جمع النسخ ومقابلتها
وأثر ذلك فى تحرير النص الحديثى
أ.د. عبد الستار عبد الحق الحلوجى
أستاذ علم المكتبات بكلية الآداب – جامعة القاهرة.
العودة لصفحة المؤتمر
أولا: جمع النسخ
ثانيا : المقابلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
أما بعد،
العلماء الأجلاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدايةً أصارحكم بأننى قادم إليكم من خارج السياق، فلستُ من المتخصصين فى الحديث النبوى الشريف وعلومه، ولست من محققى كتبه؛ ولكن سفينة الحياة رستْ بى على شاطئ المخطوطات فى دار الكتب المصرية منذ أكثر من 50 عامًا، ومن يومها - إلى يومنا هذا - وأنا أتعامل مع المخطوطات العربية تأريخًا وفهرسةً وتحقيقًا، وأتعايش مع التراث العربى ومصادره المخطوطة والمطبوعة.
من حق جمعية المكنز الإسلامى، ومن حق الأستاذ الجليل الدكتور أحمد معبد، من حقهم علىَّ أن أتوجه إليهما بالشكر الجزيل على دعوتى لحضور هذا المؤتمر الذى يناقش قضية تحقيق النص الحديثى، ولا أظننى أضيف جديدًا إذا قلتُ إن علماء الحديث الأوائل هم أول من عُنى بتوثيق النصوص، ووضعوا له ضوابطه وقواعده قبل أن يظهر ما يسمى بالتحقيق، فقد سبقوا المستشرقين الذين يتصور البعض أنهم هم الذين وضعوا أصول هذا العلم، سبقوهم بمئات السنين، وقد اخترت أن أتحدث إليكم عن مشكلة يواجهها كل محقق، وهى مشكلة جَمْع النسخ الخطية للكتاب الذى نحققه، وهذه المشكلة لها من وجهة نظرى أبعاد أربعة.
أولا: جمع النسخ
البعد الأول للمشكلة:
تشتُّتْ نسخ الكتاب الواحد بين أنواع مختلفة من المكتبات: مكتبات وطنية، ومكتبات جامعية، ومكتبات المساجد، والمكتبات الخاصة، وكثير من هذه المكتبات لا يوجد لها فهارس تعنون ما لديها من مخطوطات، وأكتفى بذكر مثالين للدلالة على ذلك:
- الأول دار الكتب المصرية وهى أقدم مكتبة وطنية فى العالم العربى، ومن أوائل المكتبات التى نشرت فهارس المجموعات، وحتى يومنا هذا لا يوجد لديها حصر دقيق بما لديها من مخطوطات فى المكتبات الخاصة التى ضُمَّتْ إليها، وتضم هذه المكتبات أنفس ما تقتنيه الدار؛ فقد كان جامعوها علماء أجلاء من أمثال أحمد تيمور، وأحمد ذكى، والشنقيطى، ومحمد عبده، وطلعت، وحبيب، وغيرهم الكثير. كما أن دار الكتب المصرية نفسها ليس لديها فهرس يحصى كل ما لديها من مخطوطات، وقد بدأتْ فى السنوات الأخيرة تهتم بهذه المسألة، ووصلنا الآن إلى ما يقارب 12 مجلدا للمجاميع فقط.
- والمثال الآخر: مكتبات الزوايا المنتشرة بالمئات بل بالألوف فى الجزائر، تعرفون أن السودان قبل أن تنقسم كانت أكبر دولة فى المساحة فى عالمنا العربى، الآن الجزائر هى أكبر دولة فى المساحة، والجزائر تنتشر فيها آلاف الزوايا، فى كل زواية مخطوطات، ولا يوجد مكتبة واحدة لها فهرس يستطيع الطالب أن يطلع عليها، إلا إذا ذهبت إلى المكتبة نفسها وعددت المخطوطات بنفسك، حاولتُ الوصول بلا جدوى، وكذلك حاول مركز المعلومات، وكذلك مؤسسة الفرقان، وقد شهدتُ بنفسى بعض هذه المحاولات، فقط أن نسجل لهم مخطوطاتهم، فنصورها ونعطيكم نسخة ويرفضون بكل أسف.
