العدول عن القاعدة النحوية فى متن النص الحديثى

 

نماذج تطبيقية من إصدارات جمعية المكنز الإسلامى

 

أ. إسماعيل عامر

باحث لغوى بمشروع السنة المشرفة بجمعية المكنز الإسلامى

العودة لصفحة المؤتمر

 

 

 

 

 

 

المقدمة

الحمد لله الذى خلق الإنسان وعلَّمه البيان، والصلاة والسلام على أفصح الخلق لسانًا، وأبلغ الرسل بُرهانًا وتبيانًا، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فإنه مما لا ريب فيه أن الناس لم يسمعوا ولن يسمعوا بكلام -بعد كلام الله تعالى- أعم نفعًا، ولا أقصد لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح معنًى، ولا أبين فى فحوى من كلام سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم [1].

فهو لا يساميه قول قائل، ولا شعر شاعر ولا نثر ناثر، لما فيه من دقة معنى وحلاوة تأثير ولطف عبارة وبراعة تصوير.

وهو مصدر أصيل من مصادر العربية، لغةً ونحوًا وصرفًا وبلاغةً، تَثْرَى بأساليبه وألفاظه الجديدة ودلالاته المبتكرة التى لم يألفها العرب، فتضاف إلى كنوزها وجمالياتها وقواعدها الكلية والجزئية.

وقد ذكر أبو العباس ثعلب أهمية السنة فقال " السُّنة تقضِى على اللغة، واللغة لا تقضى على السنة" [2]. وقال الزجاج: "كتاب الله ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى الأشياء وأقوى اللغات" [3].

وكان حريًّا بالنحاة استقراء لغة الحديث فى أثناء وضعهم للقواعد لتغدو مكتملة، فيتوسعون فى تقعيدها ومد جسورها، واستنباط قوانينها الكلية والجزئية.

وللأمانة فإن النحاة لم ينكروا وجود شواهد صحيحة فصيحة عدلت عن قواعدهم، فحكموا عليها بالقلة أو الندرة أو الغرابة أو أنه لا يقاس عليه، أو حاولوا البحث لها عن تأويل مقبول كالتقدير أو التأويل بالحذف أو الزيادة أو التضمين أو الحمل على المعنى، أو علَّلوا ذلك بعلل كالخفة أو الثقل أو كثرة الاستعمال أو أمن اللبس أو التوهم أو غير ذلك من الأمور.

وهذا يتلاءم مع طبيعة اللغة، فاللغة ظاهرة اجتماعية لا يمكن إخضاعها لقوانين صارمة جامدة توقف تغيرها وتطورها، وهى الوسيلة الأساسية لتواصل الناس فيما بينهم إضافة إلى أنها تُنظم حياتهم العملية والعلمية والشرعية والقانونية وتحفظ علومهم وآدابهم ومعارفهم وتنقلها من جيل إلى آخر.

ومن ثَمَّ كانت فكرة هذا البحث لدراسة التراكيب المشكِلة التى وردت فى متون الأحاديث الشريفة فى مجموعة الكتب التى تشرفت بإصدارها جمعية المكنِز الإسلامى والتى عُدَّت عُدولًا أو خروجًا عن القواعد النحوية التى استقر عليها جمهور النحاة، وتوجيهها توجيهًا نحويًّا متناولين أقوال النحاة فيها بالبحث والاستقصاء والدراسة، محاولين الوصول إلى بيان الوجه الأقرب إلى العقل والمنطق بعيدًا عن التكلف.

  • أهمية البحث وأسباب اختياره:

تكمن أهمية موضوع هذا البحث فى النقاط التالية:

1-بيان دور الحديث الشريف فى إثراء اللغة العربية فى مفرداتها وتراكيبها وإبراز ما فيه من ظواهر لغوية ونحوية.

2- إعطاء أدلة ملموسة على فصاحة لغة الحديث النبوى وسلامتها من اللحن.

3- بيان جهود أهل الحديث فى حفظ متون الحديث من التحريف والتصحيف والضياع.

4- مساعدة المشتغلين بعلوم الحديث والعاملين فى تحقيق كتبه وقارئيه وغيرهم على فهم الألفاظ والتراكيب المشكلة ومعرفة مدى توافقها مع اللغة الفصيحة الصحيحة.

5- الجمع بين الدراسة النظرية والتطبيقية مما يجعل ثمرة الدراسات اللغوية والحديثية بيَّنة واضحة ملموسة الأثر.

  • المنهج المتبع فى البحث:

اتبع البحث المنهج الوصفى التحليلى، وذلك بجمع نماذج من العدول عن القواعد النحوية من متون أحاديث الكتب موضوع الدراسة وعزوها إلى مواضعها فى هذه الكتب، وذكر الروايات المختلفة للحديث عند الحاجة لذلك، وترتيب هذه النماذج وتصنيفها ضمن الأبواب النحوية، وذكر الأقوال والتوجيهات النحوية الواردة فيها ونسبتها إلى قائليها، ودراسة هذه التوجيهات دراسة مستفيضة ومحاولة الترجيح بينها لبيان الوجه الأقرب إلى العقل والمنطق اللغوى بعيدًا عن التكلف.

 

 ۞۞۞۞۞

 

المبحث الأول: الحديث الشريف والقواعد النحوية

 المطلب الأول: أثر الحديث الشريف فى حفظ اللغة وإثرائها

ومما لا شك فيه أنه كان لتدوين الحديث الشريف فى زمن مبكر وفق خطة دقيقة محفوفة بضوابط صارمة تحاول بيان صحيح الحديث من سقيمه دورٌ كبيرٌ فى الحفاظ على العربية بكل مستوياتها اللغوية.

والحديث النبوى يُعطِى الباحث اللغوى صورة لغوية دقيقة لروح العصر، فهو نثر بعيد عن الضرورات الشعرية، والصور الفنية المتكلفة.

ولقد حفظ الحديث الشريف الظواهر اللهجية بكل مستوياتها اللغوية، ومختلف بيئاتها الجغرافية، وذلك لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان حريصًا كل الحرص على أن يخاطب كل قوم بلغتهم وبما يعرفون، لتقريب هذا الدين إلى نفوسهم وإن اختلفت أشكالهم وألوانهم وألسنتهم، كما حفظ الحديث لهجات القبائل التى وفدت إلى المدينة لتعلن إسلامها، إلى جانب أن رواة الحديث وحَمَلتَه مثَّلوا أركان الجزيرة العربية وما حولها بقبائلها المختلفة ولهجاتها المتنوعة.

فمن ذلك إبدال بعض الحروف من بعض فى بعض الكلمات كإبدال السين من الصاد (صفقة-سفقة) فى قوله صلى الله عليه وسلم : لَا تَصْلُحُ سَفْقَتَانِ فِى سَفْقَةٍ [4]. والزاى من الصاد (بزق-بصق) فى قوله صلى الله عليه وسلم : فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ [5]. وكذلك الفكُّ والإدغام (استلجَّ-استلْجَجَ) كما فى قوله صلى الله عليه وسلم : إِذَا اسْتَلْجَجَ أَحَدُكُمْ بِالْيَمِينِ فِى أَهْلِهِ [6]. واستخدام صيغ نادرة للفعل بدلًا من المشهورة كاستخدام يَسْوَى بدلا من يُساوِى [7]، والقلب المكانى للحروف كاستخدام الجبذ مكان الجذب [8].

أما الناحية التركيبية فقد اشتمل الحديث بروايته المتعددة على كثير من الاستعمالات الفصيحة التى تخالف المشهور من قواعد النحاة وترجع إلى اختلاف اللهجات مثل لغة "أكلونى البراغيث. أو يتعاقبون فيكم ملائكة" و "نصب إن للجزأين".

وقد أثرى الحديث الشريف العربية بألفاظ جديدة كثيرة، وذلك عن طريق نقل اللفظ من معناه القديم لآخر جديد مثل المسلم والمؤمن والمنافق والصلاة والصيام والزكاة وغيرها مما يطلق عليه الألفاظ الإسلامية، أو وضع اللفظ وضعًا جديدًا بعد أن لم يكن، وهو ما يُعرف بالارتجال ويندرج تحته النحت مثل الحوقلة والبسملة وغيرها، وكذلك تعريب كثير من الكلمات الأعجمية كالمُوق بمعنى الخُفِّ.

