مداخلة أ.د. بشار عواد معروف

 

رئيس الباحثين فى عمادة البحث العلمى بالجامعة الأردنية

 

 العودة لصفحة المؤتمر 

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أود أن أشكر الجميع على هذه المحاضرات التى استمتعنا بها ، ويهمنى حقيقة أن أنبه إلى مسألتين:

المسألة الأولى أن السماعات المكتوبة على المخطوطات ليست دائمًا هى الدلالة على صحة المخطوط ، لأنه لا سيما فى الأعصر المتأخرة - القيمة الحقيقية تكون للناسخ المتقن الجيد ، وللسامع إن كان يقابل على الأصل المنتسخ منه ، وأعطيكم على ذلك مثالين:

المثل الأول: أنى عند تحقيق تاريخ الخطيب البغدادى وجدت سماعات عديدة على نسخة من القرن السادس الهجرى ، عليها سماعات لابن الجوزى وجماعته ، مجموعة من كبار علماء بغداد بمن فيهم ابن الجوزى ، وهى من أسوأ النسخ التى وقفت عليها ، لأن القارئ يقرأ ولا أحد يصحح ، هذه موجودة .

المثل الثاني: أن الأسانيد فى كثير من الأحيان لا قيمة لها ، فمثلا خذ أشهر مثال هو إسناد الطبرانى ، فاطمة الجوزدانية ابن ريذه الطبرانى ، فاطمة سمعت الطبرانى وعمرها ثلاث سنوات ، فما الفائدة المرجوة من مثل هذا السماع ؟ هذا سماع ....

أبو منصور القزاز أشهر من روى تاريخ مدينة السلام عن الخطيب البغدادى ، وهو الذى يروى ابن الجوزى وغيره عن طريقه هذا الكتاب ، كان قد سمع من الخطيب بين عامى 462 ، 463 هـ قبيل وفاة الخطيب ، وكان عمره حينئذ ست سنوات ، فهل كان يستطيع أن يصحح ويفهم ماذا يصنع؟

فأرجو أن تراعى هذه المسألة ، وفى الوقت نفسه أنا لا أقلل من قيمة السماعات ، لأن حافظًا مثل المزى رحمه الله حين يقابل مخطوطة لا يمكن أن يترك فيها كلمة واحدة لا يتثبت منها ، ولكن هذا يختلف عن الأشياء الأخرى .

الأمر الثانى: بالنسبة للأخ الذى تكلم عن معرفة المخطوطات ، فأنا لى تجربة فى هذا الموضوع ، فى سنة 1965م كان أمين دار المخطوطات فى دار الكتب المصرية الشيخ فؤاد سيد رحمة الله عليه ، وكان صديقًا لى ، وكنت قد جئت إلى هذه البلاد فى ذلك الوقت وجلست فيها تسعة أشهر ، وحتى يعرف الإنسان أن هذه المخطوطات صحيحة النسبة أو مجهولة النسبة إلى آخره ؛ يجب على الإنسان أن يجمع كل مخطوطات المكتبة ، ويدرسها دراسة متأنية حتى يكتشف صحة النسبة من عدمها ، وفى تلك المدة اكتشفت أخبار الزهاد لابن الساعى البغدادى . وفى تونس اكتشفنا عيون الإمامة ونواضر السياسة لأبى طالب المروانى ، وفى الجزائر اكتشفت المستملح للذهبى ، وفى تونس مرة أخرى وجدنا كتابا عليه اسم مؤلفه وعنوان الكتاب وفى آخر الكتاب وجدنا اسم المؤلف أيضًا ، ولكن الكتاب شىء آخر ، والورقة الأولى ملصقة على الكتاب ، وهو قطعة من تاريخ إربل لابن المستوفى الإربلى ، وهو الجزء الأخير منه - الجزء الخامس - ، وهذا شىء عجيب ؛ مع أن الكتاب مكتوب عليه إهداء الأمراء بتواريخ الشعراء لإبراهيم بن يوسف القرطبى ، وليس فى الكتاب قرطبى ولا أندلسى ، بل كلهم إربليون أو بغداديون ذهبوا إلى إربل أو ما إلى ذلك . حتى يعرف الإنسان كيف يحصل على المخطوط ؛ أهم شىء هو معرفة الخطوط .

