العناية بالمخطوطات مجهولة المؤلف والعنوان وأثر ذلك فى خدمة التراث

 صبرى عبد الخالق الشافعى

 باحث فى الحديث النبوى الشريف بجمعية المكنز الإسلامى

 العودة لصفحة المؤتمر 

  

المقدمةُ: فى أهميةِ تراثنا وحالته الراهنة، وسبل رعايته.
التمهيدُ: فى تعريفِ المخطوطةِ المجهولةِ.
المبحثُ الأولُ: فى الأسبابِ التى أوجبت جهالةَ المخطوطةِ.
المبحثُ الثانى: فى ذكرِ بعضِ السبلِ التى تمكنُ من معرفةِ ذلك المجهولِ.
المبحثُ الثالثُ: فى ذكرِ بعضِ نماذجَ مما تم كشفُه مما هو فى خزائنِ الكتبِ الشهيرة.
الخاتمةُ: فى بيانِ الفائدةِ المرجوةِ من هذه الورقةِ.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  المقدمة

{رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِى * يَفْقَهُوا قَوْلِى} [سورة طه، الآيات 25- 28]

وصلاةً وسلامًا على سيدنا رسول الله، أشرفِ النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحمدُ للهِ على ما سَدَّدَهْ   فَهْو الذى ألهمنا أن نَحْمَدَهْ
شَرَّفَنا بالعلمِ بعدَ الجهلِ   وإن أهلَ العلمِ خيرُ أهلِ

  أما بعد:

فإنه لا جدال فى أن تراثنا المخطوط هو أغلى وأنفس ما تقتنيه مكتباتنا العامة، وما تشتمل عليه المكتبات الخاصة، وذلك يرجع إلى أسباب عدة، أهمها: 

أولا: أن الكتاب المطبوع مهما قل أو غلا ثمنه يمكن أن تحُلَّ نسخة منه محل نسخة أخرى وتغنى عنها، وليس الحالُ كذلك فيما يتعلق بالمخطوطات.

ثانيًا: أن تراثَنا المخطوطَ أضخمُ تراث مخطوط عرفته البشرية لحضارة من الحضارات - وإن كانت الحضارتان الإغريقيةُ واليونانيةُ أقدمَ وأوسعَ زمنًا - فإنه يمتد بطول حقبة من الزمان تربو على أحد عشر قرنًا تبدأ منذ عرف العرب الكتب، وتستمر حتى دخول الطباعة إلى عالمنا العربى.

ثَالثًا: أن هذا التراث يمثل حضارةً من أرقى الحضاراتِ التى عرفها التاريخ، حضارةً استطاعت أن تستوعبَ حضاراتِ الأممِ القديمةِ، وأن تهضمَها وتتمثلَها، وتضيفَ إليها وتُثْريَها، وتُخْرِجَها لنا فى صورة رائعة، كانت أساسَ النهضةِ الأوربيةِ.

ولقد أحدثتِ الغزواتُ الخارجيةُ والفتنُ الداخليةُ جراحاتٍ غائرةً فى جسدِ تراثِنا المخطوطِ لا تزال آثارُها واضحةً للعِيانِ حتى الآن، فقد مُزِّق كثير من هذا التراث شر مُمَزَّقٍ، وضاع منه ما ضاع، وأُتلف منه ما أتلف، وسُرق منه ما سُرِق، وما تبقّى منه فى المكتبات هو فى كثير من الأحيان أشلاءٌ متناثرةٌ، فالكتابُ الواحدُ تتوزع نُسَخُهُ بين المكتبات، وقد لا تتجمع أجزاءُ النسخةِ الواحدةِ فى مكتبةٍ واحدةٍ، فيوجد جزءٌ هنا وجزءٌ هناك، ولهذا قد نَجِدُ من الكتابِ الواحدِ فى المكانِ الواحدِ أجزاءً مسلسلةً، ولكن لا يُكمل بعضُها بعضًا؛ لأن كلَّ جزءٍ منها ينتمى إلى نسخةٍ غيرِ النسخةِ التى ينتمى إليها الجزءُ الآخَرُ. 

