عطا - ط دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985م.
55 - لمحات فى أصول الحديث: د/ محمد أديب صالح - طبعة المكتب الإسلامى الرابعة 1405 هـ - 1985م.
56 - مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبى بكر بن عبد القادر الرازى - ط/ مكتبة لبنان بيروت 1993م.
57 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: للقاضى عياض اليحصبى - طبع ونشر المكتبة العتيقة تونس - دار التراث - القاهرة.
58 - معجم البلدان: للشيخ الإمام شهاب الدين أبى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموى - ط دار إحياء التراث العربى بيروت - 1399 هـ - 1979م.
59 - الملل والنحل لأبى الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى - تحقيق/ محمد سيد كيلانى - ط دار المعرفة - بيروت - لبنان.
60 - نزهة الألباب فى الألقاب للحافظ ابن حجر العسقلانى - تحقيق عبد العزيز السديدى - ط مكتبة الرشد، الأولى1409 هـ - 1989م.
61 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر: لأبى الفيض جعفر الأدريسى الشهير بالكتانى - طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1400 هـ - 1980م.
62 - النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر - تحقيق د/ ربيع بن هادى عمير - ط دار الراية - الثانية - 1408 هـ - 1988م.
63 - النهاية فى غريب الحديث والأثر: للإمام مجد الدين المبارك ابن الأثير - تحقيق/ طاهر الزاوى - محمود الطناحى - ط/ المكتبة العلمية - بيروت.
64 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبى العباس أحمد بن محمد بن خلكان - تحقيق د/ إحسان عباس - ط دار صادر بيروت.
العودة لصفحة المؤتمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 5، 6 من هذا الكتيب وهو كما ذكرت بعنوان: " البخارى وصحيحه ".
(2) راجع: البخارى وصحيحه ص 8، 9.
(3) البخارى وصحيحه ص 9.
(4) سير أعلام النبلاء 10/ 616 .
(5) الجرح والتعديل 5/57.
(6) السابق 5/ 57.
(7) تهذيب الكمال 14/ 513.
(8) سير أعلام النبلاء 10/ 617.
(9) طبقات الشافعية الكبرى 2/ 140.
(10) راجع ترجمته أيضًا فى: تذكرة الحفاظ 2/ 413، تهذيب التهذيب 5/ 189.
(11) فى كتاب بدء الوحى باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 3، وأخرجه فى ستة مواضع أخرى وهى بأرقام: 54 ـ 2529 ـ 3898 ـ 5070 ـ 6689 ـ 6953 وأخرجه الإمام مسلم فى كتاب الإمارة باب قولـه صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية 3/ 1515 برقم 1907.
(12) أخرجه من طريق عبد الله بن مسلمة عن مالك فى كتاب الإيمان باب ما جاء إن الأعمال بالنية 1/ 179 برقم 54، ومن طريق يحيى بن قزعة عن مالك فى كتاب النكاح باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزوج امرأة فله ما نوى 9/ 143 مع شرحه فتح البارى برقم 5070 .
(13) سير أعلام النبلاء 10/ 620، 621.
(14) راجع ص 11 من كتابه.
(15) البخارى وصحيحه ص 11، 12.
(16) انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 74، طبقات الحنابلة 1/ 275.
(17) تاريخ بغداد 2/ 9.
(18) مقدمة الفتح 678.
(19) راجع: الإمام البخارى وصحيحه د/ عبد الغنى عبد الخالق ص 182.
(20) عرض البخارى صحيحه على ابن المدينى ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم كما فى تهذيب التهذيب 9/46.
(21) مقدمة فتح البارى ص 8.
(22) مقدمة الفتح ص8.
(23) السابق ص 15.
(24) مناسبات تراجم البخارى ورقة 1 ب نقلاً عن كتاب الإمام الترمذى والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين د/ نور الدين عتر ص 297.
(25) مقدمة الفتح ص 14.
(26) البخارى وصحيحه ص 11.
(27) البخارى وصحيحه ص 12.
(28) السابق هامش ص 12.
