كلمة فضيلة مفتى الديار المصرية

الأستاذ الدكتور شوقى علام

العودة لصفحة المؤتمر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فضيلة مولانا العلامة الأستاذ الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لجمعية المكنز الإسلامى، وأستاذ علم أصول الفقه.

فضيله مولانا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، وأستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر الشريف.

فضيلة مولانا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، عضو هيئة كبار العلماء، وأستاذ الحديث بجامعة الأزهر الشريف.

علماء الحديث، وشيوخه، وطلابه، أحييكم جميعًا فى هذا المؤتمر الكريم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنه لمن دواعى سرورى أن أشارك فى هذه الاحتفالية العلمية التى تتعلق بأهم مصدر من مصادر الحضارة الإسلامية بعد كتاب الله تعالى، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.

وهذا يرجع إلى السنة النبوية ليست مصدرًا للتشريع فحسب؛ بل هى مصدر لأحكام العبادة وقواعد المعاملة، وهى مصدر للأخلاق الظاهرة والباطنة، وهى مصدر للسياسات والمناهج الحضارية، إنها مصدر الأفكار والرؤى، مصدر لتحقيق أمال البشرية.

فالسنة النبوية جامعة لأقوال وأفعال وأحوال خير البشرية صلى الله عليه وسلم، مِشكاة العلم، وسراج العبادة، ومنبع الأخلاق، عَلَم الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلم.

السادة الكرام، إن السنة النبوية المشرفة ركن ركين للهواية العربية الإسلامية، كانت ولا زالت منبعًا لعلومها وأفكارها، تناقلتها الأجيال فى السماع والرواية كابرًا عن كابر، وتدراسها العلماء والأدباء والمؤرخون،  ولا زال مَعين علومها غضًا، ولقد اعتنت الأمة الإسلامية بالسنة النبوية المشرفة، وابتكرت لذلك فكرة الإسناد، التى لم تُعرف فى حضارة قبلها، ووضعت لرواية الحديث النبوى الشريف علومًا، وأسست له قواعد؛ فصار بقاء الحديث النبوى الشريف بالسند المتصل خِصيصة اختص الله سبحانه وتعالى بها هذه الأمة .

وإن فكرة الإسناد وتحقيق غايات حفظ ودراسة الحديث النبوى الشريف لا تتم إلا بالتيقن من صحة الألفاظ المنقولة قبل النظر فى معانيها، ومن هنا تبروز أهمية تحقيق النص الحديثى، وتظهر أهمية علوم التحقيق، وما يتعلق بها من دراسة المخطوط العربى، الذى ما فتئت الجهود تُبذل لجمعه وتهيئته وفك شفرته باعتباره أهم موارد الحضارة الإسلامية ومصادرها.

السادة العلماء، لقد تواتر بين مختلف المعنين ما أعطاه العرب منذ العصور الإسلامية الأولى  للمخطوطات من عناية، فضمت الكثير منها المكتباتُ العامة فى جميع أرجاء بلاد العرب والمسلمين، كذا المكتبات المدرسية والمتخصصة، والمكتبات العلمية التى حفلت بملايين المخطوطات، وذلك كمكتبة دار العلم بالقاهرة، التى حوت فوق رفوفها إبان القرن الحادى عشر الميلادى زهاء مليونى مخطوط، وكذلك مكتبة بنى عمار فى طرابلس لبنان، التى حوت عند مطلع القرن الثانى عشر الميلادى حوالى ثلاثة ملايين مخطوط، وغير ذلك كثير، ولعل من أهم المكتبات التى حفظت المخطوط العربى عامةً والحديثى منه خاصةً - مكتبات المساجد وما وُقِفَ من كتب ومخطوطات فيها، وذلك كمكتبة الحرم النبوى الشريف والحرم المكى، وكذلك المكتبة العامرة مكتبة الجامع الأزهر الشريف.

ولقد قامت جهود كبيرة لجمع وحفظ هذا التراث الإنسانى، وكانت الجهود العلمية الأكبر والأكثر تأثيرًا فى العقيدة والعبادة والأخلاق كانت لحفظ ودراسة وتحقيق النص الحديثى، وقامت معاهد وجامعات ومؤسسات علمية عدة بدورها فى تحقيق التراث النبوى الشريف.

