تحقيق النص الحديثى بين أصول المحدثين ومناهج المحققين
أ.د/ إبراهيم على السيد عيسى
أستاذ بقسم الحديث وعلومه بكليه أصول الدين والدعوة
بجامعة الأزهر فرع الزقازيق
العودة لصفحة المؤتمر
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
المقصود بالنص الحديثى هو الكتب التى تشتمل على الأحاديث النبوية، سواء كانت بأسانيدها أو محذوفة الأسانيد، ويدخل فى ذلك الجوامع، والسنن، والمسانيد، وكتب تراجم الرجال، وكتب السيرة النبوية، وكتب مصطلح الحديث، حيث إن كتب المصطلح منها ما له إسناد مثل كتاب الكفاية فى علم الرواية للخطيب البغدادى، وكتاب المحدث الفاصل للرامهرمزى، وكتاب الإلماع للقاضى عياض. ومنها ما هو مجرد من الأسانيد مثل كتاب تدريب الراوى للإمام السيوطى، وكتاب فتح المغيث للإمام السخاوى.
أصل التحقيق من قولهم حقق الرجل القول أى صدقه أو قال: هو الحق، والإحقاق الإثبات، يقال أحققت الأمر إحقاقا إذا أحكمته وصححته.
والتحقيق اصطلاحا هو بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من استيفائها لشروط معينة، فالكتاب المحقق هو الذى صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التى تركها مؤلفه.
- حِفْظُ الله تعالى لسنة النبى صلى الله عليه وسلم
الله سبحانه وتعالى هو الذى أنزل هذا الدين على نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الرسلات والأديان، وتكفل سبحانه وتعالى بحفظ نصوص هذا الدين وصيانتها فقال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (الحجر 9)، ونصوص الدين الإسلامى هى القرآن الكريم، وسنة النبى صلى الله عليه وسلم، وإذا تكفل الله تعالى بحفظ شىء حفظه، وسخر الكون كله لحفظ هذا الأمر.
ولقد وفق الله الأمة الإسلامية إلى حفظ كتاب الله تعالى، وصيانه سنة النبى صلى الله عليه وسلم وحفظها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، فقيَّض لرواية السنة النبوية مَن يعنى بتصحيح أخبارها، ويتحرى عن رواتها، ويبحث عن صدقهم ويطابق مروياتهم بمرويات المشاهير من الثقات، فنقدوا الراوى والمروى والسند والمتن، وميزوا بين الصحيح والضعيف، والغث والثمين، فصانوا السنة من الخلل، وحفظوها من العلل، وصاغوا قواعد الدراية التى توزن بها الرواية، وابتكروا علم مصطلح الحديث الذى تصان به السنة، فجزاهم الله خير الجزاء.
۞۞۞
الفصل الأول: منهج المحققين فى تحقيق النصوص
المبحث الأول: مرحله إعداد الكتاب أو المخطوط المراد تحقيقه
المطلب الأول: اختيار الكتاب أو المخطوط المراد تحقيقه
إن اختيار الكتاب أو المخطوط المراد تحقيقه فى غاية الأهمية، فليس كل مخطوط جديرا بالتحقيق، بل لا بد أن تجتمع فيه شروط تؤهله لبذل الجهد فيه وتحقيقه، وهذه الشروط هى:
- صحة عنوانه ومعرفة اسم مؤلفه، وصحة نسبته إلى مؤلفه.
- إمكانية تقويم نصه.
- ألا يكون قد سبق تحقيقه، ويمكن الاستعانة فى ذلك بالفهارس العلمية، وسجلات الرسائل الجامعية، وسؤال أهل الخبرة.
- أن يكون ذا قيمة فى مادته بحيث يحوى بين دفتيه الجديد فى ميدانه.
المطلب الثانى: جمع النسخ والمفاضلة بينها وترتيبها
*أولًا: جمع النسخ:
بعد اختيار الكتاب المراد تحقيقه يتعين على المحقق أن يجمع نسخ الكتاب الخطية المتوفرة، ويعينه على ذلك:
- سؤال أهل الخبرة.
- البحث فى فهارس المخطوطات.
- البحث فى الكتب الآتية ( أ- كتاب تاريخ التراث العربى لـمحمد فؤاد سزكين، ب- كتاب تاريخ آداب اللغة العربية لـجورج زيدان، ج- كتاب تاريخ الأدب العربى لبروكلمان)
وإذا استنفذ المحقق غاية جهده فلم يجد إلا نسخة واحدة، فعلية أن يقدِم على تحقيقها ما دام يمكنه التعويل عليها فى تقويم النص.
*ثانيًا: المفاضلة بين المخططات وترتيبها:
بعد البحث عن النسخ الخطية إذا توافرت أكثر من نسخة، فإنه يقارن بينهما ويسجل ما بين هذه النسخ من فروق فى الهامش، ثم يفاضل بينها أيهما يجعلها الأصل، وتكون المفاضلة فى ضوء القواعد الآتية:
1- أفضل المخطوطات هى المخطوطات التى وصلت إلينا حاملة عنوان الكتاب واسم مؤلفه، وجميع مادة الكتاب على آخر صورة كتبها المؤلف نفسه، أو يكون قد أشـار بكتابتها، أو أملاها، أو أجازها. ويكون فى النسخة ما يفيد اطلاع المؤلف عليها أو إقراره لها.
ومن أمثال هذه النسخ التى تسمى (النسخة الأم):
- كتاب تاريخ التراث العربى - طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود.