وإن الناظر إلى معاجمنا اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ يدرك مدى إسهام مفردات الحديث الشريف وعباراته فى ﺑﻨﺎء مادة هذه المعاجم وتوﻟيد مصطلحاتها اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ والأدبية والبلاغية والعلمية، بل وفى تطور العربية بأثرها، فكبرى المعاجم العربية كلسان العرب وتاج العروس وغيرهما اعتمدت اعتمادًا كبيرًا فى مادتها العلمية على كتبٍ كاملة من كتب غريب الحديث، متخذة منها مصدرًا أساسيًّا لتوثيق مادتها اللغوية، وما ذلك إلا لأن فى الحديث الشريف مادة لغوية ضخمة لا مصدر لها إلا هو.

وأﻣﺎ اﻷﺑﻨﻴﺔ ﻓﻼ أدل على اتخاذها الحديث النبوى ركيزة أساسية فى مادتها مما ﻫﻮ ﻣﺘﻨﺎﺛﺮ فى كتاب تهذيب اﻷﻓﻌـﺎل ﻻﺑﻦ اﻟﻘﻮﻃﻴﺔ والأفعال لابن القطاع بل وفى كثير من كتب الصرف العربى فى الاعتماد على الحديث فى الاستشهاد والتمثيل والشرح.

كما أثرى الحديث الشريف العربية بتراكيب مبتكرة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من تفوَّه بها، فلم تُسمع من أحد قبله وذلك لما أُتى به صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، منها – على سبيل المثال- قوله صلى الله عليه وسلم : حَمِىَ الْوَطِيسُ [9]. و: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ [10].

 

المطلب الثانى: الاحتجاج بالحديث الشريف فى القضايا النحوية

بداية يجب التأكيد على أنه لم يشك، ولن يشك مسلمٌ فى فصاحة النبى صلى الله عليه وسلم ، وأنه لم يَدَّعِ أحدٌ عدم الاحتجاج بلفظه الشريف صلى الله عليه وسلم ، فهو أفصح من نطق بالضاد، وإنما خشى بعضهم من تصرف الرواة فى ألفاظ الحديث الشريف وروايتها بالمعنى، وعدم ثبوت اللفظ بعينه عنه صلى الله عليه وسلم .

  • الاحتجاج لغةً واصطلاحًا:

الاحتجاج لغةً: مصدر احتج بكذا: إذا اتخذه حجة، والحجة هى البرهان والدليل، وقيل: هى الكلام المستقيم على الإطلاق [11].

أما الاحتجاج فى الدرس اللغوى: فما يُستدل به على فصاحة لفظ، وصحة قاعدة [12].

وقد حظيت قضيةُ الاحتجاج بِالحدِيثِ الشريفِ فى النحو باهتِمامٍ كبيرٍ بين الباحثين المعاصرين حتى إنه قد أُفرِد لها كتب بُحوثٌ ومَقالاتٌ علَى نحوٍ يَجعلُنا فِى غَيرِ حَاجةٍ إلَى التَّكرارِ أو تَلخيصِ ما قِيلَ فِى هذه القضية [13].

ويجب أن نشير هنا إلى أمرين أساسيين هما:

الأول: أن انصراف النحاة الأوائل عن الاحتجاج بالحديث لا يعنى عدم ذكر الحديث فى كتبهم فلا يكاد يخلو كتاب من كتب النحو من الحديث، وإنما يعنى أنهم لم يتوسعوا فى الاحتجاج به توسعهم فى الاحتجاج بالقرآن والشعر وكلام العرب، مما يؤكد انصرافهم عمدًا عن الاحتجاج بالحديث.

ومن ثَمَّ فإن كلام النحاة المتأخرين كابن الضائع (686هـ) وتلميذه أبى حيان الأندلسى (745هـ) أن ابن خروف (609هـ) أو ابن مالك (672هـ) أو السهيلى (581) أول من احتج بالحديث النبوى الشريف، يريدون بذلك أن هؤلاء النحاة هم أول من قاموا باستقراء الأحاديث الشريفة واستخلاص ما جاء فيها من قواعد جديدة أثبتوها أو استدركوا بها على قواعد النحاة الأوائل مما ورد فى أسلوب الحديث الشريف ولم يرد مثله فى آيات الكتاب العزيز ولا فيما جمعه النحاة من كلام العرب الفصحاء.

الثانى: أن الخلاف بين النحاة كان على الاحتجاج بالحديث فى المسائل النحوية من قبيل إثبات قواعد جديدة أو الاستدراك على قواعد النحاة الأوائل، أما الاحتجاج بالحديث فى متن اللغة فلا خلاف فيه، إذ المعجمات اللغوية منذ نشأتها -كما ذكرنا- تتخذ الأحاديث الشريفة مصدرًا أساسيًّا لها.

ولم تكن ظاهرة إحجام النحاة الأوائل عن الاحتجاج بالحديث بخافية على من تلاهم من النحاة، ولكن كان أول من أثار حولها التساؤلات والمناقشات أبو الحسن بن الضائع فى القرن السابع الهجرى، حيث بعث القضية من مرقدها، بقوله: تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندى فى ترك الأئمة -كسيبويه وغيره- الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا فى ذلك على القرآن، وصريح النقل عن العرب، ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى فى الحديث، لكان الأولى فى إثبات فصيح اللفظ كلام النبى صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح العرب [14].

وقد ذهب النحاة فى هذه القضية مذاهب شتى، ويمكن تلخيص آرائهم إلى ثلاثة اتجاهات، وهى: المانعون، والمجيزون، والمتوسطون.

المانعون: ذهبت طائفة من النحاة -كابن الضائع، وتلميذه أبى حيان الأندلسى ووافقهما السيوطى على تفصيل فى مذهبه، وبعض المعاصرين كالدكتور شوقى ضيف- إلى أنه لا يجوز الاحتجاج بالحديث: لا فى إثبات لفظ، ولا فى وضع قاعدة [15].

وكانت حجة هذا الفريق هى جواز رواية الحديث بالمعنى ووقوع اللحن من بعض الرواة.

وقد شُغِل الباحثون المعاصرون بتفسير إحجام النحاة الأوائل عن الاحتجاج بالحديث، فذكروا عللًا منها: الاحتراز الدينى [16]، فقد عاصرت بدايات التأليف النحوى الفترة التى اشتد فيها تمحيص الحديث، حيث كثر الوضع كثرة جعلت بعض الفقهاء ينصرف عن الاحتجاج به خشية عدم صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يشإ النحاة تحمل تَبعة رفع الأحاديث إلى النبى صلى الله عليه وسلم . ولعل فى هذا ما يُفسر أن سيبويه لم يرفع أيًّا من الأحاديث التى وردت فى كتابه، وكذلك عدم انتشار كتب الحديث فى الصدر الأول، إذ اشتهرت دواوينه ووصلت إلى أيدى جمهور العلماء من بعد، وكذلك ميل بعض النحاة إلى منهج أهل الكلام مما أوجد جفوة بين بعض النحاة والمحدثين.

المجيزون: ظلت قلة الاستشهاد بالحديث النبوى فى النحو هى الطابع العام للنحاة حتى مجىء القرن السادس الهجرى، فقد ابتدأ التوسع فى الاهتمام بالحديث فى النحو والصرف عمليًّا بأبى القاسم السهيلى (581هـ) فى أماليه، ثم ازداد الأمر توسعًا بابن خروف (609هـ) فى شرحه لكتاب الجمل للزجاجى، وأبى البقاء العكبرى (616هـ) فى كتابه إعراب الحديث النبوى، حتى جاء العلامة ابن مالك (672هـ) وكان من أمره ما كان، فكان أكثر المستشهدين بالحديث كثرةً فاق بها من قبله، وأثَّر بها فيمن بعده فبنى عليه القواعد النحوية واستدرك به على ما قعَّده من قبله، وأثبت به ما نفاه غيره ورجح به بين الأقوال، وجعله الحجة القاطعة وفصل المقال، ومن ثَم تكشفت له أمور كثيرة من أحكام اللغة فى الإعراب وفى دلالات الأسماء والأفعال وفى حروف المعانى واستعمالاتها فى الحديث، وكُتبُه ولا سيما شرح التسهيل وشواهد التوضيح شاهدة بذلك.

