نحو تحقيق أمثل لنصوص الحديث النبوى
أ.د. أحمد عزى عبد القادر عزى
أستاذ مشارك بجامعة الإمارات العربية المتحدة
العودة لصفحة المؤتمر
* المقدمة .
* تمهيد: استعرضت فيه بعض نماذج القصور فى تحقيق نصوص الحديث النبوى .
بيان كيفية علاج ذلك فى أربعة جوانب:
* الجانب الأول: وضع منهج متكامل لتحقيق النص الحديثى.
* الجانب الثانى: وضع منهج متكامل لدراسة المخطوط الحديثى.
* الجانب الثالث: روافد أخرى: التأليف والبرمجة والتدريب.
* الجانب الرابع: شروط يجب توفرها فى المحقق.
* الخاتمة.
* قائمة المصادر.
بسم الله الرحمن الرحيم
مـقـدمـة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. لقد نازعتنى نفسى كثيرًا فى الكتابة فى الموضوع الذى سأطرحه خشية كونه كلامًا معروفًا، وسبيلاً مطروقًا ؛ فإن الأُذُنَ مجَّاجة، وكما قال كعب بن زهير (1):
ما أَرانَا نقولُ إلا مُعارًا |
أو مُعادًا مِن قولِنا مَكرُورا |
وقديمًا قالوا " زَاحِمْ بعَـوْدٍ، أو فَـدَعْ " (2) . بَـيْـدَ أنى قلتُ: هو تذكير، ولا بأس أن يتكرر الت ذكير مرة بعد مرة، والله تعالى يقول {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات، الآية 55].
ومن المعروف أنَّ كلَّ من اطلع على التراث العربى الإسلامى عَلِمَ أن الأمة الإسلامية تتميز بكونها أنتجت خلال تاريخها الممتد عبر القرون كَمًّا هائلاً من المخطوطات فى شتى العلوم، لا سيما العلوم الشرعية، وبوجه أخص ما تعلق منها بالحديث النبوى (3).
وقد تجاوز تحقيق النصوص فى هذا العصر أن يكون شغفًا من آحاد الناس لنشر كتاب يراه مهمًّا، حيث تحول إلى صناعة كبيرة ورائجة، ويتوقع أن يتوسع هذا أكثر فى قابل الأيام؛ خاصة وأن عالم المخطوطات فسيح يشغل التحقيق حيزًا واحدًا منه.
ومن الواضح أن الشغف الذى يدفع الكثير من المحققين لإحياء التراثَ غيرُ كافٍ للوصول إلى الإتقان، فلا بد من ضبط قواعد هذا العلم وأصوله ضبطًا يرقى به إلى مستوى أعلى مما هو عليه. فسوق التحقيق يكتنفه شيء غير قليل من القصور، وربما التشويه أحيانًا، والأنكى أن هذا تجاوز إلى نصوص السنة النبوية فأصابها ما أصاب غيرها، ولم يسلم من ذلك حتى المصادر الحديثية المعتمدة مثل بعض طبعات الكتب الستة وشروحها.
وتأتى أهمية طرح هذا الموضوع لكون التحقيق لدى المعتنين بالحديث النبوى منصبًا على نص يعتبر وحيًا من الله تعالى، فالرسول صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغٌ، والحديث هو وسيلة التبليغ، ومن هنا فإن تحقيقه فى مصادره الأصلية والحفاظ عليه وصيانته، كل ذلك يعد خدمة للوحى.
وأخُص بالذكر هنا تحقيق المادة الحديثية؛ فإن لها خصائص تتميز بها، فهى مع كونها تشترك مع غيرها فى الخطوط العامة لتحقيق النص؛ لكنَّ تخريجَ الحديث غيرُ تخريج الشعر، ومعرفةَ الصحابة ورواةَ الحديث غيرُ الترجمة لعموم الأعلام. فهذا التميز هو الذى يجعل تحقيق النصوص الحديثية يحتاج إلى مزيد عناية.
وهذا الذى دفعنى لأكتب فى هذا الموضوع، واخترت له عنوانًا هو "نحو تحقيق أمثل لنصوص الحديث النبوى "، وقد انتظم الحديث فيه وفق الخطة التالية:
* تمهيد: استعرضت فيه بعض نماذج القصور فى تحقيق نصوص الحديث النبوى
* بيان كيفية علاج ذلك فى أربعة جوانب:
* الجانب الأول: وضع منهج متكامل لتحقيق النص الحديثى.
* الجانب الثانى: وضع منهج متكامل لدراسة المخطوط الحديثى.
* الجانب الثالث: روافد أخرى: التأليف والبرمجة والتدريب.
* الجانب الرابع: شروط يجب توفرها فى المحقق.
* الخاتمة.
نعم، قد سُطِّر الكثير حول التحقيق إجمالاً، وعُقدت له ندوات كثيرة ومؤتمرات مشرقًا ومغربًا، وتناثرت أحاديث المتحدثين فيه؛ ابتداءً من أول ما صَنَّف فيه الأستاذان عبد السلام هارون سنة 1954م، وصلاح الدين المنجد سنة 1955م إلى يومنا هذا، لكن التأليف فى تحقيق الحديث النبوى بالذات والإشكالات المتعلقة بنصه قليل، كما أنها لم تُجمع فى صعيد واحد جمعًا متقصدًا لفن التحقيق، ولم تُرتب أو تهذب ليستفيد منها المحققون (4)، فى حين أن إنتاج المحققين فى الحديث النبوى محل البحث كثيرٌ ومتوافر، فحَـرِىٌّ إذًا أن يُدرس ويُستخرج منه ما يدفع ذلك القصور، وتُوضع ضوابط عملية للرقى بالبحث الحديثى، والله المستعان وعليه التكلان.