(29) سيرة الإمام البخارى لعبد السلام المباركفورى ص 473.
(30) البخارى وصحيحه ص 12.
(31) جامع الأصول فى أحاديث الرسول 1/ 186.
(32) مقدمة الفتح ص 678.
(33) مقدمة الفتح ص 679.
(34) فى الأنساب 4/ 359.
(35) فى سير الأعلام 15/ 12.
(36) سير الأعلام 15/ 10.
(37) خشرم: بفتح المعجمة وسكون شين معجمة وبراء، المغنى فى ضبط أسماء الرجال ص 92.
(38) حمويه: بمفتوحة وشدة ميم مضمومة وفتح مثناة تحت. السابق ص 81.
(39) المستملى: بضم الميم، وسكون السين المهملة، وفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين، وسكون الميم، وفى آخرها اللام، اختص بهذه النسبة جماعة كثيرة كانوا يستملون للأكابر والعلماء. الأنساب 5/ 287.
(40) الكشميهنى: بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفى آخرها النون. الأنساب 5/ 75.
(41) الفاشانى: بفتح الفاء والشين المعجمة وفى آخرها النون، نسبة إلى قرية من قرى مرو. الأنساب 4/ 338.
(42) الكشانى: بضم الكاف والشين المعجمة وفى آخرها النون. الأنساب 5/ 73.
(43) الأنساب 4/ 359.
(44) انظر ترجمته أيضًا فى: وفيات الأعيان 4/ 290، معجم البلدان 4/ 24.
(45) شبويه: بفتح الشين والباء المشددة المضمومة وآخره هاء، نزهة الألباب فى الألقاب لابن حجر 1/ 394.
(46) مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضى عياض 1/ 9.
(47) البخارى وصحيحه ص 13.
(48) فتح البارى 10/ 123.
(49) العريض: الذى ليس بمتطاول بل يكون طوله أقصر من عمقه، والنضار بضم النون وتخفيف الضاد المعجمة: الخالص من العود ومن كل شىء. فتح البارى 10/ 124.
(50) فتح البارى 10/ 121.
(51) فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبى - صلى الله عليه وسلم - وعصاه 6/ 261 بعد حديث رقم 3109.
(52) البخارى وصحيحه ص 13.
(53) صاحب كتاب: الجمع بين الصحيحين.
(54) البخارى وصحيحه ص 13.
(55) راجع جامع الأصول 11/ 784 ـ 785.
(56) البخارى وصحيحه ص 13 ـ 14.
(57) فتح البارى 7/ 203 ـ 204.
(58) البخارى وصحيحه ص 14، وحديث عمار أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة باب التعاون فى بناء المسجد 1/ 712 برقم 447، وأخرجه فى كتاب الجهاد باب مسح الغبار 6/ 37 برقم 2812، وأخرجه مسلم فى كتاب الفتن باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة 18/ 255 برقم 2915.
(59) فتح البارى 1/ 714.
(60) البخارى وصحيحه ص 16 ـ 17.
(61) السابق ص 18.
(62) ص 283.
(63) ص 222.
(64) ص 126.
(65) البداية والنهاية 3/ 216 بتصرف.
(66) الإصابة فى تمييز الصحابة 7/ 65.
(67) جامع الأصول فى أحاديث الرسول 9/ 45.
(68) فتح البارى لابن رجب 3/ 305.
(69) هامش فتح البارى لابن رجب الحنبلى 3/ 299.
(70) فتح البارى لابن حجر 1/ 714.
(71) يراجع: العواصم والقواصم فى الذب عن سنة أبى القاسم 8/ 21 - 22.
(72) البخارى وصحيحه ص 18 ـ 19.
(73) علوم الحديث لابن الصلاح 42 ـ 43.
(74) مقدمة فتح البارى ص 8.
(75) تدريب الراوى 1/ 219.
(76) راجع: الباعث الحثيث ص 56، 57، لمحات فى أصول الحديث د/ محمد أديب صالح ص 293، 296.
(77) البخارى وصحيحه ص 18، 19.
(78) علوم الحديث ص 20.