كثير من مخطوطات هذه المكتبات لا نعرف عنها شيئًا، وكذلك المكتبات التى كانت منتشرة فى مساجد القاهرة، وقد بادرت وزارة الأوقاف المصرية - وهو عمل جليل - فجمعتها فى مكان واحد، وهو ملحق بمسجد السيدة زينب رضى الله عنها بالقاهرة.
فالكثير من المكتبات إذًا لا تُسجل ما لديها من مخطوطات فى فهارس يمكن أن يطلع عليها الإنسان عن بُعد، هذه هى المشكلة الأولى.
البعد الثانى للمشكلة:
المشكلة الثانية هى قصور الأدوات الببليوجرافية التى حاولتْ أن تحصى المخطوطات العربية العامة، وهناك عملان كبيران مشهوران وكلكم تعرفونهما، كتاب بروكلمان (تاريخ الأدب العربى)، وكتاب فؤاد سيزكين (تاريخ التراث العربى)، لا يستغنى أى محقق عن الرجوع إلى هذين الكتابين بالرغم مما فيهما من قصور، وسأنبه إلى أوجه القصور الأساسية فى الكتابين.
- الكتاب الأول (بروكلمان): لن أتعرض لتفاصيل قصة عمله ومشاكله وكلامه وتعامله معها، إنما يكفى أن نقول: إن هذا الكتاب أحصى كل ما حُصِر فى فهارس المنشورات، فقد جمع كل فهارس المخطوطات العربية المنشورة فى مكتبات العالم وضمنها فى كتاب واحد، وبهذا أغنانى عن الرجوع إلى نشر الفهارس، وقد اختصر جهد البحث فى مئات المكتبات.
إنما من قال أن الفهارس المنشورة تغطى كل المخطوطات؟ بالطبع لا، هو أغنانى فقط عن الرجوع إلى فهارس المكتبات، وكما أن الفهارس ناقصة فهو أيضا نقص موجود عنده ولا يلام، قال " اعتمدتُ على الفهارس المنشورة" والفهارس المنشورة لا تخلو من أخطاء كثيرة، خصوصًا المكتبات فى تركيا، وكذلك فهارس دار الكتب المصرية.
أذكر ذات يوم أنى وجدت مخطوطًا مكتوبا عليه أنه نُسخ سنة 130 هـ، فقلت لو صحت هذه المعلومة سيكون هذا أقدم مخطوط عربى فى العالم، وطلبت الاطلاع عليه فتبين أنها ليست 130هـ إنما هى 1130 ورقم ألف سقط فى الطباعة. إذًا أخطاء الفهارس موجودة ونقص الفهارس موجود فى كتاب بروكلمان الذى رجع إلى الفهارس المطبوعة فقط، وهذا لم يحل مشكلة المخطوطات التى لم تُدرَك فى الفهارس المطبوعة، ولم يحل مشكلة المكتبات الخاصة التى لا يعرف أحد عن مجموعاتها شيئا.
- ثم جاء سيزكين، حاول أن يغطى هذا النقص أو يعالجه، وقال "لن أقتصر على المطبوع، وسأعتمد على المكتبات نفسها وأستعين بإملائها فى استكمال المعلومات"، نعم هذا عمل جليل؛ لكنه لم يستطع أن يكمل العمل أو يظهر عمله بالسعة التى بدى بها بروكلمان، وتوقف عند سنة 430 هجريًا.
وعند هذا التاريخ القرن الرابع أو الخامس الهجرى يأتى انحصار الحضارة العربية، والحقيقة أنى وددتُ بنفسى أن أتابع الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى لعمل نفس الفكرة، فشمس الحضارة الإسلامية بدأت تجنح للمغيب فى هذا القرن أو من بعد القرن الرابع. توقف سيزكين عند سنة 430 هجريا، معنى هذا أن أى مؤلف بعد هذا التاريخ لن أجد له ذكرا عند سيزكين، ولا بد من الرجوع إلى بروكلمان رغم ما فيه من أوجه القصور.
