" كتب الحديث التى طبعت نصوصها ناقصة لعدم جمع نسخها الخطية"

 

(المفاريد لأبى يعلى، والفردوس للديلمى أنموذجًا)

 

 

 

 أ.د عبد الله محمد حسن دمفو

الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة – السعودية

 

 

 العودة لصفحة المؤتمر

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

يهدف البحث إلى بيان أهمية استفراغ الوسع، وبذل الجهد فى تتبع النسخ الخطية للمخطوط المراد تحقيقه ودراسته خدمة لإحياء التراث الإسلامى، وإخراجه كاملًا لينتفع به الباحثون، ولتكون الإضافة العلمية للمكتبة الإسلامية مكتملة، بتقديم النص الحديثى كما أراده مؤلفه أو أقرب من ذلك.

مشكلة البحث والدراسات السابقة:

وتكمن مشكلة البحث فى وجود بعض كتب النص الحديثى التراثى المطبوع المتداول بين الباحثين منذ سنوات طويلة قد طبعت ناقصة، نتيجة الاعتماد على نسخة خطية واحدة، مع وجود نسخة خطية أخرى تُكمل هذا النقص، ويزيد الإشكال عندما يطبع الكتاب عدة طبعات، وكل طبعة اعتمدت على نسخة خطية غير التى اعتمدتها الطبعة الأخرى، فيظن الباحث أنه يمكن الاعتماد على طبعة والاستغناء عن الأخرى، ثم يزداد الإشكال مرة أخرى عندما تكون الطبعة المتداولة بين الباحثين هى الطبعة التى كان النقص فيها شديدًا.

ولم أجد بعد البحث دراسة سابقة فى الموضوع، عدا إشارات يسيرة متفرقة على الشبكة العنكبوتية.

حدود البحث:

عند سبرى للكتب التى وقع فيها النقص عند طباعتها، وجدت أنها لا تخرج عن الأنواع التالية:

  1. الكتب التى طُبعت ناقصة لفقد بعض أجزائها ـ حتى الآن ـ: كالمعجم الكبير للطبرانى.
  2. الكتب التى طُبعت ناقصة لتفاوت رواة الكتاب فى الزيادة والنقص: كزيادة حمزة الكنانى فى روايته على سائر الرواة لكتاب السنن الكبرى للنسائى.
  3. الكتب التى طُبعت ناقصة لكون مؤلفيها لم يكملوها، فأكملها غيرهم، وبعضها لم يكتمل: كالمنهل العذب المورود للسبكى.
  4. الكتب التى طُبعت ناقصة لفوات بعض مادة الكتاب على المؤلف، فاستدركها غيره : كتهذيب الكمال للمزى، فأكمله مغلطاى.
  5. الكتب التى طُبعت ناقصة لعدم استفراغ الوسع فى جمع نسخها الخطية، وهو موضوع البحث.

وقد اخترت كتابيْن ليكون تركيز البحث عليهما، وهما:

  1. كتاب " المفاريد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " للإمام أبى يعلى الموصلى (ت 307 هـ) الذى طُبع عام 1405هـ، وكان اختياره لكون النقص فى آخره.
  2. كتاب " الفردوس بمأثور الخطاب " للإمام أبى شجاع الديلمى (ت 509 هـ) الذى طُبع عام 1406 هـ، وكان اختياره لكون النقص فى عدة أماكن فى أثنائه.

 

 ۞۞۞

 

 التمهيد

 المطلب الأول: أهمية جمع النسخ الخطية فى التحقيق، وفوائده

تبرز أهمية جمع النسخ الخطية فى كونه من جوانب التحقيق الأساسية، و يعود تأصيل هذا المبدأ إلى علماء الحديث الذين حرصوا على مقابلة المكتوب بأصل السماع، ضمن منهجيتهم فى التحمل والأداء، وهذا لا يكون إلا بوجود أكثر من نسخة، فمن نصوصهم فى ذلك:

  1. ما رواه الرامهرمزى (ت 360هـ) بإسناده عن هشام بن عروة قال: " قال لى أبى: أكتبتَ ؟ قلت: نعم، قال: قابلت ؟ قلت: لا، قال: لم تَكْتُبْ يا بنى ". (المحدّث الفاصل ص 544)
  2. ما رواه ابن عبد البر (ت 463هـ) بإسناده عن الأوزاعى قال: " مَثَلُ الذى يكتب ولا يُعَارِضُ مَثَلُ الذى يدخل الخلاءَ ولا يستنجى ". ( جامع بيان العلم وفضله ص 158)
  3. ما ذكره القاضى عياض (ت 544 هـ) حين قال: " وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعيِّنةٌ لا بد منها، ولا يحل للمسلم التقى الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحقَّقَ ووثِقَ بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون ما ينظر فيه، فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتى يحقق ذلك ". (الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 159)

وأما عن فوائد جمع النسخ، فيمكن تلخيصها فى النقاط الآتية:

  1. المساعدة فى ترتيب النسخ لاتخاذ إحداها أصلًا حسب الضوابط المعروفة بتقديم التى بخط المؤلف، ثم التى قرئت عليه.. وهكذا.
  2. ضبط النص بحيث يخرج فى صورة أقرب إلى مراد المؤلف.
  3. اكتشاف السقط الذى يمكن أن يحصل فى النسخة من وَهَم النساخ أو خطئهم.
  4. حل الإشكالات التى تطرأ على النسخة من جراء الأرَضة، أو الرطوبة، أو عدم حفظها والعناية بها.
  5. الوقوف على التفاوت الذى قد يكون بين النسخ نتيجة تعاهد المؤلف له بالإضافة والمراجعة المستمرة.
  6. معرفة الرواة والمكان والزمان الذى حدَّث فيه المؤلف بكتابه أو أملاه على طلابه.