وهذا يُلْقِى على المكتباتِ مسئوليةً كبيرةً فى فهرسةِ ما لديها من أصولِ هذا التراثِ فهرسةً علميةً دقيقةً تُعرِّف به وتُيَسِّرُه للباحثين.

فنحن نجدُ فى كثيرٍ من فهارس المكتباتِ العديدَ من المخطوطاتِ المفهرسةِ، مجهولةَ الاسمِ، أو الموضوعِ الخاصِّ، أو المؤلفِ، وكذا المفهرسةَ خطأً، فضلاً عن غيرِ المفهرسةِ، وهى تُعَدُّ بعشراتِ الآلافِ فى مكتباتِ المخطوطاتِ فى العالمِ العربى والإسلامى، فضلًا عن غيرِهما من دولِ العالمِ.

وهذا يُضَيِّع على المثقفين عامةً، والمشتغلين بالتحقيقِ والدراساتِ العليا ونحوِهم - الكثيرَ من المعلوماتِ عن كتبٍ هى موجودةٌ بالفعلِ، لكنها مجهولةُ النسبةِ.

لذا حَاوَلْتُ إماطةَ اللثامِ عن هذه المصنفاتِ المجهولةِ، وفى أثناءِ المحاولةِ وجدتُ عناوين عدة؛ منها ما هو مفقودٌ تمامًا، ولا توجد له نسخةٌ أخرى فى العالمِ، فاعترتنى فكرةُ خوضِ البحثِ، فعقدتُ العزمَ بعد المشورةِ والاستخارةِ؛ فأعددتُ هذا البحثَ فى هذا الموضوعِ تجليةً لجوانِبه، وتنبيهًا على سُبُلِ الكشفِ عن هذه الكنوزِ المخفيةِ من تراثِنا المجيدِ.

ولقد ذكرتُ بعضَ النماذجِ من هذه المخطوطاتِ المجهولةِ فى الموضوعاتِ المختلفةِ، مما لم يُعلَمْ فيه اسمُ المؤلفِ أو عنوانُ الكتابِ، أو كلاهما معًا. ولا أعلمُ مَنْ أَفْرَدَ هذا الموضوعَ بالبحثِ إلا ما علمتُه من خبرٍ على الشبكةِ العنكبوتيةِ عن أن للباحثِ: مليحان بن مرهج الفايد السلفى بحثًا بعنوان "دراسة فى المخطوط المجهول"  (1).

خطة الورقة البحثية

وقد قسمتُ هذه الورقةَ إلى مقدمةٍ وتمهيدٍ ثم ثلاثةِ مباحثَ وخاتمةٍ.

فالمقدمةُ: فى أهميةِ تراثنا وحالته الراهنة، وسبل رعايته.

والتمهيدُ: فى تعريفِ المخطوطةِ المجهولةِ.

والمبحثُ الأولُ: فى الأسبابِ التى أوجبت جهالةَ المخطوطةِ.

والمبحثُ الثانى: فى ذكرِ بعضِ السبلِ التى تمكنُ من معرفةِ ذلك المجهولِ.

والمبحثُ الثالثُ: فى ذكرِ بعضِ نماذجَ مما تم كشفُه مما هو فى خزائنِ الكتبِ الشهيرة.

والخاتمةُ: فى بيانِ الفائدةِ المرجوةِ من هذه الورقةِ.

عسى اللهُ عز وجل أن ينفعَ به كاتبَه وسامعَه وقارئَه ومن يَسَّرَ أسبابَه من عبادِه الصالحين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

   التمهيد: فى تعريف المخطوطة المجهولة

تعريفها: هى المخطوطة الخالية من العنوان والمؤلف أو أحدِهِمَا أو الموضوعِ الخاصِّ.