- كتاب تاريخ آداب اللغة العربية - طبعة دار مكتبة الحياة.
- كتاب تاريخ الأدب العربى لـكارل بروكلمان – طبعة دار المعارف.
2- تلى النسخة الأم: النسخة المأخوذة منها، ثم فرعها ثم فرع فرعها وهكذا، وهذا النوع من المخطوطات يُعد من الأصول الثانوية.
3- وإذا اجتمعت عندنا نُـسخ مجهولة سلسلة النسب كان ترتيبها محتاجًا إلى خبرة المحقق، والمبدأ العام أن تُقدَّم النسخة ذات التاريخ الأقدم ثم التى عليها خطوط العلماء.
4- والنسخة التى عليها سماع علماء معروفين أفضل مما ليس عليها سماع.
5- والنسخة التى عليها إجازات من شيوخ موثقين أسمى مكانة من غيرها.
6- والنسخة الكاملة أعلى شأنًا من التى بها نقص أو سقط.
مع التنبيه على أمر مهم وهو قد تكون النسخة الأقدم تاريخًا قد لحقها تصحيف، ودخلها تحريف فتفضلها نسخة صحيحة مضبوطة أحدث منها.
المطلب الثالث: معرفة طريقة الناسخ فى الكتابة
الناسخ هو من يكتب المخطوط سواء كان فى زمن المؤلف أو بعده، ولكل ناسخ طريقته فى الكتابة:
- فبعضهم يكتب خطًا مغربيًا، أو أندلسـيًا، وكلاهما مختلف عن الخط المشرقى.
- ومنهم من لا يلتزم النقط والإعجام، كما أن منهم من يقارب بين رسم "الدال واللام" (د. ل) وبين رسم "الغين والفاء" (غ. ف).
- ومنهم من يكتب على طريقة إملائية خاصة، ومثال ذلك: إهمال الهمزة المتطرفة بعد الألف فتلـتبس كلمة (مـاء) بـــ (ما).
- كما أن هناك إشارات كتابية معينة يجب أن ينتبه إليها المحقق، ومن ذلك:
(أ) علامة الإلحاق: التى توضع لإثبات بعض الأسقاط خارج السـطور، وهى عادة ما تكون خطا رئسيًا يُرسم بين الكلمتين، ثم يعطف بخط أفقى يتجهه يمينا أو يسارا على الجهة التى دُوِّن فيها السقط وبعضهم يمد هذه العلامة حتى تصل إلى الكتابة الملحقة، وبعض النسَّاخ يكتب ما يريد إلحاقه بين الأسطر فى صلب الكتاب.
(ب) علامة التثليث اللغوى (ث) وتوضع فوق الكلمة لتدل على أن فى الكلمة ثلاث لغات مثل كلمة (مدية) فهى تدل على أن فى هذه الكلمة بضم الميم وفتحها وكسرها.
(ج) علامة التقديم والتأخير (ق) و(خ).
وخير درب لمعرفة طريقة الناسخ هو التمرس بقراءة النسخة أكثر من مرة، فإن القراءة الخاطئة لا تنتج إلا أخطاءً، وبعض الكتابات تحتاج إلى مراس طويل وخبرة خاصة.
المطلب الرابع: معرفة أسلوب المؤلف، والإلمام بموضوع الكتاب
- أولاً: معرفه أسلوب المؤلف
لكل كاتب من الكُتَّاب منهج فى التأليف وأسلوب فى العرض والكتابة، وفى الغالب يمتاز أسلوب كل واحد من المؤلفين بخصائص محددة ولوازم ثابتة فى ألفاظه وعباراته، ومعرفة ذلك يفيد فى تحقيق النص والاهتداء إلى وجه الصواب، ومما يفيد فى ذلك قراءة المخطوط أكثر من مرة للتمرس على القراءة الصحيحة.
ومما يفيد فى الدراية بأسلوب المؤلف أن يرجع المحقق إلى أكبر قدر مستطاع من كتب المؤلف ليزداد خبرة بأسلوبه، ويستطيع أن يوجد ترابطا بين عباراته فى هذا الكتاب وذاك.
كما توجد فى بعض المخطوطات إشارات كتابية ورموز يجب على المحقق معرفه فكها ومعرفة معانيها.
- ثانيًا: الإلمام بموضوع الكتاب
يشترط لفهم النص فهمًا سليمًا معرفة ألفاظه واصطلاحاته ورموزه، ومن أجل ذلك يجب على المحقق أن يكون على دراية بموضوع الكتاب المراد تحقيقه حتى يتمكن من فهم النص فهمًا صحيحا يجنبه الوقوع فى الخطأ. وهذا يتحقق بدراسة بعض الكتب التى تعالج الموضوع نفسه، أو موضوعا قريبا منه؛ ليستطيع المحقق أن يعيش فى الأجواء المطابقة أو المقاربة فيكون على بصيرة.
۞۞۞
المبحث الثانى: مرحله تنفيذ التحقيق
المطلب الأول: تحقيق عنوان الكتاب، والتأكد من صحة اسم المؤلف، والتثبت من صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه
الكتاب المحقق هو الذى صح عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التى تركها مؤلفه.