 

 ۞۞۞

 

المطلب الثانى:

نبذة مختصرة عن أبرز كتب الحديث المطبوعة التى وقع فيها النقص نتيجة عدم جمع النسخ الخطية

بعد أن نشطت حركة تحقيق التراث فى علم السنة النبوية وغيرها من العلوم من قِبَل العلماء، والباحثين، وطلاب الدراسات العليا، والمتكسبين منها، وفى ظل ازدهار الطباعة فى فترات زمنية مضت، طبعت مصادر عديدة وجدت من محققيها عناية فائقة بمنهجية التحقيق العلمى السليم، وبعضها لم تكن بهذه الصورة المشرقة، لأسباب مختلفة، منها عدم استفراغ الوسع بجمع نسخها الخطية، وتتبع وجودها فى كتب الفهارس أو قوائم المكتبات المشهورة، ومن أشهر هذه المصادر:

أولًا: مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ):

  1. حيث طُبِع الكتاب عدة طبعات أفضلها وأشهرها، طبعة مؤسسة الرسالة التى أشرف على إصدارها معالى الدكتور عبد الله التركى، وأشرف على الفريق العلمى الشيخ شعيب الأرناؤوط ـ رحمه الله ـ، وراجعها شيخاى الجليلان أحمد معبد عبدالكريم، ومحمود ميرة ـ حفظ الله الجميع ـ، واعتمد الفريق العلمى على (13) نسخة خطية متفاوتة فى الكمال والنقصان، وخرجت فى (50) جزءٍ بالفهارس، وعدد أحاديثها (27647) حديثًا.
  2. ثم جاءت طبعة جمعية المكنز الإسلامى بالقاهرة ـ جزى الله القائمين عليها والعاملين بها خيرًا ـ، وأشرف على تحقيقها وإخراجها شيخنا العلَّامة أحمد معبد عبدالكريم ـ حفظه الله ـ، لتكون أميز طبعاته فقد اعتمدوا فى تحقيقها على (40) نسخة خطية متفاوتة فى الكمال والنقص من ضمنها (16) نسخة نادرة يطبع عليها المسند لأول مرة، وأكملها على الإطلاق لاستدراكهم أحاديث سقطت من طبعة دار الرسالة، وطبعتها دار المنهاج فى (12) جزءٍ بالفهارس، وعدد أحاديثها (28295) حديثًا، وهذا السقط فى أماكن متفرقة كما جاء فى مقدمة الكتاب:
  • (110) أحاديث، وهى الأحاديث من (24396) إلى (24505)
  • (10) أحاديث من (11245) إلى (11254)
  • (10) أحاديث من (3038) إلى (3047)
  • أحاديث أخرى مفرقة فى ثنايا المسند، بعضها زائد عما فى الطبعات السابقة، وبعضها زائد فى موضعه وإن وُجِد مكررًا فى موضع آخر.

ثانيًا: كتاب البعث والنشور للإمام أحمد بن الحسين البيهقى (ت 458هـ):

  1. حيث طبع الكتاب بتحقيق عامر أحمد حيدر بمركز الخدمات والأبحاث الثقافية ببيروت عام 1406، معتمدًا فيه على نسخة شهيد على باستانبول برقم 1572، وهى من رواية محمد بن الفضل الفراوى عن مؤلفه، لكنها ناقصة النصف الأول، وذكر أن له نسختين خطيتين فى مكتبة أحمد الثالث باستانبول برقم 2665 و2666 (جزآن) ولكنه لم يستطع الحصول على مصورة منهما، وعدد نصوصه (609) نصًا.
  2. ثم أخرج المحقق عام 1414هـ كتاب " استدراكات البعث والنشور " عن دار الفكر ببيروت، وذكر أنه جمع واستخرج من كتاب المؤلف ذاته " الجامع لشعب الإيمان " النصوص المتعلقة بباب البعث والنشور، وعدد نصوصه (281) نصًا.
  3. وللكتاب طبعة ثانية حققها محمد السعيد بسيونى زغلول عام 1408هـ، فى مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، معتمدًا فيها على نسخة شهيد على المذكورة، وعدد نصوصها (668)، وهى كما ترى تزيد على نسخة عامر حيدر بـ (59) نصًا.
  4. وللكتاب طبعة ثالثة حققها أبو عاصم الشوامى عام 1436هـ، فى مكتبة دار الحجاز بالرياض، وذكر أنها الطبعة الكاملة للكتاب، لأنه اعتمد فى إخراجها على خمس نسخ خطية، وقد ذكر المحقق فى المقدمة قصة إخراجه للكتاب، ففى بدايتها قام بتصوير نسخة مكتبة شهيد على الناقصة التى اعتمد عليها محققا الطبعتيْن المتقدمتيْن، ثم كان لجمعية المكنز فضلٌ عليه فى تزويده بنسخة خطية أخرى للكتاب محفوظةٍ فى مكتبتها ويظهر أنها التى أصلها فى مكتبة تشستر بيتى بإيرلندا، وهى أول نسخة كاملة يقف عليها لكنها كانت مختصرة الأسانيد ورجح المحقق أن الذى اختصرأسانيدها الإمام الذهبى، فسمحت له بتصويرها، كما كان لشيخنا الفاضل العلامة أحمد معبد عبدالكريم ـ حفظه الله ـ فضلٌ عليه أيضًا، فهو الذى حثه على إكمال تحقيق الكتاب، كما أرشده إلى النسخة المحفوظة بالمكتبة المحمودية، ولها صورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وهذه النسخة هى التى اتخذها المحقق أصلًا، والتى بدأ العمل عليها، ثم عثر بعد ذلك على نسختى مكتبة أحمد الثالث باستانبول، ومكتبة سان بطرس بورج بروسيا، وجميع هذه النسخ الثلاث الأخيرة مسندة وكاملة، والسقط التى فى كل واحدة منها كان يسيرًا لا يتجاوز مقدار لوحة أو أكثر، لكنها تكاملت مع بعضها، فخرج الكتاب كاملًا، وعدد نصوصه (1192) نصًا، وآخره حديث الصور الطويل الذى انتهى فى ص 754، وهو نهاية الكتاب فعلًا كما فى طبعتى حيدر وبسيونى.

لكنى لاحظت أنه فاته أن يثبت خاتمة ناسخ الكتاب وفيها تاريخ الانتهاء من النسخ، وهى مثبتة فى نسخة شهيد على الناقصة، كما فى صورتها التى ألحقها بسيونى زغلول ص 49 وما بعدها، ونصها:

"تم الكتاب بحمد الله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، تم نسخًا على يد أضعف عباد الله وأفقرهم إلى عفوه، وستره وغفرانه، ولطفه وامتنانه، المعترفُ بذنبه، المتنصِّلُ من خطيئته إن شاء الله تعالى: أحمدُ بن على بن المجاهد إسرائيل الأنصارى، جعله الله خالصًا لوجهه الكريم، هاديًا إلى صراطه المستقيم، وغفر له ولوالديه وللمسلمين والمؤمنات، إنه مجيب الدعوات، وأن يتوفانا على الكتاب والسنة النبوية، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ووافق الفراغ منه يوم الحد خامس شهر صفر من سنة اثنين وخمسين وسبعمائة"

وكان على المحقق أن يثبتها حتى لا يُتوهم عدم اكتمال الكتاب، خاصة وأنه ذكر ص 20 أنه اعتمد على هذه النسخة فى التحقيق ـ مع كونها ناقصة ـ ورمز لها بالرمز (ع).

