مداخلة فضيلة العلامة المحدث محمد عوامة
من كبار علماء الحديث الشريف بسوريا
العودة لصفحة المؤتمر
تلقى أئمتنا السابقون رحمهم الله العلم عن طريق السماع بدقة متناهية، فمن أئمة أتباع التابعين رجلٌ مغمور كغيره من المغمورين، واسمه يتردد فى الأسانيد، وهو الإمام أبو حمزة السكرى محمد بن ميمون، الذى قيل فيه "لقب بالسكرى لحلاوة منطقه"، هذا الإمام له كتاب عن الصلاة قرأه على الناس، وممن سمعه منه على بن الحسن بن شقيق المروزى أحد التلامذة الخاصين للإمام ابن المبارك، قيل لعلى بن الحسن: أنت سمعت كتاب الصلاة من أبى حمزة السكرى لماذا لا ترويه على الناس؟ قال: نعم سمعته منه، ولكننا كنا مرة فى جلسة سماع، فنهق الحمار، فشوش على سماع كلمة، فلم أضبطها ولم أعرف فى أى حديث من أحاديث الكتاب، فتركت رواية الكتاب كله من أجل هذا الإشكال.
كان هذا هو السماع عند الأئمة المتقدمين بدقة متناهية، ثم بدأ الحضور للسماع من صنفين من الناس: الأطفال ومجموعة تحضر من أجل الحصول على البركة فقط من السماع. وما هم بطلاب علم.
وتوالت الحلقات فصار فى الإسناد إلى كتاب من كتب السنة هذان الإشكالان: طفل صبى ورجل ليس بطالب علم، فضعف موضوع السماع. وبناء على هذا جاء كلام الإمام ابن الصلاح رحمه الله - الذى قيل البارحة فى الجلسة الأخيرة – ورأيه مشهور أن أى إسناد لأى جزء حديثى لم نجد فيه حكمًا لإمام على درجة الحديث - لم نجسر على الحكم عليه بالصحة أو الضعف، لأنه لا يوجد حديث فى هذه الأجزاء إلا ويوجد فى إسناده حتى مؤلفه من هو عرى عن شروط الضبط والإتقان.
فهو تكلم عن جزء لا عن كتاب مصنف من الأصول المشهورة، إنما تكلم عن جزء، وفيه هذا الإشكال، أما لو عرفنا أن إسناد هذا الكتاب - إلى مؤلفه – كل رجاله متوافرة فيهم شروط الضبط والإتقان من السن ومن طلب العلم - فلا إشكال عند ابن الصلاح فى ذلك. هذه نقطة.
ونقطة أخرى، جاء الإمام النووى - رحمه اللَّه - فلخص كتاب ابن الصلاح - التلخيص الأول - الإرشاد فى أصول الحديث، وحافظ على عبارة ابن الصلاح هذه التى لا إشكال فيها، ثم لما اختصره الاختصار الثانى فى التقريب ؛ لخص العبارة ووقع فيها خلل منه رضى الله عنه وأرضاه، فقال "إذا رأينا حديث فى كتاب"، هكذا انتقل التعبير من جزء إلى كتاب، وحصل هنا الخلل. ومن المشكل أن أئمتنا - رحمهم الله - الذين جاءوا بعد النووى كالعراقى وغيره، أخذوا كلمة النووى من المختصر الثانى التى فيها الخلل والإشكال، وتواردوا عليه واشتهر الأمر وعم وطم، وصار ابن الصلاح متهما، وكلام النووى هو الراجح، لا إشكال فى أصل كلام ابن الصلاح ؛ إنما الإشكال فى كلام النووى فى الاختصار الثانى.
ينبغى أن نراجع العبارات من أصولها ومراجعها الأولى حتى تنجلى الأمور.
