معالم التوثيق فى نسخة نفيسة بخط الحافظ رشيد الدين العطار

أ.د. قاسم على رشيد سعد اللبنانى

أستاذ الحديث بكلیة الشریعة والدراسات - جامعة الشارقة

العودة لصفحة المؤتمر

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يطيب لى فى البداية أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى القائمين على جمعية المكنز الإسلامى على دعوتهم الكريمة، كما أتوجه بالشكر الوافر إلى صاحب الفضيلة رئيس هذه الجلسة سعادة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم.

وقد زُيِّن هذا المؤتمر بثُلَّة من علمائنا الأجلاء، والمحققين الفضلاء، الذين تزدان بهم المجالس، ونسعد بصحبتهم والاستفادة منهم فى هذه الأيام المباركة إن شاء الله، وما أذكره الآن هو من باب كما يقال فى المثل (كحامل التمر إذا هجر)، وأخشى ألا يكون عندى تمر بعدما أن أتكلم.

النسخة التى أتحدث عنها فى هذه الساعة، والتى هى موضوع بحثى، أو فى هذه الآونة هى نسخة نفيسة، تنوعت فيها معالم التوثيق، وتعددت فيها علامات الضبط والتحقيق، فهى نموذج رفيع يُحتذى، ولا بد قبل الحديث عن هذه النسخة من كلمات عن صاحب الكتاب.

عنوان البحث: معالم التوثيق فى نسخة نفيسة بخط الحافظ رشيد الدين العطار.

قبل الحديث عن النسخة سأُعَرِّف قليلا بصاحب هذا الكتاب وباسم الكتاب أولا، فاسم الكتاب (أربعون حديثًا عن أربعين شيخًا فى أربعين بابًا لأربعين صحابيًا)، فالمؤلف هو الإمام الكبير أبو الحسن على بن المفضل المقدسى الأصل الإسكندرانى نزيل القاهرة، وهو من أئمة الحديث الكبار، حتى وُصِف بأنه انتهت إليه رئاسة الحديث فى وقته، لا سيما فى الديار المصرية فى الإسكندرية وفى القاهرة وفى الفسطاط ونحوها، وأيضا قد جاور مدة فى الحجاز، وهو تلميذ الإمام الحافظ أبى طاهر السلفى؛ بل إن ابن عساكر كتب إليه فى الحديث، وكذلك كتب إليه ابن بشكوال. وممن أجازه أبو موسى المدينى، وأبرز شيوخه أبو طاهر السلفى.

كذلك تلامذة هذا الرجل عددهم كبير جدا، من أبرزهم الإمام زكى الدين المنذرى، وكذلك رشيد الدين العطار الذى كتب هذه النسخة، وكذلك زكى الدين الجرزانى، وغيرهم من الأئمة الكبار، وقد عددت منهم قرابة المائتين.

فتلامذته كثر وكذلك شيوخه، وأصله مقدسى وسكن الإسكندرية، وتتلمذ على السلفى فى الإسكندرية، ولما بنى أحد الوزراء فى مصر قديمًا مدرسة تسمى (المدرسة الصحابية) هنا فى القاهرة فدعاه أو استقدمه من أجل أن يكون شيخا لهذه المدرسة، ودرَّس هنا، وأظن والله أعلم أن هذا الكتاب ألفه هنا فى القاهرة أو فى الفسطاط بجوار القاهرة، والآن القاهرة الكبيرة الفسطاط يدخل فيها، هذا بالنسبة إلى المؤلف.

أما محتوى الكتاب فهو فى الحقيقة قيم، فهذا الرجل له كتب كثيرة، وجملة منها فى الأربعينات، طبع منها مثلا (الأربعين مرتبة على طبقات الأربعين، والأربعين الإلهية، والأربعين فى فضل الدعاة والداعين)، هذا الكتاب فاق غيره فى بعض الأمور، فمحتوى هذا الكتاب تفوق به من خلال نَظْمِه على أربعين بابًا، لكل صحابى باب، مثلا بدأ بالعشرة المبشرين بالجنة، الباب الأول فى رواية أبى بكر الصديق رضى الله عنه، ثم يترجم بعد ذكر الباب للصحابى الجليل، فلأبى بكر رضى الله عنه ترجمة محررة محققة جدا، وبعدها يسوق الحديث بسنده، ثم بعد ذلك يحكم على الحديث ويخرِّجه تخريجًا محررًا، ثم يقوم بشرح هذا الحديث وبيان مكانة وما يُستفاد منه، والمؤلف على بن المفضل توفى سنة 611 هـ، فهو قديم نوعا ما، أي من المتأخرين حسب العرف الشائع لكن بالنسبة لعصورنا يعد متقدمًا، أما فى كتبه الأخرى فى الأربعينات لم يذكر فيها الشرح، وشرحه ليس بالطويل دائما، وقد يطول فى بعض الأحيان لكنه مفيد جدا، وقليل من العلماء الذين نقلوا عنه مثل العينى وابن الملقن فى بعض كتبه، لكن النقول قليلة، ويبدو أن الكتاب لم يكن واسع الانتشار، مع العلم أنه من الكتب القيمة جدًا.