تمهيد
استعراض بعض نماذج القصور أو الأخطاء الواردة فى تحقيقات المعاصرين
بات مشاهدًا أن هناك رواجًا غير مسبوق لتواليف الحديث النبوى، وعلومه فى العقود الثلاثة الأخيرة حيث نُشِرت المئات وربما الآلاف من المجلدات والأجزاء الحديثية. ومع كونها تلك النشرات سَدَّت ثُـلْمَة كبيرة فى هذا الباب، بَـيْد أنها لم تخلُ من قصور غير مقصود غالبًا أو أخطاء تعاورتها، ومن ذلك:
1- عدم مطابقة التحقيق للقواعد العلمية (5): وقد تعرَّض بسبب ذلك التراث الحديثى إلى الكثير من التحريف والتصحيف والخطأ. والأمثلة فى ذلك كثيرة جدًا يعسر حصرها، وقد يوجد فى الكتاب الواحد أنواع من الخطأ. وتفَـقَّـد على سبيل المثال أى صفحة من صفحات كتاب (الكامل لابن عدى) الذى يعد من المصنفات المعتمدة فى الضعفاء وأحاديثهم؛ فستجد ألوانًا من التصحيف والتحريف والأخطاء (6)، بل والعبث بالنصوص، فكثيرًا ما تتحول (ابن) إلى (عن)، ويصبح الراوى الواحد راويين، ودَعْ عنك السَّـقْط، ففى حرف السين وحده مثلاً سقطت سبع تراجم متوالية حوت عشرات الأحاديث، ومع هذا يُزعم فى المقدمة أنهم اعتمدوا نسخة المكتبة الظاهرية التى حوت جميع التراجم الساقطة. (7)
2- عدم بيان النسخة المعتمدة: وهذا جَلِىٌّ فى الطبعات الأولى لبعض المصادر؛ حيث إن بعضها نُشر دون بيان الأصل المعتمد، مثل سنن أبى داود بتحقيق محيى الدين عبد الحميد، أو الطبعة الأولى لتاريخ بغداد، وغيرها (8) .
3- عدم تجلية مضامين بعض الرموز: التى ذُكرت فى بعض المصادر المهمة مثل رموز اليونينية، وغيرها.
4- إغفال السماعات والمقابلات: المذكورة فى حواشى المخطوطات مع كونها مهمة فى تجلية النص ذاته أحيانًا.
5- الاضطراب فى علاج فروق النسخ وكيفية التصويب: هل يكون فى صلب النص؟ أو يكون فى الحاشية؟ أو يكون بالتلفيق بين هذا وذاك؟.
6- الاضطراب فى منهج التحقيق: والتغيير فى ذلك فى الكتاب الواحد خصوصًا فى المطولات.
7- وجود الكثير من الأعمال العلمية التى لم تكتمل بعد.
8- اعتماد منهج التحقيق عند المستشرقين: والذى غلب عليه الإغراق فى بيان فروق النسخ الخطية وربما فيما لا فائدة فيه (9)
9- عدم توصيف المخطوط توصيفًا جيدًا.
10- إغفال الدراسة العلمية للمخطوط وإشكالات النسخ فى المقدمة.
11- التعريف بالمعروف بل المشهور: مثل التعريف بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، وبغداد ودمشق، وغير ذلك مما لا يحتاج إلى تعريف (10).
12- عدم القيام بفهارس لمضامين الكتاب (11).
ولو حاول أحدنا يجمع أخطاء المحققين والمآخذ على النشرات التجارية لطال الأمر جدًا، ولاحتيج إلى تسويد مجلدات كثيرة فى هذا الباب، فحسبك من القِلادة ما أحاط بالعنق. والأمر نفسه متعلق بأسباب ذلك، فهى كثيرة جدًا؛ ولكنها ترجع فى الغالب إلى ثلاثة أشياء هى:
أولاً: عدم كفاءة المحققين: حيث يعوز الكثير منهم معرفة القواعد، والضوابط الخاصة بهذا الفن، كما ينقص الكثير منهم المهارة الكافية والتدريب العملى والإتقان المطلوب، وربما القصد الصحيح أيضا لإخراج العمل سليمًا، فقد يكون القصد المادى هو المؤمَّل من وراء ذلك.
ثانيًا: عدم وجود مصنف خاص بتحقيق المادة الحديثية وعلاج قضاياها.
ثالثًا: هناك أسباب أخرى متعلقة بمتطلبات التحقيق: مثل صعوبة الوصول إلى النسخ، أو الوصول إلى أجودها أحيانًا، وقد ازداد هذا الأمر صعوبة مع كثرة الفهارس الموزعة فى أرجاء العالم مشرقًا ومغربًا، بحيث غدا أحيانًا الوصول إلى النسخ المطلوبة بالغ الصعوبة. ويضاف إلى ذلك أنه يندر وجود النسخ الخطية التى تخلو من التصحيف والتحريف، والخطأ، وغيرها من الأسباب. فكيف نعالج ذلك القصور، ونتلافى النقص الموجود؟ ذلك ما أحاول بيانه فى الآتى بتوفيق الله تعالى.