- أولًا: تحقيق عنوان الكتاب:
وهذا يحتاج إلى جهد كبير، فبعض المخطوطات تأتى خالية من العناوين، أو مفقودة الورقة الأولى، أو بها طمس للعنوان. وأحيانا قد يثبت على النسخة عنوان واضح جلى ولكنه يخالف الواقع، إما بداعٍ من دواعى التزييف والتى منها القصد إلى ترويج الكتاب، وإما لجهل الكاتب الذى وقعت إليه النسخه مجردةً من عنوانها فأثبت ما ظنه عنوانا لها.
فيحتاج المحقق إلى إعمال فكره فى ذلك بعدد من المحاولات التحقيقية، كأن يرجع إلى الكتب التى تهتم بالمؤلفات ومن أهمها:
1- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون لحاجى خليفة.
2- تاريخ الأدب العربى لكارل بروكلمان.
3- تاريخ التراث العربى لفؤاد سزكين.
وكذلك الرجوع إلى كتب التراجم وهى كثيرة ومتنوعة.
- ثانيًا: التأكد من صحة اسم المؤلف:
ينبغى إجراء تحقيق علمى يطمئن به الباحث إلى صحة اسم المؤلف، فأحيانا يفقد المخطوط بيان اسم المؤلف، وإذا ذُكِر فإنه قد يكون عُرضه للتزييف لسبب من الأسباب، وقد يدخله التصحيف والتحريف، فكلمة "النصرى" قد تصحف إلى "البصرى"، و"الحسن" إلى "الحسين"، و"الخراز" إلى "الخزاز"، وكل ذلك يحتاج إلى تحقيق علمى باستخدام وسائل منها:
1- مراجعه فهارس المكتبات، وكتب المؤلفات والتراجم.
2- النظر فى المادة العلمية للمخطوط ومدى تطويعها لما يعرفه المحقق عن المؤلف وحياته العلمية.
3- النظر فى موضوع الكتاب، واسم المؤلف وما يذكره من أعلام رآهم أو اجتمع بهم.
4- العثور على طائفة من نصوص الكتاب منسوبة إلى المؤلف فى نقل من النقول أو كتاب من الكتب المشهورة.
- ثالثًا: التثبت من صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
توثيق صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف من الأمور التى يجب أن تحظى بعناية المحقق، وذلك بعرض هذه النسب على فهارس الكتاب أو المؤلفات وكتب التراجم، وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس فى تصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلفه أو تزيينها، فالكتاب الذى تذكر فيه أخبار تاريخية وقصص تالية لعصر مؤلفه الذى كتبه فيه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف.
المطلب الثانى: تحقيق متن الكتاب أو المخطوط
الهدف الأسمى من التحقيق هو تقويم النص واستقامته وأداؤه أداءً صادقًا كما وضعه مؤلفه كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمس للأسلوب النازل أسلوبًا أعلى منه، أو نحل كلمة صحيحة مكان أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل أو أوفق، أو ينسب صاحب الكتاب نصًا من النصوص إلى قائل وهو مخطئ فى هذه النسبة، فيبدل المحقق ذلك الخطأ ويحل محله الصواب، أو أن يخطئ فى عباره خطأ نحويًّا فيصحح خطأه فى ذلك، أو أن يوجز عباراته إيجازا مخلا فيبسط المحقق عبارته بما يدفع الإخلال، أو أن يخطأ المؤلف فى ذكر علم من الأعلام فيأتى به المحقق على صوابه.
فليس تحقيق المتن تحسينًا أو تصحيحًا، وإنما هو أمانة الأداء التى تقتضيها أمانة التاريخ، فإن متن الكتاب حكم على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهى اعتبارات تاريخية لها حرمتها.
فالتحقيق نتاج خلقى لا يقوى عليه إلا من وُهب الأمانة والصبر. وهما ما هما !!
وقد يقال: إذا وجد خطأ فى متن الكتاب أو المخطوط أيترك ذلك الخطأ ؟
فالجواب: أن المحقق إن عثر على شىء من الخطأ نبه عليه فى الحاشية (الهامش) أو فى آخر الكتاب وبيِّن وجه الصواب فيه، وبذلك يحقق الأمانة، ويؤدى واجب العلم.
أما الشواهد من القرآن الكريم، فلِمَا لها من قداسة وتقدير دينى فإن وقع فيها خطأ فلا بد أن يُصوب ويوضع اللفظ الصحيح فى المتن بنص المصحف.
وأما النصوص الحديثية فالأصل أن تبقى كما كتبها المصنف، مراعاةً لتعدد الروايات، ويكتب فى الهامش ما يدل على صحة الرواية أو ضعفها، أو غير ذلك.
وأما النصوص العامة من الأمثال، والأشعار، ونحوها فتراجع وتخرَّج إن أمكن التخريج، ومع ذلك نحترم رواية المؤلف فى المتن، وإذا وجد خطأ نثبت الصواب فى الهامش.
وأول ما يبدء به المحقق هو جمع نسخ المخطوطة والمقارنة بينها، فإذا توفر له أكثر من نسخة، أثبت نص النسخة الأصلية مع مراعاة الكتابة وفق القواعد الإملائية الحديثة، والإشارة فى الهامش إلى الاختلاف بين النسخ.
أما إذا تيقن حدوث خلل فيها بسبب الطمس أو الخطأ فى النسخ بحيث استحال الفهم، فإنه يثبت ما يراه مقوما للنص مؤديا إلى حسن فهمه، مستعينا بالنسخ الثانوية إذا أمكن، أو بغيرها مع الإشارة إلى ذلك فى الهامش.
وهناك رأى يقول: إصلاح الخلل فى هذه الحالة يكون فى الهامش وإثبات الخطأ فى المتن، وهذا الرأى ضعيف.
