كلمة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم
رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر كلية أصول الدين ، ورئيس جامعة الأزهر السابق .
العودة لصفحة المؤتمر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على صاحب السنة المطهرة، المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد بن عبد الله، الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأتوجه بالحمد والثناء والشكر لله سبحانه وتعالى، الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، ثم أتوجه بالشكر إلى جمعية المكنز، وإلى السادة الأجلاء والعلماء النبلاء، الذين سنسعد بهم فى هذا اللقاء المشرق الوضَّاح.
سماحة فضيلة المفتى، وفضيلة الدكتور أحمد معبد، والوجوه المشرقة التى أثلجت صدرى عندما دخلت هذه القاعة؛ فوجدت وجوه أهل الحديث المنضَّرة بدعوة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفى مقدمتهم ومقدمة الصفوف شيخنا الجليل فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم الذى نسعد بلقائه اليوم.
أيها السادة الأجلاء لم تحْظَ ثقافة فى الوجود كما حظيت السنة النبوية المشرفة - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام - بتحقيقٍ وتدقيق واستيعاب لكل شئون الحياة والعبادة والأخلاق والقيم.
وما نُقِلَتْ حياة نبى من الأنبياء، ولا رسول من الرسل، ولا عظيم من عظماء البشر - منذ كان للحياة تاريخ، وإلى أن تهمد لها على ظهر الأرض حركة - كما نُقِلَتْ حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حَظِيت بالجمع والتوثيق والتحقيق والتدقيق، فنُقِلَت حياته برمتها بكلياتها وجزئياتها وتفصيلاتها وخفاياها وأسرارها، وما ظهر منها، وما لم يظهر، نُقِلَت حياته فى السُّنة المطهَّرة.
حياته فى السلم، فى الحرب، فى المأكل، فى المشرب، فى الحِل، فى الترحال، حتى الحياة الخاصة، حتى قضاء الحاجة .
حتى معاشرة الزوجة، ورد فيه دعاء قبله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» (*). حتى عندما يخرج من بيته كان يقول «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ» (**) . إلى آخره. فلا يوجد سر، ولا يوجد شىء خفى فى حياته صلى الله عليه وسلم، نُقِلَت كلها برمتها، وبماذا نُقِلَت؟ بأدق طرق النقل التى لا تعرف الدنيا لها مثيلا.
فلئن وُجِدَ المنهج الأوربى الحديث لتحقيق الأخبار وتوثيقها ؛ فقد فاق منهجُ المحدثين كلَّ المناهج، فى التدقيق وفى التحقيق، وفى جمع هذه الحياة النبوية، وشاء الله تعالى لها ذلك؛ لأنه القدوة والأسوة، ولأنه بها يُعَلِّم الناس، ونتعلم من حياته العامة والخاصة فى كل فروعها، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب الآية 21].
فاستوعبت كل شىء، وحُفِظت على هذا النحو الذى لم تُحْفَظْ عليه حياة نبى ولا عظيم من البشر إلى أن تقوم الساعة.
وكما تكفل الله بحفظ القرآن - تكفل بحفظ كل صحيح من سُنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولدينا يقين مطلق بأن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن، وحَفِظه فعلًا كما وعد: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر الآية 9].
وهذا اليقين يفيض علينا يقينًا قريبًا منه؛ بأن الله تعالى تكفل بحفظ كل حقيقى وصادق من سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون بيانًا للقرآن الكريم، كما قال تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبَعَ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [سورة القيامة الآيات 17-19] . فالله تعالى تكفل بحفظ كل صحيح من سُنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واشتملت السُّنة على ما فيه سعادة البشر دنيا وأخرى، واشتملت على ما فيه حل لمشكلات الحياة، لدرجة أن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله رحمة واسعة - قبل أن يرحل عن دنيا الحياة، وصى ولده عبد الله بمسنده الحافظ، وقال له: احتفظ بهذا المسند؛ فإنه سيكون للناس إمامًا، إذا اختلفوا فى أمر رجعوا إليه فوجدوا فيه.
ما أحوجنا إلى هذا المؤتمر للسنة النبوية حتى نأخذ منها ما فيه حلٌّ لمشكلات حياتنا المعاصرة.