بيان كيفية علاج ذلك فى أربعة جوانب:
أُجْمل الحديث فى ذلك فى أربعة جوانب قدَّرتُ أنها تعالج ذلك القصور، وهى:
* الجانب الأول: وضع منهج متكامل لتحقيق النص الحديثى
ويسهم فى ذلك جملة من الاقتراحات هى:
1- تأليف مصنف شامل ذو بابين (12): الباب الأول فى التحقيق الأمثل للنصوص الحديثية خاصة: وفيه تتابع مسائله، وقضاياه، ويبين أحسن طريقة لعلاجها. فالملاحظ أن الكثير من المحققين لنصوص الحديث النبوى وعلومه، سواء كانوا باحثين فى دور النشر، أو طلاب الدراسات العليا (ماجستير، ودكتوراه) لا يكادون يجدون مرجعًا خاصًا بمنهج التحقيق فى الحديث النبوى وعلومه وكيفية دراسته (13). والقليل الموجود منه غير مستوعب ولا شامل لقضاياه، وعناصره مبددة فى عدد من المصنفات والمقالات. فنَزَارة التأليف فى ذلك، وتقادم البعض الآخر يجعل الحاجة ماسة لتأليف مستقل فى تحقيق النصوص الحديثية مجمع عليه إن أمكن لتحقيق المطلوب.
2- وضع قواعد عامة وضوابط خاصة للتحقيق: أعنى منهجية (14) متكاملة تكون جلية للمحقق، ومنها ما يتعلق على سبيل المثال باختيار النسخة، والنظر فيها: هل هى نسخة كتبها مؤلفها؟ أو أملاها وعرضت عليه؟ أو لم تعرض عليه؟ أو هل كتبها ناسخ متقن عن أصل مقروء؟ أو هل قرئت على عالم وقوبلت وصححت؟ أو هى عرية عن ذلك؟ أو هل هى نسخة فريدة لا ثانى لها (15)؟ وما هو الضابط السليم فى إخراج ماله نسخة واحدة؟ ونحو ذلك مما يتعلق بالنسخ.
3- كيفية علاج عناوين بعض المخطوطات التى اختلفت فى النسخة الواحدة، أو فى عدة نسخ، أو اشتهرت بغير عنوانها الأصلى لها (16) .
4- بيان الأنسب فى إصلاح الخطأ هل يكون فى صلب النص؟ أو يكون فى الحاشية وترك النص كما وَرَد؟ ومعرفة جدوى التعليق على النص لكون بعضهم يحاجج فى ذلك، ويرى ترك التعليق على النصوص.
5- ويتفرع عن السابق كيفية علاج اللحن الواقع فى النصوص أيصوب مطلقًا؟ أو يصوب ما كان قرآنًا كريما فقط؟ أو ما لا يحتمل إلا وجها واحدًا من حيث اللغة، وما الصنيع إن كان المؤلف نفسه لُحَنة (17)؟
6- تحديد الحد المناسب من ذكر الفروق بدقة هل تُذكر كلها؟ أو يذكر المهم منها فقط؟ وما هو الضابط فى ذلك؟ أو تعد المسألة تقديرية راجعة إلى المحقق نفسه؟
7- كيفية المعالجة العملية للسَّقْط والطمْس والخَرْم والضرْب، والحَكِّ والكَشْط، واللَّحَق والتصحيح والتضبيب، والتصحيف والتحريف، والتقديم والتأخير، والإضافة والزيادة.
8- كيفية التعامل مع السماعات والقراءات، والمقابلات والتعليقات والتملكات والوقفيات.
9- بيان كيفية الضبط السليم بالحروف والحركات لما يُحتاج إلى ضبطه من الألفاظ المُشكِـلَة والأعلام المشتبهة.
10- بيان الرموز أو الألفاظ التى وضعها المحدثون أو النساخ للدلالة على صنيع ما، وهى كثيرة ومتنوعة فى النسخ الخطية، مثل رموز الضرب واللَّحق والتصحيح والتضبيب، ونحوها.
11- التأكيد على الإخراج الفنى للنص وتنظيمه تنظيمًا يتطابق ومطالب العصر ؛ من وضع علامات الترقيم فى مواضعها، وضبط الفقرات إلى وحدات موضوعية، وتكبير العناوين واستقلالها بسطر، وربما توحيد الكتابة فى بعض الكلمات التى ما يزال الاختلاف فيها ماثلاً مثل مئة وداود، وغيرهما.
12- ربما يُستفاد من المستشرقين فى جانب محدد من التحقيق يختلف عن السابق، فمن المعلوم أن المستشرقين انصرفوا منذ زمن طويل إلى " الكوديكولوجيا " (18)، وهو العلم الذى يُعنى بدراسة العناصر المكونة للمخطوط كحوامل الكتابة (البَرْدى والرَّق والكاغد) , والمواد المستخدمة فىالكتابة (الأقلام والأمِدَّة (19) والألوان والأصباغ)، وكذا معرفة أحجام الصفحات وشكلها وتسطيرها وتزويقها وتذهيبها وتجليدها ومعرفة النساخ والخطاطين والوراقين والمزوقين والمزخرفين والمجلدين، وغير ذلك من شئون المخطوطات. كما أنهم أضافوا شيئًا ذا فائدة كبيرة وهو الدراسة المعملية الفيزيائية والكيميائية للمخطوطات باستخدام الكربون (14) فى معرفة تواريخ الرَّق أو الحِـبْر، ونحوها. وهذا ذو جدوى خصوصًا أن هناك مجموعة كبيرة من المخطوطات الحديثية فُقدت منها الورقة الأخيرة أو الأولى، حيث يُعرف تاريخ النسخ والناسخ، ونحوها مما هو مفيد فى هذا الباب.
