كتب الأطراف وأثرها فى تحرير أسانيد كتب السنة
"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للإمام المزى - رحمه الله تعالى - أنموذجًا"
د/ سامح عبد الله عبد القوى متولى
مدرس الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة
العودة لصفحة المؤتمر
المقدمة
الحمد لله متمم النعم والإحسان، ومعلم الحكم للإنسان، الذى نور بكتابه القلوب، وأنزله فى أوجز لفظ وأعجز أسلوب، والصلاة والسلام على لبنة التمام، صلاة متصلة البقاء والدوام، وعلى أصحابه الغر الميامين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فإن علم الحديث من العلوم التى ألهم الله هذه الأمة فى أول عهدها العناية به، والجهاد فى سبيل حفظه، وتدوينه، ونقله، ونشره، والتنافس فى ضبطه وإتقانه، والاهتمام بكل ما يتصل به من علوم وفنون إلهامًا قويا واضحا تجلت فيه حكمة الله وعنايته بصيانة هذا الدين وإكماله، حتى كان ذلك دافعًا نفسيا لا تعلم الأمة مصدره، ولا تستطيع له دفعًا، وكأن سائقًا يسوقها نحو هذه الغاية سوقًا قويا لا تستطيع مقاومته، وتجد فى الانسياق إليه، والاستجابة له لذة لا تعدلها لذة، وراحة لا تعدلها راحة، فتهون لأجل ذلك عليها المتاعب والمشقات، وتقصر فى سبيلها الأبعاد والمسافات، وتتدفق على طلبه من مظانه، وحفظه وروايته من أهله، ونقله من مكان إلى مكان سيول وجيوش من أذكياء الأمم والشعوب لا يعرف نظيرهم فى تاريخ أمة وحضارة، ولا فى تاريخ علم وثقافة، وكان كل ذلك سرا من الأسرار الإلهية وبرهانا ساطعا على مدى عناية الله تعالى بهذه الرسالة التى ختم الله بها الرسالات، وبهذه الشريعة التى قضى الله ببقائها وخلودها، وانتشارها وعمومها لجميع العصور والأجيال، فهذا الإلهام الذى كان سببا لاندفاع الأمة إلى حفظ الحديث النبوى مرة، وإلى استنباط الأحكام وتفريع الفروع مرة أخرى. وإلى تدوين العلوم المنبثقة من القرآن نحو وصرف وبلاغة، وإلى تأليف الكتب وصناعة العلم والملكات التى لها أثر ظاهر فى جودة هذا العلم أو ذلك الفن، وهذا أمر طبعى، وفرعت علوم وفنون فى الحديث منها علم الجرح والتعديل وعلم العلل، وهما ركيزتا السنة المشرفة، بهما استطاع المسلمون تنقية ميراث النبوة مما علق بها مما ليس منه من قبل أهل الزيغ والباطل من المتروكين والكذابين، ومن أهل الغفلة والضعف واللين، والتى تنعدم عندهم المنهجية فى التفكير وتضطرب فى غالب الأمور فيحدث الخلط بين ما هو كائن وبين ما ينبغى أن يكون، فتصدر أحكام وحلول كثيرة بناء على مقدمات غير موجودة، واستنتاجات لا تستند إلى مقدمات، كما أن هناك مقدمات تستخلص منها نتائج مع فقد الارتباط المنطقى والواقعى بينها مما يحدث خللا كبيرا فى بناء الفهم والتصورات.
لقد أسس المحدثون قواعد فى هذه العلوم فشهد لهم المنصفون بالتفوق فى صياغة مناهج البحث والتفكير صياغة محكمة، كالمنهج الاستقرائى حيث تتبعوا أخبار الرواة بدقة، وسبروا مروياتهم حديثا حديثا بما لا يخطر على بال غيرهم، وبذلك ميزوا بين الثقة والضعيف والمتروك، وبين صواب الراوى ووهمه، وكالمنهج التاريخى حيث استنطقوا الحوادث وحللوها، وربطوا الأسباب بمسبباتها، وغير ذلك مما يشهد به الأعداء ويقر به الخصماء.
وقد أحدث علم الحديث نقلة منهجية فى تشكيل العقلية الإسلامية من حيث التعامل مع النص ثبوتا وتوثيقا، فهو علم أنشأه العقل المسلم على غير مثال سبق، وهو يمثل إضافة فى التأصيل للفكر المنهجى والتحصين الثقافى، والتميز الحضارى للمسلمين، وللمنهج دور خطير فى حركة الإنسان الفكرية والحضارية عموما، فمن دون منهج فليس ثمة طريق يوصل إلى الأهداف مهما بذل من جهد، وقدم من عطاء، ومن آثار هذه النقلة المنهجية فى تشكيل العقل الإسلامى قضية التحويل من عقل خرافى يتبع الظنون والأوهام إلى عقل علمى يتبع الحجة والبرهان، ومن عقل مقلد تابع إلى عقل متحرر مستقل، ومن عقل متعصب إلى عقل متسامح، ومن عقل راكد إلى عقل يقظ متحرك [1].
ونذكر فى هذا السياق شهادة المؤرخ الدكتور أسد رستم[2] على ما وصل إليه المحدثون من تقعيد القواعد ومن رسم مناهج البحث العلمى لتمييز الأخبار صحيحها من سقيمها وصوابها من خطئها، فقال: "وأول من نظم نقد الروايات التاريخية ووضع القواعد لذلك علماء الدين الإسلامى، فإنهم اضطروا اضطرارا إلى الاعتناء بأقوال النبى، وأفعاله لفهم القرآن...، فقالوا: "إن هو إلا وحى يوحى"، ما تُلِىَ منه فهو القرآن وما لم يُتْلَ فهو السنة، فانبروا لجمع الأحاديث ودرسها وتدقيقها، فأتحفوا علم التاريخ بقواعد لا تزال فى أسسها وجوهرها، محترمة فى الأوساط العلمية حتى يومنا هذا... قال: فأكببت على مطالعة كتب المصطلح وجمعت أكثرها، وكنت كلما ازددت اطلاعا عليها، ازداد ولعى بها وإعجابى بواضعيها... والواقع أنه ليس بإمكان رجال التاريخ اليوم أن يكتبوا أحسن منها فى بعض نواحيها، وذلك على الرغم من مرور سبعة قرون عليها، فإن ما جاء فيها من مظاهر الدقة فى التفكير والاستنتاج تحت عنوان تحرى الرواية والمجىء باللفظ يضاهى ما ورد فى الموضوع نفسه فى كتب الفرنجة فى أوروبا وأميركا، وقد اقتطفنا من كلام القاضى عياض فى هذا الموضوع شيئا كثيرا أوردناه فى باب تحرى النص والمجىء باللفظ فى كتابنا هذا، والواقع أن المثودولوجيا[3] الغربية التى تظهر اليوم لأول مرة بثوب عربى ليست غريبة عن علم مصطلح الحديث، بل تمت إليه بصلة قوية، فالتاريخ دراية أولا ثم رواية، كما أن الحديث دراية ورواية".
وبعض القواعد التى وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة فى الحديث، تتفق فى جوهرها وبعض الأنظمة التى أقرها علماء أوروبا فيما بعد، فى بناء علم المثودولوجيا، ولو أن مؤرخى أوروبا فى العصور الحديثة اطلعوا على مصنفات الأئمة المحدثين، لما تأخروا فى تأسيس علم المثودولوجيا حتى أواخر القرن الماضى.
وبإمكاننا أن نصارح زملاءنا فى الغرب فنؤكد لهم بأن ما يفاخرون به، من هذا القبيل نشأ وترعرع فى بلادنا ونحن أحق الناس بتعليمه والعمل بأسسه وقواعده"[4].
وقد تنوعت عناية المحدثين – رحمهم الله تعالى – بالسنة المطهرة، وذلك حسب الإمكانات والوسائل المتاحة فى كل عصر ومصر، باذلين فى ذلك غاية الجهد وكافة الإمكانات ومختلف الوسائل فى هذا الجانب: علما وعملا، حفظا وكتابة، دراسة ونشرا بين الأمة، ودفاعا وتمحيصا، وتمييزا لكلام النبى صلى الله عليه وسلم من كلام غيره، والوقوف سدا منيعا لكل من أراد العبث بها، سواء بالنقص، أو الزيادة، أو التأويل، أو التحرى، ولذلك شمروا عن سواعدهم، واحتملوا فى سبيل ذلك كل عناء ومشقة، وبذلوا فى هذا الطريق الغالى والنفيس، على منهج يتسم بالأمانة العلمية، والنزاهة فى نقد الرواية، والالتزام بأصول النقد، والدقة فى إعطاء الحكم على المتن، منهج استخدم فيه الناقد جميع وسائل النقد المتاحة له، من التتبع والاستقراء، والموازنة بين المرويات، والرجوع إلى الأصول، وبذل غاية الوسع للوصول إلى منهجية دقيقة وصارمة فى نقد المرويات سندا ومتنا.
