من مشكلات تحقيق النص الحديثى: نماذج ومُثُل 

 

 

د. محمد الطبرانى

كلية اللغة العربية، جامعة القاضى عياض مراكش

العودة لصفحة المؤتمر

 

 

المقدمة

 

 مِهاد:

 حفّتْ كثيرا من النسخ الفاردة التى تأسس تحقيق كتب الحديث اعتمادًا عليها، مَكَارِهُ لا يزال يشْكو منْها المحقّقون، وقد تتعدّد فى أبعاضها وتتنوّع حتى تخرج بالأصْل عنْ معْهُودِ ما يقعُ فى أضْرابه؛ كأن يتفنن الناسخ فى تصْحيف ما عَنَّ له من الْكلمات، فُرادى ومجْتمعات، أو يفصلَ أحْيانا بيْن مُعْطيات الرّاوى الْواحد بدارةِ الْفصْل، فأشْبهتْ أنْ تتعلّق براوييْن، أو يصلَ الْكلامَ عنْ راوٍ بالْكلامِ على آخر فينْسَبكَان معًا على أنّهما لراوٍ بعيْنِه، أو يُسْقطَ من الكلِمِ ما يَعْتَاصُ معه عرْفانُ الرّاوى، أوْ يدْرِجَ سَهْوًا ما حقُّه أنْ يُحْذَفَ فى بعْض الْمواطن، فيصْرف النّظر عن تبيُّن الْمقصود.

وقد يجْتمع ذلك بعْضُه أوْ كلُّه فى بعْض الرّواة، فيصيرُ التهدّى إلى حقيقة ما اعْترى أسْماءَهم ضرْبًا من الْكَهانة والرّجْم بالظّنّ، وستجدُ فيما يلى أمثلةً لهذا الذى ذكرْنا، لتكونَ شاهدةً لمبلغ ما يبذله المحقق فى التّصْحيح، ولتتّسع صُدُورُ الْقَرَأةِ فلا تْعجَلَ بالتّعقُّب إلاّ بعْد التّبيُّن.

ومن أوهام تحقيق النص الحديثى الفاشية، وبعضها شركة بينه وبين غيره، وأقلُّه قاصرٌ عليه لا يعدوه إلى غيره. فمن ذلك انتقال النظر، والاغْترار بضبْط الأعلام فى النُّسَخ الْمخْطوطة، أو الاتّكاءُ على ظاهر التّجْويد فى النسخ، مع عدم أخذ الحذر منْ تصْويبات النُّسّاخ، فإنّها فى أَحَايين إفْسَادٌ للصّواب، وعدمُ الالْتفات إلى نسْبةِ الرّاوى إلى جدّه الْقريب أو الأعْلى، وعدُّهما راوييْن اثنيْن. زيّدًا على معضلات التّصْحيف الوفيرة (رواةٌ لا وجود لهم إلاّ بسبب التّصْحيف، سهولةُ وقوع التّصْحيف فى المتشابه فى الرسم...)، وعدم الالتفات إلى الإدراجِ الغريب (الإضافةُ المفسدة للمعنى)، والإسقاط المخلّ بالمعنى النقدى، والْمُحْدثُ لعلائقَ غيْر حقيقيّة، منْ قبيل السّماع واللُّقْيا والرّواية، والفصْلُ فى موضع الاتِّصال أوْ عكْسُه، ومشكلة "ابن" و"عن" (الالتباسُ بين الْبنّوة والْعنْعنة وعكْسُه). والتّلْفيقُ فى كتب الرّجال بيْن ترْجمتيْن، وعدمُ ضرْب كلام المؤلّف بعْضِه ببعض، وإغْفالُ السياق التاريخى والحضارى للنصوص النقدية، ودفْعُ بعض النُّسَخ عن الإعْمال، لفشُوّ التّصْحيف فيها، مع أنّها عند الْعِرَاضِ قد تنْفردُ بصوابٍ نادر، وضَغْطُ النّقَلة لكلام الأئمّة، وخبطُ المحقّق فى فكِّه، لإعوازِ المادّة.

وهاته بعض التنبيهات التى تلزم لمن أناط منزعته بتحقيق كتب الحديث والرجال خاصة:

- الالتفات إلى بياضات النسخة، فإنّ بعْضَها ليس فراغا جماليًا ولا اعتباطيًا، بل قد يكون عنوانا أصليا أو فرعيا بيض له الناسخ ثم أهمله أو نسيه.

 ومنه أنّ بياضات تخللت الجزء الثالث من نسخة أبى حفص الفلاس، تحققتُ بعد التفرّس الدؤوب أنها عناوين من صلب النصّ؛ والعنوانُ الفائتُ فى المثال الأول: "[وسَكَنَ الْيَمامَةَ منْ أصْحابِ النبىّ]":

 001

مثال أول لتبييض الناسخ لعنوانٍ ذهل عن إثباته

 والعنوان فى المثال الثانى: "(تسْميةُ مَنْ رَوَى عنِ ابْنِ عبَّاسٍ ممّنْ سكَنَ مَكَّةَ)":

002

مثال ثان

 والعنوان فى المثال الثالث: "[تسْميةُ مَنْ روى عنِ ابنِ عبّاسٍ منْ أهْل الْبصْرةِ]".

003

 مثال ثالث

ويتعلق بما مرّ أيضا:

- سقوطُ طيّارةٍ منْ أصْل المؤلّف يستلزم وضْعَ نقطِ حذْفٍ دالّة، ولا يكفى فيه التّنْبيهُ بالْحاشية فحسْب؛ لأن التحقيق ينبغى أن يكون مرآةً لحقيقة ما حاق بالنّصّ:

ومثله وقع فى طبعة المؤتنف (1/190)، ففى الحاشية: "كَتَبَ هنا بالحاشية: "يتلوه الوريقة". ولم أجدْها".

الْكاتبُ هو الخطيب، ويلْزمُ منْه أنّ قدْرًا من النّصّ ساقطٌ، فوضْعُ نقطِ حذْفٍ بين معكّفيْن فرْضٌ لازب.