وإذا كانت المخطوطة نسخة واحدة ولم يتمكن من العثور على غيرها، وتأكد المحقق من وقوع خلل فى موضع منها فإنه يستعين على إصلاح النص وتقويمه بما يلى:
1- النظر فى مواضع من الكتاب نفسه موازية للموضع الذى فيه الخلل.
2- النظر فى كتب المؤلف الأخرى سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة، وخاصة التى تعالج موضوع هذا المخطوط.
3- النظر فى الكتب التى لها صلة مباشرة بالمخطوط مثل شروحه أو مختصراته.
4- النظر فى المصادر التى استقى منها المؤلف مادته العلمية لهذا المخطوط، وبعض المؤلفين ينصون فى كتبهم على المصادر التى استقوا منها كتبهم مثل الإمام ابن منظور فى مقدمة كتابه لسان العرب، والإمام ابن حجر فى كتابه تهذيب التهذيب.
5- النظر فى المراجع اللغوية، وهى المقياس الذى تسبر به صحة النص.
الرموز والإشارات:
وإذا ذكر فى المخطوط المراد تحقيقه رموزًا أو ألفاظًا مختصرة فإنها تثبت كما هى، ويبين المراد منها فى الهامش.
الضبط بالشكل:
ويتصل بتقويم النص وتحقيقه أداء الضبط، فإذا قيدت بعض الكلمات بضبط خاص فيجب على المحقق أن يحافظ عليه ما دام صحيحًا، أما إذا لم يضبط شىء من كلمات المخطوط فعلى المحقق أن يضبط ما يحتاج إلى الضبط مثل: صيغ المبالغة، والأشعار، والأعلام، والأمثال.
ومن ذلك الأعلام المشتبهة، فيجدر بالمحقق ألا يضبطها إلا بعد الرجوع إلى مصادر الضبط مثل كتب الرجال، والمؤتلف والمختلف.
ومن ذلك أسماء البلدان، والقبائل، ونحوها، ومهما يكن فإن الضبط يحتاج إلى الدقة والحرص والتريث، كما يحتاج إلى قدر كبير من التحرز عن الانسياق إلى المألوف، فقد ترد كلمة (الكَهْوَل) بمعنى: بيت العنكبوت. فيضبطها الضابط خطأ بالكُهول فيتغير المعنى، وهكذا.
إن انسياق المحقق وراء المألوف يوقعه فى كثير من الخطأ، إذ يتلبس المصغر بالمكبر، والمخفف بالمثقل.
الزيادة والحذف:
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله - "وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلوم فلا بأس بإلحاقه، وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب فلا بأس بتجديده على الصواب" فقد يكون فى السند نحو (عبد الله مسعود) فلا ريب أن ذلك سهو من المؤلف، فإثبات (بن) لا تغير فيه ولا إخلال بالأمانة، وقد يكون فى نص المتن نحو (بنى الإسلام خمس) فلا جرم أن صوابه (على خمس) فإلحاق (على) ليس فيه عدوان على الكتاب ولا على صاحبه، على أن ينبه فى الهامش على أنها مما أخل بها فى أصل الكتاب.
المطلب الثالث: التعليق ويكون فى الهامش
يستحسن ألا يترك المحقق الكتاب خاليا من التعليقات الضرورية التى تجعل القارئ مطمئنا إلى النص، واثقا من الجهد الذى بذله المحقق فى تفهم النص وتقدير صحته، بعيدا عن الإسراف الذى يخرج عن ذلك الغرض العلمى، مع مراعاة أن الأمور التى يقتضيها التعليق هى:
- ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، وإرجاع الإحالات إلى مواضعها اللاحقة أو السابقة.
- التعريف بالأعلام الغامضة، أو المشتبهة، وكذا التعريف بالأماكن والبلدان.
- شرح ما دق من مسائل الكتاب، وما غمض من ألفاظه، وما خفى من مصطلحاته.
- تخريج الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية.
- تخريج الأحاديث النبوية بذكر اسم الكتاب، وعنوان الباب، والجزء والصفحة، ورقم الحديث إن وجد.
- تخريج الأشعار وأقوال العرب من الدواوين والكتب الأصيلة فى ذلك.
- ذكر المرجع والجزء والصفحة فى حال اقتباس النصوص العلمية.
- وضوح شخصية المحقق وظهورها، وذلك بتتبع كلام المؤلف بالنقد والمناقشة وعدم أخذ آرائه على أنها مُسلَّمة، فالبحث العلمى لا يعرف التقديس أو التنزه عن الخطأ.
- الاقتصاد فى التعليق، وعدم ذكر ما لا فائدة فيه، أو خارج عن الموضوع.
۞۞۞
المبحث الثالث: مكملات التحقيق وعمل الفهارس العلمية
أولًا: مكملات التحقيق:
إن الغرض من التحقيق هو إظهار الكتاب فى صورة لائقة جديرة بالانتفاع بما فيه من علم، وكذلك زيادة ثقة القارئ بصحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وذلك يقتضى ضروبًا من المكملات الحديثة للنشر العلمى من أهمها:
1- العناية بتقديم النص، ويشمل:
أ- التعريف بالمؤلف، وبيان مكانته العلمية، ودراسة موجزة عن عصرة من النواحى السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومدى تأثيرها فيه وتأثره بها.
ب- عرض دراسة خاصة بالكتاب وموضوعه، ومنهجه باختصار.