وجهالة العنوان والمؤلف من البديهيات التى لا تحتاج لبيان أو تمثيل، وأما ما جُهِلَ موضوعه الخاص فهو أن الباحث يجد اسم الكتاب أو وصفه ويجد عليه اسم مؤلفه أو شهرته فيعلم بهذا العنوان والمؤلف، ولكن قد يكون لهذا المؤلف أكثر من تصنيف فى هذا الموضوع العام. وهذا يكون على أكثر من صورة: منها أن المصنِّفَ الواحدَ يكون له هو نفسه أكثرُ من شرح على متن واحد. ومنها أن يكون له أكثرُ من تصنيف فى موضوع ما. كما سيأتى فى التمثيل لذلك فيما يأتى.

فيحتاج للكشف عن ماهية المصنَّف، ما هى بدايته وخاتمته مثلاً ونحو ذلك مما سيأتى فى سبل الكشف عن المخطوطة المجهولة.

وهذا بخلاف المخطوطة المفقودة، وهى التى تُذكر عند جمع نسخ كتاب ما، أو عند البحث عن عنوان كتاب ما، فيقال إنه مفقود أو، إن مخطوطة مفقودة أو فقدت، أو لا يوجد مطبوعًا ولا مخطوطًا؛ ونحو هذا  (2).

وهذا أيضًا غير المخطوط المبتور، وهو الذى تنقصه بعض الأوراق. والمخطوط مبتور الأول، وهو الذى تنقصه الأوراق الأولى. والمخطوط مبتور الأول والآخر، وهو الذى تنقصه أوراقٌ من البداية والنهاية. والمخطوط المبهم وهو المبتور من الأول والآخِرِ أو من كليهما معا؛ أو به علة من العلل ويسمى: المقطوع والمعيب  (3).

وبهذا نكون قد فرقنا بين المخطوطة المجهولة وغيرها.

  المبحث الأول: فى الأسباب التى أوجبت جهالة المخطوطة 

أسباب الجهالة

وهى تنقسم إلى: أ- ما سببه المخطوطة نفسها.      ب- ما سببه خارج عن المخطوطة.

أ- فأما ما سببه المخطوطة نفسها، فمثلًا: أن تكون المخطوطةُ مبتورةً - بأنواعها - أو تكون النسخةُ مفككةً، وهى التى تفككت وتفرقت أوراقها   (4) فلا يعرف أول النسخة من آخرها. أو تكون بها علة من العلل كما سبق ذكره قبل قليل.

وإما أن يكون بداخل النسخة كتابٌ آخرُ لا يلتفت له المفهرس، فيضيع وسط هذه المخطوطة: ومثاله ما فى فهرسة المخطوطات لدار الكتب المصرية/مصطلح الحديث (ص183): حيث فهرس كتاب "تلخيص المتشابه فى الرسم..." للخطيب، وقال فى أثناء وصفه: ثم بعد فراغه من الكتاب أتبعه بكتاب ثان ضمنه ما يتفق من أسماء المحدثين... إلخ. 

وهذا الملحق بالنسخة عبارة عن كتاب آخر للخطيب وهو: تالى تلخيص المتشابه فى الرسم.

ب- وأما الأسباب الخارجة عن المخطوطة نفسها، فمثل: 

- أن تفهرس خطأً: ومثاله ما فى فهرس المخطوطات المصورة  (5) فى قسم الحديث والمصطلح رقم 144: من كتاب "تسديد القوس، فى مختصر الفردوس" لأبى منصور الديلمى. فإنه بمراجعة النسخة المصورة بالمعهد يتبين أن المدون عليها "زهر الفردوس" كما عنون فى هذه النسخة  (6).

وفى المصدر نفسه تحت رقم 146 كُتب: "جزء آخر منه" يعنى من تسديد القوس. ونجد أيضًا بالمراجعة أن عنوانه فى المخطوطة "الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس" والعناوين الثلاثة "التسديد والزهر والغرائب" من مصنفات وجهود الحافظ ابن حجر العسقلانى (ت 852 هـ) - صاحب فتح البارى بشرح البخارى الشهير - على مسند الفردوس للديلمى، كما نص على اثنين، منهما الشيخ أبى الحسن بن عَرَّاق فى مقدمة كتابه: تمييز الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة.