004

مقطع من المؤتنف المطبوع (1/190)

 

005

مقطع عرْضي منْ طرّة أصْل المؤْتنف (و 18 و)، بدايتُه لَحَقٌ آخرهُ تنْبيهُ الْخطيب على الطّيّارة

 - التصحيف الناجم عن الاستهانة بالتخريج مع ضعف الاشتغال بالفن:

 كتصحيف بعض من مشاهير الأعلام، مثلما وقع فى موضع من كتاب غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال (1/419):

 "قال أنبأ أبو عمر وأحمد ابن محمد القاضى؛ قال: ثنا أبى؛ قال: ثنا أبو عبد الله محمد بن أبى دليم؛ قال: ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن؛ قال: أملى على محمد بن عبد السلام الخشنى؛ قال: ثنا أبو موسى محمد ابن المدينى؛ قال: ثنا عبد الرحمن – يعنى ابن مهدى -...".

 قلت: وصواب ما تحته خط إنما هو: أبو موسى محمد بن المثنى العنزى الزمن البصرى.

006

من غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال

- جملة قواعد فى خبر واحد:

أ- عدم وجدان الترجمة قرينة فى التصحيف:

ب- راوٍ واحد يصيرُ ثلاثة:

 قال ابن الفرضى فى المتشابه فى أسماء نقلة الحديث [1]:

"- حَوْطٌ: كوفى. سمع زيد بن أرقم فى ليلة القدر، سمع منه المسعودى. قال البخارى: لم يتابع عليه.

- حوط بن عبد الله بن رافع العبدى: كوفى. جعله ابن مسعود على تميم بن سلمة، وأبى الشعثاء. روى عنه مسعر بن كدام، والأعمش، والصلت، وعيسى بن عمر.

- حوط بن عبد الله بن رافع.

جعلهم العقيلى ثلاثة، ولعلَّ الثلاثة واحد".

007

مقطع من مخطوط المتشابه (ل 94)

قلت: وفيه زيِّدًا على توهُّم راوٍ واحدٍ ثلاثةً، خطأُ ابْن الفرضى فى الْعزْو، فإنَّ المقصودَ ليْس الْعُقيْلىَّ كما سمّاه بل الْبخارى، والدّليلُ عليه أنَّ العقيلى لم يُسَمّ فى تضاعيف كتاب الضعفاء كلّهِ غيْرَ حوْطٍ واحد[2]، بيْنا البخارىُّ[3] ساق ثلاثةً على الْولاءِ على نَسَقِ أبى الْوليد، ووقعَ التّنْبيهُ فى طرّة إحدى نسخِ تاريخه الكبير[4] فى هذا الرّسْم: "حوْط، والذى بعْده هما واحدٌ...".

 والثانى والثالث واحدٌ عند أبى حاتم أيضا[5].

ج- وفيه اضطراب المعنى باختصار المتن، وعدم تطلُّب المحقق لتمامه. وبيانه أن اقتصار الحفاظ فى كتب الرجال على أطراف الأخبار لمكان المتلقى حينها من المعرفة، فيلزم المحققين اليوم بحسب الوسع التفتيش عن السياقات التامة لتلك الأخبار؛ لأن رفع كثير من أوهام الأسانيد والمتون منوط بذلك.

ومنه قوله فى الخبر: "جعله ابن مسعود"، طرفُ خبرٍ غير تام ساقه البخارى مختصرا أيضا؛ وهو قوله: "جعلنى ابن مسعود... فإذا وجدت زيفا كسرته". وتنبه المعلمى رحمه الله للاختصار فدلَّ عليه بعارضة[6]، ولم يتفطّن له الناشر الثانى، فَوَصَلَ بيْن العبارتين، ولا معنى لتضامِّهِما. وسياقُ الخبر تاما: "جعلنى ابن مسعودٍ [على بيت المال]، فإذا وجدت زيفا كسرته"[7].

008

من طبعة الناشر المتميز للتاريخ الكبير

 

009

من طبعة المعلمى للتاريخ الكبير

 - ضرورة عرض الكتاب على بقية أجزائه لمعرفة بعض أعلامه: لم يعرف عمرو بن على، محقق مسائل حرب بن إسماعيل الكرمانى (النكاح): 3/1333، ر: 2402، ولو رجع إلى ما تقدم من الكتاب (مسائل الطهارة، لوجد المؤلف يصرح باسم شيخه فى ثلاثة مواضع: 71، ر: 37، 190، ر: 316، 562، ر: 1223)، ومسَاقُ التسمية فى ثانيها تامٌّ قاطعٌ للجاجة: "حدثنا أبو حفص عمرو بن علىّ".

010

مقطع من مسائل حرب (3/1333)

 

الاحتراز من المتابعة المطّردة للأصل الصّحيح، وإعمالُ الموازنة بين الأقوال للتحقق مما فيه، خاصةً فى الجرح والتعديل.

مثاله:

فى التاريخ الكبير (9/230، ر 10945 – ط الدباسى) والجرح والتعديل (8/280، ر: 1284): "معبد بن خالد الجدلى القيسى القاص".

قلت: قوله "القاص" تصحيف "القاضى"، وعلى الصواب وقع فى نسخة ك من كتاب ابن أبى حاتم، كما ذكره المعلمى فى الحاشية، وقد خلت طبعة الناشر المتميز من التنبيه عليه.

ويشهد لتصحيحنا قول ابن زنجويه فى طبقاته: "معْبَدُ بْنُ خالدٍ الْجَدَلىُّ، من جَدِيلَةِ قيس، قاضى الْكُنَاسَة وقاضى المسجد".

011

مقطع من مخطوط طبقات الفقهاء والمحدثين لحميد

 

012

الاضطراب عند توزيع النصوص وتفريقها (سوء توزيع النّصّ عند اقتباسه)

ومعه:

- التلبّثُ فى فهْم النص، والاستعانةُ عليه بعِراضِه على أشْباهه ونظائره، لتلافى ما يطرأ عليه جرّاء أدائه بالْمعنى أو التصرف المخل فى عبارته، أو تصحيف النساخ، مما قد يفْضى إلى مخالفة مقْصود المؤلف.