ثالثًا: كتاب المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقى:

حيث طبع الكتاب بهذا العنوان، بتحقيق الدكتور محمد ضياء الأعظمى، بدار الخلفاء بالكويت بدون تاريخ، لكن يظهر أنه فى عام 1404هـ كما أرَّخ له المحقق فى مقدمة التحقيق، معتمدًا فيه على نسخة مكتبة الجمعية الآسيوية بكلكتا ـ الهند، وعدد لوحاتها (57) لوحة، وهى نسخة ناقصة من أولها حيث قال المحقق ص75: " يبدو من مطالعة نسخة المدخل الناقصة أن الجزء الأول من الكتاب مفقود، ويؤكد ذلك وجود كثير من النصوص المبعثرة فى كتب مصطلح الحديث، وهى غير موجودة فى الجزء الذى بين أيدينا.. "، وعدد نصوص هذه الطبعة (862) نصًا.

وقد وقف شيخنا الفاضل محمد عوامة ـ حفظه الله ـ على نسخة خطية تامة له فى مكتبة آل البساطى بالمدينة المنورة، فوصفها بأن بلدها الأول نيسابور، ثم انتقلت إلى دمشق، ثم استقرت فى المدينة المنورة، وعدد لوحاتها (159) لوحة، ومالكها الإمام أبو القاسم ابن عساكر (ت571هـ) صاحب " تاريخ دمشق "، ثم قام بتحقيقها على النسختين المذكورتين، وطباعتها فى جزأين بدار المنهاج بجدة ـ السعودية، عام 1437هـ، وعدد نصوصها (1941) نصًا، ومن إضافاته ما ذكره من أن عنوان الكتاب الصحيح " المدخل إلى علم السنن " كما هو مدون فى غلاف المخطوط، وأن نسخة كلكتا أصلها بدمشق، وأنها لا تمثل إلا ثلث الكتاب فقط.

رابعًا: كتاب " ذم الملاهى " لابن أبى الدنيا، عبد الله بن محمد بن عُبيْد (ت281هـ):

حيث طُبع الكتاب بتحقيق عمرو عبدالمنعم سليم بمكتبة ابن تيمية بالقاهرة عام 1416هـ، واعتمد فيها على النسخة المسندة وأصلها بالمكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم (59)، وذكر فى ص13 أن فيها سقطًا من الوسط، وأن السقط ليس بالكبير، وأنه استطاع أن يقف على بعض الأخبار الساقطة من الكتب التى اهتمت بتخريج أخبار هذا الباب، ويقصد بذلك المستدرك الذى ذكره ص120، وفيه أربعة نصوص، اثنان من " شعب الإيمان "، والثالث من " السنن الكبرى " وكلاهما للبيهقى، والرابع من " إغاثة اللهفان " لابن القيم، وعدد نصوص الكتاب بدون المستدرك (177) نصًا.

والكتاب له نسخة خطية أخرى أصلها فى مكتبة " لا له لى " بتركيا ضمن مجموع برقم (3664)، وهى كاملة وفيها نصوص الورقة الساقطة من نسخة الظاهرية، وكان لى شرف إخراج هذه النصوص لأول مرة، فى مقالى المنشور بجريدة المدينة فى عددها (15288) بتاريخ 18/1/1419هـ، ثم درستها دراسة علمية فى بحثى " استدراك الساقط من كتاب " ذم الملاهى " لابن أبى الدنيا المطبوع ـ النسخة المسندة ـ " ونشرته فى مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد (159) عام 1433هـ، ثم طبعته ضمن كتابى " بحوث حديثية فى علوم الحديث ورجاله " بدار الإمام البخارى بالقاهرة عام 2016م، وبينت فيه الفوارق بين النسختين، وبينت كذلك وجود نصوص متفرقة ساقطة من النسخة الأخرى إضافة إلى نصوص الورقة المذكورة كما يلى:

  1. نصوص الورقة الساقطة، وعددها (15) نصًا.
  2. وجود (4) نصوص من مواضع متفرقة ساقطة من نسخة الظاهرية، وقد ألحقتها بالبحث.
  3. وجود النصين (65) و (152) فى المطبوع (نسخة الظاهرية)، وليسا فى النسخة التركية.
  4. ذُكر النص (31) مكررًا برقم (34) فى المطبوع (نسخة الظاهرية)، ولم يتكرر فى النسخة التركية.

ويجدر بالذكر أن هذه الورقة الساقطة من كتاب " ذم الملاهى " كانت السبب الرئيس فى الثروة الحديثية للشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ، وقد أوردت قصتها معه مختصرة ضمن البحث المذكور.

 

۞۞۞

 

الفصل الأول: كتاب المفاريد لأبى يعلى

المبحث الأول: تعريف مختصر بالإمام أبى يعلى وبكتابه

  • اسمه ونسبه:

فهو الإمام أحمد بن على بن المثنى التميمى الموصلى المولود سنة (210هـ)، والمتوفَّى سنة (307هـ)، فهو ممن عاش فى القرن الثالث الهجرى، وهو العصر الذهبى لتدوين السنة النبوية، فقد عاصر أصحاب الكتب الستة، وشاركهم فى الرواية عن شيوخهم مثل محمد بن بشار العبدى (بُندار)، وألَّف جزءًا فى حديثه ـ كما سيأتى ـ، وسمع منه من أصحابها الإمام النسائى، ومع أنه روى فى مسنده المطبوع (7555) رواية، إلا أنه لم يرو عنهم ولا رواية واحدة مما زاد من طرق الأحاديث التى شاركهم فى إخراجها مستخرجًا عليهم، فالتقى معهم فى شيوخهم أو فى شيوخ أعلى، كما أخرج الروايات التى انفرد بها وزادها عليهم فبلغت (2030) رواية، ـ كما فى المقصد العلى للهيثمى ـ، والباقى مما شاركهم فى روايتها،، وهذا يكفى فى الدلالة على مكانته العلمية.

  • شيوخه وتلاميذه:

تتلمذ الإمام أبى يعلى على شيوخ عديدين كما أشار إلى ذلك من ترجم له من المتقدمين والمتأخرين، وقد ذكر معظمهم فى كتابه " المعجم "، وعددهم " 274 " شيخًا، لكننى سأتوقف فى هذا المبحث لمناقشة حقيقة روايته عن الإمام أحمد بن حنبل وكونه من شيوخه، حيث قال الحافظ ابن كثير فى البداية والنهاية (14/812): " سمع الإمام أحمد وطبقته "، وتبعه الأستاذ / عبد الله الجديع محقق كتاب " المفاريد " فذكره فى شيوخه.