وأظن أن الذى أوقع مُفهرسنا الفاضل فى ذلك أنها عدة مؤلفات لعالم واحد على كتاب واحد، فحملها على أحد عناوينها، والله أعلم.

- أن يكون ما عليها عنوانًا جزئيًا: ومثاله ما فى فهرس المخطوطات المصورة  (7) فى قسم الحديث والمصطلح رقم 136 بعنوان: "تخريج تقريب الأسانيد" لولى الدين ابن العراقى. فإنه بمراجعة النسخة المصورة بالمعهد يتبين أنه جزء من تكملته لشرح والده المسمى "طرح التثريب فى شرح التقريب"  (8).

- أن يكون عنوانًا للموضوع العام للمخطوطة أو قريبًا منه: ومثاله: ما فى فهرس المخطوطات المصورة  (9) فى قسم الحديث والمصطلح رقم 140 بعنوان: "تذكرة فى الحديث " كتب عليها: هذه الكراريس من بعض تداريس ناصر الدين المحدث..." إلخ. وهى عبارة عن بعض أمالى ابن ناصر الدين الدمشقى، وقد أخرجها وخدمها فضيلة الشيخ المحدث محمد عوامة حفظه الله تعالى بعنوان "مجالس فى تفسير قوله تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [سورة آل عمران، الآية 164] للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقى (ت 842 هـ)  (10).

إلى غير ذلك من الأسباب والتى منها أيضًا: أن يُكتب عنوانُها خطأً من الناسخ، أو من غيره  (11). وأن يضع المؤلف للكتاب أكثر من عنوان.

وقد اقتصرتُ على بعض الأسباب نظرًا لضيق الوقت المتاح.

    المبحث الثانى: فى ذكر بعض السبل التى تُمَكِّنُ من معرفة ذلك المجهول 

وقد رأيت الإجمال فى هذا المبحث - مع وجود كثير من مادته متاحًا للكاتب - نظرًا لظروف المؤتمر. فمن ذلك:

1- أن نبحث عن أول الكتاب أو مقدمته أو خاتمته (حَرْد المتن) ثم نقارنها بالكتب المصنفة فى الموضوع نفسه، أو يبحث فى الفهارس المتخصصة فى موضوع الكتاب، أو فى كتاب ككشف الظنون وذيوله كإيضاح المكنون ممن يوردون وصفًا مختصرًا للكتاب مع ذكر أول التصنيف.

2- النظر فى سماعات النسخة على المشايخ فقد يُذكر فيها اسم الكتاب المسموع واسم مؤلفه ونحو ذلك.

3- النظر فى التجزئةِ الداخليةِ للنسخة، فعادة ما يعاد كتب العنوان عند كل جزء جديد.

4- النظر فى ذكر تاريخ تصنيفه إن وُجِد، وقد كشفتُ عن إحدى المخطوطات المجهولة بهذه الإشارة فى خاتمة التأليف.

وقد يعسر الوقوف على أى من البيانات السابقة، فيُلجأ للنظر فى اسم واقف النسخة أو مالكها أو مُطَالعها ونحو ذلك.

والاستعانة كذلك بعلم المخطوطات، أو: الكوديكولوجى. وهو يُعْنَى بدراسة الشكل المادى للكتاب المخطوط بوصفه أثرًا بصرف النظر عن نص الكتاب. 

وموضوعه: حوامل الكتابة: كالورق، والمواد والآلات المستخدمة فى الكتابة، وشكل الكراسات وأحجامها وترتيبها، وشكل الصفحة وإخراجها وتسطيرها، وتزويق المخطوطة وتذهيبها وتجليدها  (12).

فإن هذا مما يعين على التعرف على زمن تدوين المخطوطة، مما يساعد على تحديد مؤلفها، خاصة إذا كانت بخطه، إلى غير ذلك من الفوائد.

