المنهج الأمثل فى أصول تحقيق المخطوطات قديمًا وحديثًا

 

أ.د. عامر حسن صبرى التميمى

أستاذ فى كلية الحقوق بجامعة المملكة -مملكة البحرين

العودة لصفحة المؤتمر   

  التمهيد، وفيه أهمية دراسة المخطوطات.  
   المحور الأول: أصول التحقيق قديمًا وحديثًا. 
        المطلب الأول: طريقة التحقيق عند المتقدمين. 
        المطلب الثانى: تاريخ بدء التحقيق حديثًا، وأهم التجارب فى ذلك.
        المطلب الثالث: آفاق تطور أدوات التحقيق فى زماننا.
  المحور الثانى: الضوابط التى يجب أن تتوفر فى محقق كتب التراث. 
  المحور الثالث: المنهج المتبع فى تحقيق النصوص. 
       المطلب الأول: اختيار الكتاب للتحقيق.
       المطلب الثانى: جمع نسخ الكتاب.
       المطلب الثالث: دراسة النسخ.
       المطلب الرابع: منهج التحقيق.
           1- نسخ المخطوط .               2- المقابلة .                3- معالج السقط .
           4- التعليق والشرح .               5- متممات لا بد منها.
  المحور الرابع: مآخذ على بعض التحقيقات. 
  خاتمة، فيها خلاصة ما تقدم، وأهم التوصيات. 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه الأخيار والأبرار الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذا بحث موجز عن منهج تحقيق المخطوطات عموما، وكتب الحديث خصوصًا، للمشاركة فى فعاليات المؤتمر الأول لخدمة السنة النبوية بعنوان (السنة النبوية بين الواقع والمأمول)، المنعقد بتاريخ 21-23 صفر الخير 1433، الموافق 15-17 يناير 2012، فى مركز الأزهر للمؤتمرات بالقاهرة، مقدمًا شكرى الجزيل لمن كان سببًا فى إقامة هذه الندوة العلمية المباركة، التى أرجو – كما يرجو الجميع- أن ترسى قواعد من العلم، وتكون فاتحة خير، وسُنة حسنة يُكتَب لأصحاب هذه الندوة أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

ويدور الحديث فيه حول تمهيد، وأربعة محاور أساسية، وخاتمة.

التمهيد وفيه: أهمية دراسة المخطوطات. 

المحور الأول: أصول التحقيق قديمًا وحديثًا.

المحور الثانى: الضوابط التى يجب أن تتوفر فى محقق كتب التراث.

المحور الثالث: المنهج المتبع فى تحقيق النصوص.

المحور الرابع: مآخذ على بعض التحقيقات.

وخاتمة، وفيها خلاصة ما تقدم، وأهم التوصيات.

وأخيرًا: أستغفر الله تعالى من الزلل، وأستعين به على سد الخلل، وأتوكل عليه طالبًا السداد والرشاد والمغفرة، والحمد لله رب العالمين بدءًا وانتهاء.

  التمهيد

إن المخطوطات تعدُّ كنزًا مكنونًا من كنوز حضارتنا، فقد سجّل فيها علماء الإسلام أنواعًا شتى من حقول المعرفة، يدفعهم فى ذلك حبّهم لدينهم، وانتمائهم لأمتهم، ولهذا فإنه يَحِقُّ لنا أن نفخر بهذا التراث الحضارى العظيم ونعتزَّ به، ولا بد من السير قُدُما فى مجال البحث والتنقيب والخدمة لهذه المكنون العظيم، حتى تتم الاستفادة منه بالصورة المرجوّة، ولكى تستعيد الأجيال الناشئة ذاكرتها التاريخية، وتتعرف على ماضيها التليد الذى هو مصدر العزَّة والكرامة، لتمزج عبق الأصالة برونق المعاصرة، وبأسباب التقدم، ومظاهر الازدهار، ولهذا فإن الحفاظ عليه ونشره يعد من فروض الكفايات.

إن الاشتغال بالمخطوطات وإخراجها إخراجًا مناسبًا يقرِّب الأجيال المعاصرة من المسلمين إلى هذا المكنون الحضارى لأمتنا، وهو خير كفيل لأبعادهم عن الأفكار الهزيلة والدخيلة التى لا تنشئ جيلا، ولا تبنى مستقبلا، ولهذا فإنا نرى ضرورة إعادة النظر فى مناهج التعليم فى بلادنا بدءًا من المراحل الأولى، وانتهاءً بالجامعة والدراسات العليا.

وقد تنبه الغيورون على هذه الأمة إلى أهميتها، فأُنْشِئت المراكز العلمية فى العالم الإسلامى، بالإضافة إلى الجامعات العربية والإسلامية، والتى كان هَمُّها جمع المخطوطات المبعثرة فى أرجاء المعمورة، وحثُّ الأساتذة المتمرسين على تحقيق المناسب منها، ودفع طلبة الدراسات العليا للاستفادة منها فى بحوثهم، أو تسجيل بعضهم لموضوعات رسائل للماجستير والدكتوراه.

  المحور الأول 

أصول التحقيق قديمًا وحديثًا

  المطلب الأول: طريقة التحقيق عند المتقدمين.

سلك أهل العلم عمومًا، وأهل الحديث خصوصًا، مسالك منوعة فى توثيق الكتاب وإبعاده عن العبث والتحريف والتزوير، ولهذا كانوا يحرصون على توثيقه بالسماعات والتصحيحات والمقابلات وغير ذلك (1)  ، وكان يتم ذلك من طريق مجالس التحديث، ووضعوا قواعد للتحمل والأداء ذُكِرَت فى كتب مصطلح الحديث، وهى: (السماع من لفظ الشيخ، والعرض على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والكتابة، والإعلام، والوصية، والوجادة)، وسلكوا فى إثباتها سبلاً تطبيقية كثيرة، كانت كفيلة فى توثيق السنة وحفظها.