وكذلك تكلم الأستاذ رئيس الجلسة البارحة [يقصد أ.د. أبو لبابة الطاهر حسين] عن أمر عام فى العلم، وفيه إشكال كبير فيما أرى. فقد قال: إن ابن الصلاح قال كلامه هذا فى فترة اضطراب سياسى على مشارف سقوط بغداد، وأنا أعتقد أن هذا لا يصح، فعلماؤنا رضى الله عنهم كانوا من الأمناء على دين الله، وكانوا يتميزون بالدقة المتناهية فى التعبير عن دين الله وأحكامه، فمثلا الإمام السرخسى الذى ألف كتابه المبسوط فى ثلاثين مجلدًا، وكان قد اختلف مع الأمير فحبسه فى جب، ولكننا لا نجد فى كتابه الكبير - أو أى كتاب له آخر - كلمة مجانبة للحكم الشرعى فى حق السلطان، فعلماؤنا لا يقولون أقوالا تتأثر بضغط اجتماعى أو سياسى أو اقتصادى أو شخصى، وهم منزهون عن هذا، فما قال ابن الصلاح كلمته تحت تأثير سياسى أو على أبواب سقوط بغداد، فإذا كان الأمر كذلك ؛ فالنووى قال كلمته بعد سقوط بغداد، فينبغى ألا يكون فيها إشكال. وأسأل الله التوفيق والسداد.
***
مداخلات حول بحث أ.د عبد المهدى عبد القادر
المداخلة الأولى
هل يعتبر الرياح والعواصف من القذف، وأين موقع المسخ فى هذا الزمان؟
رد أ.د. عبد المهدى عبد القادر
نعم الرياح والعواصف من القذف، أما المسخ فقد سمعت وقرأت عن حالات مسخ حصلت فى العالم، وأرى أنه قد كثر المسخ وخاصة فى الجوانب النفسية، كثير من الشباب الآن وكثير من الناس رجالا ونساء عندهم الآن مرض الاكتئاب ومرض انفراط الأعصاب وهذا أيضًا مسخ، نسأل الله العفو والعافية.
المداخلة الثانية
إثبات المعجزة يجب ألا يعتمد على الأحاديث الضعيفة، ولا يجوز أن نحمل الأحاديث الصحيحة على فرض علمى لم يثبت، بخلاف النظرية العلمية التى أصبحت ثابتة.
فإن صح الحديث عن رسول الله، وثبتت النظرية العلمية وأصبحت مستقرة فى أذهان الناس، فحينئذ نقول هذا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الفرض العلمى يحتمل الصواب والخطأ ؛ وجب علينا أن نمسك، ثم أن نمسك، ثم أن نمسك ؛ حتى نتبين.
فقد نذكر بعض الأمراض التى ظهرت حديثًا، ونستدل بحديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى ذكر الأمراض التى لم تكن موجودة من قبل، فيأتى آت ويقول لا، هذه الأمراض وجدنا أعراضها فى مومياء فرعونية مثلاً، وعندئذ سيتطرق الشك فى نفوس العوام تجاه الحديث وليس تجاه الفرض العلمى.
وبالنسبة للمسخ المذكور ؛ فالمعروف هو المسخ إلى قردة وخنازير، أما المسخ النفسى فلم يثبت، وسيكون موضع جدال ونقاش كبير.
رد أ.د. عبد المهدى عبد القادر
لك أن ترى ما ترى، وأنا أرى غير ما ترى.
المداخلة الثالثة
ما صحة حديث: أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟
رد أ.د. عبد المهدى عبد القادر
هذا السؤال ليس له محل فى هذا المؤتمر، ويستطيع السائل أن يذهب إلى كلية أصول الدين قسم الحديث فيسأل عن الحديث، وسيجد الإجابة إن شاء الله. ولكن من باب الإفادة فقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ثنايا حديث موجود فى صحيح مسلم «أصحابى كالنجوم ». ولكن لم تثبت تلك الزيادة «بأيهم اهتديتم اقتديتم». واعترض عليه العلماء ؛ حتى وصل إلى الحكم عليه بالوضع.
***
مداخلات حول بحث أ.د. محمد محمود هاشم
المداخلة الأولى
استعرض بحثكم جهود علماء السنة فى العصر الحديث، ولكنه لم يفرق بين التصنيف فى السنة وبين نشر كتب السنة، ولماذا خلا البحث من ذكر الشيخ الألبانى فى جهود علماء القرن الخامس عشر؟
رد أ.د. محمد محمود هاشم
أنا أعرض فى المؤتمر ملخصًا للبحث نظرًا لضيق الوقت، ولكن البحث كاملاً يشمل جهود علماء السنة فى عصرنا الحديث.