نسخة الكتاب

مكانها الآن فى المكتبة الوطنية ببرلين؛ لكن هذه النسخة مصرية، كانت هنا فى مصر، وتداولتها أيدى العلماء فى الديار المصرية قراءةً، وقرأها الكثير من العلماء هنا فى مصر، ثم صارت فيما بعد إلى تلك الديار، وتقلبت عبر الأزمنة من مكان إلى مكان داخل مصر، حتى وصلت فى يوم من الأيام كما رأيت فى تملك لأحدهم قال "فى نوبة شرف الدين ابن شيخ الإسلام" فتبين لى أن هذا الرجل هو أحد أحفاد شيخ الإسلام زكريا الأنصارى، وكلمة شيخ الإسلام كانت تطلق فى ذاك الوقت على من يتولى أو يكون له منصب القاضى الأول أو قاضى القضاة إن صح التعبير، فزكريا الأنصارى لُقِّب بهذا الأمر وكان قاضيًا للقضاة فى مصر، وهذا الحفيد - ويعتبر زكريا الأنصارى جده الرابع - هو شرف الدين زين العابدين إلى آخر نسبه، وقد صارت إليه كل كتب آبائه، فالشيخ زكريا الأنصارى كان مشهورا بجمع الكتب القيمة وكذلك أولاده من بعده وأحفاده، وصارت كل هذه المكتبات إلى شرف الدين، ويقال أنه اشترى الكتب أكثر مما ورثه من آبائه، وكان ضنينًا وشحيحًا بها، فلا تخرج منه الورقة بسهولة، لكن يقال لما مات تفرقت كتبه شذر مذر حتى صارت تباع بالزنبيل، كما وصف بعض العلماء، بعد أن كان شحيحًا بها بهذه الصورة.

وهذه النسخة صارت فيما بعد إلى المكتبة الوطنية ببرلين، وقد كتبها رشيد الدين العطار - الذى سنتحدث عنه إن شاء الله تعالى - هنا فى مصر، وبالتحديد فى جامع عمرو بن العاص، أو ما يسمى بالجامع العتيق بمصر، كتبها مباشرة عن على بن المفضل، فعلى بن المفضل المقدسى رحمه الله تعالى أملى هذا الكتاب فى جامع عمرو بن العاص، وأظن أنه كان يؤلفه فى ذاك الوقت، لأنه فى كل مجلس أو كل باب – وقلنا أن كل باب فيه صحابى وحديثه مع شرح الحديث - كان فى مجلس واحد، فعقب رواية أبى بكر كتب رشيد الدين العطار "آخر المجلس الأول"، وعقب الحديث الثانى "آخر المجلس الثانى" وهكذا، وفي كثير من المجالس لم يذكر عاقبها مثل هذا الكلام.

وكُتِب هذا الكتب سنة 610 هـ، أى قبل وفاة ابن المفضل المقدسى بسنة واحدة، وبقى يمليه سنة كاملة، بَدَأه فى أوائل المحرم وانتهى منه فى نهاية المحرم من السنة التالية سنة 611 هـ ، وهى السنة التى توفى فيها، سنة كاملة وهو يؤلف هذا الكتاب فيما يبدو لى، وكذلك يمليه؛ لأن رشيد الدين العطار ذكر فى أول الكتاب أنه بدأ الإملاء فى الثانى من المحرم 610 هـ، وفى آخر الكتاب ذكر أنه "تم هذا الإملاء والسماع من المؤلف فى الخامس والعشرين من المحرم سنة 611هـ"، وهذه النسخة كاملة وقيمة؛ لكن فُقِدت منها ورقتان فقط.

أما عن معالم التوثيق فى هذه النسخة، وهو موضوع حديث الرئيس، فهى متعددة، فمن معالم التوثيق للكتاب: ناسخ الكتاب وكاتب الكتاب، وكذلك السماعات التى على الكتاب، والحواشى التى عليه، وعلامات الضبط وغيرها من الأمور.