إلا أن بعض الباحثين شكك فى سماعه منه، وتلمذته عليه، فقال الأستاذ / إرشاد الحق الأثرى فى مقدمة تحقيقه لكتابه " المعجم " ص9 ـ بعد أن نقل كلام الحافظ ابن كثير ـ: " لكن لم أجد اسم الإمام أحمد فى شيوخه الذين ذكرهم هو فى المعجم، وكذلك لم يذكره الحافظ الذهبى وغيره فى شيوخه، وغالب ظنى أن أحمد بن حنبل مصحَّفٌ من أحمد بن جميل المروزى الذى هو أحد شيوخه المعروفين "، ثم تعجب من رواية أبى يعلى عن شيوخ بغداديين، ولم يرو عن سيدهم الإمام أحمد.

وأبعد الدكتور محمد الجمعان النجعة حيث قال فى بحثه " استدراك الساقط من كتاب المفاريد " ص73 وما بعدها: " ويظهر لى ـ والله أعلم ـ أنه لم يسمع من الإمام أحمد، ولو سمع من إمام المحدثين لروى عنه، فهذه كتبه ليس فيها حديث واحد عنه "، ثم ذكر أن ابن كثير حصل له سبق قلم فكتب عبارته السابقة، وأن القول بأنه تصحَّف من أحمد بن جميل غير صحيح لأنه لم يوصف بـ " الإمام "، وأن سبب عدم سماعه من أحمد بن حنبل لكونه امتنع من التحديث وقت وقوع المحنة، حتى خرج أبو يعلى من بغداد لإكمال رحلته ".

وما ذكراه لا يُسَلَّم به لسببين:

  1. أن كلام الحافظ ابن كثير واضح وصريح فى سماعه منه، وابن كثير ممن كان يحفظ " مسند الإمام أحمد " عن ظهر قلب، فهو حجة فيه أكثر منهما.
  2. لجأت إلى البرنامج الحاسوبى " جامع الملك عبد الله للسنة النبوية " للوقوف على شيوخ أبى يعلى فى مسنده ممن اسمه أحمد، فوجدته ذكر أن من شيوخه الإمام أحمد بن حنبل، وأنه روى (3) روايات عن أحمد مهملًا، وأرقامها (3208)، و (3228)، و (3241)، وقمت بتخريجها من مسند الإمام أحمد، فوجدت تطابق إسنادى ومتنى حديثين من الثلاثة بين المسنديْن، فالحديث الأول رواه الإمام أحمد فى مسنده برقمى (12999) و (14087)، والحديث الثالث رواه كذلك برقم (14150) مما يدل على أن أبا يعلى روى هذه الأحاديث عن شيخه الإمام أحمد بن حنبل، فثبت سماعه وتحديثه عنه، وبالتالى ثبتت تلمذته عليه.

وأما تلاميذه: فقد ذكرت المصادر التى ترجمت له رواة عديدين سمعوا منه وتتلمذوا عليه، من أجَلِّهم الإمام النسائى، حيث ذكر الذهبى فى سير أعلام النبلاء (14/177) أن النسائى روى عنه فى الكنى ونسبه إلى جدّه فقال: " حدثنا أحمد بن المثنى ".

قلت: بل روايته عنه فى السنن الكبرى ـ طبعة دار التأصيل ـ (4/297) برقم (2209) قال فيه: أخبرنا أحمد بن على بن المثنى، قال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، قال: حدثنا حفص، عن طلق بن معاوية، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة قال: أتت امرأة بصبى لها، فقالت: يانبى الله، ادع الله، ادع الله، فلقد دفنت ثلاثةً، فقال: " دفنتِ ؟ "، قالت: نعم، فقال: " لقد احتظرتِ بحظارٍ شديدٍ من النار ".

وجاء فى حاشية السنن الكبرى: هذا الحديث لم يرِدْ فى جميع النسخ الخطية، وطبعة الرسالة، والمجتبى، وأثبته محققو طبعة التأصيل عن نسخة مكتبة ولى الدين جار الله.

والحديث موجود فى مسند أبى يعلى برقم (6091) عن أبى بكر بن أبى شيبة به، بمثله.

  • مؤلفاته:

ألَّف الإمام أبو يعلى مؤلفات قليلة العدد، لكنها عظيمة القيمة والنفع، وفى مقدمتها كتابه " المسند "، وقد ذكر محقق كتاب " المفاريد " أربعة مؤلفات منها، وزاد عليه الدكتور الجمعان مؤلفيْن، لأنه اعتبر كلَّ رواية من روايتى " المسند " كتابًا مستقلًا، وأضاف إليها كتاب " الفوائد "، وهذا تعريف مختصر بها مع تعليقات على بعضها:

أولًا: " المسند " برواية أبى بكر محمد بن إبراهيم المقرئ، عنه: وهو المسند الكبير أو الرواية المطوَّلة له، والذى وصفه إسماعيل التيمى بقوله: " قرأت المسانيد كمسند العدنى ومسند أحمد بن منيع، وهى كالأنهار، ومسند أبى يعلى كالبحر يكون مجتمع الأنهار "، قال الذهبى فى السير (14/180): " قلت: صدق، ولا سيما مسنده الذى عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه، فإنه كبير جدًا ".

وكثيرون يظنون فقدان أحاديث الكتاب، ومنهم الجديع الذى ذكر ما يفيد عدم وصولها إلينا، فقال ص12: " وإنما وقع لنا رواية ابن حمدان المختصرة هذه.. ".

وكان الجمعان أكثرَ تصريحًا منه، حيث قال ص76: " ولم يصلنا ".

والحق أنه وصلتنا من أحاديث هذه الرواية المطولة ما يلى:

  1. زوائدها على الكتب الستة فى مسند العشرة المبشرين بالجنة موجودة فى كتاب " المقصد العلى فى زوائد أبى يعلى الموصلى " للإمام الهيثمى (ت807هـ)، حيث قال فى مقدمته (1/31): ".. وما كان فيه من حديث فى أوله (كـ) فهو من المسند الكبير لأبى يعلى أيضًا، وما نظرت منه سوى مسند العشرة "، وقد أحصيتها فبلغت (48) حديثًا.
  2. زوائدها على الرواية المختصرة برواية ابن حمدان، وعلى الكتب الستة، وعلى مسند أحمد، فهى التى أودعها الحافظ ابن حجر فى كتابه " المطالب العالية " حيث وقعت له الرواية المطولة بكاملها، وعددها فى المطالب (1580) حديثًا، فهو أكبر المسانيد من حيث الحجم وعدد الزوائد، وقد ذكر محقق المطالب ملحوظات متنوعة ومهمة على هذه الزوائد. (انظر مقدمة كتاب المطالب العالية المطبوع 1/209 وما بعدها)

ثانيًا: " المسند " برواية أبى عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيرى، عنه: وهو المسند الصغير أو الرواية المختصرة له، وهى المتداولة والمطبوعة عدة طبعات، وأشهرها التى بتحقيق حسين سليم أسد.