   المبحث الثالث: فى ذكر بعض نماذج مما تم كشفه مما هو فى خزائن الكتب الشهيرة

أذكر فيه أمثلة لما تم كشفه والعثور عليه، وكان منه ما مضى عليه أكثرُ من ألف عام؛ مما هو قابع فى مركز من أعظم مراكز المخطوطات فى العالم، ألا وهو دارنا القومية الوطنية "دار الكتب المصرية" وغيرها من خزائن الكتب الشهيرة.

أولاً: ما جهل مؤلفه وعُلم عنوانه: مثاله ما فى فهرس المخطوطات المصورة  (13) فى قسم الحديث والمصطلح رقم 541 بعنوان "هداية المتنسك وكفاية المتمسك" وكتب: لم يعلم مؤلفه نسخة كتبت سنة 982 هـ بدار الكتب المصرية برقم 6166 حديث  (14).

وبمراجعة إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون للبغدادى (2/722) يتبين أنه لم يذكر له مؤلفًا كذلك، مما يدل على أن النسخةَ التى وقف عليها خاليةٌ من اسم المصنف.

فلما راجعت بعض فهارس المخطوطات لبعض المكتبات وجدت منه – أى كتاب المتنسك – نسختين، إحداهما بجامعة برنستون بأمريكا برقم 755، والأخرى بمكتبة الدولة (الملكية) ببرلين برقم 1369، منسوبتين لزكريا بن محمد الأنصارى شيخ الإسلام (ت 926 هـ).

فراجعت ترجمته عند بروكلمان فى كتابه "تاريخ الأدب العربى" (ق6 ص397) فوجدته ذكره كذلك ضمن مصنفاته، ووجدته مذكورًا ضمن مصنفاته فى مقدمة تحقيق شرحه للبخارى المطبوع مؤخرًا (ص40) بلا توثيق غير قوله: حديث مخطوط، فالحمد لله على توفيقه.

ثانيًا: ما جُهِلَ عنوانه وعُلم مؤلفُهُ: مثاله ما فى فهرست المخطوطات بدار الكتب المصرية/مصطلح الحديث (ص225-226)

بعنوان: "رسالة فى اصطلاح الحديث" تأليف محيى الدين... النووى أولها بعد الديباجة: باب أقسام الحديث: الحديث صحيح وحسن وضعيف.اهـ وذكر أيضًا خاتمته.

وهو يتفق مع مقدمة كتاب "التقريب والتيسير فى سنن البشير النذير " المطبوع مفردًا ومع شرحه المشهور "تدريب الراوى" للسيوطى.

ثالثًا: ما جُهِلَ مؤلفُهُ وعنوانه معًا: مثاله ما فى فهرست الكتبخانه الخديوية (1/420) معنونًا باسم: مسند فى الحديث. فراجعت الفهرس الآخر للدار (1/147) فلم أجده تحت هذا العنوان، ولكن وجدته بدلالة الرقم تحت عنوان: مسند لأحد الحفاظ، وراجعت أيضًا الفهرس الشامل للتراث العربى المخطوط (3/1455) فوجدته تحت عنوان: مسند مجاهيل. 

فلما راجعت المخطوطة ونظرت فيها تبين لى أنه قطعة من مسند البزار العظيم الذى سبق أن قمت بتحقيق مختصر زوائده منذ عشرين عامًا فى مجلدتين  (15)

ولما رجعتُ للمطبوع من مسند البزار لم أجد هذه القطعة قد طبعت. ولما فتشتُ فيما اطلعت عليه من مخطوطاته لم أجد هذه القطعة ضمنها، ومن العجائب أن هذه القطعة من المخطوطات أَلْفِيَّةُ العمر؛ إذ إن تاريخ نسخها 420 هـ   (16).