ج- تقديم دراسة عن مخطوطات الكتاب مقرونة بتحقيق علمى يؤدى إلى صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، والاطمئنان إلى متنه، وذلك بوصف النسخ الخطية التى نقل منها وصفًا دقيقًا يتناول: خطها، وورقها، وحجمها، وتاريخها، وما تحمله من إجازات، وإن قرن ذلك بتقديم نماذج مصورة لها كان أولى.
وقد جرت العادة أن يصور فى ذلك وجه الكتاب، والصفحة الأولى والأخيرة، لأنهما أدق الصفحات فى التعبير عن تقدير المخطوطات.
2- العناية بالإخراج الطباعى
ويتناول ذلك القول فى إعداد الكتاب للطبع، ويكون ذلك بكتابة النسخة بعد التحقيق والمراجعة بخط واضح مستوفيًا علامات الترقيم، وأن يكون منظم الفقرات والحواشى، مزودًا بالأرقام التى يحتاج إليها الباحث.
3- كتابة المصادر والمراجع التى رجع إليها المحقق أثناء تحقيقه مُرَتَّبة على الحروف الهجائية مع حذف (ال) التى فى أول اسم الكتاب، وذلك بذكر اسم الكتاب، واسم مؤلفه، ودار النشر التى طبعته، ورقم الطبعة وتاريخها.
ثانيًا: عمل الفهارس العلمية:
للفهارس المقام الأول فى هذه المكملات، إذ بدونها تكون دراسة الكتب - خاصة القديمة منها - صعبة جدًا، فالفهارس تَفْتِش ما فى بطون الكتب من خفيات يصعب الاهتداء إليها، كما أنها معيار توزن به صحة نصوص الكتب بمقابلة ما فيها من نظائر قد تكشف عن خطأ المحقق أو سهوه.
وبالجملة فالفهارس وضعت لتمكين القارئ من أن ينتفع بالكتاب غاية الانتفاع.
ولصنع الفهارس طريقتان:
- طريقة القصاصات الورقية: يكتب فيها ما يراد فهرسته، ثم يرتب ترتيبا هجائيا على أوائل الكلمات الأولى ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا، ثم يفرز كل حرف على حدة.
- طريقة الدفتر المفهرس: الذى يخصص لكل حرف من الحروف أوراقا خاصة به.
تنوع الفهارس: يمكن أن يصنع لكل كتاب مُحقق عدد من الفهارس منها:
- فهرس الآيات القرآنية مرتبة حسب ترتيب السور فى المصحف.
- فهرس الأحاديث النبوية.
- فهرس الرواة المترجم لهم.
- فهرس الأعلام.
- فهرس الموضوعات التى يشتمل عليها الكتاب.
الاستدراك:
وقد يفوت المحقق بعض التوضيحات المهمة بعد الانتهاء من إعداد الكتاب للطباعة، أو قد يزل فكره أو قلمه زلة تقتضى المعالجة، ففى باب الاستدراك الذى يلحق بنهاية الكتاب مجال واسع لتدارك ما فات محقق الكتاب أو شارحه.
إن الخطأ فى معالجة النصوص أمر مشترك بين العلماء لا إثم فيه، ولكن كتمان الخطأ فيه الإثم والتقصير فى أداء الأمانة، والرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل.
۞۞۞
المبحث الرابع: ما يمتاز به منهج المحدثين فى تحقيق النص الحديثى
إن منهج المحدثين فى تحقيق النص يتطلب كل ما فى منهج المحققين فى تحقيق النصوص، وكل ما قيل فى مرحلة إعداد المخطوط للتحقيق، وفى مرحلة تنفيذ التحقيق، مما سبقت الإشارة إليه، ويزاد على ذلك عدة أمور نوجزها فى ما يلى:
أولا: يشترط المحدثون إثبات الإسناد للنص الحديثى من خلال النسخ الخطية التى وقفنا عليها، أو من خلال مصادر وسيطة. بمعنى أن تكون النسخة المراد تحقيقها لها إسناد من الوقت الذى نسخت فيه إلى المؤلف الذى ألف هذا الكتاب.
فمثلا النسخ الخطية لمسند الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) نجد أن من يروى المسند له إسناد إلى الإمام أحمد، مثل الحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى (ت852هـ) يروى المسند عن شيوخه إلى أن يصل للإمام أحمد. وبذلك أصبحت النسخ ثابتة الاتصال بالمؤلف بدليل الإسناد.
وهذا الشرط يمنع الانتحال أو السرقة لهذه النسخ.
وإذا لم نجد إسنادا لهذه النسخ يمكن أن توثق من خلال مصادر وسيطة، وذلك من خلال البحث فى النصوص الموجودة فى الكتاب، هل هى موجوده فى مصادر أخرى بإسناد يصل إلى المؤلف.
فمثلا مصنف الإمام عبد الرزاق (ت 211هـ) إذا رجعنا إلى مسند الإمام أحمد نجد أن الإمام أحمد يقول: حدثنا عبد الرزاق، ويسوق الحديث بإسناده ومتنه كما عند عبد الرزاق، فأصبح عندنا ثقة بهذا الكتاب من خلال هذا المصدر الوسيط.
ثانيا: يشترط المحدثون أن يكون توثيق النص الحديثى للسند والمتن معا، فيكون التخريج لهذه النصوص عن طريق المتابعات التامة ثم القاصرة.