المسألة الثانية: هى النقول عن هذا الكتاب وتبثيت ذلك .

ذاتية المؤلف ، فإن المؤلف فى أثناء الكتاب قد يذكر نفسه أو يذكر أقرباءه أو يذكر مشايخه أو تلامذته أو يذكر كتبًا ينقل منها ، هذه كلها تساعدنا فى معرفة المخطوط ، وهذه موجودة فى مقدمات هذه الكتب الأربعة .

فى أثناء رحلتى إلى إستانبول ، كنت أمكث فى مكتبة السليمانية أشهرًا طويلة ، فى الأماكن المجاورة لها عند تحقيقى لتهذيب الكمال ، وحين انتهيت من تحقيق الكتاب كان قد اجتمع عندى 87 جزءًا بخط المزى رحمه الله ، ولم أكن أعرف ذلك ساعتها ، ولكنى عرفت ذلك لما قاربت على الانتهاء من الكتاب ، وهذه النسخ لم تكن معروفة فى ذلك الوقت - كما هو معلوم - ولا سيما فى مكتبات إستانبول . وجزاكم الله خيرا .

*****

مداخلة من أحد السادة الحضور 

هناك فائدة استفدتها من كلام الدكتور أحمد معبد حفظه الله ، هناك كتاب باسم فضائل الأعمال لابن السنى ، وتكاد تجمع جميع الفهارس على أن هناك كتابًا باسم فضائل الأعمال لابن السنى صاحب الإمام النسائى رحمه الله ، ونسبوا الكتاب للمكتبة الأزهرية ، وفعلا الكتاب موجود ؛ ولكنى عندما اطلعت عليه وجدته كتاب رياض الصالحين للإمام النووى رحمه الله ، والعنوان الخطأ المثبت على الغلاف هو بخط ناسخه وليس بخط مفهرسه ، وتلك فائدة من شيخنا الدكتور أحمد معبد ، أن الخطأ ليس دائمًا من مفهرسه ، ولكنه قد يكون من ناسخه أيضًا ، فالذى حدث أن غلاف الكتاب فُقد ، فاضطر ناسخه أن يقتبس اسم الكتاب من الصفحة الأولى الموجودة ، وكان فيها اسم كتاب فضائل الأعمال لابن السنى الذى ذكره الإمام النووى من ضمن الكتب التى اقتبس منها لكتابه . وجزاكم الله خيرًا .

 *****

مداخلات حول بحث أ.د محمود عبد الخالق حلوة

المداخلة الأولى

يقول السائل: مصطلح الأميين يحتاج إلى تحقيق ، فهو ليس خاصًّا بأمة العرب ، وعندى أدلة ذلك .

رد أ.د. محمود عبد الخالق حلوة

حقيقةً فإن ما جاء فى القرآن هو أصدق حديث، قال تعالى {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ} [سورة الجمعة ، الآية 2] ... فى اللغة، ولكن الأمر متعلق بمن أُنْزل فيهم القرآن وبمن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولكن لا مانع من أن يطلق لفظ الأميين على من لم يعلم شرع الله عز وجل فى جميع بقاع الأرض .

 المداخلة الثانية

هل وجود السماعات على بعض النسخ الخطية تعتبر توثيقًا مطلقًا لهذه النسخة ، لأننا وجدنا نسخا خطية عليها سماعات كتبت بخط كبار العلماء ومع ذلك وقع فى كثير من هذه النسخ كثير من التصحيفات ، حتى وقع ذلك فى الآيات القرآنية ، فهل تشفع هذه السماعات فى توثيق تلك النسخ ما فيها من تصحيفات؟