رابعًا: ما جهل موضوعه الخاص: وهو أن الباحث يجد اسم الكتاب أو وصفه وذكر اسم مؤلفه أو شهرته، فيعلم بهذا العنوان والمؤلف، ولكن قد يكون لهذا المؤلف أكثرُ من تصنيف فى هذا الموضوع العام، فيحتاج لكى يكشف عن ماهية المصنَّف أن يعرف: ما هو موضوعه الخاص، وما هى بدايته وخاتمته مثلاً، ونحو ذلك مما سيأتى فى سبل الكشف عن المجهول.

فمنها أن يكون للمصنِّف نفسه أكثر من شرح على متن واحد. 

مثاله: ما قيل عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد البُرْنُسِى الفاسى المغربى المعروف بـ: زَرُّوق (ت 899 هـ) أنه درَّس الْحِكَم لابن عطاء الله السكندرى (ت 709 هـ) خمسة عشر دروسًا  (17) وكتب كل مرة شرحًا من ظهر القلب كله بعبارة أخرى. وقيل: إن للشيخ زروق: ثلاثة شروح على الحكم. قال حاجى خليفة معقبًا: لكن الأصح ما كتبه نفسه  (18). وذُكر له أيضًا شرحان على الرسالة العضدية  (19).

ومنها أن المصنِّف الواحد يكون له هو نفسه أكثر من تصنيف فى موضوع ما. 

ومثاله: الألفية للعراقى، فإن للحافظ أبى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى (ت 806 هـ) ثلاثَ منظوماتٍ ألفية: 

الأولى: وهى أشهرها ألفيته فى علوم الحديث الملقبة بـ "التبصرة والتذكرة".

التى أولها: 

يَقُولُ رَاجِى رَبِّهِ الْمُقْتَدِرِ   عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَثَرِى

والثانية: وهى التى تليها فى الشهرة: ألفية السيرة المسماة بـ "الدررُ السنيةُ فى نظمِ السيرةِ النبويةِ".

التى أولها: 

يَقُولُ رَاجِى مَنْ إِلَيهِ الْمهربُ   عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُذْنِبُ
أحمدُ ربى بأتمِّ الحمدِ   وللصلاةِ والسلامِ أُهدى

 والثالثة: وهى الأقل شهرة ألفية غريب القرآن  (20).

التى أولها: 

الحمد لله أَتَمَّ الحمدِ   على أيادٍ عَظُمَتْ عن عَدِّ

فمجرد ذكر العنوان واسم المؤلف - كما فى حالتنا هذه - لم يَكْفِ فى إزالة الإبهام والجهالة عن نوع هذا التصنيف ضمن منظومات العراقى الثلاث  (21) حتى اطلعنا على أولها.

******

  الخاتمة:

فى بيان الفائدة المرجوة من هذه الورقة

هى بالأصالة خدمة للتراث عامة، وللتراث العربى والإسلامى خاصة، وللقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وعلومهما خاصة الخاصة.

فمنها استخراج الكتب التى فى حكم المفقودة أو الوقوف على قطع منها، وإسعاف المحققين الذين يعتمدون فى تحقيقهم على نسخة فريدة ناقصة أو مخرومة، أو فيها طمس أو سقط، وتحفيز الباحثين للولوج فى هذا المجال البِكر، وتوظيف واستعمال المخترعات والطاقات الحديثة فى.. (22).

والغرض منها يتلخص فيما قاله شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد معبد حفظه الله: "ولو أنه أُتيح لمن له إلمام متميز وخبرة واسعة بالمؤلفات الحديثية أن يطلع تفصيليًّا على تلك المخطوطات أو مصوراتها لظهر لنا من كنوزها الكثير مما نعده الآن معدومًا أو مفقودًا.

وقد دعوت - وما زلت أدعو - الله تعالى أن يوجه همم أصحاب العزائم الخبرةَ والقدرة المالية لتبنى بعض المشروعات البحثية لكشف كنوز هذا التراثِ الخالدِ، والذى لا يقدر بثمن، والذى يغبط من يسعى فى إحيائه ابتغاء مرضاة الله على ما يمنحه الله عز وجل له من عظيم الجزاء .

كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِى الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ}[سورة يس، الآية 12]   (23).

والباحث بدوره يتبنى ما دعا إليه شيخنا وأستاذنا من دعوة المراكز البحثية والأكاديمية والخيرية وغيرها إلى المسارعة إلى الاهتمام بالتراث عامة، وإلى كشف المجهول منه على وجه الخصوص.

وأشكر لحضرات السادة العلماء صبرهم على سماعهم هذا الكلام المتكرر على أسماعهم، وأحسن الله إلى الجميع. 

وأسأل الله العلى القدير التوفيق لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 العودة لصفحة المؤتمر 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) أرشيف ملتقى أهل الحديث (ص1841) على الموسوعة الشاملة.

  (2) وقد صنف فى هذا الموضوع د. حكمت بشير ياسين: "القواعد المنهجية فى التنقيب عن المفقود: الكتب والأجزاء التراثية".

  (3) ينظر "معجم مصطلحات المخطوط العربى" لأستاذنا أحمد شوقى بنبين بمشاركة مصطفى طُوبى (ص322) بتصرف.

  (4) ينظر المرجع السابق (ص361).

  (5) ج1 الصادر عن معهد إحياء المخطوطات العربية سنة 1954م تصنيف العالم الخريت فؤاد سيد رحمه الله تعالى (ص68). 

  (6) وهذا وجدته بخط شيخى وأستاذى د. أحمد معبد على إحدى نسخه من هذا الفهرس. والعبارة والمراجعة له.

  (7) الصادر عن معهد المخطوطات العربية (ص67). 

  (8) وهذا وجدته بخط شيخى وأستاذى د أحمد معبد؛ على إحدى نسخه من هذا الفهرس. والعبارة والمراجعة له.

  (9) الصادر عن معهد المخطوطات العربية (ص67). 

  (10) ولم يشر إلى مصورة معهد المخطوطات، بل اعتمد مصورتها من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

   (11) كالمُجَلِّد. أو بعض مالكى النسخة أو قارئيها أو واقفيها.

  (12) ينظر مقدمة د. أيمن فؤاد سيد لترجمته لكتاب فرنسوا ديروش: "المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربى" (ص13-14).

  (13) ج1 الصادر عن معهد إحياء المخطوطات (ص113). 

  (14) راجعت فهرس الكتبخانه، وفهرس دار الكتب المصرية فى قسم الحديث منهما، والفهرس الهجائى ذا الثلاثة مجلدات، فلم أجد للعنوان أثرًا، فالله أعلم.

  (15) صدر عن مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت سنة 1412هـ - 1992م محققًا عن نسختين؛ إحداهما بخط عبد العزيز بن فهد المكى عن نسخة مصنفه الحافظ ابن حجر.

  (16) ثم يَسَّر الله عز وجل للفقير كاتب البحث بتحقيقها وطبعها فى مجلدة خُتم بها الأجزاء الثمانية عشر المطبوعة؛ فى قصة ذكرتها بمقدمته، فالحمد لله على توفيفه.

  (17) كذا، والصواب: درسا.

  (18) ينظر: كشف الظنون (1/675).

  (19) ينظر: كشف الظنون (1/877).

  (20) طبعت بهامش التيسير فى علم التفسير للديرينى، طبع حجر، مط محمد أبى زيد، سنة 1893م. ينظر: معجم المطبوعات (1/901)، (2/1318). وفهرس الأزهرية 1/142، والفهرس الشامل للتراث العربى الإسلامى المخطوط/ علوم القرآن (1/441).

  (21) أفادنى هذا النوع والمثال عليه فضيلة شيخى وأستاذى د. أحمد معبد حفظه الله ورعاه وأكرمه كما أكرمنى بفيض علمه.

  (22) استفدت هذه الفوائد من خلال كتاب "القواعد المنهجية".

  (23) تقديم فضيلته للجزء الثامن عشر من مسند البزار بتحقيق معد هذا البحث.