ومن أجل ذلك كان لأهل الحديث مكانتهم ومنزلتهم، التى حظى بها المحدثون منذ دعا لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ودعاؤه مستجاب عند ربه « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (***) .
حتى قال سيدنا سفيان: ما من أهل الحديث أحد إلا وفى وجهه نضرة ببركة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال الإمام الشافعى رحمه الله: إذا رأيت واحدًا من أصحاب الحديث فكأنى رأيت واحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن إذ ننظر إلى ما تواجهه السُّنة فى هذه المرحلة من بعض التحديات وبعض الشطط الذى يثيره أعداء الإسلام عليها، ونرى أن ربنا سبحانه وتعالى حين وصَّانا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [سورة النساء الآية 80] . لم يقل: كأنما أطاع الله. بل قال: فقد أطاع الله.
وفى هذا ردٌّ على أولئك الذى يحاولون أن يقولوا: حسبنا القرآن. ويريدون أن يتنازلوا، أو أن يدعوا إلى ترك السُّنة، فنرى القرآن يقول لهم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر الآية 7].
فأولئك الذين يتطاولون فى هذه المرحلة على سُنة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل بلغ ببعضهم التبجح داخليًّا وخارجيًّا أن يتطاولوا على مَقام أطهر مَن مشى على الأرض، وهو صاحب السُّنة المطهَّرة عليه الصلاة والسلام.
من أجل ذلك كانت مثل هذه المؤتمرات المهمَّة بلاغة فى التعبير، فإذا كان العلماء عرَّفوا البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فأرى أن هذا الملتقى وهذا المؤتمر عين البلاغة:
أولًا: لأن فى السنة حلًّا لمشكلاتنا العويصة، التى ترنَّحت فيها نظريات وحكومات، وبحث الباحثون عن الحل، وهو موجود فى سُنة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: لأن فيه أبلغ رد على أولئك الذى شَغبوا، وحاولوا أن يتطاولوا على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يحمله هؤلاء العلماء الأجلاء الذين أطالع وجوههم الناضرة الآن فى هذا اللقاء، وبما سيفيئه علينا كل بحث من عطاء إيمانى عظيم.
من أجل ذلك وباسم المشاركين فى هذا المؤتمر أدعو الله من كل قلبى أن يوفق القائمين وجمعية المكنز وجميع الحاضرين إلى الانتصار لسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مقامه، وأن ندرأ عنه صلى الله عليه وسلم سهام أولئك الذين حاولوا أن يتطاولوا على مقامه صلى الله عليه وسلم، ورب العزة يقول: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة الآية 67] . ويقول: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبَعَ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [سورة القيامة الآية 17-19] . ويقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [سورة النساء الآية 80] . وفى كل هذا ما يدلنا على عظمة هذا النبى صلى الله عليه وسلم الذى أقسم الله بحياته {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة الحجر الآية 72].
وإننى أقول لأمتى: إن واجبكم أن تأخذوا من صيدلية السُّنة ما فيه علاج لأمراضكم الاجتماعية:
يا أُمَّتى وحِّدوا فى الحقِّ صَفَّكم |
|
إن التشرذم للخسران عُقباهُ |
حبيبُنا المصطفى مَن ذا يَنازعُه |
|
حبيبُنا المصطفى من ذا تحدَّاهُ |
نُحبُّ أحمدَ أَغْلى مِن محبتنا |
|
لنفسنا بدِمَانا قد فَدَيْناهُ |
هو الحبيبُ المُرجَّى يومَ لا أحدٌ |
|
فى موقف الحَشْر يدرى أين مَثواهُ |
هو الحبيبُ المُرجَّى يومَ لا أحدٌ |
|
يَسْطِيعُ دَفْعَ عذابٍ قد تَغَشَّاهُ |
يا أمتى بحديثِ المصطفى اتَّحِدوا |
|
إِنْ تنصروا ربَّكم يَنصرْكم اللهُ |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) أخرجه البخارى 141 .
(**) أخرجه أبو داود 5097 .
(***) الترمذى 2869 .
العودة لصفحة المؤتمر