ولا شك أن منهج المحدثين وقواعدهم انعكست على معظم العلوم والفنون النقلية، فقلدهم فى ذلك علماء اللغة، والأدب، وعلماء التاريخ، وغيرهم، فاجتهدوا فى رواية كل نقل فى علومهم بإسناده كما نراه فى كتب المتقدمين، فهذا المنهج فى الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية، وهو كما وصفه أحد العلماء "منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار"، ومن البدهيات التى لابد من إثباتها أن المحدثين كانوا هم السد العظيم الذى حال دون تسلل الخرافة والهلامية الفكرية، وكانوا دائما وراء حركات التصويب وإعادة الأمة إلى الجادة والوقوف بالمرصاد لكل دارس أو باحث أو عابد تضل به الطريق إلى درجة لم يعد معها أحد أن يقول فى الدين دون تحقيق، لقد اجتهد علماء الحديث فى رواية كل ما رواه الرواة وإن لم يكن صحيحا، ثم اجتهدوا فى الاستيثاق من صحة كل حديث وكل حرف رواه الرواة، ونقدوا أحوالهم ورواياتهم، وضبطوا أسانيد كتبهم ونصوصها أمانة قاموا بها بين يدى ربهم، ولا يخفى على المتأمل أن كتاب تحفة الأشراف فى معرفة الأطراف هو العمدة فى ضبط أسانيد الكتب الستة ونصوصها، وذلك لأنه تتبع الأصول العتيقة للكتب الستة وملحقاتها، ولقد كان يعرف له ذلك أهل عصره، فقد حكى الصفدى (ت: 764هـ) قال: "وسمعت صحيح مسلم على البندنيجى وهو حاضر بقراءة ابن طغريل وعدة نسخ حاضرة صحيحة، يقابل بها، فيرد الشيخ جمال الدين – رحمه الله – على ابن طغريل اللفظ، فيقول ابن طغريل: ما فى النسخة إلا ما قرأت، فيقول من فى يده بعض تلك النسخ الصحيحة: هو عندي كما قال الشيخ، أو هو مظفر عليه، أو مضبب عليه أو فى الحاشية تصحيح ذلك، ولما تكرر ذلك، قلت أنا له: ما النسخة الصحيحة إلا أنت"[5].
بل إن علم التحقيق الذى نقوم عبر منهجه وأدواته بسبر النصوص جميعا ونقدها أيا كان موضوعها، إنما ولد من رحم علوم الحديث، فإلى هذه العلوم يرجع الفضل فى نشأته، وهذا يعنى أصالته فيها، إذ هو ابن شرعى لها، وهى أصالة وشرعية تعنيان رسوخه فيها، وانسجامه معها، فهو أداة لتحقيقها من داخلها[6].
لذا أحببت أن أسهم فى إبراز أهمية كتب الأطراف فى ضبط أسانيد الكتب، واخترت كتاب "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للإمام المزى أنموذجا[7]، وقد انتظم البحث فى مقدمة، وفصلين، وفهرس لأهم مصادر ومراجع البحث.
الفصل الأول: التعريف بكتب الأطراف وأهميتها ونشأتها
المبحث الأول: تعريف الأطراف فى اللغة والاصطلاح، وبيان أهميتها.
المبحث الثانى: نشأة كتب الأطراف من واقع التأصيل المصطلحى للمحدثين.
الفصل الثانى: كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف وأثره فى تحرير أسانيد الكتب الستة
المبحث الأول: التعريف بالإمام المزى وكتابه التحفة من حيث موضوع الكتاب ومواده وأثره فيما جاء بعده.
المبحث الثانى: الكتاب وأثره فى ضبط الكتب الستة وملحقاتها نماذج تطبيقية.
۞۞۞
الفصل الأول: التعريف بكتب الأطراف وأهميتها
المبحث الأول: تعريف الأطراف فى اللغة والاصطلاح، وبيان أهميتها
الأطراف لغة: جمع طرف، ومعناه الناحية والطائفة من الشىء[8]، والمعنى الثانى هو المقصود، أطلقت الأطراف على كتابة جزء من الحديث، أو طرف منه يدل على بقيته.
وفى الاصطلاح: ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقييد بكتب مخصوصة[9].
وكتب الأطراف: هى الكتب التى تجمع أحاديث كتاب، أو أكثر، مع ترتيبها على مسانيد الصحابة، ثم تذكر طرفا من متن الحديث يشير إلى بقية الحديث.
وهى نوع من المصنفات الحديثية يذكر فيها أهلها حديث الصحابى مفردا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا منه يدل على بقيته، ثم يجمعون أسانيد ذلك الحديث ويذكرونها إما على سبيل الاستيعاب، وإما مقيدا بكتاب أو بكتب مخصوصة[10].
وقد صنف أبو مسعود الدمشقى كتاب أطراف الصحيحين وكذا أبو محمد الواسطى، وقد انكب العلماء على دراستهما لما فيهما من الجدة والابتكار وحسن التصنيف مع الفوائد الغزيرة المتعلقة بأحاديث الصحيحين، فكان ذلك حافزا ومشجعا لهم على أن يحذوا حذوهما وينسجوا على منوالهما فى هذه الطريقة المبتكرة فتوالت التآليف على الأطراف وصار فنا مستقلا بنفسه له منهجه وسماته[11].
وقد أشار الدكتور نور الدين عتر إلى أن مبنى كتب الأطراف على جملة تشير إلى الحديث، سواء كانت من أوله، أو من أثنائه، فقد تكون جملة من أوله، كحديث: "الأعمال بالنيات"، "بنى الإسلام على خمس..."، وقد يقول مشيرا إلى موضوع الحديث وقصته، كحديث جابر: بيع جمل جابر. هذه دلالة على فكرة الحديث وموضوعه، وليست جملة حرفية لا من أوله ولا من وسطه، لذلك ينبغى على طالب العلم أن يتنبه جيدا، للاستفادة من هذا الكتاب. وكتاب "الأطراف" للإمام المزى مهم جدا لتتبع أسانيد الحديث، ومعرفة التقائها، لأنه يضع مدار الحديث، وهو التابعى عن الصحابى، ثم يذكر: بخارى كتاب كذا باب كذا من طريق فلان عن فلان، الترمذى كتاب الأدب الباب الفلانى من طريق فلان عن فلان،... وهكذا. وهذه فائدة مهمة جليلة الشأن جدا، وتفيد طالب الحديث عندما يقصد إلى سبر الحديث وتتبع أسانيده[12].
وقد رتب أئمة هذا الفن كتب الأطراف على الأسانيد دون المتون على طريقة الترتيب الهجائى، فيذكرون أسماء الصحابة مرتبة، ومع كل صحابى يذكرون الرواة عنه من التابعين وأتباعهم مرتبة أيضا هجائيا بحيث يسهل على من حفظ سند حديث الاهتداء إلى موضعه، ومن ثم معرفة من أخرجه من أصحاب الكتب التى التزم بها مؤلف الأطراف.
وقد يتكرر المتن الواحد تبعا لتعدد أسانيده، وهذا أمر لا مندوحة عنه، لأن غاية كتب الأطراف جمع الأسانيد والطرق فجاء تكرار المتن تبعا، وتظهر فائدة الأطراف عندما ينص المؤلف على لفظ بعض الرواة فى متن الحديث أو زيادة بعضهم، أو نقص آخرين أو نسبة راو أو كنيته، وهذه فائدة جمة لما يتعلق بها من الأحكام الحديثية أو الاجتهادية أو يقول: رواه فلان مختصرا، وفلان مطولا وهكذا.
كتب الأطراف تسهل على الباحث معرفة طرق الحديث، والبحث عن أسانيده، فيكتفى الباحث بمطالعة كتاب منها عن مطالعة جميع الكتب التى احتوتها، إذا كان مقصوده معرفة طرق الحديث، لأنها قد جمعت فى الأطراف، أما إذا كان مقصوده معرفة ألفاظ المتون فإنها لا تكفى لعدم اشتمالها على جميع ألفاظها.
ويتمكن بالنظر فى كتب الأطراف، من معرفة موضع الحديث فى كتب المتون بنص صاحب الأطراف على محلها.
فإذا نظر المحدث فى طرق هذا الحديث فى كتب الأطراف عرف من أول نظرة علو سنده من نزوله، بالنسبة إلى كل مصنف من كتب الحديث.
وإن جمع الأسانيد التى روى بها الحديث فى مكان واحد يجعل بإمكان الناقد المميز أن يرجح حالات الوصل والإرسال والانقطاع عند الاختلاف فى الأسانيد، كما يمكنه من ترجيح بعض الروايات على سواها عند التعارض فى بعض ألفاظ المتن، وكل ذلك تبعا لقوة الرواة عن الشيخ واجتماعهم على سنده ولفظه، وبالتالى يتبين المجتمع عليه من الشاذ.
ومن فوائد كتب الأطراف أيضا تقييد الراوى المهمل فى بعض طرق الحديث عند جمعها كسفيان مثلا هل هو الثورى أو ابن عيينة.
۞۞۞
المبحث الثانى: نشأة كتب الأطراف من واقع التأصيل المصطلحى للمحدثين
لقد أدرك الأئمة منذ اللحظة الأولى ضرورة العمل الموسوعى، وكان هو الباعث لوضع التصنيف، بشكل أو بآخر، وبهذا تختلف مصنفات كل فن بحسبه، ولكن كتب الحديث – وبدرجة أصيلة – تعتمد على الإسناد، إذ هو مدار القبول والرد، فوضع فيه الأئمة المتقدمون مصنفاتهم بهذا الاعتبار، وكانت درجة كل مصنف تختلف باعتبار درجة التوثيق فى أسانيدها، ومدى اعتبار ذلك فى طرق مروياتهم، فجاءت كتب الصحاح والمسانيد والمعاجم والمشيخات تحقق الأهداف الموسوعية، ولكن على نحو غير مباشر.
ولقد كان فضل السبق فى التصنيف الموسوعى فى الحديث الشريف وبالمفهوم المعاصر، على نحو واضح وملموس، وبنظام محكم، للأئمة الذين جمعوا الأحاديث على طريقة فن الأطراف، وذلك فى تأصيل لهذا العمل على قواعد ثابتة[13].