وقد تناولت كتب علوم الحديث فصولاً كثيرة تتحدث عن ضوابط كتابة الحديث وآدابه وفنونه، كما وضعت كتب مستقلة تؤكد هذا المعنى، منها:

1- المحدث الفاصل بين الراوى والواعى، للرامهرمزى: الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد (ت 360هـ).

2- الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع، للخطيب البغدادى: أحمد بن على (ت 463هـ).

3- جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر: يوسف بن عمر القرطبى (ت 463هـ).

4- الإلماع فى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، للقاضى عياض بن موسى اليحصبى (ت 544هـ).

1- أدب الإملاء والاستملاء، لأبى سعد السمعانى: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمى المروزى (ت 562هـ).

2- تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم، لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت 733هـ).

ولهذا فإننا نؤكد بأن علم تحقيق النصوص قد ظهر فى ثنايا كتب المحدثين، فهم الذين سبقوا غيرهم فى وضع أسسه وأركانه، وتفوقوا فيه على غيرهم، وفى هذا المعنى يقول الدكتور موفق عبد القادر: (وحرى لمن يتصدر لتحقيق كتب التراث أن يطلع على منهج التحقيق وتوثيق النصوص عند المحدثين، بغض النظر عن ثقافته أو اتجاهه، حفاظًا منه على دقة الأداء، وسلامة المنهج الذى يجب أن يسير عليه فى تحقيق وتوثيق النصوص) (2).

ويشير الدكتور محيى هلال سرحان إلى أن معرفة التحقيق وتوثيق النصوص إنما هو صنيعة علماء السلف قبل أن تتعرف إليه أوربا، فيقول: (إن هذا العلم لم تعرفه أوربا إلا فى وقت متأخر، وأغلب الظن أن ذلك يرجع إلى تاريخ اختراع الطباعة فى القرن الخامس عشر حين اهتموا بإحياء الآداب اليونانية واللاتينية، فكانوا يطبعون الكتاب كما هو دون البحث عن النسخ الأخرى له، ولما تقدم علم الآداب القديمة اضطرتهم الحاجة إلى الاستفادة من النسخ الأخرى للكتب، لكن دون أن يكون هناك منهج أو ضوابط للتصحيح أو للتحقيق حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث وضعوا أصولاً علمية لنقد النصوص، ونشر الكتب القديمة)  (3).

  المطلب الثانى: تاريخ بدء التحقيق حديثًا، وأهم التجارب فى ذلك.

اختلف الباحثون فى تاريخ بدء التحقيق وتحديده، ويغلب الظن أن تكون محاولاته الأولى قد بدأت فى القرن الثامن عشر الميلادى أو التاسع عشر.

وهناك مدارس مختلفة فى تحقيق المخطوطات، فمن هذه التجارب تجربة المستشرقين، فإنه نتيجة اتصال الغرب بالشرق وسيطرته السياسية والعسكرية والثقافية على العالم الإسلامى فقد تمت دراسة مجموعات كبيرة من المخطوطات العربية فى شتى الفنون، وقام بتحقيق بعضها عدد من المستشرقين ممن درس اللغة العربية، وكان طريقتهم فى التحقيق منحصرة تقريبا على إثبات النص كما كتبه مؤلفه، وذلك بحصر نسخ الكتاب، والقيام بالمقابلة، وتثبيت الاختلافات بينها، هذه هى طريقة المستشرقين، وتابعهم على ذلك بعض من المحققين فى عالمنا الإسلامى.

أما التجربة المشهورة فهى تجربة أكثر علماء المسلمين، ومنها تجربة روّاد تحقيق المخطوطات فى عالمنا المعاصر فى مصر والشام والعراق والجزيرة العربية وغير ذلك، وطريقتهم: تثبيت طريقة المستشرقين، والإتيان بقواعد إضافية، وهو ما يسمى بخدمة النص، وسوف نشير إليها بالتفصيل فى المحور الثالث، وهذه الطريقة هى المشهورة اليوم فى عالم التحقيق، فإن الغاية فى ذلك تقريب التراث إلى الأمة، وإبراز الجوانب المضيئة فيه، وسوف نبرز هذا الأمر لاحقًا.

  المطلب الثالث: آفاق تطور أدوات التحقيق فى زماننا:

لا شك أنه اجتمع فى زماننا للباحثين والدارسين من أهل الحديث وغيره ما لم يجتمع لجيل من قبل، وامتازت أدوات التحقيق فى عصرنا بمزايا طيبة، نذكرها كما يلى:

1- تقدم التقنية، وظهور ما يعرف بعصر الحاسب الآلى، مما يسر الوصول إلى المعلومة واختصار الوقت فى ذلك، مع استيفاء المادة العلمية وشمولها بأيسر السبل وأقل التكاليف.

2- اليسر فى معرفة ما طبع من الكتب وما لم يطبع وغير ذلك.

3- سهولة الحصول على المخطوط فى كثير من مكتبات العالم.

4- سعة الانتشار وسرعته، وذلك بتوفر وسائل الاتصال والنقل الحديث، فقد ساعد فى نقل المخطوطات من بلد لآخر، فساهم هذا فى إحداث نهضة علمية تبدت فى كثرة المشتغلين بالتحقيق عمومًا، وبتحقيق كتب السنة خصوصًا، كما أن تلك الجهود لم تبق حبيسة بلد معين، بل انتشرت فى الشرق والغرب.