فالأداتان الكبيرتان المهمتان الموجودتان فى هذا المجال يعتريهما شىء من القصور ينبغى - وهذا ليس للنقد أو العيب - أن نتنبه إليه حينما نتعامل مع هذين الكتابين؛ حتى لا يُتصور أن بروكلمان جامع مانع، أو أن سيزكين جامع مانع. وبهذا فالأدوات الببليوجرافية المتاحة أيضا لا تخلو من القصور.
البعد الثالث للمشكلة:
هو ندرة النسخ أو وفرتها، الندرة مشكلة والوفرة مشكلة، فتحقيق النسخة الوحيدة من أصعب الأمور، لا يتصدى له إلا عالم له خبرة طويلة فى التحقيق؛ لأنه لم يجد نسخ ليقابل عليها، فهو مضطر أن يرجع إلى المصادر التى رجع إليها المؤلف؛ كى يتأكد من صحة ما يرى. الأهم من هذا يرجع لمن نقل عنه بعده، فاحتمال كبير أن نجد من نقلوا عنه فى العصور القديمة، فما لديهم من نسخ من هذا الكتاب لم تسلم، كأن تكون فُقِدت فى الطريق، فلا بد أن يتتبع كل من نقلوا عنه لكى يبحث فى بطون هذه الكتب عن النصوص التى نقلت من هذا النص الذى بين يديه حتى يستكمل ما يمكن أن يجد فيه من نقص أو خطأ.
وتحقيق النسخة الوحيدة عملية صعبة جدا، وزيادة على هذه الفكرة أذكر فى جملة اعتراضية بين شرطتين، هل يجوز تحقيق نسخة المؤلف؟ وجهة نظرى - ومن حقكم أن تختلفوا معى وقد أكون مخطئًا وكثير ما أخطئ - إنها نسخة المؤلف فلا تُحقق؛ لأن التحقيق هو محاولة الوصول إلى نص المؤلف، فإذا كان نص المؤلف عندى فماذا أحقق؟! وهنا يحضرنى عبارة للشيخ محمود شاكر رحمه الله حين استنكف أن يستخدم كلمة تحقيق، فمن العيب أن نتعامل مع القدماء بهذه الصورة، فقد اعتبر قولنا تحقيق هنا نوعا من التجاوز، والأنسب (قرأه، أو قرأه وعلق عليه، قرأه وضبط نصوصه، أو قرأه ووضع فهارسه، أو قرأه وشرح غريبه)، قل أى شىء إلا كلمة (تحقيق)، فكلمة (تحقيق) كبيرة جدا، فما بالك إذا وجدت نسخة المؤلف، فلتشرحها، أو لتعلق عليها، إنما أى تحقيق هنا؟! فكلمة تحقيق هنا استخدامها - من وجهة نظرى - لا يليق أو لا يجوز. هذه ما يخص النسخة الوحيدة، حتى لو كانت النسخة وحيدة سواء نسخة مؤلف أو غير مؤلف.
يا ترى ما العمل مع النسخ الكثيرة؟ النسخ الكثيرة مشكلة، فقد تجد لنفس كتاب آلاف النسخ، فإن حاول أحد أن يحقق صحيح البخارى، كم نسخة سيجدها؟ آلاف النسخ، الكتب الكبيرة أو الكتب المشهورة والكتب ذات القيمة الكبيرة، ستجد أعدادًا هائلة من المخطوطات، والمطلوب أن نختار من بينها، وأن نصنفها فى عائلات، ونختار من كل عائلة مخطوطة واحدة.
وقد يكون من أسباب النُّسَخ الكثيرة مجالس الإملاء، من يرجع إلى كتاب (كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون) لحاجى خليفة يجد فى أوله أمالى كثيرة، أمالى الزجاج، وأمالى ابن دريد، وأمالى القاضى، كُتبٌ كثيرة كانت تملى، والإملاء حينما يُملى فالذين يكتبون لو حضر 100 طالب فقط سنطبع 100 نسخة بعدها، ونحن نسمع عن مجالس الإملاء فى (تاريخ بغداد) حالات كثيرة جدا قُدِّر الحاضرون فى بعضها بمئات الألوف، وأنا أشك فى هذه الأرقام، قيل ".. في مجلس عاصم الواسطى مائة ألف…"، و"…قد حدثنا الليث بن سعد، قالها أربع عشرة مرة والناس يقولون لا نسمع".