ثالثا: من يحقق النص الحديثى لا بد أن يكون له خبرة ودراية بعلوم الحديث ومصطلحاته.
رابعا: الاهتمام بجمع روايات النص الحديثى وذلك بتخريجه من كتب السنة الأخرى وبيان أحكام الأئمة على هذا النص من حيث كونه صحيح، أو حسن، أو ضعيف.
خامسا: أن يكون مُلما بكتب الحديث التى تدخل فى بعضها أو ما يسمى (موارد الحديث) بحيث لو وجد فى النص سقط يجده فى مكان آخر من الموارد التى استقى منها المؤلف كتابه.
فمثلا: كتاب السنن للإمام أبى داود السجستانى (ت 275هـ) قال عنه الإمام أبو داود: ذكرت فيه من مصنف حماد بن سلمة، وموطأ مالك، ومصنف عبد الرزاق، وباقى الأحاديث من مرواياتى المتفرقة.
سادسا: التفرقة بين الأحاديث التى وضعها المؤلف فى كتابه وبين الأحاديث التى لم يدخلها فى كتاب وإنما حدث بها الناس.
فمثلا الإمام أبو داود الطيالسى (ت 204هـ) له مسند، وعدد أحاديثه (2890 حديثًا) كما جاء فى طبعة دار هجر للطباعة والنشر، تحقيق الدكتور محمد عبد المحسن التركى، وهذا المسند رواه عنه تلميذه يونس بن حبيب، بينما الإمام أبو داود الطيالسى يحفظ أحاديث كثيرة أضعاف هذا العدد، وقد أملاها على تلاميذه، وقرأها على خلق كثير.
قال يونس بن حبيب: قدم علينا أبو داود الطيالسى وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ فى سبعين موضعا، فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا: بأنى أخطأت فى سبعين موضعا فأصلحوها.
سابعا: أن يكون عنده معرفة بعلل الأحاديث حتى يستطيع أن يفرق بين الحديث المعلول وغير المعلول.
ثامنا: أن يكون عنده معرفة بالأحكام الشرعية حتى يستطيع أن يميز بين الحلال والحرام ويستخرج الأحكام للناس من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق كتب شروح الحديث.
تاسعا: أن يعرف درجات الرواة وذلك بالرجوع إلى كتب التراجم، فيعرف الراوى الثقة، والصدوق وغير ذلك.
۞۞۞
الفصل الثانى:
إلقاء الضوء على جهود جمعية المكنز الإسلامى فى تحقيق النص الحديثى ونشره
المبحث الأول جهود جمعية المكنز الإسلامى فى تحقيق الكتب الستة وموطأ الأمام مالك
أخرجتْ جمعيةُ المَكْنِزِ الإسلامىِّ الإصدارَ الأولَ من موسوعةِ الحديثِ الشريفِ المُسَمَّاةِ: جمعَ جوامعِ الأحاديثِ والأسانيدِ وَمَكْنِزَ الصحاحِ والسننِ والمسانيدِ، سَنَةَ 1421هـ/ 2000م فى ثَمَانِىَ عَشْرَةَ مجلدةً، ويشملُ الكتبَ الستةَ وموطأَ الإمامِ مالكٍ، ويُضَافُ إلى ذلك مقدمةُ الموسوعةِ والقرصُ المُدْمَجُ.
ونصوصُ هذه الكتبِ مضبوطةٌ ضبطًا تامًّا، ومُقَابَلَةٌ على جميعِ الطبعاتِ المُعْتَمَدَةِ لِكُلِّ كتابٍ من هذه الكتبِ وعلى ما أَمْكَنَ الحصولُ عليه من المخطوطاتِ حِينَئِذٍ. وقد رُبِطَتْ أحاديثُ كُلِّ كتابٍ بأرقامِ أحاديثِ تحفةِ الأشرافِ لربطِ أحاديثِ هذه الكتبِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَرُبِطَتْ أبوابُ الكتبِ الستةِ بأرقامِ الأبوابِ التى وَضَعَهَا مُحَقِّقُ تحفةِ الأشرافِ لِيَسْهُلَ الرجوعُ من التحفةِ إلى نهذه النسخ.
ويشملُ هذا الإصدارُ الكتبَ التاليةَ:
- صحيح البخارى، فى ثلاث مجلدات.
- صحيح مسلم، فى مجلدتين.
- سنن أبى داود، فى مجلدتين.
- سنن الترمذى، فى مجلدتين.
- سنن النسائى، فى مجلدتين.
- سنن ابن ماجه، فى مجلدة واحدة.
- موطأ الإمام مالك، فى مجلدة واحدة.
كما يشملُ: نسخةً مصورةً من أصلِ الطبعةِ السلطانيةِ لصحيحِ البخارىِّ التى أَصْدَرَ السلطانُ العثمانىُّ عَبْدُ الحميدِ الثانى رحمه الله تعالى أَمْرًا إلى مشيخةِ الأزهرِ الشريف بالعملِ على إخراجِها وذلك فى سَنَةَ 1311هـ والتى فُرِغَ من طباعتِها سَنَةَ 1313هـ، فى ثلاث مجلدات.
ويُضَافُ إلى ذلك: الفهرسُ المُسَمَّى " مَكْنِزَ المُسْتَرْشِدِينَ فى الدَّلَالَةِ على حديثِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ " الذى يشملُ فهرسَ المحتوى وشرحِ الغريبِ والتخريجِ عن طريقِ الربطِ بكتابِ تحفةِ الأشرافِ، فى مجلدتين.