ثالثًا: " المعجم ": وهو معجم شيوخه، وقد تقدم الكلام على عددهم، وهو متداول ومطبوع بتحقيق إرشاد الحق الأثرى، وبتحقيق حسين سليم أسد.

رابعًا: " المفاريد " وسيأتى الكلام عليه.

خامسًا: " جزء فيه حديث محمد بن بشار (بُندار) عن شيوخه "، وهو مطبوع بدار البشائر عام 1433هـ، بتحقيق عبده على كوشك، ضمن سلسلة " لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام "، المجموعة (14)، الجزء الأول، ورقمه (165)، وكُتب على غلافه: " يُنشر أول مرة عن نسخة خطية نفيسة " وأصلها بالمكتبة الظاهرية، وهذا الكلام فيه نظر، لأنه قد نُشِر كاملًا قبل ذلك على النسخة الخطية المذكورة فى مجلة الأحمدية بدار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبى، العدد (18) رمضان 1425هـ، بتحقيق الدكتور/ عبدالرحيم بن يحيى الحمود، لكن عبده كوشك كان قد أودع أحاديث هذا الجزء مجردة من الأسانيد ضمن كتابه " المقصد الأعلى فى تقريب أحاديث الحافظ أبى يعلى "، وكتب على الغلاف: " موسوعة أحاديثَ الحافظ أبى يعلى الموصلى مرتبةٍ على أبواب الفقه: المسند ـ المعجم ـ المفاريد ـ جزء محمد بن بشار "، وجرَّد أسانيد أحاديث الكتب الأخرى كذلك، وحذف المكررات، فبعد أن كان عددُ الأحاديث (8060) حديثًا، أصبح (5142) حديثًا، كما نص على ذلك فى (1/16)، والكتاب مطبوع بدار ابن حزم عام 1422هـ، فالأسبقية له بهذه الكيفية المحددة.

وقد وقفت على كتابيْن لم أجد من ذكرهما ممن ترجم له، وهما:

سادسًا: " مسند المغاربة ": ذكره ابن حجر فى المعجم المفهرس ص149، برقم (547)، ونسبه إلى أبى يعلى الموصلى، وقال: " فى ثلاثة أجزاء "، وساق إسناده إلى أبى القاسم نصر بن محمد المَرْجى، أنبأنا أبو يعلى الموصلى، به ".

كما ذكره الرودانى فى " صلة الخلف " ص365، وساق إسناده إليه كذلك.

سابعًا: " الحديث والحكايات ": ذكره ابن الحطاب الرازى، محمد بن أحمد (ت525هـ) ص167، ضمن مسموعاته من شيخه على بن عبد الله القاضى (ت445هـ)، وذكر أنه سمع جزءًا من الكتاب، من رواية المَرْجى المتقدم ذكره، عن أبى يعلى.

كما وقفت على كتابين يظهر أنهما ليسا من تأليفه، وهما:

أولًا: " الفوائد " ذكره الجمعان ص77، وقال: " ذكره أبو زكريا الأزدى ، ولعل أبا يعلى عناه بقوله فى مسنده " وذُكر الحديث فى الفوائد "، وفى المقصد العلى ومجمع الزوائد: النوادر.

ومعظم من ترجم له لم يذكروا هذا الكتاب فى مؤلفاته، والذى أخشاه أن يكون قد التبس بكتاب " الفوائد " لأبى يعلى الخليلى صاحب كتاب " الإرشاد " (ت 446هـ)، وقد وصلنا منه جزءان، حققهما الدكتور/ محمد إسحاق محمد إبراهيم، ونُشرا فى مجلة الأحمدية المتقدم ذكرها، فى العددين: الثالث: محرم 1420هـ، والرابع: جمادى الأولى من السنة ذاتها.

ثانيًا: " التفسير ": وذكره منتشر فى موقع ملتقى أهل الحديث على الشبكة العنكبوتية، ضمن مصادر تفسير أبى الشيخ، وأسباب النزل للواحدى، ولم يذكره أحد ممن ترجم له، ولم أقف له على أثر فى المصادر الأصيلة والبديلة، وغالب الظن أنه اشتبه بكتاب " أحكام القرآن " لأبى يعلى محمد بن الحسين الفراء (ت458هـ) والله أعلم.

 

۞۞۞

 

المبحث الثانى:

تعريف بالجزء الناقص من الكتاب المطبوع

كتاب " المفاريد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ": طُبِع قديمًا عام 1405هـ، بمكتبة دار الأقصى بالكويت، بتحقيق عبد الله بن يوسف الجديع، وقد ذكر فى المقدمة ص16 أن له أصليْن خطييْن محفوظيْن فى المكتبة الظاهرية بدمشق، ولم يوفق فى الحصول إلا على إحداهما، برقم (مجموع: 97)، وهى التى اعتمدها فى التحقيق، ثم قال: " ولعل الله ييسر الأخرى فأستدرك ما فات، وأصلح ما لم يمكننى إصلاحه فى طبعتنا هذه فى طبعة لاحقة للكتاب إن شاء الله "، ثم وصف النسخة بأنها فى ثلاثة أجزاء حديثية، وأن فيها بترًا من آخر الجزء لثالث وهو آخر الكتاب، قدَّره بورقة أو نحوها.. ".

وكنت قد اهتممت بالكتاب منذ زمن، فبحثت عن النسخة الخطية الأخرى حتى وجدت صورة منها محفوظة بمكتبة الجامعة الإسلامية العامرة بالمدينة المنورة برقم (2575)، وبعد تصويرها وتأملها وجدتها كاملة، وتضمنت الجزء الساقط من المطبوع الذى يتكون مما يلى :

  1. تتمة الحديث الأول، والحديث الثانى من مسند " عتبة بن غزوان " رضى الله عنه.
  2. مسند " سهيل بن بيضاء " رضى الله عنه، وفيه حديثان.
  3. مسند " فلان " وفيه حديث واحد.
  4. مسند " عائذ بن عمرو " رضى الله عنه، وفيه حديثان، وهو آخر الكتاب.

فنسخته، وأخرجت نصوصه فى مقال بملحق التراث بصحيفة المدينة، عدد يوم الخميس 26/6/1417هـ، بعنوان " النصوص الناقصة من كتاب المفاريد المطبوع لأبى يعلى الموصلى "، والمقال موجود على الشبكة العنكبوتية، ورُفِع فى قسم الأجزاء الحديثية المرقمة آليًا بالمكتبة الشاملة المربوطة بالمصورات فى إصدارها الأخير " المميزة " التى مساحتها (367) قيقا بايت، وذُكر فى التعريف به بأنه تم استيراده من نسخة: شاملة المكتبة الحميدية ؟؟.