وقد نشأت كتابة أطراف الأحاديث مع جمع طرقها منذ أن كثر الكلام فى شأن الرواة جرحا وتعديلا، فقد كان الواحد من السابقين إذا أراد تخريج ما عنده من أحاديث لمعرفة حال رواتها قبولا أو ردا كتب طرف كل حديث منها فى بطاقة أو نحوها مراعاة للاختصار ثم ينطلق يبحث عن الطرق والأسانيد التى روى بها هذا الحديث.
قال سفيان: "كنت ألزم أيوب بالليل عند عمرو بن دينار وكنت أفيده عن عمرو بن دينار رءوس الأحاديث وأذهب معه فأسأل له عن تلك الأطراف وكان يسألني: كم روى عمرو عن فلان؟ وكم روى عن فلان؟ فأقصها عليه ثم أكتب له من كل شيخ شيئا وأسأل له عمرًا عنها، وكتبت له أطرافا عن يحيى بن سعيد الأنصارى"[14].
وقد استعمل المحدثون الأطراف بمعنى كتابة طرف الحديث الدال على بقيته، ولعل أول من استعمل الأطراف هو إبراهيم النخعى (ت96هـ) قال: "لا بأس بكتابة الأطراف"[15].
وقد بين ابن حجر رحمه الله تعالى المقصود بذلك فقال: "عنى بذلك ما كان السلف يصنعونه من كتابة أطراف الأحاديث ليذاكروا بها الشيوخ فيحدثوهم بها"[16].
ويليه محمد بن سيرين (ت 110هـ) مع شيخه عَبيدة بن عمرو السلمانى (ت قبل 70هـ). قال محمد بن سيرين: "كنت ألقى عَبيدة بأطراف فأسأله"[17].
وبدأت هذه الطريقة تنتشر بين صفوف المحدثين ومن ذلك ما قاله يزيد بن زريع: "كان هشام بن حسان لا يملى على أحد فكلمناه أن يملى علينا قال: جيئوا بأطراف، فآتى أنا وإسماعيل بن علية وهارون الشامى بن أبى عيسى وكان كاتبا وأبو عوانة معنا وسلام بن أبى مطيع وأبو جزى القصاب، فقلنا لهشام حدثنا ما كان عن ابن سيرين وحفصه ومشيختك وما كان عن الحسن فاتركها فجعل هشام يملى على هارون وأنا على يمين هارون قاعد وإسماعيل عن يساره.."[18].
وقال الفسوى: من طريق ابن عون قال: جعل حماد يسأل إبراهيم فقال: ما هذا؟ قال: أصلحك الله إنما هى أطراف[19].
وقال أيضا من طريق يزيد قال: كنت آتى شعبة من قبل أن يخرج إبراهيم فأجىء وهو نائم والذباب على وجهه فأقيمه، فحدثنى من غير أن يكون عندى أطراف، يحدثنى من عنده، فلما كان بعد ذلك صرنا اثنين أنا وابن علية، ثم صرنا ثلاثة أنا وابن علية وأبو عوانة، ثم صرنا أربعة بعد ذلك عبيد الله بن الحسن، فكنا أربعة حتى أخذنا ما عنده[20].
ثم صنف الأئمة فى ذلك تصانيف قصدوا بها ترتيب الأحاديث وتسهيلها على من يروم كيفية مخارجها.
فمن أول من صنف فى ذلك: خلف الواسطى، جمع أطراف الصحيحين، وأبو مسعود الدمشقى جمعها أيضا، وعصرهما متقارب، وصنف الدانى أطراف الموطأ، ثم جمع أبو الفضل بن طاهر أطراف السنن، وهى لأبى داود، والنسائى، والترمذى، وابن ماجه، وأضافهما إلى أطراف الصحيحين.
ثم تتبع الحافظ أبو القاسم بن عساكر أوهامه فى ذلك، وأفرد أطراف الأربعة، ثم جمع الستة أيضا المحدث قطب الدين القسطلانى، ثم الحافظ أبو الحجاج المزى، وقد كثر النفع به[21].
هناك طريقتان لترتيب كتب الأطراف، هما:
الطريقة الأولى: وهى التى تذكر فيها متون الأحاديث المراد تخريجها حديثا حديثا، وتذكر بعد كل حديث جميع طرقه وأسانيده التى روى بها.
الطريقة الثانية: هى التى تذكر فيها جميع الأسانيد المعروفة، مرتبة على ترتيب حروف المعجم، وتحت كل إسناد تذكر متون الأحاديث المختلفة التى رويت بهذا الإسناد.
- ومنهج الأطراف يتضمن ثلاثة أمور لها أهميتها:
معرفة الطالب لحديث ما قبل حضور مجلس شيخه.
كتابة جزء من الحديث قبل حضور المجلس[22].
۞۞۞
الفصل الثانى: كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف وأثره فى تحرير أسانيد الكتب الستة:
المبحث الأول:
التعريف بالإمام المزى وكتابه التحفة ومن حيث موضوع الكتاب ومواده وأثره فيما جاء بعده
* اسمه: يوسف بن الزكى عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن على بن أبى الزهر القضاعى الكلبى[23].
* نسبه: ينتسب الإمام المزى من حيث العرق إلى قضاعة، وهى شعب عظيم يشتمل على قبائل كثيرة، منهم كلب قبيلة الإمام المزى فهو القضاعى الكلبى، وأما من حيث البلاد فينسب إلى أكثر من مكان فهو حلبى نسبة إلى حلب، لأن مولده بظاهرها، ومزى نسبته إلى المزة لنشأته بها، وقد غلبت عليه هذه النسبة، وهو دمشقى لأنه استوطنها إلى أن توفى.
* كنيته ولقبه: يكنى الحافظ المزى بأبى الحجاج، أما لقبه فهو جمال الدين.
* مولده: أدق تاريخ فى تحديد مولد المزى باليوم والشهر والسنة، قال الوادى آشى: ".. ونقلت من خطه أن مولده فى العاشر من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب"[24].
* نشأته: نشأ المزى فى بيت عالم صالح، له عناية ظاهرة بكتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا، وإقراء، فوالده الشيخ الصالح المقرئ العالم، ولا شك أن لخصاله الحميدة أثرا فى أفراد أسرته ومن بينهم الابن النجيب يوسف المزى، فقد غرس فى نفسه منذ النشأة الأولى قراءة القرآن والتعلم مع الصلاح والتقى، وبعد أن حفظ المزى القرآن العظيم اتجه للتفقه فى الدين، فقرأ شيئًا[25] من الفقه على مذهب الشافعى، وتفقه له مدة ثم تعلم العربية والتصريف واللغة وما زال مثابرا حتى برع فيها.
* طلبه للحديث: يظهر من تتبع حياة المزى ومراحل حياته أنه صاحب عقلية منظمة منذ صغره، حيث يقول تلميذه وخريجه ابن عبد الهادى: "وحفظ القرآن فى صغره وقرأ شيئًا من الفقه وتعلم العربية والتصريف واللغة، وشرع فى طلب الحديث بنفسه فى سنة خمس وسبعين"[26].
* طلبه للعلم: لم يقتصر المزى على لون واحد من ألوان المعرفة فقد قرأ الكثير وبرع فى اللغة والتصريف حتى وصفه ابن حجر: وأتقن اللغة والتصريف. ونعته الذهبى بالمعرفة فيهما والمشاركة فى علوم شتى فقال: وكان عارفا بالنحو والتصريف بصيرا فى اللغة، يشارك فى الفقه والأصول، ويخوض فى مضايق المعقول، بل قال الصفدى: ولم أر فى أشياخى بعد شيخنا أثير الدين أبى حيان فى العربية مثله خصوصا فى التصريف واللغة.
وقال الإمام السبكى: "ومن الفوائد غير الحديثية عنه مما يدل على تبحره فى لسان العرب وقد كانت الأئمة إذا قرءوا الحديث بحضرته جبنوا، وقيل: لم يسلم قارئ بحضوره من رده عليه، وقرأ عليه أبو العباس ابن تيمية جزءًا فرد عليه فى غير موضع فى الأسماء وغيرها".
* مهنة المزى: كان المزى رحمه الله مولعا بالبحث والتنقيب عن الأموال الدفينة من كنوز وركاز وغيرها، وكانت فيه غفلة الصالحين، فما أن يعثر على شىء منها، حتى يعترضه بعض اللصوص الذين يرصدونه، فيأخذون ما معه فلا يزال من أجل ذلك فى فقر... وقد احتاج إلى بيع أصله من تهذيب الكمال بخطه.
ويبدو أن المزى كان يشتغل بنسخ الكتب النافعة وبيعها سيما وأن خطه كان مليحا متقنا وكتابته حلوة.
وقال ابن عبد الهادى والذهبى: "ونسخ بخطه المليح المتقن لنفسه ولغيره".
ومما نسخه بخطه لغيره كتابيه تهذيب الكمال، وتحفة الأشراف، فكان عند التقى السبكى نسخة من تهذيب الكمال بخط المزى، ونقل منها وأجاب على إشكالات حصلت لبعض فى هذه الكتب محتجا بما فى نسخة المزى عنده بخطه.
والمزى الذى عاش فى عفاف وتصون وديانة يعيش من كسب يده، ولو اضطره ذلك إلى بيع أصله من تهذيب الكمال بخطه.