ثم تتابع تلاميذه وتلاميذ تلاميذه فى هذا الأمر إلى الحد الذى أصبح فيه الاحتجاج بالحديث شبه مسلَّم.

ومن هؤلاء الذين اقتفوا أثر ابن مالك فى هذا الشأن فأكثروا من الاستشهاد بالحديث فى كتبهم الرضى الإستراباذى (686هـ) وابن هشام (761هـ) وكان لا يبارى فى ذلك الشأن، وابن عقيل (769هـ) وناظر الجيش (778هـ)، والدمامينى (827هـ)، والأشمونى (929هـ)، وابن الطيب الفاسى (1170هـ)، والبغدادى (1093هـ).

المتوسطون: وقد توسط فريق بين الفريقين السابقين وكان خيرَ ممثل لهم أبو الحسن الشاطبى (790هـ)، فى كتابه المقاصد الشافية فى شرح الخلاصة الكافية. فهو لم يمنع ذلك الاحتجاج مطلقًا، كما لم يسمح به مطلقًا. بل إنه - فى الواقع- عارَض المانعين، ورَماهم بالتناقض، وأخذ عليهم ترْكَهم المقصودَ للأحاديث، وعدم الاستشهاد بها، مع أنها آية فى الفصاحة والبلاغة والمتانة، إذ إن الناطق بها - كما فى الحديث الشهير- أُعْطِى جوامعَ الكَلِم ومفاتِحَه، الأمر الذى يؤهلها لتكون من المصادر المهمة لأهل اللغة عمومًا، لدى إقبالهم على تقعيد العربية، وضبط ألفاظها، وتحديدها، وتوثيقها.

وهو -من ناحية أخرى- لم يوافقِ المجيزين الداعين إلى الاستدلال بالأحاديث مطلقًا، دون تردُّد ودون تمييز، على نحو ما نجد لدى ابن مالك ومن اقتفى أثره. فالمادة الحديثية - فى نظر الشاطبى- قسمان: قِسمٌ يصح الاستشهاد به فى اللغة والنحو وغيرهما من العلوم اللسانية، ولا ينبغى الاختلاف حوله، وهو ستة أنواع كالآتى:

- ما يُروى بقصد الاستدلال به على فصاحته عليه الصلاة والسلام، كقوله صلى الله عليه وسلم : حَمِى الوَطيس. وكالأمثال النبوية، وككتابه صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر.

- ما يُروى من الأقوال التى يُتعبَّد بها، أو أُمِرَ بالتعبُّد بها، كألفاظ التحيات، وكثير من الأدعية التى كان يدعو بها النبى صلى الله عليه وسلم فى أوقات خاصة.

- ما يروى شاهدًا على أنه صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب به كلَّ قوم من العرب بلغتهم.

- الأحاديث التى وردت من طرق مختلفة واتّحدتْ ألفاظها، ممَّا يدلُّ على أن الرواة لم يتصرفوا فى لغتها.

- الأحاديث التى دوَّنها مَنْ نشأ فى بيئة عربية، لم تعرف انتشار اللحْن، كالإمام مالك بن أنس، والإمام الشافعى رضى الله عنهما.

- ما عُرف من حال رُواته أنهم لا يُجيزون رواية الحديث بالمعنى، كابن سيرين، والقاسم بن محمد [17].

والقسمُ الآخَر يضمُّ أحاديث لا يجوز الاحتجاج بها، ولا ينبغى الاختلاف فى أمرها هذا، ويَقصد بها الشاطبى تلك المنقولة بالمعنى دون اللفظ، وتلك التى لم تدوَّن فى الصدر الأول، وإنما تُروى فى بعض كتب المتأخرين. ويُضاف إليها الأحاديثُ المُنطوية على ألفاظ شاذة، أو هى محلُّ غمز بعض المحدّثين لها بالغلط أو التصحيف غمْزًا لا مردَّ له.

ولكن تسرُّب مثل هذه القوادح إلى رواية بعض الأحاديث ليس مدعاة إلى ترك الاحتجاج بالمادة الحديثية كلها بصفة مطلقة، بل يقتضى "ترك الاحتجاج بهذه الأحاديث فقط، وحمله على ضبط أحد الرواة فى هذه الألفاظ خاصة. وقد وقع فى الأشعار غلط وتصحيف، ومع ذلك فهى حجة من غير خِلاف" [18].

وأمَّا العُلمَاءُ المُعاصِرُونَ فقد دافَعُوا عَن مَوقِفِهِم مِن الاستِشهادِ بِالحَديثِ النَّبوى الشَّريفِ وعدُّوه مادَّة خِصبةً لِلدِّراساتِ اللُّغويَّةِ والنَّحويَّةِ، ومِنْ هؤلاءِ الشيخ محمد الخضر حسين فى كتابِهِ "دراسات فى العربية وتاريخها"، وكذلك فعل الأستاذ سعيد الأفغانى (ت 1417هـ) فى "أصول النحو"، ود. مهدى المخزومى فى كتابه مدرسة الكوفة" الَّذِى رَأَى فيهِ أنَّ النُّحاةَ الذين لم يحتَجُّوا بالحديثِ الشريفِ ضَيَّعُوا قِسمًا كبيرًا مِن مصادرِ لُغةِ العربِ. وقد ناقش طه الراوى فى كتابه "نظرات فى اللغة والنحو" آراءَ المانعينَ من الاحتِجاجِ بالحديثِ الشريفِ، وفنَّدَ حُجَجَهُم، وفعل فِعلَهُ أحمد كحيل فى رسالته "النحو فى الأندلس" حيث تحدَّثَ عن اهتمامِ الأندلسيينَ أيضا بالحديثِ الشريفِ والاستشهادِ بِهِ.

وقد أقر بهذا المذهب مجمع اللغة العربية فى مصر [19].

وتبدو وجاهة رأى المتوسطين فى هذه القضية من عِدة وجوه، منها:

1- أن عدم الاحتجاج بالحديث الشريف فى النحو إنكار للجهود الكبيرة التى بذلها المحدِّثون فى سبيل حفظ المتون الحديثية من التحريف والتصحيف والضياع.

2- أن كثيرًا من رواة الحديث من الصحابة رضوان الله عليهم، ورواة الحديث بعدهم كانوا عربًا أقحاحًا فصحاء وأن القلة القليلة منهم كانوا من [20].

3- أنه لا مانع من القول بحجية الحديث الشريف فى النحو مع وضع شروط لما يحتج به منه، شأنه فى ذلك شأن القراءات القرآنية وأشعار العرب ونثرهم.

4- أن الذين رفضوا الاستشهاد بالحديث الشريف -وعلى رأسهم ابن الضائع وأبو حيان- لم تخل كتبهم من بعض الأحاديث.

وفى هذا الصدد يقول الدكتور تمام حسان معقبًّا على مذهب المانعين: "... وإذا كان لنا من تعقيب على هذا الموقف فإنه كان ينبغى للنحاة أن يراعوا أن الذين تلقوا هذه الأحاديث تلقيًا مباشرًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا من الصحابة، وهم عرب خُلَّص من ذوى الفصاحة والسليقة، فلو أن واحدًا منهم خانته ذاكرته فى خصوص اللفظ لأدى المعنى بألفاظ فصيحة من عنده. فإذا سلمنا بذلك انتقلنا من بعدهم إلى رواة الحديث من التابعين وتابعى التابعين، فوجدناهم أحد فريقين لأنهم كانوا إما عربًا أقحاحًا يصدق عليهم ما صدق على الصحابة وإما من الأعاجم الذين عُرفوا بصدق حرصهم على حَرفية النصوص وأنهم إذا تلقوا عن صحابى أو تابعى عضوا بالنواجذ على ما كان لديهم ثم إنهم كان لهم من البصر بنقد الحديث سندًا ومتنا ما يدعو إلى الاطمئنان عليهم وإليهم من حيث المحافظة على النص ولا سيما أن الاعتماد على التدوين فى ذلك العصر لا بد أن يكون قد خفف الحمل عن ذواكر الحفاظ من المحدثين،... زد على ما تقدم أن هؤلاء الأعاجم لم يكونوا يروون الأحاديث فى عالم غير عالم النحاة الذين بدءوا جهودهم النحوية فى ظل مجتمع فصيح، أى إن هؤلاء المحدثين من الأعاجم كانوا يروون ما معهم من أحاديث فى وسط فصيح، ولم نسمع أن الأحاديث التى كانوا يروونها خالفت القواعد أكثر مما خالفها الشعر العربى المشتمل على الضرائر والرخص.