(79) تقريب النووى مع شرحه تدريب الراوى 1/ 102.
(80) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 75.
(81) مقدمة الفتح ص 651.
(82) مقدمة الفتح ص 653.
(83) البخارى وصحيحه ص 20.
(84) مقدمة الفتح ص 668.
(85) سير أعلام النبلاء 12/ 419.
(86) تاريخ بغداد 2/ 28.
(87) مقدمة الفتح ص 667.
(88) مقدمة الفتح ص 8.
(89) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 74.
(90) البخارى وصحيحه ص 20.
(91) البخارى وصحيحه ص 21.
(92) علوم الحديث لابن الصلاح ص 73.
(93) السابق ص 75.
(94) تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص 23 ـ 24.
(95) راجع: جامع التحصيل فى أحكام المراسيل ص 113 ـ 114.
(96) السابق ص 113.
(97) تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص 43 ـ 44.
(98) النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر 2/ 602.
(99) السابق 2/ 601.
(100) النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 599 - 600.
(101) البخارى وصحيحه ص 23.
(102) السابق ص 24.
(103) انظر: تيسير التحرير 3/ 53.
(104) البخارى وصحيحه ص 26.
(106) كوثر المعانى الدرارى فى كشف خبايا صحيح البخارى 1/ 125.
(107) البخارى وصحيحه ص 26.
(108) راجع: سيرة الإمام البخارى للعلامة عبد السلام المباركفورى ص 134 ـ 136، والإمام الترمذى د/ نور الدين عتر ص 347.
(109) فيض البارى على صحيح البخارى للعلامة محمد أنور الكشميرى الإيونبدى 1/ 58.
(110) فيض البارى 1/ 294.
(111) فيض البارى 1/ 323.
(112) السابق 2/ 208.
(113) ذكره السيوطى فى الجامع الصغير، وعزاه لابن عدى من حديث أبى هريرة، والطبرانى من حديث عبد الله بن السائب، والبزار من حديث على، ورمز له بالصحة. فيض القدير 4/ 512، وراجع فى تخريجه صحيح الجامع الصغير وزيادته للألبانى 2/ 808، إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السبيل للألبانى 2/ 295 ـ 297.
(114) عمدة القارى 1/ 22.
(115) البخارى وصحيحه ص 27.
(116) سبق تخريجه عند الكلام على التمهيد.
(117) أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، 1/ 168 برقم 52. وأخرجه مسلم فى كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 11/ 30، برقم 1599 من حديث النعمان بن بشير.
(118) أخرجه الترمذى فى كتاب الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس، 4/ 483 برقم 2317. وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وذكره الألبانى فى صحيح سنن الترمذى 2/ 268 ـ 269، وأخرجه ابن ماجه فى كتاب الفتن، باب كف اللسان فى الفتنة، 2/ 1315 برقم 3976.
(119) أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، 1/ 78 برقم 13، من حديث أنس. ولفظه " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، ومسلم فى كتاب الإيمان، باب من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، 2/ 375 برقم 45، بلفظ البخارى.
(120) عمدة القارى 1/ 22.
(121) البخارى وصحيحه ص 30.
(122) السابق ص 30 ـ 31.
(123) الكامل فى ضعفاء الرجال 7/ 2482.
(124) تهذيب الكمال 29/ 476.
(125) الكامل 7/ 2482.
(126) تهذيب الكمال 29/ 472.
(127) سير أعلام النبلاء 10/ 599.
(128) سير الأعلام 10/ 596.
(129) سير أعلام النبلاء 10/ 595، 600.
(130) مقدمة فتح البارى ص 624.
(131) تهذيب التهذيب 10/ 412 ـ 413.
(132) البخارى وصحيحه ص 31.
(133) الكرابيسى: بفتح الكاف والراء وبعد الألف باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها سين مهملة هذه النسبة إلى الكرابيس، وهى الثياب الغليظة، واحدها كرباس ـ بكسر الكاف ـ وهو لفظ فارسى عُرِّب، وكان أبو على يبيعها فنسب إليها0 وفيات الأعيان 2/ 133، راجع الأنساب 5/ 42.