* ثناء العلماء عليه:
وقد أخذ عنه الأكابر، وترجموا له، وعظموه جدا، وقد ذكر ابن سيد الناس في ترجمته: "أنه أحفظ الناس للتراجم، وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم، وأطال الثناء عليه، ووصفه بأوصاف ضخمة، وقال: إنه فى اللغة إمام، وله بأوزان القريض معرفة وإلمام"[27].
وقال: "لم أر بعد أبى حيان مثله فى العربية، خصوصا التصريف"[28].
وقال الذهبى: "كان خاتم الحفاظ، وناقد الأسانيد والألفاظ، وهو صاحب معضلاتنا، ومرجع مشكلاتنا، قال: وفيه حياء وكرم، وسكينة واحتمال وقناعة، وترك للتجمل، وانجماع عن الناس"[29].
والثناء عليه كثير كثير، حتى قيل فيه: "والله، لو عاش الدارقطنى استحيا أن يدرس مكانه"[30].
* وفاته:
بعد حياة دامت نحوا من ثمان وثمانين سنة قضاها الحافظ المزى فى الجد والاجتهاد والعلم والعمل والصلاح والإصلاح تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة، وحضور الدروس، وإسماع الحديث، فلما كان يوم الجمعة حادى عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة، وبعد وفاته جمع الحافظ العلائى جزءا سماه: "سلوان التعزى عن الحافظ المزى".
* تسمية الكتاب: صرح الحافظ المزى فى مقدمة الكتاب بتسميته فقال: وسميته: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"[31]وقد أطلق عليه تلامذته كتاب الأطراف اختصارا كابن عبد الهادى، والذهبى، والحسينى.
* تاريخ وزمن تصنيف الكتاب: يحكى المزى فى مقدمة الكتاب أنه بدأ يعمل فيه من العاشر من المحرم سنة ست وتسعين ومائتين، وانتهى منه فى الثالث من ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة أى أنه مكث فى تصنيفه يكد ويجتهد ويجمع ويرتب ستا وعشرين سنة وأشهرا.
ويظهر أنه كتب الكتاب مرتين مسودة ومبيضة، ابتدأ بالمسودة فى عاشوراء سنة 696هـ، واستمر فيها إلى سنة 720هـ، ثم عاد فبدأ كتابة المبيضة فى تلك السنة حتى انتهى منها فى ربيع الآخر من سنة 722هـ يدل على ذلك التواريخ التى ثبتها فى نهاية كل جزء من الأجزاء التى كتبها بخطه[32].
* موضوع الكتاب: جمع أطراف أحاديث الكتب الستة، وبعض لواحقها مرتبة على المسانيد حيث قال المزى: "فإنى عزمت على أن أجمع فى هذا الكتاب – إن شاء الله تعالى – أطراف الكتب الستة التى هى عمدة أهل الإسلام وعليها مدار عامة الأحكام وهى:
- صحيح محمد بن إسماعيل البخارى.
- وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابورى.
- وسنن أبى داود السجستانى.
- وجامع أبى عيسى الترمذى.
- وسنن أبى عبد الرحمن النسائى.
- وسنن أبى عبد الله بن ماجه القزوينى. وما يجرى مجراها من:
- مقدمة كتاب مسلم.
- وكتاب "المراسيل" لأبى داود.
- وكتاب "العلل" للترمذى وهو الذى فى آخر كتاب "الجامع" له.
- وكتاب "الشمائل" له.
- وكتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائى[33].
وأما عدد أحاديثها فهو 19626 حديثا.
* الغرض من تأليفه:
إن الغرض من تأليف هذا الكتاب هو جمع أحاديث الكتب الستة وما يلتحق بها، بطريقة يسهل على القارئ معرفة أسانيدها فى موضع واحد، وما يتبع ذلك من الفوائد الحديثية، مع الدلالة على أماكن وجودها فى الكتب التى أخرجتها.
* موارد الكتاب:
(1) "أطراف الصحيحين" لأبى مسعود الدمشقى المتوفى سنة (400هـ)[34].
وقد اعتنى بكتابه وأتقنه فأثنى عليه الذهبى قائلا: "جود تصنيف أطراف الصحيحين وأفاد ونبه"[35].
(2) "أطراف الصحيحين" لخلف بن حمدون الواسطى المتوفى سنة (401ه)[36].
وكانت له عناية بصحيحى البخارى ومسلم وعمل تعليقة أطراف الكتابين، ووصفه ابن عبد الهادى بأنه أكثر معرفة من خلف الواسطى[37].
(3) أطراف الموطإ للحافظ أبى عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الدانى (ت 444هـ).
قال ابن حجر: "وصنف الدانى أطراف الموطإ"[38].
(4) أطراف الموطإ للخطيب البغدادى (ت 463هـ)، قال السيوطى: ولأبى بكر بن ثابت الخطيب كتاب "أطراف الموطإ".
(5) أطراف الكتب الستة: للحافظ أبى الفضل محمد بن طاهر بن على المقدسى صاحب أطراف الصحيحين (ت 507).
قال ابن عساكر: جمع ابن طاهر أطراف الصحيحين، وأبى دواد، والترمذى، والنسائى، وابن ماجه، فأخطأ فى مواضع منها خطأ فاحشا. وقال فى كتابه "الأشراف" عن أطراف ابن طاهر: "وهو أطراف الستة أيضا جمع فيه أطراف السنن، وأضاف إليه أطراف الصحيحين وابن ماجه فزهدت فيما كنت جمعته ثم إنى سبرته واختبرته فظهرت فيه أمارات النقص، وألفيته مشتملا على أوهام كثيرة، وترتيبه مختل، راعى الحروف تارة وطرحها تارة أخرى"[39].
(6) أطراف الصحيحين للحافظ أبى نعيم عبيد الله بن حسن بن أحمد الأصبهانى (ت 517هـ).
قال الذهبى: "جمع أطراف الصحيحين، وانتشرت عنه واستحسنها الفضلاء، وانتقى عليه الشيوخ" [40].
(7) "الإشراف على معرفة الأطراف" لأبى القاسم ابن عساكر المتوفى سنة (571هـ).
وقد اعتمد الحافظ المزى فى "تحفة الأشراف" على "أطراف" ابن عساكر، وأعجب بترتيبه فرتب كتابه على نحو كتابه، وقد سطر المزى ذلك فقال: "ورتبته على نحو ترتيب كتاب أبى القاسم فإنه أحسن الكل ترتيبا، وأضفت إلى ذلك بعض ما وقع لى من الزيادات التى أغفلوها أو أغفلها بعضهم أو لم يقع له من الأحاديث، ومن الكلام عليها، وأصلحت ما عثرت عليه فى ذلك من وهم أو غلط"[41].
* الترتيب العام للكتاب:
قسم المزى تحفة الأشراف بعد المقدمة إلى كتابين: كتاب المسانيد، وما أضيف إليها من الموقوفات وغيرها، وكتاب المراسيل وما يلتحق بها، وما يجرى مجراها.
* كتاب المسانيد: جمع المزى فيه مسانيد الصحابة الذين لهم رواية فى الكتب الستة وما يجرى مجراها، وبلغ عدد المسانيد 986 مسندا، ضمت 18389 حديثا.
ولما كان أصحاب المسانيد فيهم الرجال والنساء، جعل المزى كلا على حدة، وبدأ بمسانيد الرجال وقسمها إلى بابين وفصلين على النحو الآتى:
1- باب الأسماء أو باب المشهورين بأسمائهم من الصحابة ويبتدئ من المجلد الأول:
ترتيب الصحابة فى الكتاب:
رتب المزى الأحاديث فى الكتاب على مسانيد الصحابة مع ترتيبهم على حروف الهجاء فى اسم الراوى واسم أبيه.
ذكر أولا: الرجال مرتبين على حروف الهجاء فى أسمائهم ثم فى كناهم ثم المبهمين من الرجال ورتب المبهمين على حسب الحرف الأول فما بعده فيمن روى عنهم.
ثم ذكر النساء على نفس ترتيب الرجال مرتبات على حروف الهجاء فى أسمائهم ثم فى كناهم ثم المبهمات من النساء ثم ذكر بعد ذلك المراسيل.
وقد ألحق من نسب إلى أبيه أو جده أو أمه أو غير ذلك كابن أبزى وابن أم مكتوم بالكنى.
ترتيب الأحاديث تحت الصحابى:
إذا كان الصحابى مكثرا رتب المزى أحاديثه على حسب الرواة عنه على حروف المعجم ويضع تحت كل راو أحاديثه التى رواها عن هذا الصحابى، فإذا كان التابعى قد أكثر من الرواية عن هذا الصحابى فإنه يرتب الرواة عنه على حروف المعجم أيضا، ويضع تحت اسم كل تابع تابعى ما رواه عن هذا التابعى وهكذا، ولهذا الترتيب فائدة كبيرة لمعرفة ما إذا كان هناك سقط فى الإسناد أم لا؟
وإذا كان الحديث مرويا عن صحابيين ذكره في المتقدم منهما هجاء ثم ينبه فى الثانى أنه ذكره فى الأول.
* مميزات الكتاب:
(1) به يمكن جمع أحاديث الصحابى الواحد من الكتب الستة فى موضع واحد بحيث نستطيع أن نقول مثلا هذا الصحابى ليس له فى الكتب الستة غير حديثين.
(2) به يعرف تفرد الراوى والصحابى كما يعرف المجموع.
(3) جمع طرق الحديث فى مكان واحد وعليه يمكن معرفة مدار الحديث فى الكتب الستة وإذا كان هناك خلاف على الراوى يحول إلى موضع الإسناد الذى حصل فيه الخلاف.