هل تتصور 100 ألف؟ أنا أسأل نفسى أين كانوا يجلسون؟ كيف كانوا يسمعون؟ هذه الأصفار الكثيرة تشككني، إنما أقل ما تدل فعلى ضخامة هذه المجالس، فلنتقل أنها ليست 100 ألف؛ بل يكفى 100 فقط، سنعتبر واحدا من كل ألف، ويصير عندى مائة كشكول، أو مائة نسخة كُتِبتْ، تختلف فى إملائها وفى درجة دقتها واكتمالها، أحدهم يسمع ويكتب كل كلمة، وغيره لا يكتب، والآخر إملاؤه ضعيف فيكتب خطأً، وثالث يسمع (احتجب) فمره يكتبها (بالباء) فيعقلها، وآخر يكتبها (بالميم) فيعقلها، صارت النسخ كثيرة جدا، وازدات المشكلة تعقيدا.
يمكن حل المشكلة هنا بأن أقابل نسخة على نسخة أخرى وأكمل نقصها، إنما لو أن المؤلف أملى الكتاب فى مجلس آخر، نجد مشكلة، عندنا عائلتان من النسخ، يقولون أن ابن دريد أملى كتابا كذا وكذا مرة فى بغداد أو في فارس أو فى غيرها فاختلفت النسخ بين الزيادة والنقصان، فتطل مشكلة كبيرة، فلدى نُسَخٌ، هذه صحيحة وهذه صحيحة.
مثال آخر الجاحظ ألف كتابه، ويقول ياقوت الحموى "وكتاب البيان والتبيين للجاحظ نسختان أولى وثانية، والثانية أصح وأجود"، هو لا يقصد نسختين، هو يقصد إصدارين، أو إبرازتين، ألفه مرتين.
الثعالبي فى (يتيمة الدهر) ألفه مرتين قال "كنت قد ألفته والعمر فى إقباله والشباب بِمَائه" وذكر أنه يزيد وينقص ويحذف ويقدم ويؤخر ويشطب، وهذه هى النسخة الأخيرة، صار عندى فى يتيمة الدهر نسختان، وقس على هذا الكثير.
بهذا فتعدد النسخ أوكثرة النسخ مشكلة كبيرة جدا تواجه من يتعامل مع النسخ فى تحقيق الكتاب.
البعد الرابع للمشكلة:
إن جمع النسخ يستلزم بالضرورة تحديد منازلها، لاختيار النسخة الأم أولا لاعتمادها، واختيار النسخ التى سأقابل عليها، واستبعاد النسخ الأخرى. وهناك معايير للمفاضلة، وهى معايير معروفة، فالنسخة الأقدم أفضل من النسخة الأحدث، والنسخة الكاملة أفضل من النسخة الناقصة، والنسخة الصحيحة أفضل من النسخة المعتلة، والنسخة التى عليها مقابلات ومراجعات وعليها سماعات وعليها تملكات وعليها إجازات أفضل من النسخة الخالية من تلك اللمسات، والنسخة ذات التملكات أفضل من النسخة العادية أو التى عليها تملكات عادية، فكما يقولون إن اختيارَ المرء يوافق عقله، فالنسخة التى تملكها عالم يعطى لها قيمة.
صحيح وجود معايير للمفاضلة، إنما هذه المعايير قلما تكتمل، فقد تكون النسخة الأقدم ناقصة، والنقص قد يكون فى وسط النص فأستطيع أن أستكمله بنسخة أخرى، إنما الإشكال فى النقص إن كان فى أول النسخة أو آخرها، إن فَقدَ الأوراق الأولى مشكلةٌ، لذا أقول دائما إن الورقة الأولى والأخيرة للمخطوط هى بطاقتها الشخصية، فيها اسم المؤلف والعنوان، وفى آخرها تاريخ النسخ، وكل ما هو حول ذلك، فإذا فُقدت الورقة الأولى والأخيرة يصير المخطوط مجهولا، قد لا تعرفه إلا بالمصادفة، وقد تنفق سنين طوالا قبل أن تعرف أى كتاب هو.