ثم صرفتنى عنه الصوارف فاقترحته على الدكتور/ محمد الجمعان ليعمل فيه، وبحثت عن عمله حتى وجدته منشورًا فى مجلة جامعة طيبة للآداب العدد (8) عام 1437هـ، ووجدته اكتفى بقسم الدراسة، وتحقيق النصوص الساقطة، وتخريجها، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها، لكنه لم يقابل الجزء المطبوع سابقًا بالنسخة الخطية الكاملة، لبيان أبرز الفروق بينها، كما لم يحقق السماعات التى فى آخر المخطوط وتقع فى لوحتين كاملتين تقريبًا.

 

۞۞۞

 

المبحث الثالث:

أبرز الفوائد التى نتجت عن الاعتماد على نسخة خطية أخرى للكتاب

ظهرت لى فوائد وملحوظات عند مقابلة النسخة الخطية الثانية (الكاملة)، بالكتاب المطبوع الذى اعتُمِد فى إخراجه على النسخة الخطية الأولى (الناقصة)، وفيما يلى أبرزها:

أولًا: بيان الروايات والسماعات التى تبين عناية الأئمة بالكتاب فحرصوا على سماعه وروايته لمن بعدهم، ففى غلاف النسخة الثانية، وبعد البسملة فى بداية المخطوط جاء ذكر طبقات أخرى لرواة الكتاب زائدة عما فى المطبوع،وذُكرت سماعات بمقدار (9) أسطر على الغلاف، إضافة للسماعات التى فى آخر الكتاب، وقد تقدم ذكرها.

ثانيًا: بيان مضمون البياضات التى جاءت فى المطبوع: مثل الحاشية رقم (1) وجاء فيها: " بياض فى الأصل بقدر كلمة "، وقد وضحتها النسخة الخطية الثانية وأنها جملة " الثلاثاء سلخ شعبان ".

ثالثًا: بيان الإضافات التى اجتهد فيها المحقق والصحيح عدمها: مثل الحاشية رقم (2) حيث أضاف عنوان اسم الصحابى صاحب المسند الأول فى الكتاب، وأنه " معاذ بن أنس الجهنى "، وقال فى الحاشية: " زيادة منى ليست فى الأصل، وزدتها جريًا على طريقة المصنِّف فى هذا المصنَّف "، وليست هذه الزيادة فى النسخة الخطية الثانية، مما يدل أن المصنِّف لم يقصد اعتباره من أصحاب المسانيد المفاريد موضوع الكتاب، ولذلك روى له (13) حديثًا.

رابعًا: صحح المحقق النص من خارج المخطوط كمسند أبى يعلى، وذلك فى مواضع عديدة، وهو فى النسخة الثانية على الصواب: مثل الحاشية رقم (3) حيث قال المحقق: " كذا فى الأصل، وفى مسند المصنِّف: عبدالملك، وهو الصواب والله أعلم "، وما فى النسخة الثانية: عبدالملك.

خامسًا: التأكد من صحة مافى الأصل عند تعارضها مع ما هو خارج المخطوط، وذلك بتأييد النسخة الثانية مع ما فى الأصل: مثل الحاشية رقم (19) تعليقًا على كلمة " أخوالى " التى فى المطبوع، فقال المحقق: " كذا فى الأصل، وفى مسند المصنِّف: " أخوال بنى سعد "، وما فى النسخة الثانية " أخوالى "، فتبيَّن أن ما فى المسند خطأ.

سادسًا: التأكد من التصحيحات التى وضعها المحقق بين معكوفتين، وجاءت فى النسخة الثانية على الصواب: مثل الحاشية رقم (39) حيث جاء النص فى الأصل: " حدثنا أبو يعلى، حدثنا عبد الله بن بدل "، فأضاف المحقق كلمة [ ابن ] بعد كلمة " حدثنا "، وقال فى الحاشية: " سقطت من الأصل "، وهى موجودة فى النسخة الثانية.

سابعًا: دفع التردد الذى قد يحصل للمحقق فى زيادة كلمة يقتضيها السياق: مثل الحاشية (48)، إذ جاء فى المتن " فيرفع فلا يجد "، وقال فى الحاشية: " فى مسند المصنف: فيرفع القعب "، ولم يضع كلمة " القعب " فى المتن بين معكوفتين لتردده فى إثباتها، وما فى النسخة الثانية بإثباتها.

ثامنًا: كتابة الآيات القرآنية صحيحة وموافقة لما فى المصحف، ففى ص49 موضعان، ولم يعلق عليهما المحقق فى الحاشية: الأولى: فى آية {.. وَالْفِتْنَةُ [ أكبر ] مِنَ الْقَتْلِ..}[البقرة: من آية 191] وفى النسخة الثانية " أشد " كما فى المصحف، فى حين أنها فى مسند المصنِّف " أكبر " والثانية: فى آية { الَّذِينَ آمَنُواْ وهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَة اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[البقرة:218]، هكذا جاءت فى المتن، وفيها نقص كلمتين " إن " و " الذين "، وتحريف كلمة " رحمت "، وجاءت فى النسخة الثانية صحيحة وموافقة لما فى المصحف هكذا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[البقرة:218].

تاسعًا: توضيح الطمس الذى حصل فى الأصل: مثل الحاشية رقم (84) حيث جاء فيها: " لفظة " أقيمت " من مسند المصنِّف، وهى مطموسة فى الأصل "، وما فى النسخة الثانية " فأقيمت "، وهو الصواب.

عاشرًا: بيان تصحيح الخطأ الذى وقع فيه المؤلف أو النساخ فى أكثر من نسخة أوكتاب له، وحصل التراجع عنه بعد ذلك: مثل الحاشية (154) عند التعليق على كلمة " ههنا " فى جملة " ما لنا ههنا غيره "، فقال المحقق: " هكذا وقع ههنا و عند المصنف فى المسند، ومعناها مستقيم، وعند أحمد فى المسند: " مَاهِن " بدل: " ههنا "، والمَاهِن: الخادم ". وفى النسخة الخطية الثانية: وضعت علامة (صـ) على كلمة " ههنا "، وجاءت كلمة " ماهِن " فى الحاشية على جانب الورقة دلالة على تصحيح الكلمة، والتراجع عن الخطأ.

وغير ذلك من الملحوظات التى يطول الكلام باستقصائها، وفيها الدليل على أهمية طباعة الكتاب مرة أخرى على النسختين الخطيتيْن، حتى يخرج على وجه قريب مما أراده له مؤلفه، والله أعلم.