وعلى الرغم من ذلك نرى النحاة يُقيمون نحوهم على الشعر وهو لغة خاصة غير النثر ويتركون الأحاديث وهى أقل مخالفة لقواعدهم من الشعر، أضف إلى ذلك أن الرواية بالمعنى كانت شائعة فى الكثير من الشواهد الشعرية التى اعتز بها النحاة، يشهد بذلك تعدد رواية الشاهد الواحد، فلماذا تكون الرواية بالمعنى مانعًا من [21].

 

المطلب الثالث: التعريف بموضوع البحث

(العدول عن القاعدة النحوية فى متن النص الحديثى

- نماذج تطبيقية من إصدارات جمعية المكنز الإسلامى)

  • أولًا: العدول لغةً واصطلاحًا:

قال صاحب لسان العرب: يقال عَدَلَ عن الشىء عَدْلًا وعُدُولًا حادَ، وعَدَل عن الطريق جَارَ [22].

والمعنى الاصطلاحى مأخوذ من هذا المعنى اللغوى الذى فيه خروج عن العرف أو العادة ومخالفة لها. وهذا المفهوم يعنى أن هناك أصلًا يُعدَل عنه إلى غيره.

وقد ذكر الدكتور تمام حسان فى هذا الشأن أصلين هما أصل الوضع وأصل القاعدة، وهما تجريد قام به النحاة ليصلوا به إلى الاقتصاد العلمى. وقد يُعدل عنهما، وهذا العدول قد يكون مُطردًا وقد لا يكون كذلك، فيقول فى ذلك "العدول عن أصل القاعدة كالعدول عن أصل الوضع، إما مطرد أو غير مطرد، فإذا لم يكن مطردًا فهو الذى يُحفظ إن كان فصيحًا ثم لا يقاس عليه بسبب شذوذه... أما إذا كان العدول مطردًا فإن اطراده يجعله أهلًا لأن يقاس عليه، لأن الاطراد مناط القياس" [23].

ومنهج النحو العربى يُعنى بالشكل والاطراد العقلى المنطقى وفق نظرية العامل، ويلجأ إلى التقدير والتعليل والتأويل بالحذف أو الزيادة أو التضمين ليعالج ما يَعدل عن الأصول النحوية التى قررها النحاة ليعيد العبارة إلى أصولها.

أما مفهوم العدول الذى سنقيم عليه بحثنا هذا فهو التركيب النحوى الوارد فى الحديث الشريف على خلاف الاستعمال المشهور المطرد مع القواعد النحوية، ومن ثَم جاء وَفق ما منعه النحاة أو حكموا على مثله بالقلة أو الشذوذ أو الغرابة. ثم نحاول أن نثبت أن مظاهر العدول هذه لها تخريجاتها النحوية من غير تمحل ولا تقعر.

ويجب أن نُنوه إلى أن بعض مظاهر العدول عن القاعدة الواردة فى متون الحديث مرده إلى اللهجة أو اللغة التى آثر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بها فى هذا الموقف أو ذاك، والبعض الآخر مرده إلى اعتبارات بلاغية، وقد عبر ابن الأثير (637هـ) عن ذلك قائلًا: إن العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى لا يكون إلا لنوع خصوصية اقتضت ذلك، وهو لا يتوخاه فى كلامه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة الذى اطلع على أسرارها وفتش عن دفائنها [24].

  • ثانيًا: مفهوم النص الحديثى:

هو ما ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية، أو خُلُقية أو ما ينقل عن الصحابة والتابعين [25].

وما عدا القول يُحكَى بالقول.

  • ثالثًا: إصدارات جمعية المكنز:

هى الكتب الستة والموطأ ومسند الحميدى ومسند أحمد ومسند الدارمى والمعجم الصغير وسنن الدارقطنى.

 

۞۞۞۞۞ 

 

المبحث الثانى: نماذج من العدول عن القواعد النحوية فى كتب السنة

التى طبعتها جمعية المكنز الإسلامى

 

المطلب الأول: العدول النحوى فى الأفعال (الفعل المضارع نموذجًا)

 

  • المسألة الأولى: العدول فى الأفعال الخمسة.

(أ) حذف النون حالة الرفع تخفيفًا

القاعدة: الأفعال الخمسة (يفعلان – تفعلان – يفعلون – تفعلون - تفعلين) ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها [26].

العدول الأول: حذف النون حالة الرفع تخفيفًا [27].

* الشواهد من الحديث الشريف:

1- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى مسند أحمد: فَصَاحَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقِيلَ أَتَبْكِى [28]. وحديث عكرمة مرسلا فى الدارمى: فَقِيلَ لَهَا يَا أُمَّ أَيْمَنَ تَبْكِى [29].

2- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى الدارمى: فَقَالَتْ أَدْخُلُ الْكَعْبَةَ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ كُنْتِ تَثُجِّيهِ ثَجًّا [30].

3- حديث مالك بن هبيرة رضى الله عنه فى مسند أحمد: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّىَ عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُوا أَنْ يَكُونُوا ثَلاَثَ صُفُوفٍ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ [31] – وحديث عائشة رضى الله عنها فى الحميدى ومسند أحمد: فَيُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ يَبْلُغُوا أَنْ يَكُونُوا مِائَةً فَيَشْفَعُوا لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ [32].

4- حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد: كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّوا لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ [33].

5- حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد: مَا تَقُولِى يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِى الْحِنَّاءِ [34].

6- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى مسند أحمد: وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَاهَا وُحُوشًا [35].

7- حديث ابن مسعود رضى الله عنه فى الموطإ: لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلَهُ عَنْكُمْ [36].

8- حديث ابن عمر رضى الله عنهما فى ابن ماجه: ثُمَّ يَنْصَرِفُ الَّذِينَ سَجَدُوا السَّجْدَةَ مَعَ أَمِيرِهِمْ ثُمَّ يَكُونُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا [37].

9- حديث سمرة بن جندب رضى الله عنه فى مسند أحمد: تُوشِكُوا أَنْ يَمْلأَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْدِيَكُمْ مِنَ الْعَجَمِ [38].

10- حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه فى المعجم الصغير: فَقَالَ أَمَّا الَّذِى أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّى فَتَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [39].

11- حديث عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رضى الله عنها فى الدارمى: أَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَمْرَةَ بِكُرْسُفَةِ قُطْنٍ فِيهَا كَالصُّفْرَةِ تَسْأَلُهَا هَلْ تَرَىْ إِذَا لَمْ تَرَ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحِيضَةِ إِلَّا هَذَا أَنْ قَدْ طَهُرَتْ [40].

12- حديث ابن عمر رضى الله عنهما فى الدارقطنى: فَقَالَتْ فَمَا تَأْمُرُنِى قَالَ تُكَفِّرِى يَمِينَكِ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ فَتَاكِ وَفَتَاتِكِ [41].

13- حديث النعمان بن بشير رضى الله عنه فى مسند أحمد: فَأَوْصَدَ عَلَيْهِمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ تَذْكُرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً [42].

14- حديث أبى أمامة الباهلى صدى بن عجلان رضى الله عنه فى مسند أحمد: وَهَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُوا بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ [43].

15- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى مسند أحمد: أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ [44].

16- حديث الزبير رضى الله عنه فى مسند أحمد والترمذى: لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا [45]. وحديث أبى هريرة رضى الله عنه مسند أحمد وابن ماجه وأبى داود: لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا [46].

17- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى البخارى ومسلم ومسند أحمد: أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ [47].

18- حديث على رضى الله عنه فى البخارى: إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ [48].

19- حديث سلمة بن قيس الجرمى رضى الله عنه فى البخارى: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ [49].

* أقوال العلماء فى المسألة: (حذف النون حالة الرفع تخفيفًا)

قال ابن مالك: وحذف نون الرفع فى موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابت فى الكلام الفصيح نثره ونظمه [50].

قال النووى: وهى لغة فصيحة حذف النون من غير ناصب ولا جازم [51].

قال أبو حيان: وحذف هذه النون عند أصحابنا من غير جازم ولا ناصب ولا اجتماع مثلين مخصوص بالشعر إجراء لها مجرى الضمة فى ذلك [52].