أولا كاتب هذه النسخة

للكتاب عدة نسخ، نسخة فى الرباط، ونسخة فى المكتبة الأزهرية هنا فى القاهرة، ونسخة فى برلين، ونسخة برلين هى - كما قلنا - المصرية وهى أجود النسخ، وهذه النسخة المعتمدة فى الحقيقة، فلا يمكن اعتماد النسخ الأخرى من هذا الكتاب إلا للحاجة.

الناسخ

هو رشيد الدين العطار، ويكنى بأبى الحسين، وهو يحيى بن على القرشى المشهور برشيد الدين العطار، وهو صاحب كتاب (غرر الفوائد المجموعة فى بيان ما وقع فى صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة) أى المنقطعة. ووُصِفَ أيضا - كما وُصِف شيخه - بأنه انتهت إليه رئاسة الحديث فى الديار المصرية، فقد وُصِف بهذا ابن المفضل من قبل، وكذلك وُصِف رشيد الدين العطار، وقد ذُكِر فى ترجمته أنه كتب الكثير بخطه وأنه كان متقنا جدا.

هذا بالنسبة للناسخ الذى كتب هذه النسخة عن المؤلف مباشرة ورواها، كتبها من إملاء مؤلفها، ويبدو أن المؤلف - وكما قلتُ من قبل - بقى سنة ينهى فى هذا الكتاب، كأنه كان يقرأ الشىء الواحد فى أكثر من مرة؛ لأن هناك إشارة تدل على هذا ضمن النسخة.

أما بالنسبة لسماعات النسخة:

سماعات النسخة كثيرة جدا، وللأسف الرطوبة أصابتها؛ لذلك ضاعت بعض  السماعات؛ لكن أثرها موجود وأهمها ما يسمى بتقييد الختام، يعنى ما كتبه الناسخ فى آخر الكتاب من أنه سمع هذا الكتاب إملاءً عن شيخه، وقد حضر هذا الإملاء فلان وفلان، وذكر منهم زكى الدين المنذرى، وذكر تاريخ الانتهاء من سماع هذا المخطوط.

مكان السماعات:

سُمِع هذا الكتاب من مؤلفه - كما قلت سابقًا - فى جامع عمرو بن العاص، ومعظم السماعات - أكثر من عشر سماعات - كانت على رشيد الدين العطار، كما أسمعه مرة على باب منزله فى مصر، ويبدو لى والله أعلم أن المقصود الفسطاط، كذلك سُمِع فى المدرسة الصاحبية البهائية، وهى غير المدرسة الصحابية التى ذكرتها قبل، فالصاحبية التى ذكرتها قبل والتى استدعى إليها ابن المفضل هى فى القاهرة وقد بناها ابن شكر، أما الصاحبية البهائية بناها أحدهم ويقال أنه الوزير بهاء الدين ابن حنة، فقد كان صاحبا ووزيرا، ويعرف الوزير بالصاحب، فقام هذا الناسخ بإملاء أو بإسماع هذا الكتاب على تلامذته فى هذه المدرسة، وهى بجوار جامع عمرو بن العاص، أى أن الناسخ حَدَّث بهذا الكتاب فى مواطن متعددة - يبدو أن أغلبها كان فى الفسطاط.

وهناك سماع واحد آخر فى هذه النسخة يبدو أنه كان بعد وفاة رشيد الدين العطار، فكان على أحد تلامذة على بن المفضل، وليس على رشيد الدين العطار، وسماعات النسخة هذه منها المطول ومنها المختصر جدا.

من علامات التوثيق فى السماعات

ومدار الكلام عن السماعات فقط، وهذه فائدة استفدتها فى الحقيقة أول ما استفدتها من فضيلة الدكتور بشار عواد معروف، ذكر هذا فى مقدمة تحقيقه للتكملة لوفيات النقلة، فى نهاية أحد السماعات كتب الكاتب "يُصْلَح الحافظ صحيح"، وهى كلمة غريبة ضمن الكلام، ثم نظرت فى السطر أعلاها فوجدت كلمة "الحافظ"، يبدو أنه أخطأ فى البداية بكتابتها، ثم أصلحها، فخاف أن يُظن أن هناك كشطًا أو تزويرًا فى السماع، وكانوا يخافون جدا من هذا، وهذا أمر شائع فى تلك الآونة فى تلامذة زكى الدين المنذرى وطبقة زكى الدين المنذرى، فكتب الكاتب ذلك أى بمعنى أنه يقول "أنا أصلحت كلمة الحافظ" حتى لا يُظَن أن مُزَوِّرًا جاء وغير فى السماع، ثم ذكر بعده "صح"، فى بعض الأحيان يقولون "مصلح كذا وبه صح" ونحو هذه العبارات، فالسماع نفسه فيه توثيق.