والخلاصة أن المخطوط أصبح يعامل فى علم الكتاب المخطوط (الكوديكولوجيا) على أنه قطعة أثرية يعرف من خلال دراستها وتحليلها ومكوناتها الشىءُ الكثيرُ الذى يحتاجه المحقق للنص ذاته، والمريد للاستفادة منه (20).
* الجانب الثانى: وضع منهج متكامل لدراسة المخطوط
مقدمة:
تشكل دراسة القضايا العلمية للمخطوط أهمية رئيسة حيث يجب التفريق بينها وبين تحقيق النص، فالدراسة العلمية للنص تكشف بوضوح عن مضامين المخطوط والإضافة العلمية له، كما تبرز براعة المحقق فى الولوج إلى أعماق النص، وسبر أغوار مؤلفه سْبرًا جيدًا، بل إن المقدمة الدراسية لا تتم إلا بذلك. وقد أغفل كثير من المحققين دراسة المخطوط وقضاياه فبقى المخطوط معمًّى لم يُكشف مكنونه. وهنا تأتى أهمية التنويه بالعمل فى هذا الجانب والإرشاد إلى ما يُرَقِّى العمل فيه. ومن المعلوم أن المادة الحديثية تتميز عن غيرها أيضا ببعض الفنون الخاصة بها، فليس فى العلوم الأخرى مؤتلِف ولا مختلِف، ولا متفِق ومفتِرق، ولا مُصَحَّف ولا متشابِه، ولا مُبْهم ولا مُهْمََل، وإن وُجد فهو عارض. أما فى الحديث النبوى فهذه قضايا أساسية؛ لأنها متعلقة بالشق الثانى من الحديث وهو الإسناد. كما أن الباحث فى دراسة المواد الحديثية كثيرًا ما يقف حائرًا إلى أى المصادر تعود هذه المسألة أصالة؟ لاسيما مع تكاثر المصنفات، وتداخل كثير من موضوعاتها، وعدم تمييز المعتمد منها فى تلك المسألة. وبناءً على ذلك فسيكون الحديث هنا عن الجزء الثانى المتمم للأول، وهو الجانب الدراسى، ويشمل هذا أيضًا جملة من الاقتراحات هى:
1. وضع مصنف خاص مكمل للأول، أو هو الباب الثانى منه، ويخصص لدراسة المسائل العلمية التى سيقت فى المخطوط، ويكون هذا الباب جامعًا فى صعيد واحد للمصادر العلمية التى يحتاجها الدارس للمخطوط الحديثى، مع شرح مضمونها بإيجاز شديد، بحيث تقرب إلى الباحث عناوينها ومجمل مضامينها، ليصل إلى البغية بيسر وسرعة.
ويجمع ذلك المصنف قوائم تتضمن التالى:
* مصنفات تخريج الحديث النبوى التى وضعت لمختلف الفنون: الحديث والفقه والأحكام والأصول والعقيدة، وغيرها.
* مصنفات أصحاب الرواية مرتبين حسب تاريخ وفاة مصنفيها مثل الكتب الستة والمسانيد والمصنفات والمعاجم والمشيخات والصحائف والأجزاء ومصنفات العلل.
* أئمة النقد مرتبين تاريخيًا.
* كتب الرجال: وهى كثيرة جدًا يعجز كثير من الباحثين عن استذكارها عند الحاجة، ويمكن أن نذكر منها إجمالاً: كتب الصحابة والثقات والجرح والتعديل والسؤالات والتواريخ العامة والخاصة، وتواريخ البلدان، وطبقات المحدثين، والحفاظ، والفقهاء، والقضاة، والوفيات.
* معاجم الشيوخ، والمشيخات، والأثبات، والفهارس، والبرامج.
* مصنفات الضعفاء، والوضاعين، وأصنافهم ممن تُكلم فيه مثل المدلسين، والمراسيل.
* كتب الكُنى والأسماء، والألقاب، والأنساب، والقبائل.
* كتب المؤتلِف والمختلِف، والمتفِق والمفترِق، والمشتبِه والملتبِس، والتصحيف والتحريف، والمُهمَل والمُبْهم، ونحوها.
* الشروح الحديثية للكتب الستة، وموطأ مالك، ومصابيح السنة للبغوى، ومشكاة المصابيح.
* كتب غريب الحديث.
* وقد يحتاج المحقق معرفة بعض المصنفات المعتمدة فى علوم أخرى؛ لاسيما عند تحقيق كتب الشروح الحديثية التى تورد مواد متعلقة بعلوم شتى مثل اللغة، أو الأدب أو الفقه أو الأصول أو العقيدة أو التاريخ، ونحو ذلك. فإن الأوْلى أن يجمع ذلك كله فى موضع واحد، مع نبذة مختصرة عن موضوعه، ليكون عونًا للباحث فى بحثه.
2. بيان كيفية توصيف النسخ توصيفًا دقيقًا حيث إن البعض لا يرى ذلك واجبًا؛ مع أن التوصيف ضرورى للتعرف على النسخة والكشف عن مضمونها.
3. وضع ضوابط للتخريج، ومتى يلجأ إلى التوسع، أو الاختصار فيه؟
4. كيفية معالجة العلل، وطرق الكشف عنها.