(4) يمكن من خلاله ضبط أسانيد الكتب الستة ببيان المهمل والمبهم والعناية بضبط الأسماء وبيان الانقطاعات والسماعات والزيادات فى الأسانيد وما اختلفت فيه النسخ، فكثيرا ما تختلف نسخ البخارى وأبى داود والترمذى بذكر بعض الأحاديث وحذفها والتعليق عليها، فنستفيد من كتاب "الأطراف" للمزى أن هذا الحديث فى نسخة فلان وفلان من نسخ البخارى مثلا، وليس نسخة فلان. وهكذا، وامتازت أطراف المزى على أطراف ابن عساكر بذكر نسخ أبى داود والنسائى وغيرهما، بخلاف ابن عساكر حيث اقتصر على بعض النسخ، فمثلا اقتصر على نسخة اللؤلؤى لأبى داود.
(5) الزوائد التى فى الكتاب عبارة عن إضافات علمية من عنده على ما هو موجود فى الكتب الستة، وذلك كأن يكون الحديث معلقا فى الكتب الستة، لكنه موصول عند أحمد فيقول وصله أحمد فى "مسنده". وأحيانا يكون الحديث فى الكتب الستة عن مدلس بالعنعنة فيقول: رواه فلان مصرحا فيه بالتحديث.
(6) وبه يمكن الوقوف على أحاديث غير موجودة فى النسخ المطبوعة.
(7) يمتاز بكثرة التفريعات فى الطبقات المتأخرة، فنقف على المكثرين فى تلك الطبقات.
(8) لم يخلُ الكتاب من إشارات إلى الاختلافات بين الرواة فيقول عن الحديث رواه فلان فجعله كذا وكذا، وربما ذكر خلافا من خارج الكتب التى اشتمل عليها كتابه وهى الكتب الستة، وغالب الباحثين يعرف تحفة الأشراف على أنه كتاب فهرسة، ودلالة على مواضع الحديث فى الكتب الستة، والحقيقة أنه كتاب متقن فى صنعة الحديث والتخريج، فقد يعقب المزى عقب الأحاديث: "وهكذا روى عن غير واحد عن الأعمش وروى بعضهم عنه عن أبى سفيان، عن جابر، عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وحديث أبى سفيان، عن أنس أصح"[42].
وقال أيضا: "رواه غير واحد، عن الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد الله بن مسعود، وروى عن سفيان، عن الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد الله بن مسعود، وروى عن سفيان، عن الأعمش، عن أبى وائل، فقال مرة: عن عبد الله، وقال مرة: عن أبى موسى"[43].
وقال أيضا: "وهكذا روى غير واحد عن الأعمش – مرفوعا. وروى بعضهم عن الأعمش – ولم يرفعوه"[44].
وقال أيضا: "رواه غير واحد عن شعبة، عن قتادة، عن أنس – ليس فيه عن الحسن"[45].
* طريقته فى التخريج:
هى طريقة العزو، وطريقته فى العزو أنه يذكر الصحابى ثم يذكر رموز من أخرج له هذا الحديث، ثم يذكر طرفا من الحديث، ثم يذكر تفصيل من أخرجه من أصحاب الكتب الأصلية مستعملا الرموز، ثم يذكر الكتاب الذى أخرجه فيه، ثم يذكر الإسناد حتى يصل إلى الراوى المذكور فى عنوان الباب فيقول: "به" أى ببقية الإسناد.
* أثر الكتاب فيمن جاء بعده:
رزق كتاب تحفة الأشراف قبولا عند الموافق والمخالف وطبقت شهرته الآفاق، وجرى ذكره فى كل مجلس وعلى كل لسان، وانتفع به القاصى والدانى وحسبك بقول ابن حجر:... أما بعد فإن من الكتب الجليلة المصنفة فى علوم الحديث كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف تأليف شيخنا الحافظ أبى الحجاج يوسف بن الزكى عبد الرحمن بن يوسف المزى، وقد حصل الانتفاع به شرقا وغربا، وتنافس العلماء فى تحصيله بعدا وقربا...
ما ألف المزى هذا الكتاب النفيس حتى عكف عليه العلماء تهذيبا واختصارا وتنقيحا واستدراكا كما سيأتى:
* مختصرات التحفة:
(1) مختصر التحفة للإمام الذهبى، وذكر ذلك السبكى، وحاجى خليفة، والكتانى.
(2) العمدة فى مختصر الأطراف لشهاب الدين أحمد بن الأندرشى (ت750ه).
(3) مختصر الأطراف للحافظ الحسيني (ت765هـ).
* التعقبات على التحفة:
(1) تلميذه الحافظ ابن عبد الهادى (ت744هـ) فى حاشيته على تحفة الأشراف، ذكر ذلك ابن كثير فى كتابه جامع المسانيد والسنن الهادى لأقوم سنن، وأفاد منها ابن حجر فى النكت الظراف.
(2) الحافظ علاء الدين مغلطاى (ت762هـ).
قال ابن حجر فى النكت الظراف: ثم وقفت على جزء جمعه العلامة مغلطاى فى ذلك فيه أوهام منه، وذكره ابن العراقى فى "أوهام الأطراف" ولم يسمه وسماه السيوطى أوهام الأطراف.
(3) تلميذه الحافظ ابن كثير (ت 774هـ).
لم يفرد ابن كثير تعقباته على التحفة بمؤلف مستقل إنما بثها فى مواطنها من كتابه "جامع المسانيد والسنن الهادى لأقوم سنن" حيث تعقب شيخه المزى وابن عساكر وأصحاب الأطراف واستدرك عليهم فى بعض الأحاديث.
(4) الحافظ العراقى (ت 806هـ) وأثبتها فى هوامش نسخته من تحفة الأشراف.
ذكرها ابنه أحمد بن عبد الرحيم، وأفاد منها حيث قال: "فعثرت له أى المزى على مواضع وهم فيها وأخرى أهمل ذكرها، فيفقدها مقتفيها، وكثير من تلك المواضع من تثبت والدى رحمه الله وحواشيه نبتدر ما نبتدئه ونثنيه".[46] وكذا ابن حجر فى النكت الظراف حيث قال: ونقلت كثيرا من هوامش نسخة شيخى حافظ العصر أبى الفضل[47].
(4) الحافظ أحمد بن عبد الرحيم ابن العراقى (ت826هـ) فى كتاب سماه: "الإطراف بأوهام الأطراف".
قال ابن العراقى فى مقدمته بعد ثنائه على "تحفة الأشراف": "ولم أزل عند التصنيف له مراجعا، ولما ينقله عن الكتب الستة راجعا، فعثرت له على مواضع وهم فيها، وأخرى أهمل ذكرها، فيفقدها مقتفيها... فجمعت تلك المواضع تسهيلا على المطالع، ولم أتتبع جميع ما فى هذا التأليف، وإنما ذكرت شيئا وقع لى حال الجمع والتصنيف، فلا أشك أنه بقى وضم إلى ما عنده ما وافقه فيه، ونبه على ما وهم فيه".
وقد اطلع ابن حجر على كتاب ابن شيخه ووصفه بأنه: "جمع فيه بين حواشى والده وبين جزء مغلطاى، وأضاف إليه من عمله هو شيئا يسيرا، وأكثر فيه من التنبيه على أوهام مغلطاى، ثم قال ابن حجر فذاكرته بالجزء الذى جمعه المزى أى لحق الأطراف ووقفته عليه، فألحق ما فيه فى هوامش نسخته بخطه".
(5) الحافظ ابن حجر العسقلانى (ت852هـ) الذى مارس الكتاب ودارسه كما قال فوقف فى أثناء العمل على أوهام يسيرة، فكتبتها فى طرر عنده تارة، وفى هوامش نسخته أخرى، ثم وجد جملة من الأحاديث أغفلها المزى خصوصا من سنن النسائى رواية ابن الأحمر، ومن تعاليق البخارى، ثم وقف على لحق الأطراف للمزى بخطه فى جزء مستقل وبخط المزى أيضا فى هوامش: نسخة ابن كثير، ونقل كثيرا من هوامش نسخة شيخه أبى الفضل العراقى، ثم وقع له جزء ابنه أحمد، فجمعه كله وصهره فى بوتقة واحدة على ترتيب الأصل، ليستفاد منه، وسماه النكت الظراف على الأطراف، وسماه أيضا الاعتراف بأوهام الأطراف، وقد جمع الحافظ ابن فهد (ت871هـ) بين كتاب ابن حجر النكت الظراف، وكتاب المزى تحفة الأشراف فى كتاب سماه "الإشراف على الجمع بين النكت الظراف وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف".
(6) وفى المعاصرين كتاب "تقريب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" وقد أعده السعيد المندوه، وسامى التونى بإشراف أبى هاجر محمد السعيد بسيونى زغلول فى ثلاثة مجلدات، وما صنعوا شيئا إلا بحذف أسانيد التحفة والتى عانى المزى فى ضبطها وتحريرها فى مدة ربع قرن من الزمان، ويزعمون تقريب السنة بحذف أسانيدها فأى سنة يقربون؟! وقد نصوا على هذا فى مقدمة كتابهم: "عملنا فى هذا الكتاب: قمنا بتخريج الأحاديث من مصادرها، وحذف الأسانيد اكتفاء برقم الحديث..."[48] ولقد حدثنا شيخنا الأستاذ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم – حفظه الله وسدد خطاه -، أنه عندما كان فى مقتبل الطلب كان يسمع من شيوخه أنهم يقربون السنة بحذف أسانيدها ودلل على ذلك بصنيع الدكتور موسى شاهين لاشين فى شرحه الموسوم بـ "فتح المنعم بشرح صحيح مسلم" فقد حذف أسانيد الكتاب وشرح المتن فقط كما هو معروف.