ومنه أن المتشابه فى أسْماء نقَلة الحديث من الرّجال والنّساء لابن الفرضى (مصورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رقم الحفظ 1695 ف، عن نسخة جامعة كاليفورنيا): (البحث المرقون: 2/27): من قوله "أبو خلدة" إلى آخره، المؤْتلف والمخْتلف للدارقطنى: 3/1382، إلى قوله عبد الرحمن".

غير أنه جاز على ابن الفرضى فى نقله خطأ شنيع، ثم حاق بالنقل بعد ذلك ضروب من التصحيف، لسنا من صاحبها على ذكر، وزاد الطين بلة أن المحققين لم يلتفتا قط إلى ما فى النص من طوام، وأيا ما كان، فإليك عبارة نسخة كتاب ابن الفرضى أولا على ما فيها، ثم سنعقبها بالتصحيح، قال:

"وحجارة بالراء: واحد ابن أبى جلدة، يكنى أبا الحجارة، وكان جمالا، أخبرنا محمد بن يحيى، عن عبد العزيز قال: أنا أحمد بن بشر قال: نا محمد بن عبد السلام الخشنى قال: قال لنا عمرو بن على الفلاس: أبو جلدة، اسمه: واصل بن عبد الرحمن. اكتريت من أبيه إلى مكة سنة ستٍ وثمانين ومئة، وكان يكنى أبا الحجارة".

وفيه أوهام من وجوه:

الأول: أن محقق الكتاب لأول مرة لم يفهم عبارة أبى الوليد، فعد قوله "واحد" ابنا لأبى جلدة، وحشى تبعا لذلك فى توجيه "ابن بالألف"، فركب وهما على وهم، وإنما مقصود المؤلف أن المكتنى بأبى الحجارة فرد واحد، فيلزم كتابة العبارة مثل ما يأتى: "وحجارة بالراء، واحد: ابن أبى جلدة..." وكذلك فعل الرديف. وزادا على هذا فضبطا الحاء بالضم، ولست أدرى إلى أى شىء استندا.

الثانى: أن الراوى عن أبى شعبة هو أبو خلدة بالخاء فى الموضعين، لا أبو جلدة بالجيم، فهذا تصحيف جاز على الناسخ والمحققين، ولا أظنه من المصنف.

الثالث: أن فى قوله "أخبرنا محمد بن يحيى، عن عبد العزيز" تخليطا عجيبًا، والصحيحُ: "أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد العزيز"، وهذا شيخ ابن الفرضى، ولو تلبث الباحثان مليا لتفصيا من هذا، كيف وهما قد ترجما له ضمن مشيخته، بل ووقع النقل عنه فى موضعين على الأقل من الكتاب[8] وفى الأول منهما بعين الإسناد على الصواب[9].

الرابع: أن أبا الوليد اقتطع ترجمة المؤلف، وظن أن قوله "أبو خلدة" مبتدأ الترجمة، وليس كذلك، بل هو راو عن أبى شعبة العدوى الذى هو واصل بن عبد الرحمن على التحقيق.

الخامس: أن قوله "اكتريت من أبيه" تصحيف، والصواب "من ابنه" يعنى أبا الحجارة، وله عقد الترجمة، لأنه ساقه فى باب "جحادة وحجارة"، وهذا من الناسخ قطعا، إن لم يكن من المحقق.

وكان محققا الكتاب معا ليخرجا من الإشكال رأسا، لو رجعا إلى تاريخ الفلاس[10] أو المؤتلف والمختلف للدارقطنى[11]، ففيه النص على الوجه: "وأبو شعبة العدوى، الذى روى عنه قتادة وأبو خلدة، اسمه: واصل بن عبد الرحمن. واكتريت من ابنه إلى مكة سنة ست وثمانين ومئة، وكان يكنى أبا الحجارة".

لا يجوز فى دراسة الإسناد القطع فى تعيين الراوى مع وجود الاحتمال إلا بدليل:

مثال أول:

قال أبو جعفر النحاس: "حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام، قال: سمعت أبا داود سليمان بن داود يقول: سمعت إسحاق يقول: إن الله – جل وعز – وصف نفسه فى كتابه بصفات استغنى الخلق كلهم أن يصفوه بغير ما وصف به نفسه".

قلت: هو أبو داود سليمان بن داود بن بكر الخفاف النيسابورى (ت 264هـ) (ن تاريخ نيسابور: 279، ر: 293، تاريخ الإسلام: 6/339، ر: 243)، وهو يروى عن إسحاق مثلما فى سؤالات البرذعى (200، ر: 341).

ووهم د. محمد بن ربيع المدخلى فى تعيينه، فقال فى تعليقه على الحجة فى بيان المحجة (2/451، حاشية رقم 5): "هو سليمان بن الأشعث السجستانى، روى عن إسحاق وغيره، مات سنة 275 هـ" اهـ. فإنه اغتر بورود الكنية مجردة، وليس هذا هو المقصود، بضميمة القيد عندنا فى موضعين، وهو "سليمان بن داود"، ولا يقال أيضا إنه الطيالسى، لأنه إلى البعد ما هو، لوفاته سنة 204هـ.

تصحيفات فى أسماء الرواة لاتستبين إلا بالتخريج النقدى:

وإليك نماذج عن تصحيحات لا تدرك إلا بالتخريج النقدى للحديث وجمع طرقه:

مثال أول:

النحاس: حديث كتبناه عن جعفر بن محمد بن المستفاض، قال: حدثنا عبيد الله القواريرى، قال: حدثنا [خالد بن] الحارث، قال: حدثنى جعفر بن ميمون، قال حدثنى أبو عثمان النهدى، عن سلمان الفارسى، عن النبى – صلى الله عليه  وسلم- قال: "إن ربكم حيى كريم، يستحيى من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، فتوهم الشيخ أن موضع "حيى": سخى.

قلت: خالد بن الحارث هو الهجيمى.

013

مثال ثان:

النحاس: وممن كتبناها عنه: محمد بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن غالب، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنى عبد العزيز بن حصين، قال: حدثنى ثابت، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى – صلى الله عليه  وسلم – وذكر الأسماء، وقال فى أولها: الله، الرحمن، الرحيم".