الحواشى:

تعد الحواشى من معالم توثيق النسخة، ولا يُقصد بالحواشى هنا اللحق، فاللحق كثير فى هذه النسخة، فلما قُرِأت - ويبدو أنها قرأت أكثر من مرة على المؤلف- ووُجِد فيها شىء يضيفه الناسخ فى اللحق.

ولا أقصد السماعات؛ لأن النسخة لكثرة ما قُرأت لم يبق مكان للسماعات، فاضطر بعض كُتَّاب السماع أن يكتب السماعات على حاشية صفحات المخطوط نفسه، ولا تعد هذه السماعات من حواشى الكتاب. كذلك بلاغات السماع.

وأذكر هنا ما ذكره الناسخ أنه فى بعض الأحيان يضبط اسما ذكره المؤلف، فالناسخ رشيد الدين العطار يضبط اسمًا ذكره المؤلف أبو على بن المفضل، وفى بعض الأحيان قد يضبط اسمًا أو يأتى بفائدة عن المؤلف نفسه يكون قد سمعها منه شفاهةً وهكذا، فيذكر هذا ويقول "كذا قال الشيخ"، وقد كتب الناسخ فى جميع هذه المواضع (ح) يعنى أنها حاشية.

كذلك تسمية رجل ذُكر بكنيته فى المتن فيذكر اسمه أو الاختلاف فى اسمه فى الحاشية. وفى بعض الأحيان يوضح عبارة من العبارات؛ بل فى بعض الأحيان يقارن بين النسخ، أى أن الناسخ الذى نسخ كتابه عن مؤلفه مباشرةً كان معه زملاء ينسخون أيضا، منهم أبو اليُمن الأنصارى، وغيره كثير، ويبدو فيما بعد أنه حين شك فى مواضع قابل نسخته بنسخة زميله أبى اليُمن الأنصارى، وقال فى آخر الكلام "ما نقله رفيقنا هو أليق وأنسق" حتى رجَّح ما عند زميله، مع أن الكلام يصح، وهذا كله فى شرح حديث من الأحاديث.

وأيضا قد ينقض شيخه أكثر من مرة، فقد يخطئ الشيخ فى أمر فكان فينبه هو إلى هذا الأمر، وكذلك يورد العوالى، وقد كتبها الناسخ بعد ثلاثين سنة من وفاة شيخه، حين نظر فى الأسانيد التى يرويها شيخه فوجد عنده من أسانيده هو ما يساوى شيخه، هذا الذى يسمى فى العلوم (المساواة)، فكان يذكر ما ساوى به شيخه باختصار على الحاشية أمام كل الحديث، ويكتب قبل ذلك (ح) يعنى حاشية، وفيها فوائد كثيرة، وذكر فى آخر حاشية فى الكتاب أنه كتب ذلك سنة 643هـ، أى بعد نحو ثلاثين سنة أو أكثر من وفاة المؤلف، وكذلك قد يُخرِّج بعض الأحاديث. وحواشى النسخة كثيرة جدا.

بعض علامات الضبط

إن طريقة العلماء معروفة وذكرت فى كتب علوم الحديث واتبعها هنا الناسخ، مثلا فى التخريج يضع إشارة فى المكان الذى سقط منه شىء ويميل الخط إلى جهة المكان الذى يكتب فيه الحاشية ويضع عقبه "صح"، وإذا طال الكلام جدا يكتب "صح صح" مرتين للتأكيد حتى لا يُظن أنه حاشية أو شىء من هذا القبيل.

ومن الأمور الجيدة فى المخطوطات والموجودة هنا فى عدة أماكن أنه مرة على سبيل المثال ذُكِر اسم (عبد السلام بن محمد)، وصوابه (عبد السلام بن أحمد) فوضع فوق الميم ألفًا، وجاءت عريضة نوعا ما، فخاف ألا تقرأ جيدا، فكتب فى الحاشية "أحمد" وكتب فوقها كلمة "بيان"، وهذا موجود فى عدة مواضع، وقد اتبع بهذا طريقة المحدثين بصورة دقيقة.

وفى بعض الأحيان يحدث فراغ ما بعد كشط كلمة، فيكتب مكان الكشط "صح صح" حتى لا يُظَن أن أحدا تدخل فى النص، وهذا كله بخطه كما هو واضح، وفى بعض الأحيان الأخرى تأتى كلمة مثل (بالحمى والسهر)، وصوابها (بالسهر والحمى) فى روايته، فكتب فوق كلمة (بالحمى) "مؤخر" وفوق كلمة (والسهر) "مقدم"، أى هذه نقدمها على هذه.