رد أ.د. محمود عبد الخالق حلوة

لا يعتد مطلقًا بهذه السماعات الموجودة على النسخ إلا إذا عرفنا مَن من العلماء سمع هذه النسخة ، فمثلا فى كتاب الإمام الطبرانى نجد أن ممن سمع هذا الكتاب الإمام عبد الغنى المقدسى ، وهو صاحب كتاب الكمال فى أسماء الرجال . ووجدنا سماعًا فى كتاب البيهقى للإمام المزى ، وهو صاحب تهذيب الكمال ، إذن فهذان العالمان فى قمة العلماء العالمين بالإسناد وبرجاله ، ونرى أن الكتب التى سمعاها من أصح النسخ وأتقنها ، خاصة أن هذه السماعات قد تكررت فى ثنايا الكتاب .

*****

مداخلات حول بحث أ. صبرى عبد الخالق الشافعى  

المداخلة الأولى

هل يوجد مكان واحد فى العالم يجمع كل نسخ الكتاب المراد تحقيقه ، أو يجمع كل أجزاء الكتاب الواحد ، ليوفر على الباحث؟

رد أ. صبرى عبد الخالق الشافعى

فى علم الحديث يوفر الفهرس الشامل هذا الأمر ، وكذلك فى علم القرآن .

المداخلة الثانية

أين طبع ذيل كتاب البزار ؟

رد أ. صبرى عبد الخالق الشافعى

فى مكتبة العلوم والحكم ، وهو من تحقيقى بفضل الله تعالى .

المداخلة الثالثة

تفسير ابن مردويه ما زال مفقودًا ، فهل جمع مروياته من بطون الكتب كتفسير البغوى وابن كثير وغيره - يعد صحيحًا ؟ وإذا وجدت المخطوطات الأصلية هل ينتفع بهذا ؟

رد أ. صبرى عبد الخالق الشافعى

بالنسبة لجمع مروياته من بطون الكتب فلا بأس بجمع هذه الأحاديث مع ذكر المصدر ، وأن يصرح الجامع لها بذلك . وعند وجود نسخ الكتاب يستفاد بها فعليًّا فى التحقيق وفى توثيق النسخة .

المداخلة الرابعة

هل يقع الزيف والتحريف فى السماعات التى توجد على النسخة على أيدى المسلمين أم أن هذا الأمر مستبعد تمامًا؟

رد أ. صبرى عبد الخالق الشافعى

نعم يقع التزييف والتحريف على أغلفة النسخ من بعض النساخ ليُرَوِّجوا لنسخهم ، وقد وجدنا بعض ذلك فى نسخ الموطإ للإمام مالك فى جمعية المكنز ؛ حيث كُتب على بعض النسخ رموز النسخ التى قوبلت عليها ؛ حتى وصلت على نسخة واحدة أكثر من 25 رمزًا لروايات كثيرة لرواية يحيى ، ويذكر رمز كل رواية ابن الطلاع وعبيد الله وغيرهم . وهناك نسخ أخرى نجد على غلافها رموز هذه النسخ ، كما على النسخة اليونينية لصحيح البخارى ، ولكننا لا نجد صدى لهذه النسخ أبدًا داخل النسخة . 

*****

 مداخلة أ.د. رفعت فوزى  

أستاذ الشريعة الإسلامية والحديث الشريف بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة

قد سمعت فى المحاضرة بأنه قد تكون هناك سماعات لعلماء كبار على نسخة ما ولكن هذه النسخة مليئة بالتصحيفات والتحريفات ، وفى الحقيقة هذا الادعاء فيه لبس كبير ؛ لأن بعض المخطوطات المتقنة تكون عليها سماعات ، فإذا جاء أحد الكتاب لينسخ منها نسخة ؛ فإنه بالتالى ينقل هذه السماعات ، ثم يأتى من يسمع هذه النسخة المشوهة - ربما من الكاتب نفسه – وتثبت عليها سماعات ، فيختلط فيها هذه السماعات بتلك السماعات المنقولة مع النسخ ، وهذا هو التفسير الأدق لهذه الظاهرة التى نتكلم عنها ، فإن كبار العلماء لا بد أن يكون لهم تأثير فى التدقيق والتصحيح فى النسخة التى قرئت عليهم . والله تعالى أعلى وأعلم .

