ابتكارات تقنية فى خدمة السنة
كلمة د. عواد الخلف
أستاذ الحديث المشارك بجامعة الشارقة بالإمارات
العودة لصفحة المؤتمر
بسم الله الرحمن الرحيم ، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد :
فى البداية أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذا المؤتمر الميمون، والمتمثلين فى جمعية المكنز برعاية كريمة من الأزهر الشريف برعاية الإمام الأكبر شيخ الأزهر، كما أشكر كل من دعا وساهم فى هذا المؤتمر، وأشكر كل عين سهرت وكل يد عملت ، وأخص بالشكر الجزيل فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد معبد والدكتور كيلانى جزاهما الله خيرًا.
فيما يتعلق بموضوع ابتكارات تقنية فى خدمة السنة النبوية فإن ما يعزينى فيما تكلم فيه العلماء الأفاضل هو أن هذا الموضوع له علاقة بالحديث من الناحية اللغوية فقط، لا من الناحية الاصطلاحية بالمعنى الجديد، حتى لا نتجرأ على مشايخنا.
هناك عدد من الابتكارات التقنية قد تكون خادمة للسنة النبوية، وأحيانًا البعض يقول بأن التقنية هى فقط البرمجة، ولكن التقنية تشمل البرمجة وغير البرمجة.
وفيما يتعلق بالبرمجيات أنا أؤيد ما قاله الدكتور حسين بن شريف العبدلى بوجوب وجود جهة، لا أقول رقابية، فالإشكال الذى عندنا حقيقة ليس القصور فى ملاحقة التقنية الحديثة فقط، كما قال الدكتور عبد الله دمفو فلديه برنامج يثنى عليه كثيرا، لكنه لا يعمل على جهازه، لأن البرمجة لا تواكب التقنية ولا تواكب الأجهزة الحديثة. فالتأخر عندنا فى البرمجة الإسلامية ، فلماذا لا يكون هناك تعاون بين الكليات الشرعية ككلية الحديث مثلا وكلية الهندسة فى الجامعة نفسها، بوجود مهندسين مختصين ووجود باحثين شرعيين.
أنا أذكر مثلا برنامج جامع الفقه الإسلامى، وقد عملت فيه مع الأمانة العامة للوقف، وقد حصل على جائزة أفضل برنامج إسلامى فى وقته، والسبب فى تميزه أن القائمين عليه من أولى الاختصاص فى الهندسة وكذا فى الشريعة ، بمعنى أن المهندس يأتى إلى المختص يقول له المحدث أو الفقيه أريد كذا وكذا.
الحاصل فى السوق - كما قال فضيلة الدكتور - أن البعض ينظر إلى الناحية التجارية فقط، والبعض يهتم بنسخ الكتب فقط، فيعطينا كتبا لا تفرق بين جَمَل وجُمَّل وغير ذلك. وهذه مشكلة.
أما الموضوع الذى عندنا فهو ابتكار تقنية مختلفة بأجهزة، وللأسف موضوع الابتكار فى عالمنا الإسلامى إذا أردنا أن نقول بين الواقع والمأمول فواقعه مزرٍ. وفى مؤتمر بالشارقة عنوانه أثر علماء المسلمين فى الحضارة أقامته كلية الآداب وشاركت مع أحد الزملاء ببحث نريد أن نبين فيه نسبة اختراعات المسلمين فى هذا العصر بالنسبة للآخرين. ولا يخفى عليكم جهود العلماء المسلمين سابقًا فقد قدموا الكثير. إلا أننا الآن قد أصبحنا - للأسف الشديد - فى ذيل القائمة، فحتى نأخذ الأمر من منبعه ومن معينه راسلنا أكبر مكاتب براءة الاختراع فى العالم مثل : مكتب تسجيل براءة الاختراع فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومكتب تسجيل براءة الاختراع فى اليابان، وهكذا فى عدد من البلدان، بخطاب رسمى من الجامعة نقول لهم فيهم : نرجو أن تزودونا بعدد المخترعين من البلاد العربية أو الإسلامية . لأنه للأسف ليس عندكم خانة لديانة المخترع. ونحن أردنا أن نقيس على الأقل بناء على أن هذا المخترع إن كان من دولة إسلامية ففى الغالب سيكون مسلمًا. فلما جمعنا الأعداد وهى موثقة وجدنا النسبة 0.02 % من عدد الاختراعات الكلية. وهذا أمر محزن جدًّا، خاصة إذا قرأنا فى تاريخنا الإسلامى عندما كانت أوربا فى عصور الظلام فى حين أن علماءنا قد قدموا الكثير والكثير.
وسأتكلم عن اختراع أظنه يفيد فى مجال الحديث الشريف، وهو الكتاب الناطق باللمس، ولعلكم سمعتم عن الكتاب الناطق بالقلم، وهو اختراع مسجل لأحد المخترعين الأمريكيين منذ التسعينيات، وهو عبارة عن ورقة منقطة والقلم يدركها، فتسمع الصوت، كما هو فى مصاحف موجودة.
وما فعلناه هو تقنية جديدة، من خلال إمساكك بالورقة تسمع الكلمة التى تضع يدك عليها دون استخدام أى قلم، أى هو كتاب باللمس فقط والسر فى غلاف الكتاب. شاركنا به فى سويسرا بقصة باللغة الإنجليزية، حتى لا نشارك بمصحف فى بلدة غير إسلامية. وشاركنا به فى الكويت وحظى بتقدير كبير كما سترون.