قلت: فى الأصل: "مخالد بن محمد"، وهو تصحيف والغ فى غيابة التعمية. والتصويب من مستدرك الحاكم (1/41، ر: 42)، حيث يرويه بإسناده من طريقه. وخالد هذا هو أبو الهيثم القطوانى الكوفى (ت 213هـ). ن تهذيب الكمال: 8/163، ر: 1652، تاريخ الإسلام: 5/306، ر: 109.

014

 مثال ثالث:

أبو جعفر النحاس: حدثنا عبد السلام بن أحمد بن سهيل البصرى، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد [الله بن] العلاء [بن] زبر، أنه سمع القاسم أبا عبد الرحمن يحدث عن أبى أمامة يرفعه، قال: "اسم الله الأعظم فى ثلاث سور: البقرة، وآل عمران، وطه".

015

مقطع من مخطوط اشتقاق أسماء الله للنحاس (و 7 ظ)

وفيه تصحيفان:

1- وقع فى مخطوط اشتقاق أسماء الله للنحاس هنا وفى إعراب القرآن (229): "سهل"، وهو تصحيف، لأن اسم جد شيخ المؤلف واقع فى درج الأسانيد بالياء مصغرا، وهو فى كلها راو عن هشام بن عمار، فهو هو. ن مسند الشهاب: 1/64، ر: 50، شرح مشكل الآثار: 11/56، ر: 4277، لمحات الأنوار: 3/1395، ر: 46.

وهو بعد: عبد السلام بن أحمد بن سهيل بن مالك بن دينار، أبو بكر البصرى، نزيل مصر (ت 298هـ). ن: تاريخ دمشق: 36/196، ر: 4044، تاريخ الإسلام: 6/976، ر: 281.

وقع فى الأصل: "عبد الأعلى زبر"، وصوابه: عبد الله بن العلاء بن زبر.

مثال رابع:

أبو جعفر النحاس: "قرئ على أبى القاسم، ويعرف بابن بنت منيع، عن محمد بن إسحاق، عن أبى الأسود، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن على بن رباح، عن ربيعة الجرشى، قال: "قيل لرسول الله – صلى الله عليه  وسلم -: أى سور القرآن أفضل؟. قال: "البقرة ". قيل: أى البقرة أفضل؟. قال: "آية الكرسى".

فيه تصحيفان:

ص: "رياح"، بالياء: تصحيف. ووقع فى طبعة دار البيان من معجم الصحابة للبغوى (2/400، ر: 764): "الحارث بن سعيد، عن عطاء بن رباح "، وهو تحريف.

ص: "الحرشى "، بالحاء: تصحيف.

016

  مثال خامس:

فى كتاب ابن شاذان: حدثنا أبو الحسن المقرى، قال: حدثنا بشر بن الوليد، عن سلمة الأحمر، [عن يزيد بن أبى خالد]، عن عبد الكريم بن أبى المخارق، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال لى رسول الله – صلى الله عليه  وسلم -: ألا أخبرك بآية لم ينزل فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى القرآن مثلها. قال: فمشى ومشيت، فلما انتهى إلى باب المسجد أخرج رجليه. فقلت: نسى فالتفت إلى وقال: بأى آية تفتح القرآن؟. قلت: (بسم الله الرحمن الرحيم). قال: هيه.

سقط من النسخة "يزيد بن أبى خالد"، وتلافيه لازم لا يتضح إلا بالتخريج النقدى.

فقد أخرجه بنحوه وقريب من لفظه: الشيبانى فى الأصل (9/404)، وابن الأعرابى فى معجمه (2/619، ر: 1225)، وأبو أحمد الحاكم فى شعار أصحاب الحديث (42، ر: 41)، والدارقطنى فى سننه (1/80 – 81، ر: 1183)، والمستغفرى فى فضائل القرآن (1/440، ر: 565)، والبيهقى فى كبرى السنن (20/163، ر: 20048)، وخلافياته (2/285، ر: 1541)، والطبرانى فى الأوسط (1/196، ر: 625)، وقال: "لم يرو هذا الحديث عن ابن بريدة إلا عبد الكريم، ولا عن عبد الكريم إلا يزيد أبو خالد، تفرد به سلمة بن صالح". قلت: تابعه على دعوى التفرد هاته الدارقطنى فى أطراف الغرائب (1/291، ر: 1535)، ولا يصح على إطلاقه إلا فى القدر الأول، وهو أنه لم يرو الحديث عن ابن بريدة إلا عبد الكريم، لأن هذا هو مدار الحديث فى إسناديه معا، وأما دعوى تفرد سلمة بن صالح به عن يزيد فمردود بالإسناد أعلاه، ففيه أنه رواه عنه أيضا بشر بن الوليد، وآدم بن أبى إياس فى تفسير الثعلبى (2/319 – 321، ر: 158).

مثال سادس:

قال ابن شاذان: قال سهيل: وأخبرنى [أخى، عن] أبى، عن أبى هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه  وسلم – قال: "ومن أكثر ذكر الله، فقد برئ من النفاق".

سقط من الأصل، والتلافى من مصادر التخريج.

أخرجه بلفظه ابن شاهين فى فضائل الأعمال (58، ر: 161)، والطبرانى فى المعجم الأوسط (7/86، ر: 6931)، وأبو الفتح الموصلى الأزدى فى أحاديث منتقاة فى غرائب ألفاظ رسول الله (خ، ر: 5)، وأبو نعيم فى صفة النفاق (181، ر: 170)، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/97، ر: 571).

مثال سابع:

ابن شاذان: حدثنا أبو عبد الله[12]، قال: حدثنا جرير، عن سليمان، عن سيار أبى المنهال، عن أبى برزة، قال: كان النبى – صلى الله عليه  وسلم – يقرأ فى الفجر ما بين الستين إلى المئة.

فى الأصل: "سليمان بن بشار أبى المنهال ". والصواب ما أثبت، لأن "يسارا" هو أبو المنهال، وقد غير محقق البيان ما فى النسخ المخطوطة، وأوقع فى المتن: "عن سليمان التيمى عن أبى المنهال"، بدعوى أن "قد أخرجه أهل الحديث من طريق جرير عن سليمان التيمى، عن أبى المنهال، وعن أبى برزة، وقد أقمت الإسناد بموجب ذلك"، والعبارة له، وإنما يتأسس قوله لو كان ما وقع فى النسخ خطأ برمته، وإنما تصحف اسم أبى المنهال إلى الأعرف عند النساخ "بشار" و "يسار"، وإلا فهو "سيار".