وكذلك التشكيل، فالكتاب مملوء بالتشكيل، ويمكن استخراج معجمًا للأسماء المضبوطة والكلمات، وفى بعض الأحيان يرجح بين كلمات مختَلَف فيها، فالكتاب عمدة فى التشكيل، وعمدة فى التحقيق، وبعض الأحيان يذكر كلمة قد تشتبه على القارئ، مثلا حين تحدث عن الحديث الذى فيه ذكر (اسم الله الأعظم) ثم ذكر المؤلف كلامًا عن دعاء الله باسمه العظيم، وحين نقرأ كلمة (العظيم) سنظن أنها (الأعظم) وأنه خطأ من الناسخ، فكتب فوق العظيم "صح" حتى لا يُظن أنها (الأعظم) لاسيما أنها فى سياق كلمة (الأعظم).

وكذلك قد يكون للكلمة أو للحرف ضبطان، مثلا (فهبطَتْ واديًا - أو فهبطْتَ واديًا)، فيضع فوق حرف الطاء هنا مثلا كلمة (معا) أى بالضبطين حتى لا يُظن أن أحدًا أضاف شيئًا، وقد فعله مرارا.

كذلك كلمة (اليمانِيَة)، حتى لا يقرأها أحد (اليمانِيَّة) كتب فوق آخرها "خف"، أى بالتخفيف. وكلمة (كنَاه) ويقولها الكثيرون (كنَّاه)، فكتب أكثر من مرة (كنَاه) ووضع فوقها كلمة "خف" أو رمز "خف". وكلمة (مُلَيْل) كتبها ومد اللام، فقد جاءت كلمة بعدها تحتاج إلى إيضاح، فلعله خشى أن تُقرأ بالكاف فكتب "لام" فوقها، ليس حرف اللام وإنما كلمة "لام" فوق اللام الأخيرة من (مليل).

وكذلك يشير إلى الإعجام، عند حدوث إشكال، مثلا حين جاءت كلمة أو اسم (جروة)، فوضع النقطة وصارت كبيرة، فخشى أن يأتى من يظن أن النقطة قد حذفت، فكتب فى الحاشية كلمة "جيم" أى بالجيم وليست بالحاء. وقد جاء مرة اسم (نافذ)، فكتب فى الحاشية "فاء" وحدها و"ذال" لوحدها.

وقد استعمل علامات الإهمال، وعنده صبر شديد على وضعها، والمحدثون قد استعملوها، فمثلا حرف (الدال) حتى لا يُظن أنها (ذال) يضع نقطة تحتها، أما (الذال) المعجمة فيضع بالطبع النقطة فوقها، وذلك فى مواطن متعددة. كذلك حرف (الطاء) كان يضع النقطة تحتها. و(الراء) كان يضع فوقها علامة الإهمال المشهورة عند المحدثين والتى تشبه قلامة الظفر كى لا يُظن أنها (زاى)، وكذلك (الصاد) و(الحاء) و(العين)، فيضع فوقها فى معظمها (صاد) صغيرة و(حاء) صغيرة و(عين) صغيرة.

وفى الكتاب بعض تقييدات المطالعة، أى طالعه أحد العلماء وكان قاضيًا للقضاة كما رأيت فى ترجمته. كذلك هناك تقييد وقف، ولا أعلم متى وُقِف، فبعدما تناثرت كتب شرف الدين حفيد شيخ الإسلام زكريا الأنصارى يبدو أن أحدا أخذ هذه النسخة ووقفها فى مكان ما؛ لكن علامة الوقف لم تُذكر إلا فى الورقة 22 من الكتاب، وأنا أشك أن علامات الوقف فى الأول قد طمست؛ لأن الذى سرق النسخة أو أخذها من هذا المكان أو كذا لن يستطيع بيعها إذا وجدت علامة وقف عليها، فلعله طمسها فى بداية النسخة ولم ينتبه إلى هذه العلامة فى داخل الكتاب. وقد أجملتُ بهذا عامة ما فى الكتاب.

وبالطبع وضع المؤلف فى بداية الكتاب فهرسًا للأحاديث الأربعين فى صفحة مستقلة، وكذلك فهرسًا للصحابة الأربعين، وبدأ بأبى بكر الصديق وختم بعائشة، وقال "لأنهما أحب الناس إلى النبى صلى الله عليه وسلم"، ولم يذكر من النساء إلا عائشة رضى الله عنها. وقد روى كل حديث عن شيخ من شيوخه الأربعين، أما حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فكان عن إحدى شيخاته، حتى يتجانس كما ذكر أول الإسناد مع آخر الإسناد.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 العودة لصفحة المؤتمر