قال السيوطى: وورد حذف هذه النون حالة الرفع فى النثر والنظم.... ولا يقاس على شىء من ذلك فى الاختيار [53].

وذكر السندى فى حاشيته على مسند أحمد أن العلة لحذف النون التخفيف [54]. وذكر فى موضع آخر فى حديث: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا. أن العلة المشاكلة [55].

وكلام ابن عبد الحق فى الاقتضاب: كذا الرواية [56]. والنووى فى شرحه لمسلم: هكذا هو فى جميع الأصول والروايات[57]. يؤكد صحة الرواية بحذف النون.

* التعقيب:

إن حذف النون مع نون الوقاية كثير، ومع غير نون الوقاية قليل، حكم عليه البعض بالندرة وحكم عليه آخرون بالشذوذ وجعله فى الشعر فقط للضرورة، لا يقاس على شىء من ذلك فى الاختيار. كما قال السيوطى [58].

(ب) إثبات النون حالة النصب والجزم [59]

* الشواهد من الحديث الشريف:

1 - حديث عائشة رضى الله عنها فى الحميدى: فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَلَمْ يَدْرِيَانِ كَيْفَ يَصْنَعَانِ [60].

2 - حديث أم سلمة رضى الله عنها فى مسند أحمد والدارمى: إِنَّكِ لَمْ تَحِلِّينَ [61].

3 - حديث ابن عمر رضى الله عنهما فى مسند أحمد: حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ [62].

4 - حديث الربيع بنت معوذ رضى الله عنها فى ابن ماجه: فَتَمْكُثِينَ عِنْدَهُ حَتَّى تَحِيضِينَ حَيْضَةً [63].

5 - حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى الحميدى: لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُونَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ. قَالَ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ [64].

6 - حديث البراء بن عازب رضى الله عنه فى البخارى: كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ [65].

7 - حديث عائشة رضى الله عنها فى ابن ماجه: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِى لَكِ أَنْ تَسْأَلِينَ بِهِ شَيْئًا لِلدُّنْيَا [66].

8 - حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد: قَالَتْ مَا أُوتِرُ حَتَّى يُؤَذِّنُونَ وَمَا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ [67].

9 - حديث فاطمة بنت قيس رضى الله عنها فى الحميدى: وَلَكِنْ فِى هَذَا الدَّيْرِ رَجُلٌ بِالْأَشْوَاقِ إِلَى أَنْ يُخْبِرَكُمْ وَتُخْبِرُونَهُ [68].

10 - حديث ابن عمرو رضى الله عنهما فى مسند أحمد: إِنَّ لِى ذَوِى أَرْحَامٍ أَصِلُ وَيَقْطَعُونِى وَأَعْفُو وَيَظْلِمُونَ وَأُحْسِنُ وَيُسِيئُونَ أَفَأُكَافِئُهُمْ قَالَ لَا إِذًا تُتْرَكُونَ جَمِيعًا وَلَكِنْ خُذْ بِالْفَضْلِ وَصِلْهُمْ [69].

* أقوال العلماء فى المسألة: (إثبات النون حالة النصب والجزم)

قال ابن مالك: قاموا قيامًا حتى يرونه قد سجد... فحقه أن يكون بلا نون، لاستحقاقه النصب. لكنه جاء على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملا على ما أختها [70].

قال النووى: وإثبات النون مع الناصب لغة قليلة ذكرها جماعة من محققى النحويين وجاءت متكررة فى الأحاديث الصحيحة كما ستراها فى مواضعها إن شاء الله تعالى والله أعلم [71].

قال الشاطبى: كما أن النون قد تحذف فى الرفع وتثبت فى النصب [72].

قال الكرمانى: قوله لم تحلى له فى بعضها لم تحلين، فإن قلت ما وجهه إذ كلمة لم جازمة قلت هو بمعنى لا تحلين [73].

قال الطيبى: حتى يرونه قد سجد... فحقه أن يكون بلا نون لكنه جاء على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملا على ما أختها [74].

* التعقيب:

إن إثبات نون الأفعال الخمسة مع الناصب والجازم قليل نادر، لا يقاس عليه.

 

  • المسألة الثانية: الفعل المعتل الآخر

(أ) ثبوت حرف العلة فى آخر المضارع المجزوم

القاعدة: يُحذف حرف العلة من آخر المضارع فى حالة الجزم [75].

العدول: ثبوت حرف العلة فى آخر المضارع فى حالة الجزم [76].

* الشواهد من الحديث الشريف:

1- حديث أنس رضى الله عنه فى البخارى: إِنْ يَكُ فِى الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ [77].

2- حديث عمر رضى الله عنه فى مسلم: مَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ يُعَذَّبُ [78].

3- حديث عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه فى المعجم الصغير: يَا خَالِدُ لَا تُؤْذِى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ [79].

4- حديث عبد الله بن زيد الأنصارى رضى الله عنه فى ابن ماجه: فَاخْرُجْ مَعَ بِلَالٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ وَلْيُنَادِى بِلَالٌ [80].

5- حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه فى البخارى: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يُرِيدُ الثُّومَ - فَلاَ يَغْشَانَا فِى مَسَاجِدِنَا [81].

6- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى البخارى ومسلم: لاَ يُصَلِّى أَحَدُكُمْ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ [82].

7- حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد: لِيَلِيهِ أَقْرَبُكُمْ مِنْهُ [83].

8- حديث عائشة رضى الله عنها فى ابن ماجه: فَلْيَتَعَزَّى بِمُصِيبَتِهِ بِى عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِى تُصِيبُهُ بِغَيْرِى [84].

9- حديث أبى بكرة رضى الله عنه فى مسند أحمد وابن ماجه والدارقطنى والمعجم الصغير: لَا يَقْضِى الْقَاضِى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ [85].

10- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى مسند أحمد: قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ [86].

11- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى مسند أحمد: قَالَ فَلاَ تُفْتِى بِذَلِكَ [87].

12- حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما فى مسند أحمد: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَى وَرَتِّلْ [88].

13- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى البخارى: وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأُدْعَى لَهُ. وفى مسند أحمد: وَمَنْ تَرَكَ ضَيَاعًا أَوْ كَلاًّ فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلْأُدْعَى لَهُ [89].

* أقوال العلماء فى المسألة: (ثبوت حرف العلة فى آخر المضارع المجزوم)

قال ابن حجر: فَلْأُدْعَى... وإثبات الألف بعد العين جائز... والأصل عدم الإشباع للجزم [90].

وقال السندى: قوله: مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ ... وَيَنْهَى. الظاهر: يَنْهَ. فكأن الألف للإشباع، أو لإعطاء المعتل حكم الصحيح [91].

وقال أيضًا: قوله: قال فلا تُفتِ بذلك. الظاهر أنه نَهْى، لكن الثابت فى النسخ: فلا تُفتِى. بثبوتِ الياء، فهو إما نفى بمعنى النهى، أو من إجراء المعتل مجرى الصحيح، أو الياء للإشباع، والله تعالى أعلم [92].

* التعقيب:

إن المسألة الواحدة تتعدد لها التخريجات مثل:

 1 - فلأدعى قيل: اللام لام التوكيد. وقيل: لام الأمر. والألف للإشباع أو من إجراء المعتل مجرى الصحيح.

2 – فلا تُفْتى. قيل: نفى بمعنى النهى. وقيل: نهى والألف للإشباع، أو من إجراء المعتل مجرى الصحيح.

ونخلص من ذلك أن التخريج قد يكون فى أحد أمرين:

1 – الاختلاف فى نوعية الأسلوب (نفى أو نهى أو أمر أو توكيد).

2 – الاتفاق على الأسلوب ولكن الاختلاف فى التوجيه كالاختلاف فى توجيه ثبوت حرف العلة على أنه من باب الإشباع، أو من باب إجراء المعتل مجرى الصحيح أو غير ذلك من التوجيهات.

ولكن المتفق عليه ثبوت الظاهرة.

 

المطلب الثانى: العدول النحوى فى الأسماء

(أ) المسألة الأولى: إظهار ضمير الجمع والتثنية فى الفعل إذا تقدم.

القاعدة: إذا تقدم الفعل على المسند إليه فاللغة المشهورة ألا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، بل يكون لفظه قبل غير الواحد والواحدة كلفظه قبلهما [93].