۞۞۞
المبحث الثانى: جهود جمعية المكنز الإسلامى فى تحقيق مسند الإمام أحمد ونشره
كما أخرجتْ جمعيةُ الْمَكْنِزِ الإسلامى سَنَةَ 1427هـ/ 2007م الإصدارَ الثانى من موسوعةِ الحديثِ الشريفِ المُسَمَّاةِ (جمعَ جوامعِ الأحاديثِ والأسانيدِ وَمَكْنِزَ الصحاحِ والسننِ والمسانيدِ). والذى يشملُ مُسْنَدَ الإمامِ أحمدَ بْنِ حَنْبَلٍ مُحَقَّقًا على ثَمَانٍ وثلاثين نسخةً خطيةً، منها أربعُ نُسَخٍ كاملةٍ، وَيُضَافُ إليها مطبوعةُ الميمنيةِ، مع الاستعانةِ أَيْضًا بعددٍ من المصادرِ المساعدةِ التى اعْتَمَدْنَا فى بَعْضِهَا على النسخةِ المخطوطةِ دُونَ المطبوعةِ لكثرةِ ما بها من تصحيفٍ وتحريفٍ وسقطٍ، فَأَضْحَتْ نصوصُهُ موثوقًا بها سالمةً من التصحيفِ والتحريفِ.
وصارتْ نَشْرَتُهُ هذه أَفْضَلَ نَشْرَةٍ علميةٍ دقيقةٍ له فقد خرج:
- مضبوطًا ضبطًا تامًّا مُتْقَنًا، مربوطًا ربطًا كاملًا بإطرافِ الْمُسْنِدِ الْمُعْتَلِى بأطرافِ الْمُسْنَدِ الْحَنْبَلِىِّ وإتحافِ الْمَهَرَةِ وتحفةِ الأشرافِ.
- وَمُخَرَّجًا من الكتبِ الستةِ والموطإِ.
- مشفوعًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فهرسًا تدورُ حَوْلَ الأسانيد والْمُتُونِ.
- مطبوعًا فى أَرْبَعَ عَشْرَةَ مجلدةً بِخَطٍّ فَرِيدٍ وإخراجٍ أَنِيقٍ.
- وَمُحَمَّلًا على قرصٍ مُدْمَجٍ مع كتبِ الإصدارِ الأولِ التى تشملُ الكتبَ الستةَ وموطأَ الإمامِ مالكٍ رحمه الله تعالى.
وَيُعَدُّ مُسْنَدُ الإمامِ أحمدَ أَعْظَمَ كتبِ المسانيدِ التى بين أيدى المسلمين اليومَ وأَكْبَرَهَا وأَعْلَاهَا، وكيف لا وَجَامِعُهُ هو الإمامُ العَلَمُ شيخُ الإسلامِ سَيِّدُ الحُفَّاظِ المُجْمَعُ على ثِقَتِهِ وعدالتِهِ أحمدُ بْنُ حَنْبَلٍ الشيبانىُّ رحمه الله تعالى.
وَقَدِ انْتَقَاهُ الإمامُ أحمدُ بعنايةٍ فائقةٍ، فقال رحمه الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْكِتَابَ قَدْ جَمَعْتُهُ وَانْتَقَيْتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا، فَمَا اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ).
مميزاتُ هذا الإصدارِ من الموسوعةِ
- قَدْ تَوَافَرَ لهذه الطبعةِ من النُّسَخِ الخطيةِ ما لم يَتَوَافَرْ لِغَيْرِهَا من الطبعاتِ، فَقَدِ اعْتَمَدْنَا فى إخراجِهَا على ثَمَانٍ وثلاثين نسخةً، فيها قَدْرٌ صالحٌ من نفائسِ النُّسَخِ الخطيةِ بالغةِ الإتقانِ، المقروءةِ على الأئمةِ الحُفَّاظِ الأعلامِ، الْمُثْبَتَةِ عليها خطوطُهُمْ، وَقَدْ تَفَرَّدْنَا - بِحَمْدِ اللَّهِ - بِسِتَّ عَشْرَةَ نسخةً نادرةً يُطْبَعُ عليها الْمُسْنَدُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ.
- وهذه الطبعةُ أَتَمُّ طبعاتِ الْمُسْنَدِ، فَعَلَى الرغمِ من كثرةِ طبعاتِهِ فإنها كُلَّهَا ناقصةٌ، ويدخلُ فى ذلك طبعةُ مؤسسةِ الرسالةِ، فقد بَلَغَ السقطُ من تلك الطبعاتِ فى موضعٍ واحدٍ أَكْثَرَ من مائةِ حديثٍ، ونحمدُ اللهَ تعالى على توفيقِهِ.
- وهى الطبعةُ الوحيدةُ المضبوطةُ بالشَّكْلِ ضبطًا تامًّا، مع العنايةِ الفائقةِ بضبطِ النُّسَخِ الخطيةِ الْقَيِّمَةِ التى اعْتَمَدْنَاهَا، وتوجيهِ ما يحتاجُ إلى توجيهٍ.
- وهى الطبعةُ الوحيدةُ أَيْضًا التى رُبِطَتْ أحاديثُهَا ربطًا تامًّا بِكِتَابَىِ الحافظِ ابْنِ حَجَرٍ العسقلانىِّ (إطرافِ الْمُسْنِدِ الْمُعْتَلِى بأطرافِ الْمُسْنَدِ الْحَنْبَلِىِّ) و(إتحافِ الْمَهَرَةِ بأطرافِ العشرةِ).