إغفال سياق النصوص النقدية ذهولا من النساخ أو الرواة:

من تحقيقات الخطيب البغدادى رحمه الله: أنه روى عن يوسف بن رباح البصرى بسنده إلى عطاء قال: "أرسل ابن الزبير إلى عبد الله بن عباس، وكان الذى بينهما حسنا [عليه السلام] فقال: إن هذا العيد قد حضر، فكيف أصنع؟. قال: فأرسل إليه عبد الله بن العباس: "ابدأ بالصلاة قبل الخطبة، ولا تؤذن ولا تقم". قال: فساء الذى بينهما فأذن وأقام وخطب قبل الصلاة.

قال الخطيب: هكذا كان فى أصل سماع يوسف بن رباح، عن المهندس بخط الوراق: و "كان الذى بينهما حسنا [عليه السلام] "، ونرى أن الوراق ظنه حسن بن على، فزاد من عنده "عليه السلام"، وإنما أخبر عطاء أن الحال كانت بين ابن عباس وبين ابن الزبير جميلة، ولما قرأناه على ابن رباح وقفته على هذا الخطأ، فأمر بالضرب على "عليه السلام"[13].

وهدة التصحيف:

ومنها:

قال فى كتاب ابن زنجويه: "وأبو سيح الهنائى، واسمه: حبران بن خالد. وهاشم الرمانى. ويحيى بن دينار".

قلت: وصوابه على الحقيقة: "وأبو شيخ الهنائى، واسمه: خيوان بن خالد. و [أبو] هاشم الرمانى، يحيى بن دينار" [14]اهـ. وفيه عدا الذى ذكرت، الفصل فى غير موضعه عند قوله "ويحيى".

017

 ص: "عاصم بن كليب بن شهاب الجرمى"[15]. قلت: فى الأصل: "هشام"، تصحيف.

وأما قوله: "عياش بن عمرو العامرى" [16]. فوقع فيه تصحيف مزدوج: "عباس بن عمر"، بالباء والسين، و"عمرو" من غير واو.

 018

 واستحال "سعير بن الخمس الحمانى"[17] فى الأصل إلى: "سعيد بن الحمس".

019

 ووقع فى الأصل: "أبو خيرة سيخة"، وصوابه: "أبو حبرة، شيحة بن عبد الله"[18]، وهو تصحيف فى الرسم والضبط.

020

وصحفت عبارة "زبان بن فائد الحمراوى"[19] إلى "أبان بن قائد الحمرانى"، وكل ذلك تصحيف.

021

  وقد مر معنا ما يقطعنا عن الاغترار بضبط الأصل وتجويد الحروف فيه، ففيه: "أبو الغريب، عبد الله بن خليفة"[20]. و "أبو الغريب"، مضبوطة معجمة، لكنها ليست فى كتب الرجال، إذ لم تتمحض براءتها من التصحيف، وصوابها: "الغريف". وفى نفس الموضع أيضا:

"عبد"، مكبرا، وهو تصحيف. ومثل هذا التحريف المكرر فى سياقة اسم الراوى الواحد، مما يحول دون التصحيح، لشدة خفائه وإعضاله.

022

 وفى الأصل: "حدثنا سليمان بن حرب، قال: سمعت عثمان البتى يقول: لم يكن فى هذه النقرة أحد أعلم بالقضاء من محمد بن سيرين" [21] اهـ. قلت: الذى فى المخطوط: "لم يكن فى هذه البصرة "، وهو تصحيف والغ فى الخفاء. والنقرة الحفرة فى الأرض.

023

  وقال حميد: "عبد الله بن يزيد النخعى، من بنى صهبان"[22] اهـ. قلت: وقع فى الأصل "ضبة"، وهو تصحيف شنيع، ولعله كان فى النسخة المنقول عنها "صهبن" بحذف الألف، فصحف على الناسخ "ضبة" وما أقربهما فى الرسم، وردف له تصحيفه فى رسم راو آخر تقدم إلى "حمهان" وسلم له على الصواب فى مواطن. وقرينة التصحيح أن عبد الله بن يزيد النخعى صهبانى، وهاته النسبة "إلى صهبان، وهو بطن من النخع – هكذا ذكره أبو حاتم ابن حبان[23]- والمشهور بالانتساب إليه عبد الله بن يزيد الصهبانى، عداده فى أهل الكوفة"، أفاده السمعانى[24].

024

 وقال: "إسماعيل بن شروس"[25] اهـ. وكان قبل التصحيح: "سرجس"، وهذا من أعجب التصحيف، فإنه لا يحيل المصحف إلى ما لا حقيقة له، بل يجعله من المشتبه الذى لا ينفذ إليه إلا بنظر مردد.

وكذاك تصحف قوله: "هارون بن رئاب الأسيدى التميمى"[26] اهـ. إلى: "ثابت الأسدى التيمى"، وهذا من أشنع التصحيف، والكشف عنه معضل.

025

  وفى الكتاب: "سلمة بن تمام، أبو عبد الله الشقرى"[27] اهـ. هو فى الأصل كما يبدو: "الأشعري". وحكاية الحال أن الناسخ نقل نسبة "الشقرى"، فصحفها "الشعرى" ثم عرض لها قارئ لم تتوجه عنده، فظنها "الأشعرى"، فأضاف بإتقان ألفا إلى اللام، لتصير ألف لام، ولا يبدو صنيعه إلا بتفرس.

026

 وقال: "عرعرة بن البرند بن النعمان السامى، وسامة من قريش"[28] اهـ. قلت: فى الأصل: "وسامة بن قريس"، وهو تصحيف مزدوج.

وما كان من قوله: "الحسن بن أبى جعفر، وهو الحسن بن عجلان الجفرى"[29] اهـ. فقد تصحفت فيه النسبة إلى: "الحدرى". والنسبة إنما هى إلى "الجفرة، وهى الوهدة من الأرض، وجمعها جفار، وهى بناحية البصرة، تسمى جفرة خالد، وهو خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد "، أفاده أبو على الغسانى فى تقييد المهمل[30].