إن جَمْعَ النسخ يستلزم التحديد، ولدينا قواعد قد وضعت، فأعلى النسخ هى نسخة المؤلف، وأن النسخة التى قُرِئت على المؤلف تليها، ثم نسخة تلميذ أفضل من نسخة كتبها ورَّاق، ثم بنفس التسلسل. هنا يثار السؤال: بعد جمع النسخ أبدأ فى مرحلة الاختيار، فلماذا أختار؟ والإجابة للمقابلة طبعا، هنا يأتى الشق الثانى من عنوان هذا الحديث، وهو مقابلة النسخ.
ثانيا: المقابلة
يطل السؤال: هل تفى المقابلة – حالة اختيار نسختين أو ثلاثة أو أربعة - بمتطلبات التحقيق؟
إن المستشرقين فى مرحلة من مراحل تاريخ تطور علم التحقيق اعتبروا أن أهم شىء يقوم به المحقق هو المقابلة؛ لأن وظيفة المحقق من وجهة النظر هذه أن يقدم لى المؤلف (الأصل) لا يقدم لى نفسه، فهو يستتر وراء المؤلف.
إذًا مهمتك أن تقدم لى النص، واصنع ما شئت من دراسات فى مكان آخر، فصارت مقابلة النسخ عندهم هى الأهم، وكان همهم اختيار النسخ للمقابلة، ثم ضبط النص، فتصديره فى فقرات تباعا للطباعة الحديثة، ليسهل التعامل معه والاستفادة منه.
هو يرون أن المقابلة هى المهمة، وقد أدوها بنجاح كبير؛ لأن المستشرق يفتقد للحس اللغوى، وهو مهم جدا فى عملية قراءة النص وفهمه، وأرى أنهم مميزون جدا فى الأعمال الآلية مثل المعاجم التى أدوها بدقة حقيقية مثلا (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - ومعجم ألفاظ الحديث النبوى)، أما حين يصل لمرحلة الترتيب الموضوعى أراه يتوقف ويتعثر ولا يجيد.
قال محمد فؤاد عبد الباقى فى مقدمته لكتاب (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) أنه كتاب المستشرق الألمانى فلوجل. وقد رأيتُ نسخة من كتاب فلوجل فى مكتبة (الملك سعود) فى الرياض، وهو صغير جدا كالكف، ولا توجد منه أى نسخة فى القاهرة على كل حال.
والخلاصة أن مجرد المقابلة يُفْرِغ التحقيق من مضمونه العلمى، فلا بد للمحقق أن يقوم بجهود علمى، أما المقابلة فهى جهد آلى، إنما العمل العلمى يحتاج إلى ما هو أكثر من المقابلة، فيحتاج إلى عصرنة النص، ليس مجرد إخراجه فى فقرات شكلها جميل، إنما توضيح معانى الكلمات الغامضة، وتعريف بالأعلام، وتعريف بالأماكن، ووضع تعليقات على وجهات النظر، وتحرير النصوص، والعودة لنصوص المصدر إن وجدت، وكل ما شابه ذلك مما تعرفونه من عمليات الجهد العلمى الذى يقوم به المحقق.
وللنص الحديثى خصوصية وأهمية، فله أهمية كبيرة جدا فى تصريف أمور الدنيا والدين؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم - وأنتم تعرفون أكثر منى - لم يكن مجرد مفسرًا للقرآن بل مُشَرِّعًا، فيجب أن نتبعه فيما يقول، وأن ما يقوله جزءًا من الدين، «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» [3/132]، « فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا »[4/165].
إن ما للحديث الشريف من أهمية تستلزم أو تفرض أو تتطلب من المحقق مزيدا من الدقة والانضباط، فتحرير النص الحديثى لا يعنى مجرد إقامة حروفه والتنبيه على ما قد يكون فى النسخ المخطوطة من نقص أو خطأ أو تصحيف أو تحريف، ولا يقتصر على شرح غوامضه وبيان مناسبته ودلالته، وما ينطوى عليه من أحكام شرعية، وإنما ينبغى أن يضاف إلى هذا كله الاهتمام بالحكم على الأحاديث، وبيان درجة كل حديث من الصحة والضعف، والتنبيه إلى ما فى بعض الأسانيد من وهم أو خطأ.
أكتفى بهذا وأشكركم جميعًا على حسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العودة لصفحة المؤتمر