هذا الابتكار مسجل فى مكتب براءة الاختراع بالولايات المتحدة الأمريكية، بالاشتراك مع المهندس أنس يوسف وهو مهندس مبتكر نشيط فى هذا المجال وقد تخرج فى كلية .... للهندسة.
وهو عبارة عن كتاب ينطق بمجرد اللمس، سأريكم إياه حالا، والغلاف يحوى سماعة صغيرة مخفية، وقارئ عبارة عن ذاكرة، وحساسات تدرك الكلمة التى ستبدأ فى قراءتها فى أى صفحة، وفى أى سطر.
فهذا مصحف يوجد فيه نص القرآن بصوت بعض القراء، بمجرد أن تختار قارئًا ما تسمع الآيات بصوته، وكذلك إذا أردت سماع ترجمة المعانى بالإنجليزية، أو إعراب الآية، أو تفسيرها، وهذه التقنية تساعد الإنسان على تعلم قراءة القرآن فى حال تعذر وجود معلم، أو فاقدى البصر الذين كانوا إذا حمل غيرهم مجلدًا واحدًا مكتوب بالطريقة المعتادة حملوا هم فى المقابل سبعة مجلدات مكتوبة بطريقة برايل. ولكنهم الآن سيحملون مجلدًا واحدًا فقط، وكذلك تساعد هذه التقنية من عنده صعوبة فى التعلم, أو غير الناطقين بالعربية ليتقنوا النطق الصحيح، وكذلك كبار السن الذين لا يعرفون قراءة القرآن، قد أصبح الأمر الآن فى غاية السهولة؛ بمجرد أن يضع سبابته يسمع القراءة فيقرأ قراءة صحيحة.
هذا الاختراع عندما استخدم فى القرآن الكريم حصل على جائزة الكويت الدولية لأفضل جهاز فى خدمة القرآن الكريم وبتكريم من أمير الكويت.
هناك تقنية أخرى استخدمت فى القرآن الكريم وأظنها ستفيد فى تطبيقات الحديث الشريف. وتسمى فى علم الحاسبات "التشفير"، وهذه التقنية ليست جديدة ولكن استخدامها فى القرآن هو الجديد، فعندما سجلناها فى مكتب براءة الاختراعات فى أمريكا سجلت آلية جديدة لتشفير القرآن، فالتشفير آلية موجودة بالفعل ولم نبتكرها.
فى جامعتنا قال لى أحد المختصين فى علم الحاسبات: أنا أعمل فى التشفير منذ ثلاثين سنة، ولم يخطر ببالى أن أشفر القرآن الكريم. والسبب هو أنه لم يكن التعاون موجودًا بين الكليات الشرعية وبين الكليات العلمية.
والتشفير هو أن تعطى لكل كلمة رقما يميزها عن غيرها، مثل أرقام الهاتف لا يشترك فيها اثنان. والإشكال الذى تواجهه مطابع القرآن مثلاً هو أنه إذا جاءت مكتبة تريد أن تطبع القرآن دفعوا بهذا المصحف لشيخ من الحفظة يراجعه، وقد لا ينتبه هذا الشيخ الكريم لنقطة أو كسرة خطأ لأنه يقرأ من ذاكرته، مما يتسبب فى إتلاف أعداد كبيرة جدا بعد طباعتها عند اكتشاف الخطأ مثل ما حدث فى بلدان كثيرة.
فلماذا لا تكون هناك مرحلة أخيرة من تدقيق المصحف على مستوى الحركة والسكون؟ وهذا الأمر يمكن تطبيقه على ألفاظ صحيح البخارى أو صحيح مسلم أو غير ذلك.
وسنرى تطبيقا بهذه التقنية، وهو برنامج المدقق الآلى للقرآن الكريم، فللأسف يدخل كثير من المسلمين على مواقع الإنترنت فيسمع آية أو يقرؤها وقد تكون خطأ سواء عن قصد أو غير قصد، وهذا البرنامج يصوب لك أى خطأ فى الآية سواء كان فى النص أو التشكيل، فإن كنت مثلا طالبا فى الماجستير أو الدكتوراه فأدخل البحث على هذا البرنامج، فيقرأ البرنامج البحثَ قراءة سريعة، ويستخرج ما فيه من آيات، ثم يحدد لك مواضعها بتمييزها باللون الأحمر إن كانت خطأ، وباللون الأخضر إن كانت صوابا. ويبين لك نوعية الخطأ إن كان فى النص أو التشكيل، ويتعامل مع الآيات مشكولة وغير مشكولة، إذن فقد استخدم التشفير للقرآن مشكولاً مرة وغير مشكول مرة.
ولضمان عدم الوقوع فى الخطأ اعتمدنا على نسخة معتمدة من مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم بالمدينة المنورة أرسلت بشكل رسمى لجامعة الشارقة.
ولا تتوقف إمكانيات البرنامج عند هذا الحد، فتستطيع أن تكتب اسم أى موقع عام أو موقع الشيخ الفلانى فيذهب البرنامج مباشرة لهذا الموقع، ثم يستخرج لك الآيات الموجودة فيه، ويقدم لك تقريرًا بها من حيث العدد والخطأ والصواب.
فهذا البرنامج يتعامل مع النصوص والمواقع وبرامج الأوفيس. وقد فاز بجائزة أفضل برنامج فى خدمة القرآن الكريم من الكويت، وبتكريم من أمير الكويت.
وهناك تقنيات أخرى ولكن لا يتسع المجال لذكرها، وأشكركم على حسن تعاونكم.
العودة لصفحة المؤتمر