وبالنسبة لخلو البحث من ذكر الشيخ الألبانى ؛ فأنا قد عرضت نماذج لهؤلاء العلماء، وذكرت بعضًا منهم، ولم أستوعب العلماء كلهم فى بحثى، والأمر لم يقتصر على الشيخ الألبانى فقط، فأنا لم أذكر على سبيل المثال من مشايخى فى مصر الذين تتلمذت على أيديهم الشيخ محمد السيد ندا، والدكتور عبد العال أحمد عبد العال صاحب المنهل العذب، والدكتور أحمدى أبو النور، والدكتور شوقى خضر، والدكتور محمد رشاد خليفة، والدكتور نور الدين عتر، والشيخ محمد عوامة، وكثيرين من علماء هذا العصر لم يستوعبهم بحثى، ولكنى ذكرت أمثلة فقط.
***
مداخلات حول بحث أ.د. أحمد محمد على بيومى
المداخلة الأولى
يقول بعض الناس إن جهود الإمام عبد الله بن سالم البصرى فى نسخ الكتب الستة ليس فيها قيمة علمية ؛ إنما هى قيمة تاريخية ؛ لا سيما وقد وقفنا على النسخ التى اعتمد عليها الإمام عبد الله بن سالم، فما ردكم على هذا القول؟
رد أ.د. أحمد محمد على بيومى
من أجل هذا أعددت بحثى هذا ليجيب عن مثل هذه الأسئلة، ففى البحث فقرة كاملة تفصل مؤلفات الإمام عبد الله بن سالم البصرى، والتركة العلمية التى تركها، ومنها شرح على صحيح البخارى فى ثلاث مجلدات، وله أثبات وله كتب، وعلى كل حال، علماء عصره هم الذين لقبوه بأمير المؤمنين فى الحديث، ولا يمكن أن يلقبوه على جهد تاريخى فقط، وإنما لقبوه بما يستحق، وأيضًا كان عبد الله بن سالم مسندَ الحجاز وما والاها من الأقطار، وكانت الأسانيد تنتهى عنده، فكانت لا تمر إلا عليه فى فترته، وكان هو فى واجهة القرن الثانى الهجرى، والبحث يفصل الجواب، ولعله يقع فى أيديكم ويكون فيه تفصيل على مثل هذا السؤال.
المداخلة الثانية
من يستحق لقب أمير المؤمنين فى الحديث لهذا العصر؟ وهل نستطيع أن نعرف المحدث فى هذا العصر؟
رد أ.د أحمد محمد على بيومى
إن نيل لقب أمير المؤمنين للحديث لا يكون بشهادة واحد لواحد، وإنما تكون بشهادة علماء الجيل، العلماء المعاصرون هم الذين يدلون بهذه الشهادة ؛ نظرًا لتفوقه عليهم ؛ بحيث يكون هو المرجع، لأن كلمة الإمارة مأخوذة من الزعامة ومن الرئاسة، وهو الذى تفصل أقواله فى مسائل القبول والرد، وجميع علماء العصر يستفيدون منه ذلك، لذا فهم الذين يلقبونه وليس شهادة واحد.
وبالمناسبة أذكر قصة أنا حضرتها وأذكرها إن شاء الله بطريقة الرواية: فى فترة من الفترات كان الدكتور موسى شاهين لاشين - عليه رحمة الله - تقدم إلى قسم الحديث بكلية أصول الدين بالقاهرة، وكنت معيدًا حينئذ أسترق السمع ولا أتكلم، فلم أكن إلا مستمعًا مشاهدًا لجلسات الكبار، فعندما تقدم الدكتور موسى بورقة إلى القسم، وقال كلاما مختصره [إنى بصدد طباعة كتاب "فتح المنعم شرح صحيح مسلم"، وقد جرت عادة المحدثين أن يلقب بعضهم بعضًا ببعض الألقاب التى تبين درجته العلمية، كالحافظ والحجة والمحدث وأمير المؤمنين ونحو هذا، وأنا أريد شهادة من قسم الحديث بالقاهرة ؛ تسوغ لى أن أضعها على غلاف الكتاب الذى سأخرجه فقط، فأنا أريد أن أبدأه بشهادة المشتغلين بالحديث فى قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر (أنى شيخ المحدثين فى عصرى) ]. وقال يومها [إنى بلا شك شيخكم جميعًا، فما منكم من أحد إلا وأنا شيخه، فتفضلوا مشكورين بالموافقة على هذا الطلب]، وحقيقة قوبل هذا الطلب بالرفض، وكان كل رافض لهذا الطلب له وجهة نظر. بعضهم قال "يا مولانا أنت شيخنا وأستاذنا ولكن هذه المسألة ليست من صميم أعمال القسم، فلا نستطيع أن نعطيك هذه الشهادة ". وقال بعضهم " لا نستطيع أن نعطيك هذه الشهادة ؛ لأننا لسنا الوحيدين الذين ندرس الحديث فى العالم، فهذا أمر يحتاج إلى استقراء تام فى كل دول العالم التى تدرس الحديث"، وبعضهم قال " أين أسانيدك؟ " ؛ ولكنهم اتفقوا أن يعطوه فى النهاية شهادة بأنه شيخ المشتغلين بالحديث فى مصر، لأنه عَلَّم الجميع فى مصر.