 

۞۞۞

 

 الفصل الثانى: كتاب الفردوس للديلمي

المبحث الأول: تعريف مختصر بالإمام الديلمى وبكتابه

  • اسمه ونسبه:

هو الحافظ شيرويه بن شهردار بن فنَّاخُسرو بن خُسرَكان بن رينويه، أبو شجاع الديلمى، وينتهى نسبه إلى فيروز الديلمى رضى الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطبقات الكبرى للسبكى 7/111)، وقد ترجم ابن حجر لفيروز فى التقريب (5444) وقال: ".. اليمانى، صحابى له أحاديث، وهو الذى قتل الأسود الذى ادَّعى النبوة ".

ولد الحافظ الديلمى سنة (445هـ)، وتوفَّى سنة (509هـ)، وصفه المناوى فى فيض القدير (1/37) بالإمام، وعماد الإسلام، مؤلف كتاب " فردوس الأخبار " وبه اشتهر، وكان له ولكتابه فضل على ولده شهردار، أبو منصور الديلمى (ت558هـ)، الذى أسند أحاديث كتاب والده لأنها كانت مجردة من الأسانيد، فى كتاب سماه " مسند الفردوس "، وكان هذا البرُّ منه بأبيه سببًا فى شهرته وشهرة كتابه كذلك، ولا أعلم من فعل ذلك من العلماء المتقدمين سوى أبى محمد يوسف بن الحسن السيرافى (ت385هـ)، الذى أكمل كتاب أبيه فى النحو " الإقناع " بعد وفاته "، وهو كتاب جليل نافع فى بابه، كما وصفه بذلك القفطى فى إنباه الرواة (4/67)

وأما كتابه " الفردوس "، فقد ذكر فى مقدمته أنه لما رأى أهل بلده قد أعرضوا عن الحديث وأسانيده، وجهلوا معرفة الصحيح والسقيم، ألَّفه ليرغِّبهم فيه، وأودع فيه عشرة آلاف حديث وكثيرًا من الأحاديث القصار، من الصحاح والغرائب والفراد والصحف المروية، وخرَّجها على كتاب " شهاب الأخبار " للقضاعى، وبوَّبها على حروف المعجم، وجرَّدها من الأسانيد، لكن ذكر الإمام ابن الصلاح أنه جمع فيه بين الصحيح والسقيم، وبالغ فى الانحلال إلى أن أخرج أشياء من الموضوع، وذكر الحافظ ابن حجر أنه جمع فيه اثنى عشر ألف حديث.

وجاء ابنه أبو منصور فأسند أحاديث الكتاب، وزاد عليه إلى أن بلغت سبعة عشر ألف حديث، فى كتابه " مسند الفردوس "، وألف ابن حجر عليه كتابين: الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس، وتسديد القوس، وكلاهما مطبوعان. (انظر مقدمة الغرائب الملتقطة 1/101 وما بعدها).

 

  • شيوخه وتلاميذه:

وله شيوخ كثيرون، ذكر الدكتور العربى الدايز منهم (54) شيخًا، من أشهرهم: أحمد بن محمد ابن النقور مسند العراق (ت470هـ)، والحسن بن أحمد ابن البناء (ت471هـ)، وعبدالوهاب بن محمد ابن منده (ت475هـ)، ومحمد بن طاهر المقدسى، ابن القيسرانى (ت507هـ).

وأما تلاميذه، فقد ذكر الذهبى سبعة منهم، ثم قال: " وآخرون " (تذكرة الحفاظ 4/1259)، وذكر الدكتور الدايز منهم (15) تلميذًا، من أشهرهم: ابنه شهردار أبو منصور، وأبو موسى المدينى (ت581هـ)، ومحمد بن محمد أبو الفتوح الطائى (ت555هـ) وروى عنه فى كتاب الأربعين. (انظر الغرائب الملتقطة لابن حجر ـ رسالة الدكتوراه ـ تحقيق العربى الدايز ص20 وما بعدها).

  • مؤلفاته:

ترك الإمام الديلمى عدة مؤلفات، وأشمل من ذكرها محققو كتاب " الغرائب الملتقطة " لابن حجر (1/44 وما بعدها) فقد ذكروا له عشرة كتب، وأين توجد، أو من ذكرها له، وهى: (التبيان فى فضائل القرآن، جزء فيه احاديث أبى عمران موسى بن سعيد الفراء مما رواه أبو بكر بن لال وحديث على بن محمد بن عامر رواية أبى بكر بن لال وحديث أبى القاسم عبدالرحمن بن عمر بن إبراهيم المؤدب، جزء فى حديثه عن أبى الحسين النقور، فردوس الأخبار، تاريخ همذان، حكايات المنامات، رياض الأُنْس لعقلاء الإنس، نزهة الأحداق فى مكارم الأخلاق،المنتقى من كتاب المقامات، طبقات رواة الآثار).

 

۞۞۞

 

المبحث الثانى:

تعريف بالجزء الناقص من الكتاب المطبوع بتحقيق بسيونى زغلول

وقفت لكتاب " الفردوس " على ثلاث طبعات:

  • الطبعة الأولى: بدار الكتب العلمية ببيروت، عام 1406هـ، فى ستة أجزاء مع الفهارس، بتحقيق محمد بسيونى زغلول.

وقد وضع فى المقدمة صفحة (ق) عنوانًا " الأصل الخطى للفردوس "، ثم قال: " وبعد، فإننا نقدِّم إليك هذه الطبعة عن الأصل الخطى المحفوظ فى معهد المخطوطات بالقاهرة، رقم (348 حديث).. "

وكان قد ذكر فى صفحة (ف) أنه توجد نسخة من " زهر الفردوس " لابن حجر بمعهد المخطوطات مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية، رقم (20489 – ب).

وعدد أحاديث هذه الطبعة: (9056) نصًا، وآخرها حديث أبى هريرة مرفوعًا: " اليمين على نية المستخلف ".

  • الطبعة الثانية: بدار الكتاب العربى ببيروت، عام 1407هـ ، فى خمسة أجزاء، بتحقيق: فواز الزمرلى، ومحمد البغدادى، ومعه: " تسديد القوس " لابن حجر، و " مسند الفردوس " للديلمى الابن.

وقد ذكرا فى المقدمة (1/23 وما بعدها) أنهما اعتمدا على ثلاث مخطوطات:

الأولى: مخطوطة " الفردوس " للديلمى الأب، نسخة المكتبة الأزهرية برقم (362)، وتقع فى (366) ورقة، وكتب على غلافه: " هذا كتاب مسند الفردوس يشتمل على عشرة آلاف حديث.. " ونُسِبَ إلى الديلمى الإبن !!، ورجحا أنه كتاب الأب لكون الأحاديث مجردة من الأسانيد.