ومن التصحيفات الخفية: "عبيد المكتب المازنى التميمى"[31]. ووقعت النسبة فى الأصل: "التيمى "، وهو خطأ، فمازن هو ابن عمرو بن تميم.

معضلة الفصل والوصل فى أسماء الرجال ولا سيما الطبقات:

لطالما كانت من المكاره، خاصة حين يتجاور راويان اقتصر المؤلف فى أولهما على ذكر كنيته ونسبته، وفى ثانيهما على اسمه واسم والده، أو العكس، فيكون الوصل بينهما ملبسا غاية، وقد يقع ذلك بين ثلاثة... ومن مثل هذا الإعضال:

قال: "عطاء الخراسانى. وأبو حريز، قاضى سجستان، عبد الله بن الحسين"[32] اهـ.

قلت: وقع فى الأصل هنا زيادة "أبو حر"، كأنها كنية عطاء، وليس كذلك، فكنيته "أبو أيوب"، وإنما هى كنية الراوى عقيبه ألحقها الناسخ بمن قبله، ثم تفطن لشىء من ذلك، فأتم فراغ السطر بهاء الختم، وزاد فتصحفت الكنية عليه كما سيأتى بيانه للتو.

وفى الأصل: "وأبو حر نوفل من"، وهو من أعوص ما تصحف على الناسخ، وعنانى فى فكه، وبعد "سجستان" فى الأصل: "وعبد الله"، وقبلها دارة الفصل، كأنه راو آخر، ولا يصح.

027

 وقال: "عمارة بن أبى حفصة، نابت، مولى عتيك الأزدى"[33] اهـ.

قلت: بعد "حفصة" فى الأصل دارة الفصل، وهو موهم، وبعدها: "وثابت"، كأنه اسم راو آخر، وليس كذلك، بل هو بيان لاسم أبى حفصة. و"ثابت"، كذاك هو فى كثير من كتب الرجال، بيد أنه تصحيف كما بينه عمرو بن على فى التاريخ[34].

028

 وقال: "أبو هاشم الزعفرانى، عمار بن عمارة. وأبو حمزة القصاب، عمران بن أبى عطاء، مولى بنى أسد، واسطى"[35] اهـ.

قلت: بعد "الزعفرانى" دارة فصل موهمة، وبعدها: "وعمار"، كأنه اسم راو آخر، ولا يصح، بل هو بيان لاسم أبى هاشم. وكذلك وقع فى الترجمة الأخرى بعد "القصاب".

029

وفى الأصل: "سعد بن أوس العدوى، روى عنه محمد بن دينار، وحميد بن مهران"[36] اهـ.

قلت: صحفت "سعد" إلى "سعيد"، و"دينار" إلى "يسار"، ووقع فى الأصل بعد قوله "بن دينار" دارة توهم تمام الكلام عن سعد، وليس بسديد، فإن حميدا راو آخر عنه كمحمد بن دينار.

030

 وقال: "سفيان بن دينار، أبو الورقاء العصفرى. الأحمر بن التمار، وقال بعضهم: أبو سعد " اهـ.

والصحيح: "سفيان بن دينار، أبو الورقاء العصفرى الأحمرى التمار، وقال بعضهم: أبو سعيد" [37]، فاجتمع فيه الفصل فى موضع الوصل، والتصحيف فى غير موضع.

031

 ومن المواضع المشكلة التى اجتمع فيها إلى التصحيف، الإدراج ثم الوصل فى غير موضعه: "سعد بن أوس العبسى، روى عن الشعبى وبلال بن يحيى. ويحيى بن عبيد الله بن موهب التيمى"[38] اهـ.

فقد صحفت "سعد" إلى "سعيد"، و"العبسى" إلى "العبدى"، ولم تقع دارة الفصل بعد "بلال بن يحيى" فأوهم ذلك تمام الاتصال، وليس ذلك بصحيح، فإن "يحيى بن عبيد الله" راو آخر.

032

 وقال: "عقبة بن حريث التغلبى، روى عنه شعبة، وزيد بن أبى أنيسة الكوفى، سكن الرها، وقينان بن عبد الله التميمى" اهـ.

033

  قلت: هذه ثلاث تراجم وردت فى الأصل منسوقة، وقد يقع الوصل بينها على أنها للراوى الأول، خاصة إذا علمنا أن نسبة حريث إنما تروى عن قنان الواقع بعد، كما فى التاريخ الكبير للبخارى[39] فتفهمه. وصواب ما فى الأصل:

"عقبة بن حريث التغلبى، روى عنه شعبة.

وزيد بن أبى أنيسة الكوفى، سكن الرها.

وقنان بن عبد الله التميمى"[40].

وقال حميد: "[أبو] عبيد الله، سليم، صاحب مجاهد، مولى أم على"[41] اهـ.

قلت: صورة ما فى الأصل على هيئة يرد وصفها بعد: "وعبد الله بن سليم". وهذا خطأ مركب من وجوه: الأول أن الناسخ أو غيره بشر "أبو" الدالة على الكنية فأزالها. والثانى أنه بشر موضع "عبيد" - مصغرا - وأحالها "عبد". والثالث أنه زاد بينها وبين سليم "بن" بعد الكشط، فخالفت لون المداد ورسم الحروف. والرابع أنه بشر موضع كلمة "سليم" وصححها على وجه خفى علينا. ولم نتهد إلى حقيقة ما وقع إلا بعد نظر أسعفت به قرينة كون سليم صاحب مجاهد ومولى أم على.

034

 الناسخ يضطرب فى نقل الخبر عينه:

يظهر اضطرابه فى معارضة بعض الأخبار التى تكررت للمؤلف، فإنها تظهر مدى خبطه فى النقل، فمنه: "قال: حدثنا يحيى بن سليمان، عن يحيى بن يمان، [عن أيوب بن سويد]، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: ما كنا نكاد نصيب علم عطاء ولا نستخرجه حتى يقدم علينا حجاج بن أرطاة وابن أبى ليلى فيجيئانا بتلك المسائل [الكوفية]، فنسأل [عطاء] عنها، فيخبر بها"[42]. وهذا مر للمؤلف فى موضع سابق. وكل ما وقع بين المعكفين، فهو مزيد اعتمادا على وقوعه فى الموضع الأول للمؤلف، سقط للناسخ.