(134) تاريخ بغداد 8/ 64.
(135) تهذيب التهذيب 2/ 310.
(136) سير أعلام النبلاء 12/ 79 ـ 80.
(137) تقريب التهذيب 1/ 178.
(138) طبقات الشافعية الكبرى 2/ 299.
(139) سير أعلام النبلاء 11/ 174.
(140) سير أعلام النبلاء 11/ 174.
(141) طبقات الشافعية 2/ 299، 300.
(142) سير أعلام النبلاء 11/ 175.
(143) السابق 11/ 175.
(144) راجع تهذيب الكمال 24/ 431 ـ 434.
(145) تهذيب التهذيب 2/ 311.
(146) البخارى وصحيحه ص 32.
(147) البخارى وصحيحه ص 32.
(148) البخارى وصحيحه ص 35.
(149) كتبها مترجم كتاب الشيعى: " ابنى " وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
(150) تاريخ بغداد 2/ 33.
(151) البداية والنهاية 10/ 319.
(152) السابق 10/ 330.
(153) البخارى وصحيحه ص 37.
(154) السابق ص 37.
(155) نفيل: بضم النون وفتح الفاء، وزيد بن عمرو والد سعيد بن زيد أحد العشرة، وابن عم عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يجتمع هو وعمر فى نفيل، وكان زيد أحد الحنفاء فى الجاهلية الذين تركوا عبادة الأصنام، ومات قبل البعثة راجع إرشاد السارى 8/ 339.
(156) بَلْدح: بفتح الباء وسكون اللام ثم دال وحاء مهملتان، واد قبل مكة من جهة المغرب. معجم البلدان 1/ 480.
(157) سفرة: بضم السين قال ابن الأثير: " السفرة طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل فى جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمى به كما سميت المزادة راوية، وغير ذلك من الأسماء المنقولة. النهاية فى غريب الحديث 2/ 373.
(158) أنصابكم: بالمهملة جمع نصب - بضمتين - وهى أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام. فتح البارى 7/ 181.
(159) أخرجه البخارى فى كتاب الذبائح، باب ما ذبح على النصب والأصنام، 9/ 785 برقم 5499.
(160) البخارى كتاب مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، 7/ 179 برقم 3826.
(161) الأنعام 121.
(162) الروض الأنف 2/ 361ـ 363.
(163) فتح البارى 7/ 181.
(164) البخارى وصحيحه ص 38.
(165) بهذا الإسناد واللفظ أخرجه البخارى فى كتاب التفسير باب وإن يونس لمن المرسلين 8/ 698 برقم 4805.
(166) البخارى وصحيحه ص 38.
(167) بهذا الإسناد واللفظ أخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى " وإن يونس لمن المرسلين "، 6/ 556 برقم 3414.
(168) البخارى وصحيحه ص 39.
(169) باب نفخ الصور 11/ 446 برقم 6517.
(170) سبق ذكر موضعين وهو عند البخارى أيضًا بأرقام 3412، 3413، 3416، 4603، 4604، 4630، 4631، 4804، 4805.
(171) كتاب الخصومات، باب ما يذكر فى الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، 5/ 89 برقم 2412.
(172) البخارى وصحيحه ص 39 ـ 40.
(173) البقرة 285.
(174) البقرة 253.
(175) فتح البارى 6/ 551.
(176) فتح البارى 6/ 558 ـ 559.
(177) الموقر: أى المُحَمَّل، من الوقر - بكسر الواو - وهو الحمل. انظر: مختار الصحاح ص 304.
(178) الشورى 3.
(179) ج6 ص 457 ـ 458 ـ برقم 3340.
(180) ج8 ص 504، 505 برقم 4712.
(181) البخارى وصحيحه ص 40. والرواية التى يشير إليها أخرجها البخارى فى الصحيح كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، 6/ 371 ـ 373 برقم 7 320.
(182) دفاع عن السنة ص 89 ـ 91 بتصرف يسير.