5. وضع ضابط محدد لترجمة الأعلام، هل يترجم للمشهور أو المعروف أو المغمور؟ وهل يترجم للكل أو للبعض؟ أو بحسب الحاجة؟
6. التوثيق للمصادر والمعلومات، والوصول إلى منهج واحد صحيح فى ذلك: فمن المعلوم أن التوثيق أصبح من الأركان الأساسية فى البحث، وإتقانه جزء أساسى، وليس ثانويًا. وقد درَجت المؤسسات العلمية فى كثير من الدول التى لا ينقطع فيها سيل البحوث فى التخصصات المختلفة أن تضع منهجًا خاصًا فى التوثيق فى كل عِلْم، فالمنهج المتبع فى التوثيق فى علم النفس غير المنهج المتبع فى علم الاجتماع مع كونهما يقعان ضمن العلوم الإنسانية، فكيف بالعلوم الأخرى؟؟
نقول ذلك لأنه قد غزا المؤسساتِ الجامعيةَ العربيةَ والإسلاميةَ فى السنين الأخيرة مناهجُ متعددة للتوثيق مستجلبة من الغرب والشرق؛ حتى غدا التوثيق المشهور عند الباحثين العرب والمسلمين غير مرغوب فيه فى كثير من المجلات المحكمة، واضطر الباحثون لإعادة كتابة بحوثهم على النسق المرغوب، لاسيما وأن بعضًا من المنهج المجلوب لا يُلبى المطلوب من الدقة فى التوثيق.
7. استحداث نمط متفق عليه للتوثيق من مواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت): وهذه قضية ينبغى إيجاد حل موَحَّد لها، فالإفادة من المواقع الإلكترونية أصبح واقعًا، ومع ذلك فالتوثيق من تلك المواقع ما يزال مرتبكًا عند الباحثين، ولا يفى بالمنهج الصحيح، لاسيما أن هناك أنماطًا مختلفة من التخزين فى هذه الشبكة الهائلة المترامية الأطراف. فهناك مواقع خاصة بالحديث النبوى، وأخرى بالدراسات المتعلقة به، وهناك مواقع شخصية حوت تخريجات للحديث النبوى، وهناك مجَّلات علمية، ومواقع تابعة لمؤسسات رسمية، وخاصة تعنى بالدراسات الإسلامية، فما هو الأمثل فى التوثيق منها؟
8. العناية بالفهارس والكشافات: فالمخطوطات كتاب مقفل لا يعرف مكنونها إلا بالكشف الدقيق عن محتوياتها. وقد قام بذلك بعض الرواد أحسن قيام (21) فيما تخلف هذا عند البعض من المحققين، أو وقع تقصير فيه بحيث اكتفى بفهرس واحد أو اثنين لا يفيان بكل المطلوب.
* الجانب الثالث: روافد أخرى: التأليف والبرمجة والتدريب
إن باب خدمة السنة النبوية باب واسع جدًا يسع جهود كل المخلصين الحادِبين على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أنواع خدمتها مما يكون رافدًا لما ذكر آنفًا:
1. وضع فهرس لفهارس المخطوطات: ذلك أن المصادر الكبرى العامة المبينة للنسخ الخطية (22) لم تعد كافية، وقد اقترح بعض المهتمين اقتراحًا هو حُلْم قديم راود الكثيرين ألا وهو تأليف كتاب جامع لأشتات فهارس المخطوطات (23). وأولى الخطوات التى ذكروها هى وضع قوائم وكشافات لمجموعات مخطوطات الخزائن تمهيدًا لوضع فهارس علمية مبنية على قواعد ثابتة. ولتحقيق هذه الغاية؛ يجب القيام بمسح شامل لهذا التراث على مستوى البلاد العربية ثم البلاد الإسلامية، ثم يختم بإحصاء للمخطوطات العربية المحفوظة فى خزائن العالم. وأضافوا ان بعض عناصره الأساسية هى وضع فهارس علمية أولاً، ثم وضع الفهارس الموحدة (catalogues collectifs) التى تعتبر اللبنة الأولى لوضع فهرس دولى موحد يضم جميع المخطوطات العربية، ثم القيام بفهارس حسب الفنون كفهارس المخطوطات الطبية، والفلاحية وكتب الصنعة وغيرها، ثم فهارس بالمخطوطات الفريدة والنادرة، وأخرى بالمخطوطات المؤرخة، وأخرى بالمخطوطات القديمة أو الأصلية، وأخرى بالمزخرفة والخزائنية، أو فهارس خاصة بمخطوطات عالم واحد مختصرة أو مطولة، إلى غير ذلك من الفهارس العلمية. (24) وهذا الاقتراح حرى بالدراسة، وهو ممكن التطبيق، لاسيما إذا عرفنا أن الكثير من المخطوطات فى العالم فُهرس، ولا يستحيل إضافة الباقى.
2. إعادة برمجة المصادر الحديثية برمجة متقنة من حيث المقابلة والتحقيق والإخراج، فالموجود إلى يومنا هذا لا يلبى المعايير العلمية (25). ومن المعلوم أن أكثر طلاب الجامعات أصبحوا لا يستخدمون مصادر التخريج التى تعارف عليها المعتنون بالحديث مثل المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى أو مفتاح كنوز السنة أو الفهرس الخاصة بمصنفات الحديث، وغدًا غايتهم فى تخريج الحديث هو العثور على برنامج تخريج سريع، أو الوصول إلى موقع خرج الحديث من خلال الشبكة العنكبوتية.
3. دراسة جهود المحققين الرواد والتعريف بمناهجهم فى التحقيق والإفادة من علاجهم لقضاياه.
4. دراسة بعض أعمال المستشرقين الذين كانت لهم عناية بخدمة التراث الحديثى للاطلاع على مناهجهم فى ذلك، وربما الإفادة منه.