ولقد ساهمت جمعية المكنز بدور كبير فى حفظ وتحقيق التراث الإسلامى عامة، والنص الحديثى خاصة، فاعتنت بالكتب الحديثية التى نهضة لتحقيقها كبير العناية، فجمعت نسخها أينما كانت، وراعت فى تحقيقها المنهج العلمى الرصين، ووضعت معاير تمثل أفضل الممارسات المتبعة فى مجالات الفهرسة والحفظ والرقمنة والنشر الأكاديمى، وشاركت غيرها ممن يُعنى بالتراث الإسلامى فى حفظ هذا التراث وفهرسته ونشره، لم تتوان ولم تبخل فى تحقيق النص النبوى الشريف، فحفظت بذلك لهذا النص حرمته، لما تيقنت من عظم قيمته، فلم تكن كغيرها ممن استهان بالتراث الإسلامى، فغلَّب حب المال والصيت على إعطاء مصادر التشريع حقها من الضبط والعناية .

أيها الإخوة الكرام، لا ريب وأن النص الحديثى مرجع معرفى للحضارة العربية والإسلامية، وهو من أسس علوم الشريعة الإسلامية، فكانت العناية به ضبطًا وتحقيقًا تعد عناية بسائر العلوم الشرعية، فهذه هى الفتوى يمثل لها النص الحديثى أهم الأصول - بعد كتاب الله تعالى - لما عرف من أن الفتوى إنما تصدر عن مجتهد، ومن أسس الاجتهاد معرفة السنة النبوية، وإنما تتم معرفتها بتمام ضبط ألفاظها، ويظهر كبير أثر تحقيق اللفظ النبوى فى الإفتاء فى النوازل التى لم يسبق فيها للعلماء قول، فبناء الفتوى فيها إنما يكون على النص الشرعى أولا، ولا يتم ذلك إلا بتحقيق النص الحديثى بضبط ألفاطه.

ولقد علم كل مشتغل بالعلم الشرعى تأثير اللفظ فى الحكم، لا أقول الكلمة؛ بل الحرف، وليس حرف المعنى فقط؛ بل وحرف المبنى، فيتغير الحكم من حل إلى حرمة، ومن وجوب إلى ندب مع تغير اللفظ، ومن هنا يزيد ظهور أثر التحقيق المنهجى الرصين للنص الحديثى فى حكم تصرفات العباد التى ينبنى عليه صلاح أمور العبد فى الدنيا ونجاته فى الآخرة.

السادة الحضور، إننى لا أشك فى أن جمعية المكنز الإسلامى حين جعلت رسالتها دعم التراث الفكرى والثقافيه الإسلامى وحمايته ونشره بكل الطرق المناسبة، وحين وضعت مناهج التحقيق وقواعد التدقيق للنص الحديثى، وحين أدارت مشاريعها الرائدة الرائعة لإخراج النص النبوى مطبوعًا كان أو إلكترونيًا، حين فعلت ذلك كله كان قد استقر فى نفس القائمين عليها مدى تأثير ذلك فى سائر العلوم الشرعية؛ بل وفى صلاح الأمور الدنيوية.

أعلم ذلك مما أجده من جهودها فى خدمة النص الحديثى، وفى  تبنيها لمشروع السنه النبوية المشرفة، وفى جمعها نخبة الباحثين فى مجال الحديث الشريف والعلوم المتعلقة بتحقيقه، وإنما لا يقدر مثل هذه الجهود ولا يقاسى مثل هذا المجهود إلا مخلص فى أداء ما أقامه الله تعالى فيه، فأحسبه كذلك ولا أذكى على الله أحدا .

فكل الشكر والعرفان لجمعية المكنز الإسلامى على جهودها الحثيثة،كلٌ باسمه، وجميع مسؤوليها بدايةً من مولانا العلامة الشيخ على جمعة الأمين العام إلى أصغر باحث فى جمعية المكنز.

أشكركم جميعا، وأصلى وأسلم على سيدنا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرجو لمؤتمرنا هذا كل التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العودة لصفحة المؤتمر