ومن الأمثلة على الاضطراب – بالتقديم والتأخير – يستلزم التدخل اللازب، ما تجده فى النسخة:

"عمرو بن مهاجر الأنصارى، صاحب حرس عمر بن عبد العزيز، مولى أسماء بنت يزيد.

ويحيى بن يحيى الغسانى، عقد له على الموصل" [43] اهـ.

قلت: الذى وقع فى الأصل، فيه خلط مناف للحقائق، وتقديم وتأخير خلاف المقتضى، فأعدناه إلى الجادة مثلما تجده أعلاه، وصورته فى النسخة قبل التصحيح:

"عمرو بن مهاجر الأنصارى، صاحب حرس.

ويحيى بن يحيى الغسانى، عقد له على الموصل.

وعمر بن عبد العزيز، مولى أسماء بنت يزيد".

035

 إدراج ما ليس من الأصل:

مثلما فى قوله:"سعيد بن كثير بن عفير"[44] اهـ. فقد وقع للناسخ من الأصل إدراج "أبى"، بعد "بن" الأولى.

036

 وفى قوله: "أبو بكر، محمد بن أيوب بن حلبس الجبلانى"[45] اهـ. وكان فى الأصل: "بن أبى أيوب"، وفيه إدراج "أبى" عسفا.

037

 وزيد فى "عروة بن عبد الله الأودى، ابن قشير الجعفى"[46] اهـ، قبل "ابن " الثانية واو، مما ينتج أن ابن قشير راو مختلف، وليس بصحيح.

038

 إسقاط ما هو من الأصل:

مثلما وقع فى "يزيد بن قطبة، [عن أبى بحرية]، صاحب معاذ"[47] اهـ، فما بين المعكفين سقط من الأصل فى الغالب، والتلافى من سنن الترمذى[48]. وأبو بحرية، هو عبد الله بن قيس، مثلما فى المعرفة والتاريخ[49]. وإنما ألجأنا إلى التقدير أن يزيدا ليس من صحاب معاذ.

039

 مثال ثان: قوله "عبد الرحمن بن [أبى] مسعود الفزارى، عن أبى الدرداء"[50] اهـ. فقد سقطت "أبى" من النسخة، وهى لازمة.

040

 الانسباك: وله صور، فمنه:

انسباك كلمتين فى كلمة: مثلما فى "أبو الأسود، النضر بن عبد الجبار"[51] اهـ. فما كتبته بخط غليظ انضم إلى بعضه فصار "البصرى"، تصحيفا.

041

 ومنه ما فى الأصل: "أبو قحذم، النضر بن معبد الجرمى الأزدى"[52] اهـ. انسبكت الكلمتان (النضر) و (بن) وصحفتا فصارتا "البصرى"، وأعضل الناسخ الأمر فزاد دارة فاصلة وواوا قبل "معبد"، فصار الكلام على هذا النحو: "أبو قحذم البصرى". و"معبد الجرمى الأزدى"، وهو من التصحيف المعمى.

042

  وسبك ترجمتين فى ترجمة جراء السقط. ومثاله قوله:

"أبو عشانة، حى بن [يؤمن الموهبى المعافرى. وأبو قبيل، حيى بن] هانئ المعافرى"[53] اهـ.

فما بين المعكفين ساقط جراء انتقال النظر من الأصل، وهو لازم، فلذلك وقع التلفيق بين الاسمين، ويدل لذلك أنهما من نفس الطبقة والنسبة، وهما متجاوران فى طبقات ابن سعد الكبرى[54]. وقد وقع للمؤلف فى موضع آخر تكرار الاسمين معا للتو بعد "أبو زرعة، عمرو بن جابر الحضرمى"[55]، على الوجه الذى اقترحناه فلله الحمد، فأغنى عن ذكرهما فى موضعيهما كرة أخرى. وهذا من الضرائر المرتكبة التى لم نجد عنها محيصا.

043

 ما يلزم فيه تقدير لرفو الفتق الواقع فى سياقة الأسماء:

ومثاله قوله: "سرق بن [أسد مالك بن] عتاهية التنوخى"[56] اهـ. فما بين المكعفين ساقط من الأصل، وليس يستقيم إلا به، لأنه ليس فى الرواة من اسمه " سرق بن عتاهية التنوخى".

044

  ومثال ثان فى قول الأصل: "عبد الصمد بن عبد الوارث. [وعبد الكبير] بن عبد المجيد الحنفى" اهـ. وهو قبل إصلاحه مشكل: "وعبد الصمد بن عبد الواحد بن عبد المجيد الحنفى". فتضمن التصحيف والسقط والإدماج. فأما التصحيف ففى عبد الواحد، وصوابه "عبد الوارث". وأما السقط فلانتقال نظر الناسخ أخل بـ"ـعبد الكبير"، وأدمج بعد بين رسمى راويين اثنين.

045

 

 مشكلة "ابن" و "أبو" و "عن":

وهو إشكال ملبس، وأمثلته فى المخطوط كثيرة، منها قول الأصل: "جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة"[58] اهـ. وقع فيه: "... ربيعة، وشرحبيل..." وقبل الواو دارة فصل، على معنى أن جعفرا وشرحبيل متغايران، والصحيح أن الواو مصحفة عن "بن".

046

 ومنه أيضا: "هلال بن سراج"[59] اهـ. فقد كان قبل إصلاحه: "وبلال بن أبى سراج "، تصحيف وإدراج.

047

 ومما وقع فيه صارف عن تبين المقصود منه، قوله: "عبد الله بن الأسود"[60] اهـ. فقد زيد فى الأصل بعد "بن": "أبى"، وهو إدراج مخل.

048

 وكذلك حاق الاضطراب بقوله: "بشير بن عقربة، [أبو] اليمان"[61] اهـ، فقد كتبه الناسخ: "بشير بن جعدبة اليمانى"، فصحفت فيها "عقربة" إلى ما ترى، وهذا من اجتهادات الناسخ التى تزيد من رهق التصحيح، وأحيلت الكنية إلى نسبة فقيل: "اليمانى"، وإنما هو "أبو اليمان"، ففيه سقط وتصحيف.