*****

مداخلة أ.د. بشار عواد معروف

رئيس الباحثين فى عمادة البحث العلمى بالجامعة الأردنية

أقول إن هذه السماعات لهؤلاء العلماء كانوا يكتبونها بالتاريخ ، أما السماعات المنقولة فهذا شىء آخر ، فأنا عندما تكلمت عن سماعات ابن الجوزى وجماعته على تاريخ بغداد فهى فى نسخة عندى .

فقد مر واحد من الحجاج الخراسانيين على بغداد فقرأ عليه الخطيب البغدادى صحيح البخارى ، وهو يسير فى طريق الحج فى ثلاثة أيام ، فماذا استفاد الخطيب البغدادى فى قراءته لصحيح البخارى فى ثلاثة أيام غير البركة؟ هل صحح النسخة وهو يسير فى طريقه إلى الحج ، وقد كتبت كل هذه النتائج ، فنحن نريد أن نفرق بين الانتظام فى سلك حَمَلة السنة النبوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك من البركة ، ولهذا نجد هذه الوجوه النضرة تطلب الإجازات وتطلب الإسناد إلى غير ذلك ، فكل هذا ليس عملاً علميًا وغيرها ، فماذا استفاد الإمام الذهبى عندما طلب أخوه من الرضاعة على بن إبراهيم بن العطار الإجازة له من 27 عالمًا من العلماء فى سنة مولد الذهبى ، وقال ابن حجر : وقد انتفع الذهبى بهذه الإجازات انتفاعًا شديدًا . ولكن هذا من ناحية الرواية وليس من الناحية العلمية ، وكذلك كانت أكثر مجالس القراءات ، فكانت تلك المجالس تحوى أطفالا وأطفالا رضعًا وغير ذلك ، فكانوا يحضرون مجالس السماع للحصول على البركة فقط ، فأنا عندى نسخة لتهذيب الكمال عليها سماعات لأطفال لا يتجاوز عمرهم عشر سنوات ، فهذا يدل على أن تلك السماعات ليس فيها فوائد علمية أو ما شابه ذلك . وشكرًا .

*****

 مداخلة أ.د. أحمد معبد عبد الكريم

أستاذ الحديث بجامعة الأزهر 

والمشرف العلمى على مشروع السنة المشرفة بجمعية المكنز الإسلامى

نحن نتفق مع الدكتور بشار فيما قاله عن أن تلك السماعات لهؤلاء الأطفال لا يستفاد منها علميًا ، ولكن يجب أن نفرق بين أن تلك السماعات تفيد فى الرواية أو تفيد فى البحث والتوثيق ، فالإجازة تجوز حتى إن الخطيب البغدادى نفسه قد أجاز حبل الحبل ، وهى بهذا تتصل وتكون رواية ، والرواية بالإجازة لم يمنعها أحد من أهل العلم ، ولكن لا شك أن الطفل الصغير لا يحقق النسخة التى عليه سماعه ، ففى صحيح البخارى وجدنا أن كل رواية نسخها تختلف فيما بينها .

فيجب ألا نخلط بين الأمور ، فالدكتور بشار يشير إلى كون هذا السماع على النسخة لا يعد من باب التصحيح العلمى ، ولكننا لا نستطيع أن نرد الرواية بالإجازة فهى معتبرة ويتصل بها السند ، ولا نستطيع أن نرفضها إلا إذا رفضنا الرواية بالإجازة عامة ، فنحن مجازون من الدكتور بشار ولا نستطيع أن نرد إجازته ؛ ولكننا لا نستطيع أن نتحصل على خبرته من خلال الإجازة ، فيجب أن نفرق بين الرواية بالإجازة وبين تدقيق النسخ ، وأظن أن الدكتور رفعت يقصد هذا .

 العودة لصفحة المؤتمر