5- سهولة عقد المؤتمرات العلمية والندوات، وما يؤدى هذا إلى تواصل العلماء والمحققين، مما يؤدى إلى معرفة ما يستجد من معرفة.

6- اختصار مراحل النشر والطبع الورقى.

7- التنوع الكبير والخيارات المتعددة فى نوعية الخط وحجمه، وسهولة إيجاد الهوامش المناسبة.

8- إمكان نسخ جملة أو صفحة أو أكثر من الحاسوب، ولصقه فى ملف البحث مباشرة، وإجراء الاختصار والتعديل والإضافة عليه وفق ما يريده المحقق  (4).

  المحور الثانى 

الضوابط التى يجب أن تتوفر فى محقق كتب التراث

العمل فى المخطوطات ليس أمرا هينًا وعملاً يسيرًا يستطيع أن يقوم به من يريد، بل إنه علم وفن، وصنعة وذوق، وهو قبل ذلك شغف دافق، وهواية طاغية، ورغبة صادقة، وتعلق بها شديد:

أما أنه علم فلأنه يقوم على قواعد وقوانين أصيلة، استعرضها المحدثون فى كتبهم، وقد تقدم ذكر بعضها.

وأما أنه فن فلأن المحقق الماهر يبدع فى كشف كثير من اللطائف العلمية شرعية كانت أو أدبية، أو تاريخية وغيرها مما لا يتاح لغيره كشفها، ويحسن تقديمها فى دراسته، أو مقدمته للكتاب المحقق  (5).

وأما أنه صنعة فهو عمل علمى قائم على خبرة طويلة، وممارسة لقراءة كتب التراث، ومعرفة أنواع الخطوط وتاريخها، والاطلاع على إسناد الكتاب، وسماعات العلماء وقراءتهم للنسخة، مما يساهم فى توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وغير ذلك من الأمور العلمية الفنية.

ويستلزم فى ذلك كله توثيق كلِّ ما يذكره فى الحاشية، وذلك بعزوه إلى مصدره والمرجع الذى أخذ منه، ويُراعى ذِكرُ الجزء والصفحة دون الإشارة إلى سائر المعلومات؛ لأن موضعها فهرس المراجع الذى يأتى الكلام عليه. 

أما أنه ذوق، وذلك إن تكون تعليقاته غير مسهبة، وإنما يراعى الدقة والاختصار قدر الإمكان، ويستعرض الأستاذ مصطفى اليعقوبى أهم أسباب صعوبة التحقيق فيقول:

1- أن تكون النسخة الفريدة ذات عيوب.

2- صعوبة الخط.

3- اضطراب الأوراق.

4- الرطوبة وما إليها.

5- كثرة التصحيف.

6- الخروم والأسقاط والبتر.

7- كثرة الخلافات فى القراءة، والتفاوت الشديد فى النسخ، وتدخل غير المؤلف فى سياق النسخة (6).

ومن هنا كان لا بد من معرفة صفات المحقق، لما له من بالغ الأهمية فى إخراج تراثنا ونشره، والانتفاع به.

وهناك صفات عامة، وصفات خاصة ينبغى أن تتوفر فى المحقق:

فأما الصفات العامة فمنها:

1- أن يكون المحقق متحلِّيًا بالأمانة والصبر: الأمانة فى أداء النص صحيحًا بلا تزيُّد أو نقصان - تقتضى سخاءً بالجهد والوقت، وصبرًا على العمل بلا حساب.

2- أن يكون عارفًا باللُّغة العربية - ألفاظها وأساليبها - معرفةً جيدة.

3- أن يكون ذا ثقافةٍ عامة.

4- أن يكون على عِلم بأنواع الخطوط العربية، وأطوارها التاريخية.

5- أن يكون على دراية كافية بالمراجع والمصادر العربية (ببليوغرافيا)، وفهارس الكتب العربية، وبخاصة فى الفن الذى يعالجه الكتاب الذى يحققه.

6- أن يكون مطَّلعا على المؤلفات التى تدله وتعلّمه كيفية تحقيق المخطوطات، والأساليب والقواعد العلمية المتبعة فى هذا المجال، وعليه أيضًا أن يطّلع على المخطوطات التى سبق أن حققها كبار العلماء والأساتذة حتى يستفيد عمليًا وتطبيقيًا من أساليبهم فى التحقق.

وأما الصفات الخاصة فمنها:

أن يكون المحقق ملمًّا بموضوع الكتاب الذى يريد تحقيقه، عارفًا بأصوله، مطلعًا على مصطلحاته، قد تمرس على أسلوب المؤلف، وقرأ بعض كتبه الأخرى، فمن أراد تحقيق مخطوط فى الحديث النبوى فعليه أن يكون محدِّثًا ذا دراية بتاريخ السنة ونقلها ومدارسها، ومن أراد التحقيق فى التفسير فعليه أن يكون مفسرًا مشتغلاً به، وعارفًا بأنواعه وتاريخه.. وهكذا.

  المحور الثالث

المنهج المتبع فى تحقيق النصوص

  المطلب الأول: اختيار الكتاب للتحقيق:

هناك كم هائل من المخطوطات العربية فى العالم، يقال إنها تزيد على خمسة ملايين (7)، موزعة فى مكتبات المعمورة العامة والخاصة، وينبغى أن نشير إلى أن هذه الخمسة ملايين مخطوطة قد يوجد منها ما هو مكرر، فيكون للكتاب نسختين أو أكثر قد تصل إلى عشرات النسخ  (8)، كما أن هذه المخطوطات ليس كلها فى درجة واحدة من الأهمية، فبعضها ذو قيمة ضئيلة لا يضيف شيئا جديدا، وبعضها يبحث فى موضوعات محرّمة شرعا مثل السحر والتنجيم، وبعضها ينال من ثوابت الأمة وأصولها القائم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، فلا تصلح للنشر والخدمة.