049

 وقدرنا زيادة "عن" فى قوله: "أبو عمران، [عن] جيلان بن فروة الجونى. وقيل: اسم أبى عمران: عبد الملك"[62]، لأنها ساقطة من الأصل، وهى لازمة، لأن كنية جيلان: "أبو الجلد"، وأبو عمران عبد الملك بن حبيب الجونى، من الرواة عنه، فبذا يتضح السياق.

050

  ومما تصحف على الناسخ: "وسالم، أبو حيان"، وصوابه: "مسلم بن حسان الأعرج، روى عنه قتادة"[63].

051

  وسقطت "ابن" من الترجمة: "أبو بكر بن أبى الجهم، وهو الذى يقال له: [بن] صخير القرشى" [64]، ووقع فى النسخة أيضا: "يقال له: صخر، وفيه سقط تلافيناه، وتصحيف صححناه.

052

الاحتراز من اعتبار راوى الكتاب عن صاحبه المصدر به فى الإسناد، قدرا من السند يعتد به فى التخريج:

ومثاله أن بعض النسخ درجت على أن تصدر بعض الأحاديث باسم راوى الكتاب عن صاحب الكتاب، فإذا لم يلتفت الباحث لذلك، عد الراوى عن المؤلف، شيخا للمؤلف، ووهم فى اسم المؤلف، فعده شيخا لشيخ المؤلف.

ونجد فى مسند أبى داود الطيالسى (2/432، ر: 1204): "حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى، قال: حدثنا عثمان بن عبد الله بن أوس بن حذيفة الثقفى، عن جده أوس، قال: قدمنا وفد ثقيف على النبى صلى الله عليه  وسلم...".

053

فمبتدأ السند على الحقيقة قوله "أبو داود". وقوله "حدثنا يونس "، المقصود به راوى الكتاب، وهو يونس بن حبيب الأصبهانى، وهو ثقة. ويعظم هذا الاحتراز لمن يستعمل برنامج الشاملة، فقد يهم فى التخريج اعتبارا لذلك.

وقع فى كتاب ابن شاذان المقرى:

حدثنا أبو نعيم وأحمد بن عبد الله بن يونس، قالا: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنى رجل من أهل المدينة، عن أبيه، قال: قلت لزيد بن ثابت:

كيف ترى قراءة القرآن فى كل سبع؟. قال: حسن، وأن أقرأه فى نصف شهر أو عشرين أحب إلى. وسلنى عن ذلك. قال: فإنى أسألك؟. قال: لأتدبره وأقف عليه.

أخرجه بنحوه: مالك فى الموطإ (2/280 – 281، ر: 687) – وفيه: "أو عشر" -، وسعيد بن منصور فى سننه (التفسير منه: 2/482، ر: 162)، وعبد الرزاق فى المصنف (3/354، ر: 5951).

والحديث ضعيف لجهالة أحد رواته.

وما وقع فى مصنف ابن أبى شيبة (5/512، ر: 8673): "وكيع، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد الأنصارى، عن السائب، عن أبيه، عن زيد بن ثابت ". فيه إشكالان:

الأول: أن "السائب " فى الظن الغالب، مصحف عن "التبان" – حرفة بياع التبن – الواردة فى بعض طرق الحديث، بدليل مخالفة ابن أبى شيبة لغيره فى التسمية، وعدم وقوع مثل هذا السند فى غير كتاب ابن أبى شيبة، زيدا على اضطراب نسخ كتاب المصنف المخطوطة فى هذا الموضع.

الثانى: أن السند منقطع على فرض صحة وقوع "السائب" فيه، فإن السائب توفى على الخلاف المترقى، ما بين سنة 86، أو سنة 88، أو سنة 91 للهجرة. وتوفى عبد ربه سنة 139، فبينهما من الشقة ما قد يمنع الاتصال، والله أعلم.

تنبيه لازم يتعلق بتحقيق النص ذى النسخ المتعددة:

أتى كثير ممن ركب متن هذه الصنعة الشريفة من قبل ترخصه وتسهله فى إيفاء المقابلة بين النسخ حقها، وعلى وفرة ما يجده هؤلاء من النصوص المتضافرة الحاثة على ذلك، فإنهم يزعمون أن طرفا من ذلك مما ليس وراءه نفع، وأنه أقرب إلى محاكاة ما فى النسخ برتابة ميكانيكية، وأيا ما كان دفعهم هذا صادرا عن حسن نية أو عن تشغيب، فإنه نقب فى الردم الحاجز تلقاء طوفان المتسورين والمدعين.

وما أسهل ما يصير التحقيق نهبة كل فاتك – وهو حال الوقت – إذا ما ترخص فى بيان الفروق كل الفروق... وقد يقول قائل: هب أن بعض الفروق مما يحسن بل يلزم سوقه لتعلقه بالمعنى، فما بالك بما دونها مما هو شكلى فى الظاهر؟.

والجواب أن التمييز بين ما هو جوهرى من الفروق وما هو خلافه مع إثبات أرقام صفائح النسخ موكول إن وكل إلى نفس المحقق، ولو أمنا على النص من جهة الكبار الآخذين بحجز القواعد، المتملين من العلم، المشهود لهم بالعدالة والبراءة من الجرحة، فكيف الصنيع مع من دونهم من المجاهيل والنكرات ممن يركب هذه التعلة فيتخفف من المقابلة رأسا ويوهم مع ذلك اعتماده أكثر من نسخة....؟ أفلا يكون من الاحتياط للتراث حينها أن نلزم كل محقق ببيان الفروق جلت أو خفت، للخروج من العهدة، إذ طلب التخفف بغية كل أحد، مع تزاحم الأشغال وضعف الحال ولحوق الملال... وقلة من يتورعون عن الكذب. وهذا هو الذى جعل ديدنى أن أثبت الفروق كلها وإن بدا بعضها غير ذى بال:

فلا تخرجن عن [65] سُنة أنت سِرْتَها = وأول راض سنة من يسيرها

 

 

 



 

العودة لصفحة المؤتمر