العدول: ومن العرب من يوليه قبل الاثنين ألفا، وقبل المذكَّرين واوًا، وقبل الإناث نونًا مدلولا بها على حال الفاعل الآتى قبل أن يأتي، كما دلتْ تاء فعلتْ هند على تأنيث الفاعلة قبل أن يذكر اسمها، والعَلَم على هذه اللغة قول بعض العرب: أكلونى البراغيث [94].

* الشواهد من الحديث النبوى الشريف:

 1- حديث عمر رضى الله عنه فى الدارمى: وَلَا يَرِثُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ [95].

 2- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى البخارى ومسلم والموطإ ومسند أحمد والنسائى: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ [96].

3- حديث عَائِشَةَ رضى الله عنها فى البخارى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ [97].

4- حديث عائشة رضى الله عنها فى البخارى: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ [98]. وفى ابن ماجه: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يُصَلِّينَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ [99].

5- حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما فى مسلم: وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِينَ النِّسَاءُ صَدَقَةً [100]. وفى مسند أحمد: وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِينَ فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً [101].

6- حديث عَائِشَةَ رضى الله عنها فى صحيح مسلم: ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ [102].

7- حديث عمران بن حصين رضى الله عنه فى مسلم: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ [103].

8- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى ابن ماجه: فَلَمَّا كَانَ حِينَ تُصْرَمُ النَّخْلُ بَعَثَ إِلَيْهِمُ ابْنَ رَوَاحَةَ فَحَزَرَ النَّخْلَ وَهُوَ الَّذِى يَدْعُونَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْخَرْصَ [104].

9- حديث ابن مسعود رضى الله عنه فى مسند أحمد: إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَانِ اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ [105].

10- حديث جابر رضى الله عنه فى مسند أحمد: فَقُلْنَ نِسَاؤُهُ وَاللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ[106].

11 - حديث كعب الأحبار رضى الله عنه فى الموطإ: قَالَ كَعْبٌ أَتَدْرِى مَا كَانَتَا نَعْلَا مُوسَى [107].

12- حديث جرير رضى الله عنه فى الحميدى: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ - أَوْ قَالَ بِتِبْرٍ - فَأَلْقَاهَا فَتَتَابَعُوا النَّاسُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [108].

13 - حديث سفينة رضى الله عنه فى الترمذى: فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ بَنِى أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِلاَفَةَ فِيهِمْ قَالَ كَذَبُوا بَنُو الزَّرْقَاءِ [109].

14 - حديث أنس رضى الله عنه فى مسلم والحميدى وأحمد: قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ وَكُنَّ أُمَّهَاتِى يَحْثُثْنَنِى (وفى مسند أحمد: تَحُثُّنِّى) عَلَى خِدْمَتِهِ [110].

15 - حديث وائل بن حجر رضى الله عنه فى أبى داود: فَلَمَّا سَجَدَ وَقَعَتَا رُكْبَتَاهُ إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ كَفَّاهُ [111].

16 - حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد والنسائى: اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلْنَ فَاطِمَةَ [112].

17 - حديث أم عطية الأنصارية رضى الله عنها فى البخارى ومسند أحمد: وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى [113] [113].

18 - حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة رضى الله عنهما فى البخارى: فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ [114].

وقد اختلفت النسخ فى بعض الألفاظ، واخترنا الأشهر فى المتن وأشرنا إلى النادر فى الحاشية كما فى مسند أحمد فى الأحاديث التالية:

رقم 2417 بلفظ: بَأْسَتِ اللاَّتُ وَالْعُزَّى. ولفظ: بَأْسَتَا اللاَّتُ وَالْعُزَّى.

ورقم 2419 بلفظ: سَجَدَ الَّذِينَ كَانُوا قِيَامًا لأَنْفُسِهِمْ. ولفظ: سَجَدُوا الَّذِينَ كَانُوا قِيَامًا لأَنْفُسِهِمْ.

ورقم 17433 بلفظ: وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ. ولفظ: وَيَقُولون الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ.

* أقوال العلماء فى المسألة: (إظهار ضمير الجمع والتثنية فى الفعل إذا تقدم)

قال سيبويه: واعلم أن من العرب من يقول ضربونى قومُك، وضربانى أخواك فشبهوا هذا بالتاء التى يظهرونها فى قالت فلانة وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنث، وهى قليلة... وأما قوله جل ثناؤه وأسروا النجوى الذين ظلموا فإنما يجىء على البدل [115].

قال ابن هشام: وحكى البصريون عن طيئ، وبعضهم عن أزد شنوءة، نحو: ضربونى قومك وضربتنى نسوتك وضربانى أخواك.... والصحيح أن الألف والواو والنون فى ذلك أحرف دلوا بها على التثنية والجمع كما دل الجميع بالتاء فى نحو قامت على التأنيث، لا أنها ضمائر الفاعلين، وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير، أو تابع على الإبدال من الضمير [116].

قال ابن مالك: ومن العرب من يقول: حضرا أخواك، وانطلقوا عبيدك، وتَبِعْنهم إماؤك والسبب فى هذا الاستعمال أن الفاعل قد يكون غير قابل لعلامة تثنية ولا جمع كـ مَن فإذا قصدت تثنيته أو جمعه والفعل مجرد لم يعلم القصد، فأراد أصحاب هذه اللغة تمييز فعل الواحد من غيره فوصلوه عند قصد التثنية والجمع بعلامتيهما، وجردوه عند قصد الإفراد، فرفعوا اللبس، ثم التزموا ذلك فيما لا لبس فيه، ليجرى الكتاب على سَنن واحد وعلى هذه اللغة قول النبى صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة وقول من روى كن نساء المؤمنات، وقول أنس وكن أمهاتى يحثثننى [117].

قال النووى: وقوله حتى احمرتا عيناه. كذا هو فى الأصول وهو صحيح جار على لغة أكلونى البراغيث. ومثله: وأسروا النجوى الذين ظلموا. على أحد المذاهب فيها ومثله: يتعاقبون فيكم ملائكة. وأشباهه كثيرة معروفة [118].

وقد ذُكرت القضية كثيرًا فى كتب الشروح مثل:

شرح النووى على صحيح مسلم 5/12، 133، 6/174، 13 / 202.

وشرح أبى داود للعينى 3/ 328، 5 / 374، 6/84.

وإكمال المعلم 2/598، 7/456.

* التعقيب:

إن هذه الظاهرة موجودة فى لغة العرب نظما ونثرا، والقرآن والحديث يشهدان لها وهى فصيحة، لذا لا داعى للتأويلات كالبدلية وغيرها، إذ قد صحت هذه اللغة نقلا واستعمالا، ثم إنها جارية على قياس إلحاق علامة تأنيث الفاعل بالفعل، ولكن لا يقاس عليها فى الاختيار.

(ب) المسألة الثانية: إلزام المثنى وملحقاته الألف

القاعدة: التثنيةُ جَعْلُ الاسم القابل دليلَ اثنين... بزيادة ألف فى آخره رفعا، وياء مفتوح ما قبلها جرا ونصبا، تليهما نون مكسورة [119].

العدول: لزوم المثنى الألف لغة، وقد حكى الكسائى أنها لغة لبنى الحارث بن كعب وزُبيد وخَثْعم [120].

* الشواهد من الحديث النبوى الشريف:

1- حديث جابر رضى الله عنه فى مسند أحمد: لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيَانِ [121].

2- حديث أبى بن كعب رضى الله عنه فى مسند أحمد: لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَسَأَلَ وَادِيًا ثَالِثًا [122].

3- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى مسند أحمد: رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا عِنْدَ الْكِبَرِ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ [123].

4- حديث على رضى الله عنه فى ابن ماجه: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرِيرًا بِشِمَالِهِ وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ إِنَّ هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِى حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ [124].

5- حديث أبى بكر رضى الله عنه فى مسلم: وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ [125].

6- حديث ابن مسعود رضى الله عنه فى مسند أحمد: إِيَّاكُمْ وَهَاتَانِ الْكَعْبَتَانِ الْمَوْسُومَتَانِ اللَّتَانِ تُزْجَرَانِ زَجْرًا فَإِنَّهُمَا مَيْسِرُ الْعَجَمِ [126].