الثانية: مخطوطة " تسديد القوس " لابن حجر، الجزء الأول، نسخة دار الكتب المصرية، (ولم يذكرا له رقمًا)، ويقع فى (262) ورقة.

الثالثة: مخطوطة " مسند الفردوس " للديلمى الابن، وقالا: " كان اعتمادنا على نسختى هذا الكتاب فقط، فى تخريج الأحاديث، أو أسانيد ابنه فيها، أو عزوه لمخرجيها ".

والنسختان هما: 1- نسخة مكتبة جار الله، الجزء الثانى، برقم (415)، وتقع فى (195) ورقة. 2ـ نسخة مكتبة لا له لى، الجزء الثالث، برقم (648) وتقع فى (243) ورقة.

وعدد أحاديث هذه الطبعة: (8562) حديثًا، وآخرها حديث أبى هريرة المتقدم.

  • الطبعة الثالثة: بدار الفكر العربى ببيروت، عام 1418هـ، فى جزأيْن، باعتناء مركز البحوث والدراسات، وكُتِب على الغلاف " مقابلة على عدة مخطوطات ".

ويظهر أنها طبعة مكررة ومختصرة الحواشى للطبعة الثانية المتقدمة، فلم يُذكر فى وصف النسخ الخطية ص19 إلا نسخة المكتبة الأزهرية (362)، ومخطوطة " تسديد القوس " برقم (262) لكن ذُكر أنها من المكتبة الأزهرية.

وعند مقارنة الطبعات الثلاثة كما ترى، يتبين أن أجودها الطبعة الثانية، مع أن الطبعة الأولى أكثرها تداولًا، وذلك لأنها هى المرفوعة على برنامج المكتبة الشاملة، فى جميع إصداراتها وآخرها " الشاملة المميزة " ومساحتها (367 قيقا بايت).

النقص الموجود بالكتاب:

وقفت على النقص الذى فى الطبعة الأولى منذ سنوات عديدة، عندما كنت أقرأ فى الجزء الثالث ص478، الحديث رقم (5477) فتوقفت عند الخرم الذى أشار إليه المحقق وجاء نص الحديث هكذا : " أنس بن مالك: مَنْ [...] يهودى أو نصرانى يتخذ مخمَرًا، فقد تقحَّم النار عيانًا "، وعلَّق عليه المحقق بقوله: " اللفظ (يعنى ما بين المعكوفيْن) غير واضح "، ومتن الحديث الذى قبله يبدأ بـ " من قال "، ومتن الحديث الذى بعده يبدأ بـ " من حرس "، فتيقنت وجود سقط فى هذا الموضع، وكنت قد زهدتُ فى الطبعة الثانية وصرَّفتها، فبحثت عنها، وراجعت النص فيها، فوجدته فى الجزء الرابع ص10 من هذه الطبعة ، الحديث رقم (5524) ونصه: " أنس بن مالك: من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، إلا غُفِر له ذنوبه ولو كانت مثلَ زبد البحر ".

ثم تتبعت بقية المتن الوارد بعد المعكوفيْن، فوجدته فى ص123، الحديث برقم (5885)، ونصه: " أبو يزيد الأسلمى: من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودى أو نصرانى، يتخذ منه نبيذًا، فقد تقحَّم النار عيانًا "، وعدد الأحاديث الساقطة (361) نصًا.

ولما جاءتنى الدعوة الكريمة للمشاركة فى هذا المؤتمر المبارك، وقارنت بين أرقام الأحاديث فى بداية الكتاب من الطبعة الأولى مع مثيلاتها فى الطبعة الثانية، وجدت سقطًا حصل كذلك فى طبعة بسيونى زغلول (الأولى)، وأحاديثها موجودة فى طبعة الزمرلى والبغدادى، وعددها (41) حديثًا، ولم تكن متتالية، وهذه أرقامها:

77، 87، 103، ثم الأحاديث من (198) إلى (235).

فتيقنت وجود السقط فى أكثر من موضع، وتتبعها فى الكتاب يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.

 

۞۞۞

 

المبحث الثالث:

أبرز الفوائد التى نتجت عن الاعتماد على نسخة خطية أخرى للكتاب

ظهرت لى فوائد وملحوظات عند مقابلة النسخة الخطية الثانية (الكاملة)، بالكتاب المطبوع الذى اعتُمِد فى إخراجه على النسخة الخطية الأولى (الناقصة)، وفيما يلى أبرزها:

  1. التفاوت بين الطبعتيْن فى ذكر الصحابى مسند الحديث وعدم ذكره: مثل الحديث (95) فى الطبعة الأولى، رواه المطلب بن وداعة، ورقمه فى الطبعة الثانية (97)، ولم يُذكر الصحابى.
  2. التصحيف فى راوى الحديث: مثل الحديث (83) فى الطبعة الأولى: ابن جرير، ورقمه فى الطبعة الثانية (84): ابن أبى حازم، وفى تسديد القوس: الطبرانى عن جرير.
  3. الاختلاف فى الزيادة والنقص والتصحيف فى متن الحديث: مثل الحديث رقم (60) فى كلتا الطبعتين.
  4. التقديم والتاخير فى ترتيب الحديث عن موضعه المعتاد: مثل الحديث (74) فى الطبعة الثانية، جاء برقم (82) متاخرًا فى الطبعة الأولى.

وغير ذلك من الملحوظات.

 

۞۞۞

 

الخاتمة والنتائج

بعد أن منَّ الله على بالانتهاء من البحث، رأيت أن أيرز نتائجه ما يلى:

  1. أهمية استفراغ الجهد فى جمع النسخ الخطية قبل التحقيق حتى يخرج الكتاب كما أراد له مؤلفه.
  2. بيان جهود جمعية المكنز الإسلامى المشكورة فى خدمة التراث وتحقيق النص الحديثى، وقد تجلى ذلك فى كتابى " مسند الإمام أحمد " و " البعث والنشور ".
  3. ضرورة إعادة تحقيق ودراسة كتب الحديث التى طبعت ناقصة مثل: كتاب " المفاريد " لأبى يعلى، و " فردوس الأخبار " للديلمى.
  4. ليست جميع الكتب التى تضمنتها " المكتبة الشاملة "، سليمة من العيوب، حتى التى ربطت بالمصورات، وعلى الباحث أن لا يزهد فى الكتاب الورقى، ومراجعة طبعاته .
  5. الاستمرار فى عقد الندوات والمؤتمرات المفيدة التى تُعنى بتنقية التراث الإسلامى من الشوائب.

وصلى الله وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 العودة لصفحة المؤتمر