5. إعادة تحقيق وإخراج بعض دواوين السنة المعتمدة مثل الشروح الحديثية وغيرها، التى لم يُعْنَ بها العناية الكافية، وإخراجها إخراجًا يليق بها من اعتماد نسخ خطية معروفة وموثقة، وبيان فروق الروايات فيها ما أمكن ذلك، وخدمتها حسب الحاجة دون تطويل ولا تقصير. والأمل أن تكون لها عناية مثل ما حصل للقرآن الكريم؛ فالكل وحى من الله تعالى. ومن العجب أن بعضًا من مدونات الحديث النبوى المعتمدة لم تجد من يعيد إخراجها وتحقيقها تحقيقًا علميًا إلى يومنا هذا، مع كثرة دور النشر وتأسيس الجامعات وظهور المؤسسات العلمية الكبيرة فى طول العالم الإسلامى وعرضه.
6. توحيد ما أمكن من المصطلحات التى تطلق فى التحقيق، ذلك أن لكل صناعة ألفاظًا، وهناك شىء من الاختلاف فى ذلك بين المحققين حسب مواضع دراستهم، ومؤسساتهم التى تخرجوا منها، وخصوصًا بين المغاربة والمشارقة.
7. تكثيف الجهود لتحقيق أكبر عدد ممكن مما زال حبيس الجدران من المصادر الحديثية والأجزاء والمشيخات، وكتب الرجال المختلفة.
8. استحداث برنامج متطور يحوِّل نصوص المخطوطات إلى نص (word) يمكن التحكم فيه؛ لتسهيل عملية نسخ المخطوطات.
9. تخصيص ملتقيات علمية دورية ومنتظمة لأصحاب الاختصاص؛ لدراسة قضايا التحقيق المشكلة أو المختلف فيها لإيجاد حل، أو تقريب وجهات النظر حولها طبقًا للمنهج العلمى. وينبغى أن يخطط لتلك اللقاءات تخطيطًا جيدًا من حيث الموضوعات المراد بحثها؛ دفعًا للعشوائية أو السطحية فى تناولها.
10. جمع جهابذة التحقيق الأحياء فى ملتقيات والحديث عن تجاربهم (26) ؛ وقد قيل "تجارب المتقدمين مرايا المتأخرين" ذلك أن لكل محقق خبرات وتجارب لا يعرفها سواه، كما أن إحكام الصنعة وتراكم الخبرة إذا لم تدون وتقرب للتالى - فإنها تنتهى بانتهاء مالكها، والقليل القليل مَن دَوَّن أو نشرَ خبرته، وكم ضاع من فوائد وجهد فى هذا الباب !!
* الجانب الرابع: شروط أخرى يجب توفرها فى المحقق
كل علم يحتاج فى إتقانه إلى اكتساب مهارة، واكتساب آداب معينة خاصة به، ولست بسبيل أن أورد ذلك مطولاً، ولكن حسبى أن أشير إلى ثلاث دعامات أساسية أرى وجوب توافرها لتحقيق النصوص النبوية، وهى:
* الأمانة العلمية: إن فقدان هذا الأدب من الأسباب القوية لوجود ذلك القصور، ولو توفرت الأمانة العلمية عند المحققين لقل الكثير من الأخطاء، أو زالت إلى حد كبير.
* المهارة والإتقان: فالتحقيق صناعة مثل سائر الصناعات يقويها التدريب، ويثقفها الإتقان، وقلما تجد داخلاً فى هذا السبيل قد تدرب تدريبًا كافيًا، وحذق أدواة الصنعة، وتعلم كيف يعالج إشكالات النصوص. وقد أحسنتْ بعض الجهات العلمية فى عدة بلدان عندما أقامت دورات متكررة لتدريب الراغبين فى ذلك.
* التمكن من التخصص، والحد الأدنى من العلوم الشرعية واللغوية: ودون ذلك سيؤدى حتمًا إلى أخطاء وتحريفات وتصحيفات، وربما أوصل إلى طمس المعنى كليًا (27).
الخاتمة
أخلص بعد هذا العرْض العام إلى القول بأن تحقيق النصوص الحديثية بحاجة ماسة إلى تصنيفٍ خاص جامع لمسائلها، ضابط لقواعدها، حال لإشكالاتها، معالج لقضاياها، ومبينٍ لكيفية الكشف عن مضمونها. يقول أحد المعاصرين: «إن علم المخطوطات تجارب تحتاج إلى التقعيد، وقواعد تحتاج إلى المصطلحات، واصطلاحات تحتاج إلى التعريفات، وضوابط تحتاج إلى التقنين، ومعارف تحتاج إلى التدوين، وخبرة تحتاج إلى التلقين». (28) وهذه كلمة جامعة مفيدة كل جملة منها هى عمل مستقل بذاته.
ولا يفوتنى أن هناك جهودًا مشكورة تبذل هنا وهناك لأكثر ما قلتُ وسطَّرتُ، ولعل الجهود تجمع إلى الجهود، والقطرة إلى القطرة فتؤتى ثمارها بإذن ربها ولو بعد حين.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قائمة المصادر
* أعمال المؤتمر الافتتاحى لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامى – لندن 1992م.
* تكشيف نصوص التراث العربى والأجنبى، كمال عرفات نبهان، ط 1 القاهرة: مكتبة الإمام البخارى 1430هـ.
* الحديث الشريف وتحديات العصر – الندوة العلمية الثانية، دبى: كلية الدراسات الإسلامية والعربية 1426هـ.
* ضبط النص والتعليق عليه، بشار عواد معروف، القاهرة: مكتبة الإمام البخارى 2010م.
* العقد الفريد، أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى، ط 3 دار النشر: دار إحياء التراث العربى - بيروت - 1420هـ - 1999م.