7- حديث على رضى الله عنه فى الدارقطنى: وَيَقُولُ لَهُمَا إِذَا خَرَجَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرَفِ أُذُنَيْهِ أَوْ أُذُنٍ أَوْ عِذَارٍ فَاجْعَلُوا السُّبْقَةَ لَهُ فَإِنْ شَكَكْتُمَا فَاجْعَلَا سَبْقَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَرَنْتُمْ ثُنَيَّانِ فَاجْعَلُوا الْغَايَةَ مِنْ غَايَةِ أَصْغَرِ الثُّنَيَّتَيْنِ [127].

8- حديث أم رومان رضى الله عنها فى البخارى: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ، إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهْىَ تَقُولُ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ [128].

9- حديث أنس بن مالك الكعبى القشيرى رضى الله عنه فى مسند أحمد: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم كِلاَهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا. وفى ابن ماجه: كِلْتَاهُمَا أَوْ إِحْدَاهُمَا[129].

10- حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه فى الدارمى: مَنْ قَرَأَ أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَةَ الْكُرْسِىِّ وَآيَتَانِ بَعْدَ آيَةِ الْكُرْسِىِّ وَثَلَاثًا مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَقْرَبْهُ وَلَا أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ شَيْطَانٌ [130].

 11- حديث أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه فى مسند أحمد بلفظ: اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ [131]. وفى بعض النسخ: اقْرَءُوا الزَّهْرَاوان.

* أقوال العلماء فى المسألة: (إلزام المثنى وملحقاته الألف)

قال أبو حيان عن لزوم الألف فى الرفع والنصب والجر عند بنى الحارث: أجروا المثنى مجرى الاسم المقصور، قيل: وهو القياس، إلا أن معظم العرب أرادوا التفرقة بين الرفع وغيره، فقلبوا تلك الألف ياء... وحكى الكسائى أن ذلك لغة لبنى الحارث بن كعب وزُبيد وخَثْعم وهَمْدان... وذكر أبو الخطاب أنها لغةٌ لكنانة. وذكر غيره أنها لغة لبنى العَنْبر وبنى الهُجَيم وبطون من ربيعة... وفى البسيط أنها لغة بكر بن وائل. فهذه طوائف من العرب الفصحاء وافقوا بنى الحارث بن كعب فى هذه اللغة، وذهب أبو العباس إلى إنكار هذه اللغة، ولا يجيز مثلها فى كلام ولا شعر. وهو محجوج بنقل النحاة الثقات عن هؤلاء الطوائف من العرب، وأحسن ما خُرِّج عليه قوله تعالى: إنَّ هذان لساحران. فى قراءة من قرأ هذان بالألف من قراء السبعة حمله على هذه اللغة [132].

قال ابن عقيل: ورُوى: كأن ثدياه حُقَّان. فيكون اسم كأن محذوفا وهو ضمير الشأن والتقدير: كأنه ثدياه حقان وثدياه حقان مبتدأ وخبر فى موضع رفع خبر كأن، ويحتمل أن يكون ثدياه اسم كأن وجاء بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف فى الأحوال كلها [133].

وقال النووى: قوله فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا هكذا هو فى أكثر النسخ اثنا عشر وفى بعضها اثنى عشر وهذا ظاهر، والأول أصح على لغة من يجعل المثنى بالألف سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، وهى لغة أربع قبائل من العرب وقد كثرت فى كلام العرب [134][134].

* التعقيب:

إن كثرة الشواهد نثرا وشعرا، وذِكْر أبى حيان لأسماء طوائف من العرب الفصحاء التى تلزم المثنى الألف، ورده على من أنكر ذلك بقوله: وهو محجوج بنقل النحاة الثقات عن هؤلاء الطوائف من العرب. يدل على شيوعها فى النثر والنظم.

(ج) المسألة الثالثة: المضاف إليه

(أ) العدول الأول: حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا

القاعدة: يحذف المضاف لقيام قرينة تدل عليه ويقام المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه [135].

العدول: قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورًا [136].

الشواهد من الحديث النبوى الشريف

1- حديث عبد الله بن أنيس رضى الله عنه فى مسلم: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ [137].

2- حديث أنس رضى الله عنه فى مسند أحمد: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَكُونُ فِيهِ رِطْلَيْنِ [138].

3- حديث جابر رضى الله عنه فى مسند أحمد: تُوُفِّىَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى عَلَيْهِ فَقُلْنَا تُصَلِّى عَلَيْهِ فَخَطَا خُطًا ثُمَّ قَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قُلْنَا دِينَارَيْنِ فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ [139].

4- حديث خريم بن فاتك رضى الله عنه فى مسند أحمد: نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ يَا خُرَيْمُ لَوْلاَ خَلَّتَيْنِ فِيكَ [140].

5- حديث عائشة رضى الله عنها فى مسند أحمد: كَانَتْ صَلاَتُهُ فِى رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ سَوَاءً ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِيهَا رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ [141].

6- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى المعجم الصغير: وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَىِ الضُّحَى [142].

7- عنوان باب فى ابن ماجه: باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُوطَأَ عَقِبَيْهِ [143].

8- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى مسند أحمد: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِى [144]. وفى بعض نسخ المسند: أين المتحابين.

9- حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى مسند أحمد: أَفْضَلُ النَّاسِ رَجُلاَنِ [145] وفى بعض النسخ: أفضل الناس رجلين.

* أقوال العلماء فى المسألة : (حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا)

قال ابن عقيل: قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا كما كان عند ذكر المضاف لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف كقول الشاعر: أكلَّ امرئٍ تَحسبينَ امرأً... ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا.

والتقدير وكل نار، فحذف كل وبقى المضاف إليه مجرورا، كما كان عند ذكرها، والشرط موجود وهو العطف على مماثل المحذوف وهو كل فى قوله: أكل امرئ.

وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره والمحذوف ليس مماثلا للملفوظ بل مقابل له كقوله تعالى: تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرةِ. (الأنفال: 67) فى قراءة من جر الآخرة، والتقدير: والله يريد باقى الآخرة. ومنهم من يقدره: والله يريد عرض الآخرة، فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ به، والأول أولى، وكذا قدره ابن أبى الربيع فى شرحه للإيضاح [146].

قال النووى: قوله: وكان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين. هكذا هو فى معظم النسخ، وفى بعضها ثلاث وعشرون، وهذا ظاهر، والأول جار على لغة شاذة أنه يجوز حذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا، أى ليلة ثلاث وعشرين [147].

وذكر ابن رسلان أيضا أنها لغة شاذة [148].

قال ابن مالك: ثم أشرت إلى حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا، وأنه مقيس وغير مقيس، فأما المقيس فما حذف منه مضاف مذكور قبله مثله لفظا ومعنى... وأما غير المقيس فما خالف المقيس بخلوه مما قيدته به [149].

* التعقيب:

إن الأمثلة فى هذه المسألة قليلة وغير شائعة، لذا قال عنها النووى وابن رسلان: لغة شاذة.

(ب) العدول الثانى: إضافة الموصوف إلى صفته

القاعدة: ولا يضاف اسم لما به اتحد فى المعنى كالمترادفين وكالموصوف وصفته [150].

العدول: أجاز الكوفيون إضافة الموصوف إلى صفته [151].

* الشواهد من الحديث النبوى الشريف:

1- حديث ابن عمرو رضى الله عنهما فى ابن ماجه: فَأَىُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرُ الْحَرَامِ [152].

2- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى مسلم: فَلاَ نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِى شَهْرِ الْحَرَامِ [153].

3- حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى البخارى، ومسلم: لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِى شَهْرِ الْحَرَامِ [154].

4- حديث أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى مسند أحمد: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامِى هَذَا عَامَ الأَوَّلِ وَبَكَى أَبُو بَكْرٍ [155].

5- حديث حواء بنت يزيد رضى الله عنها فى مسند أحمد: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ [156].

6- حديث على رضى الله عنه فى البخارى ومسلم ومسند أحمد والترمذى: شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى [157]. وورد فى مواضع أخرى فى البخارى ومسلم ومسند أحمد وأبى داود: حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى [158]. وحديث ابن مسعود رضى الله عنه فى ابن ماجه: حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى [159].