۞۞۞
المبحث الثانى: من جهود المزى فى ضبط الكتب الستة وأسانيدها
المصادر الأصلية ورواياتها
المصادر الأصلية فى التحفة هى تلك المصادر التى جمع المزى أطراف أحاديثها وقام بعزوها إليها، وقد نص المزى عليها فى مقدمته، وهى الكتب الستة وبعض لواحقها وهي غنية عن البيان والتعريف، والطريف فى عمل المزى اعتماده على أكثر من رواية ونسخة للمصدر الواحد منها للموزانة والمقارنة والترجيح، وإثبات الصواب[49].
(1) صحيح البخارى:
استخدم المزى فيه رواية الفِربرى وحماد بن شاكر.
رواية الفربرى محمد بن يوسف بن مطر (ت320هـ) كما فى قول المزى:
قال الفربرى: سمعت أبا جعفر محمد بن أبى حاتم وراق أبى عبد الله قال: قال أبو عبد الله البخارى: عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك المشرقى مسند[50].
وفى رواية الفربرى، عن البخارى، عن محمد بن سنان، عن فليح، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبى سعيد. وقال: الرواية هكذا فى كتاب البخارى، عن بسر بن سعيد، وقد ضرب عليه[51].
وأما رواية حماد بن شاكر فقال المزى عقب حديث: شبك النبى صلى الله عليه وسلم أصابعه. خ فى الصلاة فى باب تشبيك الأصابع فى المسجد عن حامد بن عمر، عن بشر بن المفضل، عن عاصم بن محمد، عن أخيه واقد بن محمد، عن أبيه به. قال (تعليقا): وقال عاصم بن على، حدثنا عاصم بن محمد: سمعت هذا الحديث من أبى فلم أحفظه، فقومه لى واقد عن أبيه، قال: سمعت أبى، وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن عمرو! كيف بك إذا بقيت فى حثالة من الناس – بهذا.
هذا الحديث من رواية حماد بن شاكر، عن البخارى[52].
(2) صحيح مسلم بن الحجاج:
اعتمد المزى على عدة روايات لصحيح مسلم منها:
- رواية عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسى (ت529هـ).
- محمد بن إبراهيم بن يحيى الكسائى (ت385هـ).
فقال المزى: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة هذا الحديث ساقط من رواية الفارسى وغيره، ثابت فى رواية الكشانى"[53].
وقد اعتمد المزى على أكثر من نسخة لصحيح مسلم جعله يثبت وينفى ويصحح ويخطئ.
(3) سنن أبى داود السجستانى:
اعتمد المزى على سبع روايات لسنن أبى داود وهى:
- رواية أبى بكر بن داسة: محمد بن بكر بن داسة (ت346هـ).
قال المزى: [د] حديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم بات المعرس حتى يغتدى (ك) د فى الحج عن أحمد بن صالح، عن عبد الله بن نافع، عنه به (ك) هذا الحديث فى رواية أبى الحسن بن العبد وأبى بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم[54].
- رواية أبى الحسن بن العبد: هو على بن الحسن بن العبد (ت328هـ)
قال المزى: [د] حديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعلمه ابتلاه الله فى جسده أو ماله أو فى ولده.. الحديث. ك د فى الجنائز عن النفيلى وإبراهيم بن مهدى المصيصى، كلاهما عن أبى المليح الرقى، عن محمد بن خالد، عن أبيه، عن جده – وكانت له صحبة -.. فذكره ك هذا الحديث فى رواية ابن العبد وابن داسه ولم يذكره أبو القاسم[55].
- رواية أبى سعيد ابن الأعرابى: هو أحمد بن محمد بن زياد (ت340هـ)
قال المزى: [د] حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها. د فى الصوم عن محمد بن عيسى، عن محمد بن دينار، عن سعد بن أوس العبدى، عن مصدع به. ز قال أبو سعيد بن الأعرابى: بلغنى عن أبى داود أنه قال: هذا الإسناد غير صحيح[56].
- رواية أبى عيسى الرملى: هو إسحاق بن موسى بن سعيد (ت320هـ)
قال المزى: وحديث د فى رواية أبى عيسى الرملى، عنه ولم يذكره أبو القاسم[57].
- رواية أبى على اللؤلؤى: هو محمد بن أحمد بن عمرو (ت333هـ).
قال المزى: [د ق] حديث لعن الله الخمر وشاربها... الحديث. د فى الأشربة عن عثمان – ق فيه الأشربة عن على بن محمد – ومحمد بن إسماعيل – ثلاثتهم عن وكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن عبد الله وأبى طعمة وفى حديث عثمان وأبى علقمة مولاهم كلاهما عن ابن عمر به والصواب أبو طعمة. ز هكذا قال أبو على اللؤلؤى وحده عن أبى داود: أبو علقمة وقال أبو الحسن بن العبد وغير واحد، عن أبى داود: أبو طعمة وهو الصواب وكذلك رواه أحمد بن حنبل فى "مسنده" وغيره، عن وكيع[58].
- رواية أبى عمرو البصرى: أحمد بن على بن الحسن أبو عمرو البصرى
قال المزى: [د] حديث: أنها كانت تنبذ للنبى صلى الله عليه وسلم غدوة فإذا كان من العشى فتعشى شرب... الحديث. د فى الأشربة عن مسدد، عن معتمر بن سليمان، قال: سمعت شبيب بن عبد الملك يحدث، عن مقاتل بن حيان، عن عمته عمرة به – وفيه: أن أباها قال لعائشة. ز هكذا رواه أبو بكر بن داسة وأبو عمرو أحمد بن على البصرى وغير واحد، عن أبى داود[59].
- رواية أبى الطيب: أحمد بن إبراهيم الأشنانى.
قال المزى: حديث محمد بن يحيى بن فارس فى رواية أبى الطيب أحمد بن إبراهيم الأشنانى عن أبى داود ولم يذكره أبو القاسم[60].
فاعتماد المزى هذا العدد الوافر من الروايات لسنن أبى داود، مكنه من الموازنة بين الروايات وإثبات الراجح منها، وبيان الخطإ والصواب فيها.
كما مكنه من استدراك 163 حديثا على ابن عساكر فى السنن لما فى هذه الروايات من زيادات بعضها على بعض، كما استدرك المزى على ابن عساكر 13 حديثا من المراسيل لأبى دواد[61].
وكذا صنع المزى فى باقى الكتب الستة وباعتماد الروايات والنسخ المتعددة، استطاع المزى أن يقوم الروايات، ويصحح ما فيها من خطإ من المقارنة والموازنة بينها.
بل إن المزى لم يكتفِ بروايات الكتب الستة وملحقاتها فقط بل استعان بكثير من المصادر المتعددة وهذه المصادر تكون بعد حرف (ز) الذى اصطلح عليه المزى لزيادته وإضافته كالتاريخ الكبير[62] للبخارى، والكنى[63] لمسلم، والتفرد[64] لأبى دواد، والإخوة[65] للنسائى، وغيرها، وهذا التتبع الشديد من المزى للكتب لضبط أسانيد الكتب الستة يدل دلالة واضحة على مقدار ما عاناه هذا الإمام فى عمله الجليل، ولعلنا فى دنيانا المعاصرة خاصة من يعنى بالتحقيق نتخذ من المزى وعمله فى التحفة نبراسا نستضىء به، لننشد التحقيق الأمثل.
۞۞۞
المبحث الثانى: الكتاب وأثره فى ضبط الكتب الستة وملحقاتها نماذج تطبيقية
إن الوقوف على الأوهام الواقعة فى طرق وأسانيد هذه الكتب الستة نتيجة لتساهل بعض الرواة أو غفلتهم، وقد اهتم المزى – رحمه الله تعالى- بتتبع هذه الأوهام واستيعابها، حتى كأنه لو لم يكن للكتاب سوى هذه الفائدة لكفى، وقد يستغنى الباحث بمطالعة هذا الكتاب النفيس عن مطالعة الكتب الستة لا سيما إذا كان يريد الوقوق على طرقها وأسانيدها، وأيضا إذا كان بصدد تحقيق أى كتاب من الكتب الستة بل لا يتصور أن يقوم محقق لأى هذه الكتب بالتغافل عن تحفة الأشراف، لأن هذا سيعود على عمله بالقصور الشديد، ويتضح بجلاء عمل الإمام المزى فيما يأتى:
ففى ترجمة ناصح بن عبد الله المحلمى الكوفى عن سماك، عن جابر بن سمرة
2195- [ت] حديث: لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع.
ت فى البر (والصلة 33: 1) عن قتيبة، عن يحيى بن يعلى، عن ناصح به – ولم ينسبه. وقال: غريب، وناصح بن العلاء الكوفى ليس عند أهل الحديث بالقوى، ولا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه.
(ز) كذا قال فى نسبة ناصح بن العلاء الكوفى وأصاب فى قوله الكوفى. ووهم فى قوله ابن العلاء، إنما ذلك آخر بصرى، له حديث واحد عن عمار بن أبى عمار، عن عبد الرحمن بن سمرة فى الجمعة (مسند أحمد ج5: ص62)، وكلاهما ضعيف. ورواه عبد العزيز بن الخطاب، عن ناصح ولفظه: خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع.
- عنايته بالسقط فى الأسانيد
فى تحفة الأشراف (1/218 ترجمة رقم 831)
فى ترجمة الربيع بن أنس البكرى الخراسانى، عن أنس.