* فى المخطوطات العربية قراءة تطبيقية، إسماعيل مروة، دمشق: دار الفكر 1997م.
* فى المخطوطات والتراث، كمال عرفات نبهان. ط1 القاهرة: مكتبة الإمام البخارى 1429هـ.
* الكامل، ابن عدى دار الفكر: بيروت سنة 1985 م.
* كيف تقرأ النص التراثى؟ محمد حماسة عبد اللطيف ط 1 القاهرة: مكتبة الإمام البخارى 1420هـ.
* مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد الميدانى النيسابورى، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، دار النشر: دار المعرفة - بيروت.
* محاضرات فى تحقيق النصوص، هلال ناجى، بيروت: دار الغرب الإسلامى 1994م.
* المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربى، فرانسوا ديروش، ترجمة أيمن فؤاد سيد، لندن: مؤسسة الفرقان 2010م.
* المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، دار النشر: دار الدعوة، مجمع اللغة العربية.
* مقالات محمود الطناحى، ط1، بيروت: دار البشائر 1422هـ.
* مقدمة أحمد محمد شاكر لسنن الترمذى، ط2، القاهرة: مصطفى البابى الحلبى 1398هـ.
* مناهج تحقيق التراث، عباس هانى الجراح، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية 2010م.
* نظرات فى قضية المصطلح العلمى - الشاهد البوشيخى، ط1، فاس 2006م.
العودة لصفحة المؤتمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسبه له ابن عبد ربه فى العقد الفريد (5/ 301).
(2) مجمع الأمثال للنيسابورى (1/61)، أى لا تستعن إلا بأهل السن والتجربة. وأعطاه الأستاذ محمود الطناحى تفسيرًا جديدًا، وهو أنه يمكن أن يوجَّه على معنى: لا تنافِسْ إلا بشيء ذى قدْرٍ ونفعٍ. انظر المقالات له (2/705).
(3) جاء فى مقدمة كتاب المدخل إلى علم الكتاب المخطوط ص (16) "أنه يوجد فى العالم نحو (50.000) مخطوط يونانى، ونصف مليون مخطوط لاتينى. أما المخطوطات المكتوبة بالحرف العربى فتبلغ – تبعًا لتقدير بعض المتخصصين – نحو سبعة أو ثمانية أضعاف هذا الرقم". وهذا يعنى أن عددها التقريبى هو أربعة ملايين مخطوط. ويبالغ بعضهم فى ذلك فيجعلها خمسة ملايين فى الدول الإفريقية فحسب. ومن المؤكد أن كثيرًا منها غير صالح للتحقيق والنشر، كما أن الكثير منها ليس عربى اللسان، وإن كان مكتوبًا بالحرف العربى.
وقد ذكر جيفرى روبر Geoffrey Roper رئيس وحدة المراجع الإسلامية فى مكتبة جامعة كمبريدج فى كتابه الذى قام فيه بمسح المخطوطات العربية والإسلامية المكتوبة بالحرف العربى عبر القرون، والذى عَنْوَنَه بـ (World Survey of Islamic Manuscripts)، وقد ترجمته مؤسسة الفرقان، ذكر جيفرى أن هناك (129) لغة تستخدم الحروف الهجائية العربية، تمتد من المحيط الأطلسى غربًا إلى بحر الصين شرقًا، ومن زنجبار جنوبًا إلى شواطئ نهر الفولجا شمالاً. انظر: مقدمة المدخل إلى علم الكتاب المخطوط – فرانسو ديروش.
وجعل الأستاذ أحمد شوقى بنبين العدد يتراوح ما بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين مخطوط. انظر: مقاله ما المخطوط؟ فى ملتقى أهل الحديث، قسم المخطوطات، حاشية رقم 23.
(4) راجعتُ قائمة البحوث والدراسات والمؤتمرات والندوات الدولية حول التحقيق فألفيت أن أكثرها يتناول التحقيق بصورة عامة، ولم أر ما هو خاص بالحديث سوى عدد ضئيل من التواليف، منها توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين لموفق بن عبد الله، وعناية المحدثين بتوثيق المرويات لأحمد نور سيف، وضبط النص والتعليق عليه لبشار عواد. انظر القائمة فى منهج تحقيق التراث لعباس هانى الجراح (ص 22) فما بعدها.
(5) قال محمود الطناحى " أستطيع أن أقول دون توقف، أو تردد: إن كثيرًا من هذا الذى يخرج الآن من تراثنا محققًا لا صلة له بالعلم، وبعلم تحقيق النصوص ". المقالات (2/672). وانظر أيضًا: نظرات فى قضية المصطلح العلمى فى التراث للشاهد البوشيخى (ص 31).
(6) المقصود هنا الطبعة الثانية له فى دار الفكر ببيروت سنة 1985 م، وقد كتب فى الغلاف: " تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المتخصصين بإشراف الناشر ".
(7) الكثير مما طبع سابقًا وما يطبع الآن يفتقر إلى قواعد التحقيق العلمى، ولست بسبيل تعدادها فذلك يطول جدًا، ولكن حسبك أن تلقى نظرة عجلى على مقدمات بعض المحققين المتقنين حول الطبعات السابقة عليهم، أو تصفح أى موقع من مواقع الحديث النبوى المتخصصة مثل ملتقى أهل الحديث أو الألوكة؛ فستجد الشكاوى تترى مما اعترى كتب الحديث النبوى فى تحقيقات المحققين، القدامى منهم والمُحدَثين.