- وقد خَرَّجْنَا أحاديثَها حديثًا حديثًا من الكتبِ الستةِ والموطإِ، ورَبَطْنَاهَا بتحفةِ الأشرافِ للحافظِ الْمِزِّىِّ.
- وقد قام على إنجازِ هذه الطبعةِ المتميزةِ البديعةِ الفريدةِ نخبةٌ من الباحثين المتخصِّصين فى علومِ الحديثِ الشريفِ واللغةِ العربيةِ، وخَضَعَتْ لإشرافٍ علمىٍّ أكاديمىٍّ رفيعِ المستوى مع مراجعةٍ تفصيليةٍ شاملةٍ من فضيلةِ الأستاذِ الدكتورِ/ أحمدَ معبدِ عَبْدِ الكريمِ، أستاذِ الحديثِ الشريفِ بجامعةِ الأزهرِ.
- ورَاجَعَهَا أَيْضًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَالِمًا من العلماءِ المتخصِّصين فى علومِ الحديثِ الشريفِ واللغةِ العربيةِ، فَحَظِيَتْ بِقَبُولِهِمْ وَنَالَتْ استحسانَهُمْ، فانطلقتْ ألسنتُهُمْ بعباراتِ الثناءِ والتزكيةِ لهذا العملِ، وما أَبْدَاهُ كُلٌّ منهم من ملحوظاتٍ أو تصويباتٍ أو توجيهاتٍ أَخَذْنَاهُ بِعَيْنِ الاعتبارِ.
۞۞۞
المبحث الثالث
جهود جمعية المكنز الإسلامى فى تحقيق سنن ابن ماجه
لا تزالُ جمعيةُ المَكْنِزِ الإسلامىِّ تسعى بخطوات واثقة ومنتظمة نحو استكمالِ مسيرتِها المباركةِ وإنجازِ مشروعِها العظيمِ الذى يهدفُ إلى جَمْعِ السُّنَّةِ النبويةِ المشرفةِ فى موسوعةٍ واحدةٍ محققةٍ تحقيقًا علميًّا دقيقًا متميزًا، هذه الموسوعة التى اختارتْ لها هذا الاسمَ [جَمْع جوامع الأحاديث والأسانيد ومَكْنِز الصحاح والسنن والمسانيد].
وَمِنْ ثَمَّ فإنها لَيَسُرُّهَا وَيُشَرِّفُهَا أن تُخْرِجَ للأمةِ الإسلاميةِ الطبعةَ الثانيةَ من سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ , فَبَعْدَ إخراجِ الطبعةِ الأولى منه ضِمْنَ الإصدارِ الأولِ رَأَتْ جمعيةُ المَكْنِزِ إخراجَ طبعةٍ ثانيةٍ من الكتابِ معتمدةً فيها على عَشْرِ نُسَخٍ خطيةٍ منتقاةٍ من جملةِ ما وقفنا عليه من نُسَخِ الكتابِ الخطيةِ، منها سبع نسخ كاملة، بعضها بالغ الإتقان مقروء على الأئمة الحفاظ الأعلام وعليه خطوطهم، إضافةً إلى ذلك الاعتماد على مطبوعة الشيخ محمد فؤاد عبد الباقى رحمه الله تعالى وعلى عدد من المصادر المساعدة، فقد اعتمدنا ما أثبته مصنفوها من نص السنن نسخًا مساعدة[1].
۞۞۞
الخاتمة والتوصيات
الحمد الذى بنعمته تتم الصالحات. والصلاة والسلام على من ختم الله به الرسالات، سيدنا محمد، عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
فإن تحقيق النصوص الحديثة عمل جليل، وخدمة كبيرة لطلاب العلم، وله أجر كبير عند الله تعالى، فهو خدمة لسنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلال هذا البحث توصلت إلى هذه النتائج:
1- أن تحقيق النصوص الحديثية عمل مهم جدا، ويحتاج إلى خبرة عالية بعلوم الحديث ومناهج التحقيق.
2- يجب التدريب العملى على التحقيق قبل القيام بتحقيق النص الحديثى حتى نتجنب الخطأ قدر الإمكان.
3- تحقيق النصوص الحديثية يحتاج إلى بذل كبير من الجهد والمال، وكل ذلك سيكون فى ميزان الحسنات - إن شاء الله - بشرط الإخلاص لله تعالى.
4- الاهتمام بجودة الطباعة وتحسينها يزيد الإقبال على القراءة والاطلاع.
وأما التوصيات فهى:
1- زيادة الاهتمام بتحقيق ما تبقى من سنه النبى صلى الله عليه وسلم ونشرها.
2- إقامة ورش عمل لتدريب الباحثين على التحقيق العلمى الصحيح ليزدادوا خبرة فى هذا المجال العلمى الدقيق خدمة لسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
۞۞۞
مصادر البحث
1- كتاب تحقيق النصوص ونشرها، للعلامة عبد السلام هارون، طبعة مكتبة السنة الطبعة الخامسة 1410 هـ.
2- كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير، شرح الشيخ أحمد شاكر - دار صبيح 1370هـ.
3- محاضرات ا.د/ أحمد معبد عبد الكريم، بعنوان: تحقيق النص الحديثى.
4- موقع جمعية المكنز الإسلامى على الإنترنت WWW.ihsanetwork.org .
العودة لصفحة المؤتمر