فنشر المخطوط إذًا ليس مرادًا لذاته، بل لخدمة العلم الذى ألّف فيه، ومدى الإضافة العلمية التى حواها، ومكانة مؤلفه.

والمحقق بحاجة إلى أن يميِّز بين الكتب التى طُبِعت والتى لم تُطْْبَع  (9)، ويميز الكتب المحققة تحقيقًا علميًا من سوها، ولا ينبغى أن يقدم على تحقيق مخطوط إذا عرف أن غيره سبقه إليه وحققه تحقيقاً علمياً، حتى لا يهدر الجهد والوقت سدى، فالعمل المكرر لا يضيف جديدًا إلى المعرفة، ولهذا فإن دوافع إعادة التحقيق كثيرة، وهى تنحصر فى الغالب بما يأتى:

1- وجود عيوب فى الطبعة أو الطبعات السابقة.

2- العثور على نسخة لم يطلع عليها الناشر السابق.

3- اعتماد الناشر السابق على مخطوطة مبتورة.

4- اعتماد الناشر السابق على مخطوطة واحدة، مع توفر مخطوطات أخرى.

5- نفاد الكتاب لكونه طبع منذ زمن بعيد.

 المطلب الثانى: جمع نسخ الكتاب:

بعد أن يحدد المحقق الكتاب الذى يراد تحقيقه، فإنه يقوم بعد ذلك بجمع المصورات من نسخ الكتاب، وقد سهلت التقنية الحديثة إجراءات التعرف على المخطوطات، والوصول إليه من طريق استخدام الانترنت للتعرف على أماكن المخطوطات فى العالم، ثم بطلب تصويرها، ويفضّل أن تتم الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة فى تصوير المخطوط، وذلك بتصويره بكاميرا تعمل بنظام الديجيتال (الرقمي)، فإن كانت بعض الكلمات غير واضحة فى التصوير العادى فيمكنهم قراءة الكلمة على هذا التصوير بطريقة واضحة.

ولا ينبغى له أن يقتصر المحقق على نسخة واحدة وله نسخ أخرى، بل لا بد من جمع النسخ المختلفة، ويتم التعرف عليها من طرق كثيرة، منها:

أ‌- الرجوع إلى الكتب التى فهرست للمخطوطات، ككتاب بروكلمان، وكتاب فؤاد سزكين، وكتاب المستدرك عليه من مطبوعات مجمع الفقه الإسلامى، وكتاب (الفهرس الشامل للتراث العربى الإسلامى المخطوط فى الحديث النبوى الشريف وعلومه ورجاله) من طبع المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية فى الأردن، وكتاب (جامع الشروح والحواشي) للشيخ عبد الله بن محمد الحبشى، وكتاب (المعجم المصنف لمؤلفات الحديث الشريف) للأستاذ محمد خير رمضان يوسف.

ب‌- قاعدة معلومات المخطوطات العربية فى العالم التى أنشأها مركز الملك فيصل، المسماة (خزانة التراث)، وهو فهارس المخطوطات الإسلامية فى المكتبات والخزانات ومراكز المخطوطات فى العالم، تشتمل على معلومات عن أماكن وجود المخطوطات وأرقام حفظها فى المكتبات والخزائن العالمية، وهى موجودة فى المكتبة الشاملة فى الإصدار الجديد (الإصدار الثالث) وما بعده. 

ت‌- بعض المراكز المتخصصة فى جمع المخطوطات، مثل معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة، ومركز جمعة الماجد بدبى، ومركز البحث العلمى بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، هذا بالإضافة إلى مكتبات بعض الجامعات العربية والإسلامية، مثل مكتبة جامعة الرياض، ومكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودارة الملك عبد العزيز، إضافة إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز الجامعية وغيرها.

ث‌- فهارس المخطوطات، وهى تعطينا فكرة عامة عن المخطوط ومكان وجوده، وصفته، وناسخه، وتاريخ النسخ وغير ذلك مما يعطينا فكرة أولية عن الكتاب وطبيعته، وهناك أيضا كتب تتحدث عن مخطوطات لفنون معينة، مثل (المؤلفات فى الحديث وعلومه فى العهد الجمهورى فى تركيا)، و(التصنيف فى السنة النبوية وعلومها فى القرن الخامس الهجري) هما مطبوعان فى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وتراث المغاربة فى الحديث النبوى وعلومه للشيخ محمد بن عبد الله التليدى.

 المطلب الثالث: دراسة النسخ:

بعد الانتهاء من جمع النسخ فإن المرحلة التالية على المحقق هى قيامه بدراسة النسخ المختلفة، وتقوم هذه الدراسة بانتقاء النسخة المتقدمة تاريخيًّا، مع ما تتميز به من جودة فى الضبط والكتابة والعناية بها لدى العلماء، وما فيها من سماعات وتملّكات وغير ذلك، ولا شك أن نسخة المؤلف هى المقدمة، والتى يمكن أن نسميها نسخة الأم، تليها النسخة التى قُرئت عليه، وأثبت بخطه أنه قرأها أو قرئت عليه، ثم تليها النسخة التى نقلت عن نسخة المصنف، وتمت مقابلتها بها، ثم نسخة كتبت فى عصر المصنف، عليها سماعات على عالم متقن ضابط، ثم نسخة أخرى كتبت بعد عصر المؤلف، وفيها يقدَّم الأقدم على المتأخر كما ذكرنا.