(8) مثل المصادر الحديثية التى طبعت فى بولاق وغيرها. انظر: مقدمة سنن الترمذى لأحمد شاكر (1/18)، ومقالات محمود الطناحى (2/663).
(9) انظر: منهج تحقيق التراث لعباس هانى الجراح (ص 13).
(10) انظر إلى ما كتبه بشار عواد فى ضبط النص والتعليق عليه (ص 8) حول من فعل ذلك.
(11) مثل خلو طبعات مطبعة بولاق (1820 م) من الفهارس، مع ما لها من وجه مشرق فى خدمة الحديث النبوى بإصدارها لبعض المصنفات الحديثية، وربما كان لعدم أهميتها فى نظرهم؛ لكن الأعجب من ذلك أن بعض التحقيقات المعاصرة تخلو من فهارس كاشفة؟!
(12) ويستحسن أن يكون على صورتين: مصنف بسيط يستغرق معظم القضايا المتعلقة بالتحقيق، أو كلها ما أمكن ذلك. وآخر مختصر يحوى عموم القضايا التى يحتاجها عامة المحققين المستقلين، أو التابعين لدور النشر والمكتبات التجارية، وكذا الباحثين فى رسائل الماجستير والدكتوراه الذين اختاروا التحقيق سبيلاً.
(13) أكثر من ألف فى تحقيق النصوص، ومسائله هم الذين لهم عناية باللغة والأدب والشعر، ثم يليه التاريخ؛ كما هو فى القوائم التى جاءت فى كتاب مناهج تحقيق المخطوطات لعباس (ص 48)، وكذا ما ذكره إسماعيل مروة فى المخطوطات العربية قراءة تطبيقية (ص 230).
(14) ولطالما سُمِـعَـت الشكوى من أن التحقيق علم لم ينضبط منهجه بعد، وأن هناك صعوبة كبيرة فيه، مما أدى إلى الشعور بالنفور من الدخول فى هذا المهيع والتخوف منه.
(15) انظر: خطورة الاعتماد على النسخة الواحدة فى محاضرات فى تحقيق النصوص لهلال ناجى (ص 37).
(16) انظر المصدر السابق ص (7).
(17) مثل ابن عدى وابن شاهين ومحمد بن وضاح الأندلسى ومحمد بن طاهر المقدسى، وطائفة من أهل العلم، كما هو مذكور فى تراجمهم.
(18) انظر: المدخل إلى علم الكتاب المخطوط، فرانسوا ديروش (ص 44) فما بعدها. وهى كلمة مكونة من لفظتين يونانية، ولاتينية (codex - logos)، وجمع بينهما فيقال فى اللغة الانجليزية، والفرنسية: (Codicology، Codicologie). وانظر أيضًا مقال مصطفى طوبى فى المخطوطات والتراث لكمال عرفات نبهان (198).
(19) الأمدة: جمع مِـداد، وهو السائل الذى يكتب به كما فى المعجم الوسيط (2/858).
(20) مقدمة أيمن فؤاد سيد للمصدر السابق (ص 9) فما بعدها.
(21) مثل صنيع الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - فى تحقيقه لمسند أحمد ورسالة الشافعى.
(22) مثل تاريخ التراث العربى لفؤاد سزكين، وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان، وغيرهما. قال الأستاذ رمضان ششن فى مقالته:" ونحن الآن بحاجة إلى المزيد من المؤلفات على غرار كتابى بروكلمان، وسزكين..". أهمية المخطوطات الإسلامية، أعمال المؤتمر الافتتاحى لمؤسسة الفرقان ص (109).
(23) انظر مقال الأستاذ الدكتور أحمد شوقى بنبين مدير الخزانة الحسنية ـ الرباط على الشبكة العنكبوتية بعنوان " نحو تأسيس علم مخطوطات عربى: التجربة الغربية ". مجلة مركز ودود للمخطوطات – باب الفلك المشحون.
(24) وقد قامت بما هو قريب من هذا لثقافتها إحدى المؤسسات الغربية، فجمعت التراث الغربى من كل اللغات الأوروبية فى لغة واحدة هى الإنجليزية، وصدرت تلك الموسوعة فى ستين مجلدًا (60) بعنوان " الكتب العظمى فى الحضارة الغربية " Great Books of the Western World، وقد غطى ذلك ثلاثة آلاف عام فى كل فروع المعرفة التى أنتجها الفكر الغربى. انظر: تكشيف نصوص التراث العربى والأجنبى لكمال عرفات نبهان ص (22، 233) .
(25) انظر بحث الحديث الشريف وتحديات العصر المنشور فى الندوة العلمية الدولية الثانية (2/770) دبى 1426هـ.
(26) كما فعلت مؤسسة الفرقان فى بعض مؤتمراتها فاستدعت كبار المحققين للحديث عن تجاربهم، وإلقاء محاضرات متعلقة بقضايا المخطوطات، وكان منهم فى مؤتمرها الأول محمود شاكر من مصر، ورمضان ششن من تركيا، وحمد الجاسر من السعودية، وغيرهم. رحم الله الجميع. انظر: أعمال المؤتمر الافتتاحى لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامى – لندن 1413.
(27) انظر: كيف تقرأ النص التراثى لمحمد حماسة (ص 38، 40) حيث بيَّن من خلال أمثلة أن العلم بالعرُوض، والحس به يوقف على أخطاء وقع فيها كبار المحققين.
(28) مقال للدكتور أحمد شوقى بنبين مدير الخزانة الحسنية - الرباط بعنوان " نحو تأسيس علم مخطوطات عربى: التجربة الغربية ".