لهذا فإن إمارة المؤمنين فى الحديث لا تعطى من فرد إلى فرد من باب المجاملة، ولكن تكون شهادة من علماء الجيل، كما حدث فى واقعة مهرة محدثى بغداد عندما أطلقوا ذلك اللقب على الإمام البخارى، وهذا الأمر ينطبق على الشيخ الألبانى وعلى غيره.
***
مداخلات من أ.د. أبو لبابة الطاهر حسين
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد، النبى الأسعد الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ودعا بدعوة الإسلام إلى يوم الدين:
ذكر الشيخ عوامة - مع خالص تحياتى له - أننى اتهمت الشيخ ابن الصلاح بأنه يفتى بما لا يرضى الله تحت ظروف سياسية.. أنا لم أقل هذا الكلام لا من قريب ولا من بعيد، وحاشا أن أتهم ابن الصلاح ولا غيره من علماء الأمة النجباء، وإنما الذى قلته بالحرف، هو أن الظرف الذى عاشه ابن الصلاح، هو ظرف شديد الصعوبة على الأمة كلها، كلنا يعلم أن ابن الصلاح توفى سنة 643، وسقطت بغداد 656، أى بعد وفاته بـثلاث عشرة سنة، وهذا الظرف كان قد حمل الأمة كلها على التقلص، مما تقلص معه طلب العلم، وقلة الطلاب النجباء القادرين على التمييز بين صحيح الحديث وحسنه وضعيفه، هذا الأمر دفع الشيخ ابن الصلاح لأن يقول أن الطلاب الذين لا يملكون الوسائل التى تتيح لهم الحكم السليم الصحيح على الحديث - عليهم أن يكتفوا بحكم بالعلماء الأسبقين والشيوخ الفضلاء الأسبقين. هذه قولته.
إلا أن خصوم الإسلام اتخذوا من هذه الكلمة البريئة - التى تسعى لحفظ السنة النبوية - وحملوها على أن ابن الصلاح رجل محدث لا يحب الاجتهاد، ولا يحب إعمال الرأى، ويريد أن يعود بالأمة إلى الأصول القديمة المتخلفة.
وقلنا بأن ابن الصلاح ما كان يقصد هذا القول، وإنما كان يقصد فقط الحفاظ على السنة النبوية حتى لا يتجرأ عليها من لا يُحسن فيزعم أنه يُحسن.
وأكبر دليل على ذلك أن النووى وهو بعده بقليل (ت 676) قال "إن كل من يملك وسائل النقد الصحيح ووسائل الحكم الصحيح على الحديث عليه أن يحكم على الحديث فيصحح ويحسن ويضعف".
أما القول بأن علماء الأمة كلهم كانوا لا يخضعون للظروف السياسية، فهذا قول غير سليم وغير صحيح، وكلنا يعرف تلك الفتاوى المنحرفة التى أفتى بها كبار علماء الأمة، بدليل أن فى بعض البلاد الإسلامية نجد أن التبنى مشروع ومعمول به، من أفتى بهذا؟ العلماء دون شك، فلم يكونوا فلاسفة أو مؤرخين ؛ ولكنهم علماء الشريعة، ومن أفتى بأن بنظير بوتو شهيدة، هم علماء الأمة، وغيرها.
ولكن هؤلاء العلماء ممن كان لهم اتصال بالسلطان، وأما من لم يتصل بالسلطان فلم يتأثر بالظروف السياسية.
العودة لصفحة المؤتمر