7- حديث عائشة رضى الله عنها فى الترمذى: لاَ يَعْتَكِف إِلاَّ فِى مَسْجِدِ الْجَامِعِ [160].

8- حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه فى البخارى ومسند أحمد: وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى [161]. وروى بألفاظ أخرى متقاربة فى مواضع كثيرة.

9- حديث سلمة بن الأكوع رضى الله عنه فى البخارى ومسلم: عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ قَالَ عَلَى أَىِّ لَحْمٍ قَالُوا لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ [162].

10- حديث على رضى الله عنه فى مسند أحمد: كَيْفَ تَقُولُ فِى الْمَشْىِ مَعَ الْجَنَازَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا أَوْ خَلْفَهَا فَقَالَ عَلِىٌّ إِنَّ فَضْلَ الْمَشْىِ خَلْفَهَا عَلَى بَيْنَ يَدَيْهَا كَفَضْلِ صَلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِى جَمَاعَةٍ عَلَى الْوَحْدَةِ [163].

11- حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه فى مسند أحمد: وَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ صَلاَةَ الْمَكْتُوبَةِ [164].

12- باب فى الدارمى: باب فى فضل يد العليا [165].

13- حديث خالد بن الوليد رضى الله عنه فى الدارمى: فقالت امرأة من نسوة الحضور [166].

* أقوال العلماء فى المسألة: (إضافة الموصوف إلى صفته)

قال ابن عقيل: وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته فمؤول على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة كقولهم حبة الحمقاء وصلاة الأولى، والأصل حبة البقلة الحمقاء وصلاة الساعة الأولى، فالحمقاء صفة للبقلة لا للحبة، والأولى صفة للساعة لا للصلاة، ثم حذف المضاف إليه وهو البقلة والساعة، وأقيمت صفته مقامه فصار حبة الحمقاء وصلاة الأولى، فلم يضف الموصوف إلى صفته بل إلى صفة غيره [167].

قال ابن عبد الحق: إلا صلاة المكتوبة. من رواه هكذا، فقياسه عند البصريين: أن يكون أراد: إلا صلاة الفريضة المكتوبة. فحذف الموصوف، وأقام صفته مقامه ولذلك يقولون فى قوله تعالى: وحب الحصيد. إن معناه: وحب النبت الحصيد، وكذلك قوله تعالى: ولدار الآخرة. أى: ولدار الحياة الآخرة، كراهية أن يضيفوا الموصوف إلى صفته، وهو خطأ فى القياس [168].

وقال فى موضع آخر: وقوله: ثم عليهما حج قابل ومن عام قابل. يجوز تنوين العام، وترك تنوينه، فمن نونه جعل القابل صفة له، ومعناه كمعنى مقبل، لأنه يقال: قبل وأقبل، ودبر وأدبر. ومن لم ينون العام وأضاف فوجهه عند البصريين: أنه أراد: من عام وقت قابل، أو من زمان قابل، أو نحوه، ثم حذف الموصوف وأقام صفته مقامه، على نحو قوله تعالى: ولدار الآخرة أراد: الحياة الآخرة، وقولهم: مسجد الجامع، أى: مسجد اليوم الجامع. والكوفيون يجيزون فى مثل هذا إضافة الموصوف إلى صفته [169].

قال ابن مالك: وفى إضافة نساء إلى المؤمنات شاهد على إضافة الموصوف إلى الصفة عند أمن اللبس [170].

قال النووى: وقولهم شهر الحرام كذا هو فى الأصول كلها بإضافة شهر إلى الحرام، وفى الرواية الأخرى: أشهر الحرم. والقول فيه كالقول فى نظائره من قولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى. ومنه قول الله تعالى: بجانب الغربى. (القصص: 44). ولدار الآخرة. (يوسف: 109، النحل: 30). فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم، وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف فى الكلام للعلم به فتقديره شهر الوقت الحرام، وأشهر الأوقات الحرم، ومسجد المكان الجامع، ودار الحياة الآخرة، وجانب المكان الغربى، ونحو ذلك والله أعلم [171].

وقد ذكر النووى هذه الظاهرة فى شرحه على صحيح مسلم فى المواضع التالية: 4/193، 5/129، 189، 9/168، 12/138، 167.

قال الرضى: والمختلف فى جواز إضافة أحدهما إلى الآخر: الموصوف وصفته، فالكوفيون جوزوا إضافة الموصوف إلى صفته، وبالعكس... والبصريون قالوا: لا يجوز إضافة الصفة إلى الموصوف، ولا العكس. ولهذا ينصبون المرفوع بالصفة إذا أريد الإضافة إليه، فى نحو: حسن الوجه، كما مر، وذلك لأن الصفة والموصوف واقعان على شىء واحد، فهو إضافة الشىء إلى نفسه، ولا يتم لهم هذا مع الكوفيين، لأنهم يجوزون إضافة الشىء إلى نفسه، مع اختلاف اللفظين، كما يجىء من مذهب الفراء... إن العرب تجيز إضافة الشىء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان... والإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه... ولو قلنا إن بين الاسمين فى كل موضع فرقًا لاحتجنا إلى تعسفات كثيرة [172].

*التعقيب:

إن شيوع هذه الظاهرة لا يحوجنى إلى تأويل، لذا نذهب إلى المذهب الكوفى فيها، فالعرب تجيز إضافة الشىء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان.

  ۞۞۞۞۞

الخاتمة

إن النحاة لم ينكروا وجود شواهد صحيحة فصيحة عدلت عن قواعدهم، فحكموا عليها بالقلة أو الندرة أو الشذوذ الذى لا يقاس عليه، أو حاولوا البحث لها عن تأويل مقبول كالتأويل بالحذف أو الزيادة أو التضمين أو الحمل على المعنى، أو علَّلوا ذلك بعلل كالخفة أو الثقل أو كثرة الاستعمال أو أمن اللبس أو التوهم أو غير ذلك من الأمور.

وهذا يتلاءم مع طبيعة اللغة، فاللغة ظاهرة اجتماعية لا يمكن إخضاعها لقوانين صارمة جامدة توقف تغيرها وتطورها، وهى الوسيلة الأساسية لتواصل الناس فيما بينهم إضافة إلى أنها تُنظم حياتهم العملية والعلمية والشرعية والقانونية وتحفظ علومهم وآدابهم ومعارفهم وتنقلها من جيل إلى آخر. وإن العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى لا يكون إلا لنوع خصوصية اقتضت ذلك.

 ۞۞۞۞۞

نتائج البحث

 1 - إن انصراف النحاة الأوائل عن الاحتجاج بالحديث لا يعنى عدم ذكر الحديث فى كتبهم، وإنما يعنى أنهم لم يتوسعوا فى الاحتجاج به كما توسعوا بالاحتجاج بالقرآن والشعر، وكلام العرب.

2 - إن الخلاف بين النحاة كان على الاحتجاج بالحديث فى المسائل النحوية من قبيل إثبات قواعد جديدة أو الاستدراك على قواعد النحاة الأوائل، أما الاحتجاج بالحديث فى متن اللغة فلا خلاف فيه.

 3 - إن العدول قد تكون له شواهد كثيرة تؤيده كما فى إلزام المثنى الألف، أو نادرة جدًّا كما فى حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا.

4 – إن قلة الشواهد لا يعنى خطأ الظاهرة.

5 - إن مؤسسى القواعد بنوا القواعد على الكثير الغالب - وهذا أصل فى كل العلوم - وما عدل عن القاعدة قالوا عنه: صحيح أو لغة أو مشهور أو نادر أو قليل أو شاذ أو لا يقاس عليه. وكانت عباراتهم دقيقة متنوعة تبعا لكثرة شواهد العدول وقلتها.

6- لقد حوى الحديث الشريف كثيرا من اللهجات.

7 – بعض العدول استدعاه السياق كالمشاكلة مثلا فى الحديث: لا تؤمنوا حتى تحابوا. وكالتخفيف بحذف النون، وكالإشباع.

۞۞۞۞۞

التوصيات

نوصى بوجود دراسات جامعة مستوفية لاستخراج هذه الظواهر من القراءات والحديث والشعر وكلام العرب لبيان مدى انتشار هذه اللغة أو الظاهرة عند العرب، وبيان الكثير المطرد منها من القليل النادر أو الشاذ.

 

 

 



 

 

العودة لصفحة المؤتمر