 المطلب الرابع: منهج التحقيق: 

بعدما تم اختيار الكتاب، ثم جمع نسخه، ثم الموازنة فى هذه النسخة ينتقل المحقق إلى الأعمال التى تخدم الكتاب، وتنحصر فى الأمور الآتية:

  1- نسخ المخطوط:

يتم النَّسْخ عن النُّسخة الأم المعتمدة أصلاً، على الآلة الكاتبة (الكمبيوتر)، ويُراعى فى الرسم الإملاء الحديث، وتكميل الاختصارات والرموز التى يجدها فى النسخة، وتنظيم مادة النص وتنسيقه، والاعتناء بترقيم النصوص قدر الاستطاعة، وضبط النص بالشكل، ولا سيما الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والشعر، والأعلام المشتبهة، ويلتزم به - أى بالشكل - فى المواضع التى يؤدِّى فيها ترْكُه إلى التباس المعنى أو انغلاقه.

  2- المقابلة:

المقابلة تعد منهجًا هو غاية فى الدقة، وروعة فى تجنب السقط، وأذكر كلمة الأخفش التى يقول فيها: (إذا نسخ الكتاب ولم يعارض، خرج أعجميًا)، وقد عقد الخطيب البغدادى فى الكفاية فصلاً بعنوان: باب المقابلة وتصحيح الكتب)، فالمحقق بعد أن يتم النسخ على نسخة الأم يقوم بالمقابلة بين المنسوخ وبين هذه النسخة، ثم يقابل المنسوخ أيضًا على بقية النسخ الأخرى التى يرمز لها برموز معينة، ويضع كل ما كان زائدًا أو مصححًا على نسخة الأصل بين معقوفتين، مع ذكر الحجة فى ذلك فى الحاشية، إلا إذا كانت نسخة الأصل بخط المؤلف، فيثبت عندئذٍ الخطأَ فى المتن ويصحِّحه فى الهامش، ويعلل المحقِّق ما يذهب إلى ترجيحه من عبارات وألفاظ تُخالف ما عليه نسخةُ الأصل.

وينبغى أن نشير إلى أنه يمكن أن يلجأ إلى طريقة ما يسمى النص المختار، وهو الاعتماد على جميع النسخ، مع الإشارة فى الهامش إلى الفروق بين النسخ، وهذه الطريقة لا يلجأ إليها فى الغالب إلا إذا لم يجد المحقق نسخة ذات قيمة علمية تتميز بها عن غيرها من النسخ.

  3- معالجة السقط: كثيرًا ما يعترض المحقق سقوط كلمة أو كلمات أو جمل من النسخة الأصلية، فإذا وجد المحقق ذلك وتحقق منه فإنه يملأ هذا السقط، ويحصره بين معقوفتين [ ]، ثم يشير فى الهامش إلى ما وجده فى الأصل، وإلى تعليل ما ذكره، ومستنده فى ذلك بالرجوع إلى المصادر التى اقتبست منه أو المصادر التى لها صلة بالكتاب.‏ 

  4- التعليق والشرح: لا ريب أن الكتب القديمة - بما تضمنتْ من معارفَ قديمةٍ - محتاجةٌ إلى توضيحٍ يخفِّف ما فيها من غموض، ويحمل إلى القارئ الثقةَ بما يقرأ، والاطمئنانَ إليه، ومن هنا كان من المستحسن ألاَّ يترك المحقِّقُ الكتابَ غُفْلاً من التعليقات الضرورية اللازمة لفهم النص، دون شطط أو تزيُّد يؤدِّى إلى إثقال الحواشي، وتحميل الكتاب ما لا طاقة له، ويتم عزو كل معلومة من المصادر بالجزء والصفحة كما ذكرناه سابقا، وهناك أمور لا بد منها فى تحقيق أى كتاب، وهى:

- عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها فى المصحف، ووضعها بين قوسين مزهرين، ويستفاد من البرامج الإلكترونية الحديثة، وهى موجودة على شبكة الإنترنت.

- تخريج الأحاديث والآثار تخريجًا لطيفًا، ليس بالطويل الممل، ولا الموجز المخل، بالاعتماد على برامج الحديث المختلفة. 

مع الحرص على ذكر من روى النص بإسناده إلى مؤلف الكتاب، لما فى ذلك من توثيق للكتاب، وعناية العلماء به، ثم من رواه عن شيخ المؤلف وهكذا، مرتبًا ذلك كله على حسب وفيات مؤلفيها، بعد تقديم أصحاب الكتب الستة أو أحدهم. 

- تخريج الأشعار والأمثال المختلفة بالرجوع إلى الدواوين، وكتب الأمثال والأدب وغيرها.

- تخريج النصوص المقتبسة بذكر الجزء والصفحة.

- ترجمة الأعلام الذين فيهم إشكال، أو إبهام، أو إهمال، بما يرفع عنهم الالتباس والإشكال، معتمدًا على المصادر المتقدمة، وسوف يكفل فهرس الأعلام توضيح العلم باسمه ونسبه وكنيته بما يميزه عن غيره. 

- التعريف بالأماكن وربطها بالواقع المعاصر، بالرجوع إلى كتب البلدان، وبعض المواقع على شبكة الإنترنت.

- شرح لفظة غريبة أو مشكلة بالرجوع إلى المعجمات العربية.

- ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض بالإشارة إلى المواضع المتقدمة.

  5- متممات لا بد منها:

أ‌- كتابة المقدمة (الدراسة)، وتتضمن الحديث عن المؤلِّف وكتابه:

فالحديث عن المؤلف يتم بترجمته ترجمة مفصلة، يراعى فيها: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه ومذهبه، ومولده ونشأته، وطلبه للعلم ورحلاته، وشيوخه وتلاميذه، ومؤلفاته واستعراض ما طبع منها وما لم يطبع، وأقوال العلماء فيه، ووفاته وغير ذلك.

والحديث عن الكتاب يتم ببيان أهميته ومكانته، وموقعه بين ما أُلِّفَ قبله وبعده فى فنه، ومنهج المؤلف، واستعراض لمصادر المؤلف وموارده، ونقل العلماء اللاحقين منه، وغير ذلك من الفوائد، ولا بد أن يعنى بتحقيق عنوان الكتاب، وصحة نسبته إلى مؤلفه، ثم يذكر المحقق وصف المخطوط الذى اعتَمَد عليه النشرُ وصفًا كاملاً، يذكر فيه عدد أوراقه، وتاريخ نسخه، ومقاسه، ونوع خطه، والإجازات والتملُّكات إن وجدت، ويذكر اسم المكتبة التى حفظ فيها الكتاب، ثم الحديث عن المنهج المتبَع فى التحقيق.

ب‌- الفهارس:

وهى مفتاح الكتاب، والغاية منها تيسيرُ الإفادة من كلِّ ما اشتمل عليه الكتابُ المنشور، وجعْل ما فيه فى متناول كل باحث، فإن بعض الكتب الكبيرة يجد الباحث عناءً كبيرًا فى الوصول إلى مسألة معينة بسبب عدم وجود فهرسة صحيحة للكتاب. 

والفهارس تختلف باختلاف موضوع الكتاب، على أن هناك فهارس تكاد تكون ثابتة فى الكتب الشرعية والتاريخية والأديبة، وهي: فهارس الآيات، والأحاديث، والآثار، والشعر، والأعلام، والأماكن والبلدان، ويرتب ذلك كله على حروف المعجم، سوى فهرس الآيات فإن الترتيب يكون على حسب السور، ثم الآيات.

ثم يضع فهرسًا لمراجع التحقيق والدراسة، ويذكر فيه كل المعلومات المتعلقة بهذه المراجع على النحو الآتي: اسم الكتاب، اسم مؤلفه، اسم محققه، الدار الناشرة، مكانها، رقم الطبعة، تاريخ الطبع.

 

  المحور الرابع

مآخذ على بعض التحقيقات

ينبغى الإشارة إلى أنه قد ظهر العديد من المتطفلين فى عالم التحقيق ممن لا ذوق لهم ولا علم، فقاموا بإخراج نصوص فيها كثير من التصحيف والتحريف، بالإضافة إلى إثقال النص بتعليقات لا فائدة منها سوى إطالة الكتاب بما لا طائل من ورائه، كما أنهم نسبوا مخطوطات إلى غير أصحابها، وهؤلاء لا يعتد بعملهم، ولا يهتم به، إلا على سبيل كشف عيوبه، وتحذير الباحثين منه، وفى هذا المحور أشير باختصار إلى بعض التجاوزات لدى بعض المحققين، فمن ذلك:

1- نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه: إن مما لا شك فيه لمن تمرس على أدوات التحقيق أن وجود عنوان الكتاب على ظهر الكتاب منسوبًا إلى المؤلف لا يعنى أنه قد وجد المخطوط الذى يبحث عنه، ذلك أن الخطأ فى مجال نسبة الكتب إلى المؤلفين كثير، ويمكن أن يرجع السبب فى ذلك إلى أخطاء النساخ للمخطوطات، أو هو من أوهام المحققين، أو إلى مجموع ذلك، يقول الدكتور حمد بن ناصر الدخيل: (والاعتماد على وجود عنوان مثبت على غلاف المخطوط، وكذلك اسم كاتب أو مؤلف ما، دون التحرى الدقيق والتثبت المتأنى مدعاة إلى الزلل والخطأ، وكثيرًا ما أفضى التعجل وعدم الأناة والتثبت إلى وقوع أخطاء شنيعة فى نسبة بعض الكتب إلى غير مؤلفيها، وهناك أكثر من مثال، فقد نسب كتاب الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة (ت 276 هـ)، وجميع الكتب التى ترجمت له لم تذكر له كتابًا بهذا الاسم، والأدلة التى تثبت بطلان نسبة هذا الكتاب إليه كثيرة، ذكر طرفًا منها الدكتور ثروت عكاشة فى مقدمة تحقيقه لكتاب (المعارف) لابن قتيبة...)  (10).

ومن أمثلة ذلك: تفسير الطبرانى، المسمى (التفسير الكبير) ويقع فى ستة مجلدات، وهو من تحقيق هشام بن عبد الكريم البدرانى الموصلى (11)، وحققه عن أصل خطى واحد، واستند فى نسبته إلى الطبرانى بما جاء فى النسخة الخطية التى وقف عليها، وإذا نظرت فى التفسير فسوف تجزم بأن هذا الكتاب ليس من تأليف الطبرانى، وقد تكلم عن هذا الكتاب ونفى صحة نسبته إلى الطبرانى الأستاذ إبراهيم باجس عبد الكريم فى مقالة عن هذا التفسير (12)، وأثبت أن هذا التفسير للغزنوى الحنفى، ولا علاقة للطبرانى به. 