قال عقب حديث: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا... الحديث.
ت فى المناقب (2: 1) عن الحسين بن يزيد الكوفى عن عبد السلام بن حرب عن ليث عنه به. وقال حسن غريب.
(ز) رواه محمد بن فضيل عن ليث عن عبيد الله بن زحر عن الربيع بن أنس.
فالمزى بين أن عبيد الله بن زحر سقط من إسناد الترمذى، وهذا ما يوضحه ابن حجر بقوله: سقط بين ليث والربيع رجل، فقد أخرجه أبو يعلى، عن خلف بن هشام، عن حبان بن على، عن ليث، عن عبيد الله بن زحر، عن الربيع، وكذا قال محمد بن فضيل عن ليث وهو ابن أبى سليم[66].
فى تحفة الأشراف (1/29) ح رقم 54 – [د س] حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم فى الوتر قال: سبحان الملك... الحديث.
د فى الصلاة (342) عن عثمان بن أبى شيبة، عن محمد بن أبى عبيدة بإسناد الذى قبله.
س فيه (الصلاة 721) عن على بن ميمون الرقى، عن مخلد بن يزيد بإسناد الذى قبله. و(728) عن يحيى بن موسى، عن عبد العزيز بن خالد بإسناد الذى قبله. و(728) عن محمد بن الحسين بن إبراهيم، عن محمد بن أبى عبيدة بإسناده.
روى عيسى بن يونس بعضه عن سعيد بن أبى عروبة، وأسقط منه عزرة.
قلت: ويعنى المزى رواية النسائى التى أخرجها فى "سننه" (3/235 رقم 1700) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبى بن كعب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعة الأولى من الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وفى الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفى الثالثة بقل هو الله أحد".
وأما الرواية التى تليها فى النسائى فى سننه (3/235 رقم 1701) قال أخبرنا يحيى بن موسى، قال: أنبأنا عبد العزيز بن خالد، قال: حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبى بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وفى الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفى الثالثة بقل هو الله أحد، ولا يسلم إلا فى آخرهن، ويقول. يعنى بعد التسليم..: "سبحان الملك القدوس" ثلاثا.
وكأن النسائى ينبه على الخلاف فى إسناده بين عبد العزيز بن عبد الصمد وعبد العزيز بن خالد فى زيادة "عزرة" فى الإسناد.
قال المزى فى "تحفة الأشراف" (3/34ح رقم: 2602).
[د ت س] حديث: شهدت عليا أتى بدابة ليركب، فلما وضع رجله فى الركاب قال: بسم الله... الحديث. د فى الجهاد (81) عن مسدد، عن أبى الأحوص، عن أبى إسحاق، عنه به. ت فى الدعوات عن قتيبة، عن أبى الأحوص به، وقال: حسن صحيح. س فى السير عن قتيبة به. وعن محمد بن قدامة، عن جرير، عن منصور، عن أبى إسحاق نحوه.
(ز) قال عبد الرحمن بن مهدى، عن شعبة: قلت لأبى إسحاق: ممن سمعته؟ قال: من يونس بن خباب، فلقيت يونس بن خباب قلت: ممن سمعته؟ قال: من رجل سمعه من على بن ربيعة. رواه شعيب بن صفوان، عن يونس بن خباب، عن شقيق بن عقبة الأسدى، عن على بن ربيعة.
هو أن نتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا، وتختلف أشخاصهم، سواء اتفق فى ذلك اثنان منهم أم أكثر، وكذلك إذا اتفق اثنان فصاعدا فى الكنية والنسبة[67].
ومن أمثلة ما ذكره المزى فى التحفة حديث رقم 11612 – [م د ت س ق] حديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة (سبح اسم ربك الأعلى...) الحديث.
تعقب فيه ابن عساكر بقوله: "كان فى كتاب أبى القاسم عن محمد بن الصباح البزاز، ولم يقل ابن ماجه: البزاز، وإنما قال: محمد بن الصباح فقط، وهو الجرجرائى، وأما البزاز وهو الدولابى فلم يسمع منه، إنما روى عن رجل عنه".
- تقويم الأسانيد ببيان الراجح منها
وذلك بقوله عقب سوق الأسانيد "المحفوظ كذا"، أو "الصواب"، أو هو "أولى بالصواب".
فالمزى لم يخل الكتاب من إشارات إلى الاختلافات بين الرواة فيقول عن الحديث مثلا 15527 – [سى] حديث من قرأ (قل هو الله أحد) [الإخلاص: 1] فكأنما قرأ ثلث القرآن س فى اليوم والليلة عن أحمد بن منيع، عن هشيم، عن حصين، عن هلال بن يساف، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن أبى بن كعب أن رجلا من الأنصار قال قال النبى صلى الله عليه وسلم:... فذكره. رواه غيره عن هشيم
فجعله من مسند أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم – ولم يذكر هلال بن يساف ولا الرجل الأنصارى.
مثال آخر: 17533 – [د ت] حديث إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة... الحديث. د فى الحج عن مسدد – ت فيه: الحج عن نصر بن على الجهضمى – وعلى بن خشرم – ثلاثتهم عن عيسى بن يونس، عنه به، وقال ت: حسن صحيح. وكذلك رواه عبد الله بن داود الخريتى وأبو عاصم النبيل، عن عبيد الله – ورفعه. ورواه يحيى بن سعيد، عن عبيد الله فجعله من قول عائشة، فأخبره أبو حفص الفلاس بقول ابن داود الخريتى وأبى عاصم فقال يحيى: قد سمعت عبيد الله يحدثه مرفوعا ولكننى أهابه.
ورواه أبو قتيبة سلم بن قتيبة، عن سفيان، عن عبيد الله، ولم يرفعه. وكذلك رواه أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبى مليكة، عن القاسم، وكذلك رواه يزيد بن زريع، عن حسين المعلم، عن عطاء، عن عائشة – قولها.
2281 – [س ق] حديث: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.
س فى الوليمة (فى الكبرى)، عن محمد بن بشار، عن غندر، عن شعبة، عن أبى بشر جعفر بن إياس، عن شهر، عن أبى سعيد وجابر به. وعن هلال بن العلاء، عن حسين بن عياش، عن أبى خيثمة زهير بن معاوية – وعن محمد بن قدامة، عن جرير – (ق) فى الطب عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أسباط بن محمد – ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبى بشر، عنهما عن شهر، (أى عن أبى سعيد وجابر) به.
(ز) وقع فى رواية الأسيوطى وغيره: عن شهر، عن أبى هريرة بدل أبى سعيد وجابر، فى حديث محمد بن بشار – وهو الصواب.
فكثير من الباحثين يعرف تحفة الأشراف على أنه كتاب فهرسة[68]، ودلالة على مواضع الحديث فى الكتب الستة، والحقيقة أنه كتاب صناعة حديثية بل إن خاتمة الحفاظ ابن حجر صرح فى مقدمته لكتابه إتحاف المهرة بالتزام طريقته والسير على نهجه فى كتابه بقوله: "فمن أول من صنف فى ذلك: خلف الواسطى، جمع "أطراف الصحيحين"، وأبو مسعود الدمشقى جمعها أيضا.. ثم الحافظ أبو الحجاج المزى، وقد كثر النفع به. ثم إنى نظرت فيما عندى من المرويات فوجدت فيها عدة تصانيف قد التزم مصنفوها الصحة، فمنهم من تقيد بالشيخين كالحاكم، ومنهم من لم يتقيد كابن حبان، والحاجة ماسة إلى الاستفادة منها، فجمعت أطرافها على طريق الحافظ أبى الحجاج المزى وترتيبه"[69].
استفادة التحقيقات المعاصرة من كتاب "تحفة الأشراف" للمزى نماذج تطبيقية
- نسخة سنن أبى داود طبعة دار التأصيل
إن المحققيْنِ عندما تكلما عن منهجهما فى ضبط الكتاب – أعنى سنن أبى داود – بعد استيفاء النسخ الخطية المعول عليها فى التحقيق قالا: "عرضنا أحاديث السنن على كتاب تحفة الأشراف للإمام العلامة الحافظ المتقن المتفنن جمال الدين المزى رحمه الله تعالى وهو بحق درة لا مثيل لها، كيف لا والمزى رحمه الله كان معروفا بشدة عنايته بالأصول العتيقة خاصة للكتب الستة وملحقاتها ومن هنا – الكلام للمحققين – فمقارنة نص الكتاب المحقق يعنى سنن أبى داود مع نص تحفة الأشراف من الخطوات الهامة للتأكيد على توثيق وسلامة بنية النص..."[70].
وقالا فى موضع آخر من المقدمة: "تم تخريج أحاديث الكتاب بعزوها فى الحاشية إلى مواضعها من تحفة الأشراف للحافظ المزى، والاستفادة منه فى ضبط أسانيد الكتاب"[71].
- نماذج تطبيقية من استفادة طبعة دار التأصيل لسنن أبى داود من التحفة
النموذج الأول: قال أبو داود (1/39 -40ح رقم: 45 دار التأصيل) قال حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك – وهذا لفظه – ح وحدثنا محمد بن عبد الله يعني المخرمى، حدثنا وكيع، عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة، قال: "كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء، أتيته بماء فى تور أو ركوة فاستنجى"، قال أبو داود: فى حديث وكيع: "ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ"، قال أبو داود: "وحديث الأسود بن عامر أتم".