ومن الأمثلة الأخرى كتاب (الحجج الباهرة)، فقد نسبه محققه الدكتور عبد الله حاج على منيب للعلامة جلال الدين الدوانى المتوفى سنة (928 هـ)، ونال به رسالة الماجستير فى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1415 هـ، وقد نالت درجة الامتياز، وقد اعتمد فى نسبة الكتاب للدوانى لمجرد أن طرة نسخة مكتبة عارف حكمت كتب عليها أنها له، مع أن الكتاب لجمال الدين أبى المحاسن يوسف الواسطى من علماء القرن التاسع، بعنوان: (المناظرة بين السنة والرافضة)، وقد نسبه إليه الدكتور خالد عبد العزيز الجناحى، وحققه على ثلاث نسخ خطية، وكان من ضمنها نسخة مكتبة عارف حكمت، وهو الاسم الذى ذكره الإمام السخاوى فى الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع 10/338، وحاجى خليفة فى كشف الظنون 2/1834.

2- قراءة المخطوط: (تعد قراءة المخطوط العمود الفقرى للتحقيق، وأكثر الخطأ الذى يقع فيه الناسخ والمحقق إنما يكون فى هذا المجال، ولا يكاد يسلم محقق من مثل هذا الخطأ إلا بتوفيق الله....وقراءة النص المخطوط قراءة سليمة كما كتبه المؤلف أمر فى غاية الصعوبة ؛ لأن مداخل الخطأ فى هذا كثيرة، ولا يمكن حصرها، فخط الناسخ، وطريقته فى كتابة الحروف، قد تكون سببًا فى خطأ القراءة... وضياع بعض الكلمات وسقوطها من النص تعيق القراءة الصحيحة للمخطوط، وعدم وضوح بعض الكلمات لذهاب الحبر الذى كتبت به، أو تآكل بعض الحروف يعيق القراءة الصحيحة، وهكذا فمداخل الخطأ كثيرة وكثيرة جدًّا) (13).

ومن أمثلة ذلك: كتاب (إكمال تهذيب الكمال) لمغلطاى بن قليج الحنفى (ت 762هـ)، تحقيق عادل بن محمد، وأسامة بن إبراهيم، وطبع فى دار الفاروق الحديثة بمصر. ويحتاج هذا الكتاب القيّم إلى إعادة طبعه بما يليق بمكانة الكتاب ومؤلِّفه، ورحم الله أستاذنا العلامة السيد أحمد صقر وهو ينقد إحدى الطبعات لكتاب أسباب النزول للواحدى فقال: (وهى طبعة تجارية ناقصة، تموج صفحاتها بالتصحيف المنكر، والتحريف الغليظ الذى يستغلق به المعنى، بل يحول ويزول، وتستحيل أسماء الصحابة والرواة المشهورين إلى أسماء أخر ليس لها فى التاريخ وجود) وهذا الذى ذكره شيخنا ينطبق تمامًا على هذا الطبعة من كتاب الإكمال، والله المستعان. 

ولا مانع من سرد نموذج لهذه الأخطاء فقد جاء فى المجلد الثامن، فى ترجمة عبد الله بن المبارك ص 159-160، وقد بدا المؤلف بسرد أسماء شيوخ ابن المبارك فى كتاب الرقائق:

معمر بن ثابت، صوابه: محمد بن ثابت.

عمر بن عبد الرحمن بن مهذب، صوابه: عمر بن عبد الرحمن بن مهرب.

جوهر، لا وجود له فى شيوخ ابن المبارك.

الفضل بن موسى الشيبانى، صوابه: السيبانى بالسين المهملة.

عبد الله بن الوليد الوصافى، صوابه: عبيد الله بن الوليد الوصافى.

مسلم بن سعيد الواسطى، صوابه: مستلم بن سعيد الواسطى.

صاحب بن عمر، لا وجود له فى شيوخ ابن المبارك.

جرير بن عثمان، صوابه: حريز بن عثمان.

3- عدم الاعتماد على نسخة موثقة، وقد يكون سبب ذلك عدم حصر نسخ الكتاب فى العالم، فمن ذلك كتاب الرقائق لابن المبارك رواية نعيم بن حماد فقد اعتمد العلامة المحقق حبيب الرحمن الأعظمى على نسخة واحدة وهى نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية، ولم يقف على النسخة الكاملة المحفوظة فى مكتبة القرويين بفاس، ونسخة الإسكندرية أصابها تلف شديد بسبب تقادمها وسوء حفظها، وأصابتها الأرضة فى مواضع، مما أدى إلى طمس شديد، وصعوبة فى القراءة فى مواضع كثيرة، ووقع فيها أيضًا سقط فى مواضع كثيرة، تصل إلى تسعة مواضع، ويصل السقط أحيانًا إلى خمسين نصًا، بل زاد فى موضع إلى مائة نص، ولم يكن بإمكان العلامة الأعظمى على الرغم من علو كعبه فى ميدان التحقيق أن يستدرك ما فيها من سقط وطمس، فكان كثيرًا ما يقول فى الحاشية: (غير مستبين ما فى الأصل لانتشار المداد) وقوله: (الكلمات فى موضع النقاط فى الأصل غير مستبينة) وقوله: (هناك سطران متآكل أكثرهما) وغير ذلك.

4-الأمانة فى المحافظة على عنوان الكتاب كما تركه مؤلفه، فمن ذلك كتاب (ذم الدنيا) لابن أبى الدنيا، فقد حققه الأستاذ ياسين السواس وسماه باسم (الزهد)، والغريب أن تغيير اسم الكتاب من ( ذم الدنيا ) إلى ( الزهد ) لم يكن خطأ من النسخة الخطية، فاسم الكتاب واضح فى المخطوط، بل كان من فعل المحقق، فهو يقول فى المقدمة:

(وقد ورد فى المصادر باسم ذم الدنيا، وآثرت تسميته بالزهد لأسباب أهمها أن للمؤلف كتابًا بهذا العنوان لم يصل إلينا......)، وهذا صنيع غريب مستهجن، لا سيما وأن هناك كتابًا لابن أبى الدنيا باسم الزهد. فكتابه هذا يوهم أنه كتاب الزهد الحقيقى، وليس كذلك (14).

* * *

  وبعد:

فإن العمل فى المخطوطات ليس عملاً هيَّنًا كما يبدو لبعض الناس، إنما هو علم يحتاج إلى دربة طويلة، ودراسة عميقة، وثقافة واسعة، مع تذوق علمى وأدبى، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون المحقق صبورًا وأمينًا، وملتزمًا بالأدب مع العلماء والباحثين، وبذلك يتجنب كثيرًا من مواطن الزلل والخطأ، والله المستعان، وهو ولى التوفيق.

التوصيات:

1- ضرورة التنسيق بين أهل العلم لإخراج الكتب المناسبة لتحقيقها.

 2- ضرورة اختيار الطبعات الصحيحة المعتمدة لكتب السنة لكى يتم إدخالها فى البرامج الإلكترونية الحديثية.

3- لا بد من التنسيق بين أهل العلم وبين من لهم معرفة مع هذه البرامج.

والله تعالى أجل وأحكم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه

 العودة لصفحة المؤتمر 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) يراجع ما كتبه أستاذنا العلامة أحمد نور سيف فى كتابه: (عناية المحدثين بتوثيق المرويات)، ويراجع أيضًا كتاب: (توثيق السنة النبوية وعناية السلف بها- ملامح عن المنهج، ودلائله، ومظاهره، وأثره) للدكتور عبد الله بن ضيف الله الرحيلى، وكتاب: (توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين) لصديقنا الدكتور موفق عبد القادر. 

 (2) توثيق النصوص لزميلنا الدكتور موفق عبد القادر ص 10. 

 (3) تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية للدكتور محيى هلال سرحان ص 179 بتصرف.

 (4) لا بد من ملاحظة أن هذه البرامج تعد وسيلة للبحث، واعتبارها كأنها فهرس يقرب الوقوف على المعلومة، ويسهل الطريق إلى جمع المادة العلمية، ولا ينبغى الاعتماد عليها اعتمادًا كاملاً، وخصوصًا فيما لو شك المحقق فى خطأ وقع فى البرنامج نتيجة إدخال المعلومة بطريقة غير صحيحة، فينبغى الحذر والتنبه.

 (5) استفدت هذه الفقرة والتى تليها من بحث الأستاذ الدكتور محمد عجاج الخطيب بعنوان: (أصول التحقيق بين النظرية والتطبيق) نشر فى كتاب صناعة المخطوط العربى الإسلامى سنة 1997، 1/349.

 (6) مقالة الدكتور مصطفى اليعقوبى بعنوان: (من قضايا تحقيق التراث) نشرت فى مجلة التاريخ العربى بالمغرب، العدد (13) سنة 2000.

 (7) ليس بمقدور أحد حتى الآن أن يحدد عدد المخطوطات تحديدًا مطابقًا أو ملاصقًا للواقع؛ لأن كثيرا من المخطوطات لم تفهرس، وهناك مكتبات خاصة وعامة تضم مخطوطات عربية لا يعرف عددها.

 (8) ومن أمثلة ذلك كتاب " الشفا " للقاضى عياض، وصحيح البخارى ومسلم وغير ذلك قلّ أن تكون مكتبة تخلو منها هذه الكتاب.

 (9) يمكن الرجوع فى ذلك إلى كتاب (معجم ما طبع من كتب السنة) للشيخ مصطفى عمار منلا، وكتاب (دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة القديمة والحديثة) للأساتذة: محيى الدين عطية، وصلاح حفنى، ومحمد خير رمضان يوسف، وكتاب (معجم الموضوعات المطروقة فى التأليف الإسلامى، وبيان ما ألف فيها) للشيخ عبد الله بن محمد الحبشى.

  (10) ينظر كتاب: نظرات فى التاريخ والحضارة والتراث للدكتور حمد بن ناصر الدخيل ص 143.

  (11) وهو مطبوع بدار الكتاب الثقافى فى الأردن سنة 2008 فى ستة مجلدات.

  (12) مجلة (عالم المخطوطات والنوادر) المجلد الثانى - العدد الأول سنة 1418 هـ، بعنوان (تفسير الطبرانى أم تفسير الغزنوي). ونقد هذه الطبعة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف، ومقالته منشورة فى جريدة الدستور فى التاسع من الشهر الخامس سنة 2008 م، وهى موجودة على شبكة الإنترنت.

 (13) اقتباس من كلام الدكتور أحمد حسن فرحات فى بحثه: (نظرات نقدية فى ميدان تحقيق المخطوطات)، نشر فى كتاب صناعة المخطوط العربى الإسلامى سنة 1997 م، 1/384.

  (14) وقد ذكر الدكتور الشريف حاتم بن عارف العونى فى كتابه: (العنوان الصحيح للكتاب – تعريفه وأهميته، وسائل معرفته وإحكامه- أمثلة للأخطاء فيه) أمثلة أخرى لما وقع فى بعض الكتب من تسميتها بغير اسمها الذى تركه المؤلف، فارجع إليه إن شئت.