وفى عون المعبود (1/67 – 68) نقلا عن صاحب كتاب "غاية المقصود": عن المغيرة: اعلم أن لفظ المغيرة بين جرير وأبى زرعة موجود فى أكثر النسخ، وقد بالغت فى تتبعه فلم أعرف من هو، والذى تحقق لى أنه غلط بثلاثة وجوه:
الأول: أن الحافظ جمال الدين المزى ذكر فى "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" فى مسند أبى هريرة هذا الحديث ولم يذكر المغيرة...
الثانى: قال الطبرانى: لم يروه عن أبى زرعة إلا إبراهيم بن جرير، تفرد به شريك، وهذا نص على أن المغيرة لم يرو عن أبى زرعة... إلى آخر كلامه.
فى هامش (ص40) من نسخة دار التأصيل: هذا الموضع من (ح) كتب فوقه المغيرة، ورقم له بعلامة ابن داسة، وفي حاشية (ح)، (ض)، (ن): عن المغيرة بدلا من جرير، وتم ضبط الإسناد كما هو مثبت فى الأصل اعتمادا على التحفة للمزى فقالا: "ولذا لم ينبه عليه فى تحفة الأشراف". وينظر: تحفة الأشراف (10/437ح رقم 14886).
النموذج الثانى: وفى حديث (1/354ح رقم 1467) قال أبو داود حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن إدريس، عن يزيد بن أبى زياد، عن عيسى بن فائد، عن سعد بن عبادة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ يقرأ القرآن، ثم ينساه، إلا لقى الله عز وجل يوم القيامة أجذم".
فقال المزى فى "تحفة الأشراف" (3/274ح رقم: 3834): "رواه شعبة ومحمد بن فضيل وجرير بن عبد الحميد وخالد بن عبد الله، عن يزيد بن أبى زياد، عن عيسى بن فائد، عن رجل، عن سعد بن عبادة، إلا أن شعبة، قال: عن سعيد بن إياد، وقال مرة: عن عيسى بن لقيط بدل عيسى بن فائد، وذلك معدود فى أوهامه". اهـ. وقد استفاد منه المحققان فى ضبط الإسناد.
النموذج الثالث: وفى حديث (6/28ح رقم 3626 دار التأصيل) حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، عن عبد العزيز بن عمر، عن أبى علقمة[72]، مولاهم وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقى، أنهما سمعا ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه".
[دق] حديث لعن الله الخمر وشاربها.. الحديث. د فى الأشربة[73] عن عثمان – ق فيه (الأشربة 6: 1) عن على بن محمد – ومحمد بن إسماعيل – ثلاثتهم عن وكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن عبد الله وأبى طعمة وفى حديث عثمان وأبى علقمة مولاهم كلاهما عن ابن عمر به والصواب [ص: 479] أبو طعمة. ز هكذا قال أبو على اللؤلؤى وحده عن أبى داود: أبو علقمة وقال أبو الحسن بن العبد وغير واحد، عن أبى داود: أبو طعمة وهو الصواب وكذلك رواه أحمد بن حنبل (فى مسنده ج2، ص 25، 71) وغيره، عن وكيع.
ورجح أيضا المزى هذا كما فى "تهذيب الكمال" (17/245)" إلا أن بعض الرواة عن أبى داود، قال فى روايته: عن أبى علقمة وهو وهم، والصواب: عن أبى طعمة، كما فى هذه الرواية".
ولكن المحققيْنِ لم يثبتا الصواب اعتمادًا على ورود رواية البيهقى فى "السنن الكبرى" وقالا: "وقع فى رواية البيهقى وهى من طريق ابن داسة عن أبى علقمة" فلعله اختلاف فى نسخ ابن داسة".
قلت: أورد البيهقى فى "السنن الكبرى" هذا الحديث فى عدة مواضع اكتفى المحققان بالموضع الأول (10881) وتركا المواضع الآتية برقم (17411)، و(17412) (1) والمثبت في الموضعين كما رجح المزى فى التحفة، واستفاد الشيخ محمد عوامة – حفظه الله تعالى – من تصويب المزى فأثبته على الصواب فى تحقيقه لسنن أبى داود (4/250 أصل وهامش) وقال فى الهامش معلقا: عن أبى طعمة من ص، وحاشية ح، وفى غيرهما ونقل على حاشية ك كلام المزى (7296) أنه أبو علقمة فى رواية اللؤلؤى وحده، وفى رواية ابن العبد وغيره: أبو طعمة، وهو الصواب.
وفى العلل لابن أبى حاتم بتحقيق د/ سعد الحميد وهى متقنة (مسألة رقم 1583) وسألت أبى عن حديث رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن [أبى] حميد، عن أبى توبة المصرى، عن ابن عمر، قال: نزلت فى الخمر ثلاث آيات، فأول شىء نزلت: ((يسألونك عن الخمر والميسر))، الآية... فذكر الحديث؟ قال أبى: هذا خطأ -، إنما هو أبو طعمة قارئ مصر، عن ابن عمر.
قلت: فيسمى أبو طعمة؟ وينظر: "الأسامى والكنى" لأبى أحمد الحاكم (5/218)، "فتح الباب فى الكنى والألقاب" لابن منده (ترجمة رقم 4117)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر (66/348) فكل هذه المصادر أثبتت ما صوبه المزى فى التحفة وأنه "أبو طعمة" وليس "أبو علقمة".
النموذج الرابع: وفيه استدراك على نسخة دار التأصيل فى رواة أحد الإسناد كما فى الحديث الذى أخرجه أبو داود فى "سننه" (3/47ح رقم 926) – حدثنا مخلد بن خالد الشعيرى، حدثنا ابن نمير، حدثنا على بن صالح، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، "أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين، وسلم عن يمينه، وعن شماله حتى رأيت بياض خده".
لم يشر المحققان إلى شىء فى الهامش.
قال المزى فى "تحفة الأشراف" (9/82ح رقم: 11758): (د ت) حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ فى الصلاة ولا الضالين (1: 7) قال: آمين، ورفع بها صوته. (د) فى الصلاة (173: 1) عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبى العنبس الحضرمى به. و(173: 2) عن مخلد بن خالد الشعيرى، عن عبد الله بن نمير، عن على بن صالح[74]، عن سلمة بن كهيل، عن حجر، عن وائل بن حجر قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين وسلم عن [ص: 83] يمينه وشماله، حتى رأيت بياض خده.
ت فيه (الصلاة 70: 1) عن بندار، عن يحيى وعبد الرحمن، كلاهما عن سفيان به وقال: حسن. و (70: 2) عن أبى بكر محمد بن أبان، عن عبد الله بن نمير، عن العلاء بن صالح الأسدى، عن سلمة بن كهيل – نحو الثانى. (ز) رواه شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر، عن علقمة بن وائل، عن أبيه أو سمعه حجر بن وائل.
وقال المزى: "إلا أن أبا داود سماه فى روايته، على بن صالح، وهو وهم".
ورجعت فى هذا الحديث إلى طبعة الشيخ محمد عوامة من "السنن" (2/34ح رقم: 930) فلم يثبت الصواب، مع أنه نبه إليه فى الهامش فقط أن الصواب "العلاء بن صالح" وليس "على بن صالح". وينظر: جامع الترمذى (2/27ح رقم: 248)، تهذيب الكمال (22/512 – 513)، وبذل المجهود فى حل سنن أبى داود (5/138).
وعلى ضوء ما سبق فلا غنى لمن له اشتغال بالكتب الستة أو أحدها، ولا سيما فى ضبط الأسانيد والعناية بها، ولا يقتصر الأمر على الكتب الستة بل إذا نظرنا إلى بعض التحقيقات المعاصرة فى علوم الحديث نجدها تعتمد فى إزالة كثير من الإشكالات على التحفة ففى تحقيق[75] كتاب البحر الذى زخر بشرح ألفية الأثر للسيوطى كمثال نجد المحقق ذكر التحفة فى هوامشه أكثر من مائة مرة.
۞۞۞
ثبت بأهم المصادر والمراجع
- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، لأبى الفضل أحمد بن على بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانى (المتوفى: 852هـ) تحقيق: مركز خدمة السنة والسيرة، بإشراف د زهير بن ناصر الناصر، نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (بالمدينة) – ومركز خدمة السنة والسيرة النبوية (بالمدينة)، الطبعة الأولى 1415هـ - 1994م.
- أثر علم أصول الحديث فى تشكيل العقل المسلم، د. خلدون الأحدب، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1429هـ - 2008م.
- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، لجمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى (المتوفى: 742هـ)، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، طبعة: المكتب الإسلامى، والدار القيمة، الطبعة الثانية: 1403هـ، 1983م، وطبعة أخرى بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبعة دار الغرب الإسلامى، الطبعة الأولى 1999م.
- الحافظ المزى والتخريج فى كتابه تحفة الأشراف للدكتور عبد الرحمن طوالبة، دار عمار، الطبعة الأولى: 1418هـ - 1998م.
- سنن أبى داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدى السجستانى (المتوفى: 275هـ) تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، وطبعة دار التأصيل بتحقيق الشيخ عماد عباس، والشيخ عادل محمد، الطبعة الأولى 1436هـ - 2015م، وطبعة الشيخ محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، ومؤسسة الريان بيروت، الطبعة الثانية 1425هـ - 2004م.
- المجروحين من المحدثين، ابن حبان، تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى، نشر دار الصميعى للنشر والتوزيع، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1420هـ - 2000م.
- مصطلح التاريخ لأسد رستم، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى 1423هـ - 2002م.
- المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان الفسوى (ت: 277هـ)، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمرى، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ - 1981م.
العودة لصفحة المؤتمر